ما مغزى حديث نتنياهو عن «هامان مصر» قبيل اجتياح «رفح»؟

وسط تحذيرات القاهرة من تنفيذ العملية العسكرية

امرأة فلسطينية نزحت بسبب القصف الإسرائيلي على قطاع غزة تطبخ في مخيم الخيام المؤقت في منطقة المواصي (أ.ب)
امرأة فلسطينية نزحت بسبب القصف الإسرائيلي على قطاع غزة تطبخ في مخيم الخيام المؤقت في منطقة المواصي (أ.ب)
TT

ما مغزى حديث نتنياهو عن «هامان مصر» قبيل اجتياح «رفح»؟

امرأة فلسطينية نزحت بسبب القصف الإسرائيلي على قطاع غزة تطبخ في مخيم الخيام المؤقت في منطقة المواصي (أ.ب)
امرأة فلسطينية نزحت بسبب القصف الإسرائيلي على قطاع غزة تطبخ في مخيم الخيام المؤقت في منطقة المواصي (أ.ب)

أثار الاستخدام المتكرر من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لمصطلحات دينية وقصص توراتية، في سياق الصراع مع حركة «حماس» تساؤلات عدة حول مغزى التوظيف السياسي من جانب رئيس الحكومة الإسرائيلية للخطاب الديني في الصراع الراهن، وإذا ما كان الأمر يعكس «عقيدة دينية» لديه، أم محاولة لمغازلة قطاعات «اليهود المتشددين» في إسرائيل، والذين باتوا - بحسب متخصصين - «يمثلون كتلة تصويتية كبيرة في المشهد السياسي الإسرائيلي».

واستعار نتنياهو أخيراً في لقاء مع عناصر كتيبة «إيرز»، التابعة للشرطة العسكرية، بعض القصص التوراتية الخاصة بمواجهة «هامان» وزير فرعون في فترة خروج اليهود من مصر؛ لحث الجنود على القتال ضد حركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي خلال اللقاء: «نحن نحيي اليوم ذكرى (عيد المساخر)؛ إذ ظهرت قبل أكثر من 2000 عام شخصية (هامان الظالمة) المعادية للسامية، والتمس إزالة اليهود من على وجه الأرض، فنهض اليهود واتحدوا وحاربوا وانتصروا»، على حد قوله، وواصل: «سندخل إلى رفح وسنحقق النصر الحاسم وسنقضي على السنوار (في إشارة إلى زعيم حركة «حماس» في غزة، يحيى السنوار)، تماماً مثلما قضينا على هامان».

وحذرت مؤسسات عالمية ودول عدة، من بينها مصر، من خطورة إقدام إسرائيل على تنفيذ عملية عسكرية برية في مدينة رفح التي يتكدس فيها نحو 1.5 مليون فلسطيني معظمهم نزحوا إلى المدينة الملاصقة للحدود المصرية نتيجة استمرار الاستهداف الإسرائيلي المتواصل لجميع مناطق القطاع على مدى الأشهر الست الماضية، وأكدت القاهرة أن عواقب ذلك «ستكون وخيمة».

الدخان تصاعد في وقت سابق من البريج في قطاع غزة بعد قصف إسرائيلي (إ.ب.أ)

استدعاء متكرر

ولا يمثل هذا الاستدعاء للرموز الدينية استثناء في خطاب نتنياهو السياسي منذ اندلاع حرب غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؛ إذ حفلت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بالعديد من تلك الاستعارات الدينية، فقد استشهد في بداية الحرب بالتوراة، محفزاً جنود الاحتلال على القتال بعنف في غزة بقوله: «عليكم بتذكر ما فعله العماليق بالإسرائيليين، نحن نتذكر، ونحن نقاتل».

وقصة العماليق وردت في سفر التكوين بالتوراة، الذي تضمن آية تقول: «الآن اضربوا العماليق، دمروا تماماً كل ما يملكون لا تفلتوهم، اقتلوا الرجال والنساء، الرضع والمرضعات، العجول والخراف، الجمال والحمير».

