ليبيا تترقب تحركات أممية للتسوية وسط مخاوف من تجدد الاقتتال

تساؤلات عن تدفق قوات روسية على شرق البلاد محملة بالأسلحة والمعدات العسكرية

لقاء سابق يجمع ستيفاني خوري ومندوب ليبيا بالأمم المتحدة (صفحة المندوب على إكس)
لقاء سابق يجمع ستيفاني خوري ومندوب ليبيا بالأمم المتحدة (صفحة المندوب على إكس)
TT

ليبيا تترقب تحركات أممية للتسوية وسط مخاوف من تجدد الاقتتال

لقاء سابق يجمع ستيفاني خوري ومندوب ليبيا بالأمم المتحدة (صفحة المندوب على إكس)
لقاء سابق يجمع ستيفاني خوري ومندوب ليبيا بالأمم المتحدة (صفحة المندوب على إكس)

وسط توتر مكتوم يسود العاصمة طرابلس، ينتظر الليبيون ماذا ستسفر عنه الأيام المقبلة لجهة إسناد الأمم المتحدة مهمة رئاسة بعثتها في البلاد إلى شخصية جديدة، خلفاً للمبعوث السابق عبد الله باتيلي، الذي استقال بشكل مفاجئ منتصف الأسبوع.

ومن المنتظر، وفقاً مصادر مطلعة، وصول الدبلوماسية الأميركية ستيفاني خوري إلى طرابلس الأسبوع المقبل، والتي سبق أن عينها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بداية مارس (آذار) الماضي، نائبة له للشؤون السياسية في بعثة الأمم المتحدة بليبيا.

والتقت خوري مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة السفير طاهر السني، الأربعاء الماضي، بعد إحاطة باتيلي، أمام مجلس الأمن الدولي (الثلاثاء)، وناقشا التحديات التي تواجه العملية السياسية، وجهود البعثة الأممية، وتقييم عملها خلال الفترة السابقة، بحسب السني.

باتيلي في إفادة أمام مجلس الأمن قبل تقديم استقالته (البعثة)

ولم يصدر قرار بعد من الأمم المتحدة لخوري بإدارة بعثتها في ليبيا بـ«الإنابة»، لكن الكثير من السياسيين الليبيين يعتقدون أن استقالة باتيلي جاءت «لإفساح الطريق» أمام الدبلوماسية الأميركية لتتولى تسوية النزاع السياسي وفق رؤية جديدة، متخوفين من توسيع ما سموه «الهيمنة الأميركية - الروسية على بلادهم».

وإذا كانت استقالة باتيلي عكست، بحسب متابعين، فشل جهود المصالحة بين الأطراف المتنافسين على السلطة، الذين اتهمهم بـ«تقسيم البلاد لخدمة مصالحهم»، فإنها تتيح لهم «التمترس بمناصبهم ومؤسساتهم»، مما يزيد أمد الانقسام السياسي، ويفتح الباب أمام استدعاء قوة التشكيلات المسلحة (غرباً)، وتوسيع التعاون بين الروس (شرقاً).

وخلال الأسبوعين الماضيين لم تتوقف التحشيدات العسكرية في غرب ليبيا، والإعلان عن «صفقات»، و«انحيازات جديدة» في صفوف الميليشيات المسلحة، وذلك على خلفية الفُرقة التي دبت بين الصديق الكبير، محافظ ليبيا المركزي، ورئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة عبد الحميد الدبيبة.

الباعور مستقبلاً المنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية بالبعثة الأممية في ليبيا جورجيت غانيون (البعثة الأممية)

وأمام مخاوف من تزايد التوتر والعودة للاقتتال في غرب البلاد، يتساءل الليبيون عن أسباب دخول فرقاطة روسية محملة بالأسلحة والمعدات العسكرية إلى ميناء الحريقة بشرق ليبيا، ثم خروج هذا العتاد إلى دولة أفريقية مجاورة، وفق وسائل إعلام محلية. ولم تعلق القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي، برئاسة المشير خليفة حفتر، على هذه الأنباء، لكنّ مصدراً عسكرياً بغرب ليبيا قال لـ«الشرق الأوسط» إن هذه التحركات الروسية والدفع بآليات وأسلحة وجنود تأتي في إطار «الفيلق الأفريقي»، الذي تستهدف منه موسكو زيادة نفوذها داخل دول أفريقية مجاورة لليبيا.

لكن على الرغم من ذلك، فإن البعثة الأممية تجري محادثات بواسطة الممثل الخاص للأمين العام، والمنسقة المقيمة، ومنسقة الشؤون الإنسانية في ليبيا، جورجيت غانيون، مع المكلف بتسيير شؤون وزارة الخارجية الطاهر الباعور، تناولت التقدم المحرز في تنفيذ الأولويات المشتركة، والخطوات التالية المدرجة في إطار الأمم المتحدة للتعاون من أجل التنمية المستدامة لليبيا.

وأوضحت غانيون على حسابها بمنصة «إكس» أنه تم خلال اللقاء «مناقشة تعزيز التعاون من أجل مبادرات التنمية المستدامة من خلال التوزيع الشفاف والعادل للموارد بين الليبيين كافة في جميع أنحاء البلاد». مؤكدة عزم البعثة على «مواصلة التنسيق مع الشركاء الليبيين والدوليين لتعزيز تأثيرنا المشترك».