كما وصف نتنياهو جنود الاحتلال بأنهم «جزء من إرث المحاربين اليهود الذي يعود تاريخه إلى 3000 عام منذ عهد يوشع بن نون»، قائلاً: «هدفهم واحد وهو دحر العدو القاتل، وضمان وجودنا في أرضنا».

هذا الاستخدام المكثف للرموز الدينية في الخطاب السياسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي، كان من بين الأدلة التي استندت إليها جنوب أفريقيا في اتهامها لإسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بـ«ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة»؛ إذ أشار الفريق القانوني الجنوب أفريقي خلال جلسة المحكمة في يناير (كانون الثاني) الماضي، إلى أن «خطابات المسؤولين الإسرائيليين تؤكد نية ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين»، وأشار حينها إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي استخدم الخطاب الديني لتبرير قتل المدنيين والأطفال في غزة.

فلسطينيون يسيرون في موقع الغارات الإسرائيلية على المنازل بمخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

دغدغة مشاعر

ورأت أستاذة الدراسات العبرية المقارنة بجامعة عين شمس في مصر، الدكتورة نهلة رحيل، أن استخدام رئيس الوزراء الإسرائيلي المتكرر للروايات التوراتية في تبرير أعمال قوات الاحتلال في الصراع مع الفلسطينيين يمثل «سمة معتادة في الخطاب السياسي لنتنياهو»، مؤكدة أن ذلك الخطاب «يحقق تأثيراً كبيراً في دغدغة مشاعر قطاع كبير من المتدينين في إسرائيل، عبر محاولة الربط بين العقيدة الدينية والدفاع عن إسرائيل».

وأضافت رحيل لـ«الشرق الأوسط» أن هذا التوظيف السياسي والعسكري للخطاب الديني لا يقتصر فقط على نتنياهو، بل هو «أمر معتاد في الذهنية الإسرائيلية»، لافتة إلى استعارة قوات الاحتلال لأسماء معارك توراتية وإطلاقها على ما يقوم به الجيش الإسرائيلي من عمليات سواء ضد الفلسطينيين أو ضد غيرهم، في محاولة لإكساب تلك العمليات بعداً دينياً وتاريخياً، و«إشارة إلى فكرة الصراع بين الخير والشر، وهو ما تراه من المبررات المعتادة تاريخياً لتبرير المذابح الدموية عبر الزمن».

لكن في المقابل، يرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، وسفير مصر سابقاً لدى إسرائيل، السفير حازم خيرت، أن شخصية نتنياهو «براغماتية ولا تتصف بالتدين»، لافتاً إلى أن استخدامه للرموز الدينية «ليس سوى وسيلة لاكتساب الشعبية في الشارع الذي باتت تهيمن عليه التيارات المتطرفة دينياً وسياسياً».

وأوضح خيرت لـ«الشرق الأوسط» أن رئيس الوزراء الإسرائيلي «فقد توازنه» في الفترة الأخيرة سواء نتيجة ضربة 7 أكتوبر، أو نتيجة فشله في الحسم العسكري للحرب، وهو ما يدفعه إلى استخدام كل الأدوات المتاحة لمغازلة الشارع الإسرائيلي الذي باتت تغلب عليه التيارات اليمينية المتطرفة، في مقابل تراجع دور وحضور الأحزاب العلمانية واليسارية التي كانت تمثل تاريخياً قُوى أقرب إلى الاعتدال، مثل حزبي «العمل» و«ميريتس».

مسعفون يفرغون جثث الفلسطينيين الذين قُتلوا في شمال قطاع غزة (أ.ب)

تغذية التطرف

وبالفعل، أفادت نتائج استطلاعي رأي نُشرت في تل أبيب، الشهر الماضي، بأن الجمهور اليهودي في إسرائيل «زاد تديناً وتطرفاً عن ذي قبل»، وذلك بعد هجوم «حماس» على البلدات اليهودية في غلاف غزة والحرب الانتقامية التي شنتها إسرائيل، والتي اتسمت بمشاهد قتالية قاسية.

من زاوية أخرى، يرى الدكتور محمود أبو الفضل، من علماء الأزهر في مصر، أن التوظيف المغلوط للرواية الدينية من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي «لا يعكس فقط حجم التطرف الذي يعبر عنه نتنياهو، بل يشير كذلك إلى القدرة على التلاعب والتلفيق»، مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن شخصية «هامان» الواردة في عدد من الكتب السماوية ومنها القرآن الكريم، «كانت إشارة إلى مساندة الظلم في اضطهاد الضعفاء»، وبالتالي فالقياس الحقيقي هو أن تكون المقارنة بين ما يمارسه نتنياهو من قتل للمدنيين الأبرياء واضطهاد للفلسطينيين وبين ما يمثله «هامان» من رمزية على الظلم والعدوان، وليس العكس.

وقد سلطت ورقة بحثية صادرة عن «المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، الضوء على دوافع توظيف نتنياهو، الدين في تصريحاته؛ إذ رصدت أنه اقتبس في عدة مناسبات فقرات من العهد القديم في سفر التثنية وسفر إشعياء، يشبّه فيها الجيش الإسرائيلي بأداة الرب في الأرض ليخلصها من «حماس». ولفتت الورقة ذاتها إلى التأثيرات السلبية الناتجة عن هذا التوظيف التوراتي، مؤكدة أنها «تؤدي إلى تغذية اليمين المتطرف في إسرائيل».


مقالات ذات صلة

عائلات جنود إسرائيليين تناشد نتنياهو إنهاء الحرب في غزة

المشرق العربي نتنياهو يلتقي مجندين في الجيش (إكس)

عائلات جنود إسرائيليين تناشد نتنياهو إنهاء الحرب في غزة

دعت مجموعة من عائلات الجنود الإسرائيليين الخميس رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب في قطاع غزة حفاظاً على حياة أبنائهم متّهمين إياه بإطالة أمد هذا النزاع

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
تحليل إخباري أشخاص يبحثون عن ممتلكاتهم وسط أنقاض مبانٍ مدمرة وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري «هدنة غزة»: حديث عن «تقدم» و«ضغوط» لتسريع الاتفاق

تحدثت واشنطن عن «تقدم» في المفاوضات وإمكانية أن يتم الاتفاق «قريباً جداً».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
المشرق العربي أكد لازاريني أن «الأونروا» تحظى بدعم مالي وسياسي قوي من السعودية (صور الأمم المتحدة) play-circle 01:02

لازاريني: متمسكون بالأمل ونتطلع لاستئناف الدعم الأميركي لـ«الأونروا»

تواجه وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تحديات غير مسبوقة، مع اقتراب موعد تنفيذ قرار الاحتلال الإسرائيلي منع عملها في الأراضي…

عبد الهادي حبتور (الرياض)
شمال افريقيا فلسطينيون يحملون جريحاً في موقع غارة جوية إسرائيلية على مأوى للنازحين وسط قطاع غزة (رويترز)

مشاورات «اليوم التالي» في غزة... مساعٍ مصرية للتوافق بين «فتح» و«حماس»

مشاورات «اليوم التالي» لحرب غزة عادت للقاهرة مجدداً، عقب تباين في وجهات النظر بين حركتي «حماس» و«فتح» التي تتولى السلطة، بشأن تشكيل «لجنة إدارة القطاع».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شؤون إقليمية آثار الدمار الواسع من جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ب)

إسرائيل تصنّف الضفة «ساحة رئيسية» للتهديدات

وسعت إسرائيل عمليتها في الضفة الغربية بعدما صنّفتها "ساحة رئيسية" في خريطة التهديدات، وقال وزير الدفاع إن الجيش يستعد للرد وفقاً لذلك.

كفاح زبون (رام الله)

الجيش السوداني يتقدم على جبهات القتال في ولاية الجزيرة

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

الجيش السوداني يتقدم على جبهات القتال في ولاية الجزيرة

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

واصل الجيش السوداني، الخميس، تقدمه في المعارك الدائرة في ولاية الجزيرة وسط السودان، وسيطر على بلدة «الشبارقة»، بعد انسحاب «قوات الدعم السريع»، وفق مصادر محلية.

وكانت البلدة أحد أبرز أهداف الجيش في هذه الجبهة، لأنها تمكنه من الناحية العسكرية من التقدم نحو عاصمة الولاية، مدينة ود مدني.

وحقق الجيش السوداني تقدماً كبيراً في جنوب الجزيرة، يوم الأربعاء، حيث سيطر بالكامل على مدينة «الحاج عبد الله»، وعدد من القرى المجاورة لها، فيما تحدث شهود عيان عن توغله في أكثر من قرية قريبة من ود مدني باتجاه الجنوب.

عناصر من «الدعم السريع» في منطقة قريبة من الخرطوم (رويترز)

وقالت «لجان المقاومة الشبارقة»، وهي تنظيم شعبي محلي، «إن القوات المسلحة بسطت سيطرتها الكاملة على البلدة بعد معارك طاحنة».

وأفادت في بيان على موقع «فيسبوك»، بأن الطيران الحربي التابع للجيش «لعب دوراً كبيراً في إسناد الهجوم البري، بتنفيذ ضربات جوية على مواقع قوات الدعم السريع لمنعها من التقدم».

ووفقاً للجان، فقد «استولت القوات المسلحة على كميات من الأسلحة والذخائر كانت مخبأة داخل المنازل في البلدة».

وأظهر مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، عناصر من قوات الجيش أمام لافتة على مدخل الشبارقة، فيما قالت مصادر أخرى، إن اشتباكات عنيفة سجلت بين قوات مشتركة من الميليشيات المسلحة المتحالفة مع الجيش ضد «قوات الدعم السريع» في الأجزاء الشرقية من بلدة «أم القرى» شرق الجزيرة، على بعد نحو 30 كيلومتراً من ود مدني.

وحسب المصادر، فإن القوات المهاجمة، تتقدمها ميليشيا «درع السودان» التي يقودها القائد المنشق عن «الدعم السريع» أبو عاقلة كيكل، فشلت في استعادة البلدة خلال المعارك الشرسة التي دارت الأربعاء.

وقال شهود عيان لــ«الشرق الأوسط»، إن المضادات الأرضية لقوات «الدعم السريع» تصدت لغارات جوية شنها الطيران الحربي للجيش على ارتكازاتها الرئيسية في وسط البلدة.

وتوجد قوات الجيش والفصائل التي تقاتل في صفوفه، على بعد عشرات الكيلومترات من مدينة ود مدني، لكن قوات «الدعم» لا تزال تنتشر بكثافة في كل المحاور المؤدية إلى عاصمة الولاية.

دورية لـ«الدعم السريع» في إحدى مناطق القتال بالسودان (رويترز)

ولم يصدر أي تصريح رسمي من «الدعم السريع»، التي يقودها محمد حمدان دقلو «حميدتي» بخصوص المعارك في ولاية الجزيرة التي جاءت بعد أشهر من التخطيط من قبل الجيش الذي شنّ هجوماً برياً يعد الأوسع والأعنف، وتمكن للمرة الأولى، من التوغل بعمق والسيطرة على عدد من المواقع التي كانت بقبضة «الدعم السريع».

ومنذ ديسمبر (كانون الأول) 2023، سيطرت قوات «الدعم» على 6 محليات في ولاية الجزيرة، ولم يتبق للجيش سوى محلية المناقل التي ما زالت تحت سيطرته، ويسعى عبر محورها لاستعادة الولاية كاملة.

ولكن رغم تقدم الجيش عسكرياً خلال الأشهر الماضية في وسط البلاد والخرطوم، لا تزال «الدعم السريع» تسيطر على معظم أنحاء العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة في وسط البلاد ومناطق شاسعة في إقليم دارفور، إضافة إلى جزء كبير من كردفان في الجنوب... وفي حال فرض الجيش سيطرته الكاملة على ولاية الجزيرة، فإنه بذلك سيحاصر «الدعم» في العاصمة الخرطوم من الناحية الجنوبية.

واندلعت الحرب منذ أكثر من 21 شهراً، وأدت إلى مقتل أكثر من 188 ألف شخص، وفرار أكثر من 10 ملايين من منازلهم.