في سياق قريب، بحث النائب بالمجلس الرئاسي، عبد الله اللافي، مع سفير إيطاليا لدى ليبيا، جانلوكا ألبيريني، تطورات العملية السياسية في ليبيا، وعدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك. وكذا التحديات التي تواجه مشروع «المصالحة الوطنية»، وسبل تعزيز الجهود المبذولة لإنجاحه، ومستجدات العملية السياسية في البلاد، في ظل استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا.

وفيما أكد اللافي على أهمية الدور الإيطالي في دعم الحل السلمي للأزمة في ليبيا، نقل المجلس الرئاسي عن السفير الإيطالي إشادته بـ«جهود المجلس الرئاسي في ملف المصالحة الوطنية»، وقال إن بلاده «تدعم جهود المجلس كافة في إعادة الثقة بين جميع الأطراف السياسية، وصولاً لتحقيق تطلعات الليبيين، والمحافظة على وحدة بلادهم واستقرارها».

وبات النزاع السياسي الليبي بلا أفق بعد استقالة باتيلي، الذي ندّد في إحاطته الأخيرة بـ«غياب الإرادة السياسية، وحسن النية لدى القادة الليبيين السعداء بالمأزق الحالي». لكنها لا تزال تلقي بظلالها على المشهد العام، وتطرح تساؤلات من قبيل: هل سيتم البدء في المسار السياسي من جديد؟ أم أن خوري ستكمل ما بدأه باتيلي؟

سالم الزادمة نائب رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب (صفحته الشخصية)

في هذا السياق، يعتقد سالم الزادمة، نائب رئيس الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب، أن باتيلي «أضاع فرصة مهمة على ليبيا بالنظر إلى أنه تولى مهمته في فترة سادها قدر من الاستقرار والتوافق الوطني»، وقال: «كان بإمكانه استكمال مسار التسوية السياسية من حيث توقفت، وأن يبتعد عن المحاباة والانحياز لأحد أطراف الصراع». ورأى الزادمة أن محاولة تجاهل باتيلي للحكومة الليبية (ذات الشرعية الوطنية) بوصفها طرفاً رئيسياً في التسوية السياسية وبناء الاستقرار، «كانت القشة التي قصمت ظهره».

ومنذ الإطاحة بنظام الرئيس الراحل القذافي، تشهد ليبيا فوضى عارمة، وتحكمها سلطتان تنفيذيتان متنافستان: واحدة في طرابلس (غرباً) بقيادة الدبيبة، والثانية في الشرق برئاسة أسامة حمّاد، وتحظى بدعم البرلمان وقائد «الجيش الوطني» في بنغازي (شرقاً).

وتتمتع خوري، بخبرة تتجاوز 30 عاماً في دعم العمليات السياسية، ومحادثات السلام والوساطة في حالات النزاع وما بعد النزاع، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، وفق البعثة الأممية. كما تتوفر على تجربة تفوق 15 عاماً من العمل مع الأمم المتحدة في العراق ولبنان وليبيا والسودان وسوريا واليمن. وشغلت مؤخراً منصب مديرة الشؤون السياسية في بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان.


مقالات ذات صلة

ليبيا: انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن

المشرق العربي 
من مخلفات اشتباكات عنيفة بين ميليشيات مسلحة وسط طرابلس (أ.ف.ب)

ليبيا: انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن

هزّت انفجارات ضخمة مدينة زليتن الساحلية، الواقعة غرب ليبيا، إثر انفجار مخزن للذخيرة، تملكه ميليشيا «كتيبة العيان»، وسط تضارب الروايات حول أسباب الحادث، الذي.

شمال افريقيا عملية ترحيل مهاجرين أفارقة من ليبيا إلى النيجر (جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية)

ما حقيقة طرد ليبيا مئات المهاجرين النيجريين إلى الصحراء؟

اشتكى مصدر ليبي مسؤول من أن «منطقة أغاديز بوسط النيجر أصبحت نقطة انطلاق ومحطة عبور لتهريب المهاجرين الراغبين في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية عبر بلده».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا انفجارات زليتن أعادت مطالبة الليبيين بإخلاء المناطق السكنية من التشكيلات المسلحة (أ.ف.ب)

انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن الساحلية الليبية

هزّت انفجارات ضخمة متتالية مدينة زليتن الساحلية بغرب ليبيا إثر انفجار مخزن للذخيرة تمتلكه ميليشيا «كتيبة العيان» بمنطقة كادوش، وسط تضارب الروايات.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا عناصر من شرطة جنوب أفريقيا (رويترز)

شرطة جنوب أفريقيا تعتقل 95 ليبياً بموقع يُشتبه بأنه قاعدة عسكرية

أعلنت شرطة جنوب أفريقيا اعتقال 95 ليبياً، الجمعة، في عملية دهم في مزرعة يبدو أنها حوّلت قاعدة للتدريب العسكري.

«الشرق الأوسط» (جوهانسبرغ)
شمال افريقيا هانيبال القذافي (أ.ف.ب)

مدافعون عن هانيبال القذافي يطالبون السلطات الليبية بـ«تدويل» قضيته

طالب ليبيون موالون لنظام الرئيس الراحل معمر القذافي (الخميس) سلطات بلادهم بـ«التحرك العاجل» لإطلاق سراح نجله هانيبال، المعتقل في لبنان منذ قرابة 9 سنوات.

جمال جوهر (القاهرة)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز