المرأة الليبية... «مكتسبات نسبية» تكافح «الاستغلال السياسي»

في الاحتفال بـ«اليوم العالمي»

المبعوث الأممي حث جميع الأطراف الليبية المعنية على الاستثمار في المرأة لتسريع عجلة التقدم (البعثة الأممية)
المبعوث الأممي حث جميع الأطراف الليبية المعنية على الاستثمار في المرأة لتسريع عجلة التقدم (البعثة الأممية)
TT

المرأة الليبية... «مكتسبات نسبية» تكافح «الاستغلال السياسي»

المبعوث الأممي حث جميع الأطراف الليبية المعنية على الاستثمار في المرأة لتسريع عجلة التقدم (البعثة الأممية)
المبعوث الأممي حث جميع الأطراف الليبية المعنية على الاستثمار في المرأة لتسريع عجلة التقدم (البعثة الأممية)

عكست روايات مجموعة من الفتيات الليبيات في حديثهن للمنظمة الدولية للهجرة، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، قدراً هائلاً من الطموح والرغبة بالمشاركة الهادفة في بناء دولتهن، لكن تظل مسيرة المرأة في هذا البلد المنقسم حكومياً، تكتنفها «الصعوبات والاستغلال السياسي»، رغم ما حققته من مكتسبات نسبية في مجالات عدة.

وتروي عفراء الأشهب، وهي فنانة شابة من طرابلس العاصمة، قصتها خلال مشاركة المنظمة الدولية باحتفالات «اليوم العالمي»، الذي يصادف الثامن من مارس (آذار)، وتقول إنها تواجه تحديات هائلة تتعلق بالتنقل والحركة، لكن مع ذلك، وبفضل المنظمة أو بجهود خاصة منها، ترفض السماح لهذه العقبات بإعاقة شغفها.

غير أن التحديات التي تواجه سيدات ليبيا، واللاتي تكافحن من أجل تخطيها، تتجاوز ما روته عفراء وغيرها من الفتيات، وتبدو أكبر من مجرد عوائق التنقل أو تقييد الحركة، بالنظر إلى ما تعانيه أيضاً على المسار السياسي، حيث يتم الاعتماد عليهن فقط بوصفهن جزءاً مكملاً للصورة، بل وصل الأمر حد تصفيتهن في بعض الأحيان. وهنا ترى عضوة الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي، رانيا الصيد، أنه رغم ما حققته المرأة الليبية من إنجازات تتمثل في التحاقها بالسلطتين التشريعية والتنفيذية، فإنها «تظل تواجه معوقات وصعوبات تحدّ من مشاركتها بشكل أوسع في العملية السياسية».

رانيا الصيد عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي (الشرق الأوسط)

تقول الصيد، الحاصلة على دكتوراه في القانون الدولي، لـ«الشرق الأوسط»: «رغم ما حققته المرأة الليبية، ووصولها إلى منصب وزير خارجية، فإن ذلك لا يمحي الصورة النمطية للمجتمع، ونظرته القاصرة لإمكانيات النساء وقدرتهن على التغيير بفاعلية».

بدورها، قالت النائبة ربيعة أبو راص، لـ«الشرق الأوسط»، إن المرأة الليبية تطمح في أن تكون رائدة «في المجالات كافة»، مبرزة أن «المعوقات التي تواجهها كثيرة، سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية وتشريعية، وهذا ما يجعلها قوية في ظل هذه التحديات التي تواجهها، ويدفعها للعمل ليل نهار من أجل التغلب عليها».

وهنأت بعثة الاتحاد الأوروبي المرأة الليبية بمناسبة «اليوم العالمي»، وقالت إنها (المرأة) «تشكل عنصراً أساسياً وحيوياً في المجتمع الليبي النابض بالحياة»، ودعت إلى «الاستثمار معاً في دعم مشاركة المرأة من أجل تسريع وتيرة التقدم، وضمان مستقبل أكثر أماناً وازدهاراً».

كما أطلقت بعثة الأمم المتحدة، اليوم الجمعة، نداء لجميع النساء الليبيات، قائلة: «نريد أن نسمع كيف يمكن للأمم المتحدة أن تدعمك حتى تكون حقوق المرأة في ليبيا على أفضل وجه»، وخصصت لذلك رابطاً للمشاركات بآرائهن.

ربيعة أبو راص عضو مجلس النواب الليبي (الشرق الأوسط)

وأبدت البعثة الأممية تضامنها مع النساء في ليبيا؛ «تقديراً لصمودهن ومساهمتهن الثابتين في المجتمع»، ورأت أنه رغم «الانخراط الإيجابي للمرأة ومساهمتها المتكافئة في صنع القرار، ومشاركتها في العمليتين السياسية والاقتصادية، فإنها لا تزال تواجه تحديات جمّة».

وأبرزت البعثة، في بيان صحافي، اليوم الجمعة، أن النساء الليبيات «يأتين في طليعة ضحايا انعدام الأمن»، إلى جانب «معاناتهن الشديدة من الصعوبات الاقتصادية الحالية، الناجمة عن ارتفاع معدل التضخم الناجم عن تراجع سعر صرف الدينار الليبي، واستمرار حالة الانسداد السياسي، وسوء إدارة الموارد العامة».

وبالنظر إلى ما حققته على الأقل خلال العقد الماضي، رأت الصيد أن صوت المرأة الليبية اليوم «بات أعلى، ومطالبها أصبحت أوضح؛ لكننا نعاني من نظرة قصور اتجاه بعض النساء وجهلهن بحقوقهن، فضلاً عن استبعاد النساء القادرات سياسياً، ممن يتمتعن بالكفاءات والشهادات العلمية والخبرة، من المشاركة في العمل السياسي». ورأت أن «من يتم اختيارهن للقيادة والتنفيذ تنقصهن الخبرة والمهنية والكفاءة العلمية... وهذا الأمر له دلالة ومؤشر خطير، وهو استخدام المرأة في العمل السياسي، واستغلال نقص الخبرة والكفاءة لإضعافها والانتقاص من مكتسباتها ومكانتها».

أما «الحركة السياسية لنساء ليبيا» فقد حيّت في هذا اليوم نضال المرأة الفلسطينية، مسلطة الضوء على الوضع المأساوي الذي تعيشه، خصوصاً في قطاع غزة.

وتتميز المرأة الليبية بتاريخ طويل مع المعاناة؛ خصوصاً في سنوات العقد الماضي، التي تخللتها أعمال عنف وحروب واشتباكات، وكان من بينهن برلمانيات، وناشطات في العمل الحقوقي والاجتماعي، أبرزهن فريحة البركاوي، وانتصار الحصري، وسلوى بوقعيقيص، وانتهاء بعضو مجلس النواب سهام سرقيوة، التي خطفت من قلب منزلها في مدينة بنغازي منتصف يوليو (تموز) عام 2019، بعد ساعات من تصريحها بضرورة حقن الدماء ووقف حرب طرابلس.

واليوم، وبعد أكثر من 12 عاماً على «ثورة» 17 فبراير (شباط)، عبرت البعثة الأممية عن أسفها بالنظر إلى أن «القوانين الانتخابية التي تم اعتمادها فشلت في تلبية تطلعات المرأة إلى مشاركة سياسية هادفة على نحو كاف، ولا سيما في مجلس الشيوخ، حيث تم تخصيص 6 مقاعد فقط للنساء من أصل 90 مقعداً».

ودللت البعثة على رؤيتها بتقديرات البنك الدولي (2022)، وقالت إن مشاركة المرأة في القوى العاملة لا تزال محصورةً في 37 في المائة، مقارنة بـ64 في المائة للرجال، علماً بأن معدل البطالة بين النساء بلغ 25.4 في المائة، متجاوزاً بذلك المتوسط الوطني البالغ 19.3 في المائة. فيما أشارت دراسة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة سنة 2020 إلى أن النساء يحصلن عند توظيفهن على أجور أقل بثلاث مرات تقريباً من نظرائهن الرجال.

وكانت بوقعيقيص تعمل بالمحاماة، وهي تعد من أبرز المدافعات عن حقوق الإنسان في ليبيا، وشغلت منصب نائب رئيس اللجنة التحضيرية للحوار الوطني.

باتيلي ناشد المسؤولين الليبيين دعم المرأة «كي تؤدي دورها محركاً للتغيير الشامل في ليبيا» (البعثة)

وبشأن تعرض نساء ليبيات إلى «الاستغلال السياسي»، قالت الصيد إن النظم الانتخابية «أنتجت عناصر نسائية لم تكن لديهن أي كفاءة، وتم استغلال أصواتهن في المجالس التشريعية لصالح تيارات مختلفة، ففقدت المرأة خلال هذه التجربة مصداقيتها، وعطّلت إثبات ذاتها ووجودها السياسي».

ودعا المبعوث الأممي عبد الله باتيلي «جميع الأطراف الليبية المعنية إلى الاستثمار في المرأة، وتسريع عجلة التقدم»، كما حثهم على دعمها وتمكينها؛ «كي تؤدي دورها الأصيل بوصفها محركاً للتغيير الشامل للأوضاع في ليبيا».

وانتهى باتيلي إلى أن «الاستثمار في المرأة اليوم هو استثمار في مستقبل ليبيا وازدهارها ورفعتها. ومن خلال توفير فرص متكافئة للنساء، فإننا نطلق العنان لإمكاناتهن الكامنة، ونساهم في بناء مجتمع أكثر شمولاً وازدهاراً للجميع».


مقالات ذات صلة

لماذا تنتهي الاحتجاجات ضد «الوحدة» الليبية إلى «لا شيء»؟

تحليل إخباري جانب من احتجاجات مواطنين في طرابلس ضد حكومة الدبيبة بعد تصريحات المنقوش (أ.ف.ب)

لماذا تنتهي الاحتجاجات ضد «الوحدة» الليبية إلى «لا شيء»؟

شهدت بعض مناطق بغرب ليبيا مظاهرات متكررة بعضها جاء الأسبوع الماضي على خلفية اتهام حكومة «الوحدة» المؤقتة بـ«التطبيع مع إسرائيل».

جاكلين زاهر (القاهرة)
شمال افريقيا  القائم بأعمال سفارة أميركا خلال لقائه مع مسؤول المنطقة الحرة بمصراتة (القائم بالأعمال)

البعثة الأممية تدعو لـ«تحقيق فوري» في تعذيب محتجزين شرق ليبيا

دعت بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، اليوم الأربعاء، للتحقيق في «مقاطع فيديو متداولة، تُظهر تعذيب وسوء معاملة لعدد من المحتجزين في سجن قرنادة».

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا إردوغان مستقبلاً الدبيبة بالقصر الرئاسي في أنقرة (الرئاسة التركية)

إردوغان يبحث مستجدات الأزمة الليبية مع رئيس «الوحدة»

أجرى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مباحثات مع رئيس الحكومة الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، تناولت المستجدات في ليبيا، والعلاقات التركية - الليبية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شمال افريقيا ليبيون يصطفون انتظاراً للإدلاء بأصواتهم في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية نوفمبر الماضي (مفوضية الانتخابات)

ليبيا تترقب مرحلة ثانية من انتخابات محلية «أكثر تعقيداً»

يرجع متابعون أهمية خاصة لهذه الجولة الانتخابية كونها تستهدف «البلديات الأكبر وذات الأوزان السياسية المهمة وفي طليعتها طرابلس وبنغازي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا تدشين أولى رحلات الخطوط التركية بعد غياب دام سنوات (حكومة شرق ليبيا)

تركيا تواصل انفتاحها على شرق ليبيا بتدشين رحلات إلى بنغازي

دشنت وزارة الطيران المدني بحكومة شرق ليبيا وأعضاء بمجلس النواب وعدد من القيادات الأمنية والعسكرية مراسم عودة الرحلات الجوية بين تركيا وبنغازي بعد توقف دام سنوات

خالد محمود (القاهرة )

إردوغان يبحث مستجدات الأزمة الليبية مع رئيس «الوحدة»

إردوغان مستقبلاً الدبيبة بالقصر الرئاسي في أنقرة (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً الدبيبة بالقصر الرئاسي في أنقرة (الرئاسة التركية)
TT

إردوغان يبحث مستجدات الأزمة الليبية مع رئيس «الوحدة»

إردوغان مستقبلاً الدبيبة بالقصر الرئاسي في أنقرة (الرئاسة التركية)
إردوغان مستقبلاً الدبيبة بالقصر الرئاسي في أنقرة (الرئاسة التركية)

أجرى الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، مباحثات مع رئيس الحكومة الليبية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، الأربعاء، في القصر الرئاسي بالعاصمة أنقرة، تناولت المستجدات في ليبيا، والعلاقات التركية - الليبية، وسبل تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، فضلاً عن التعاون في المجالات الأمنية والعسكرية. بالإضافة إلى التطورات الإقليمية والدولية.

واستقبل إردوغان الدبيبة بالقصر الرئاسي، بحضور وزير الخارجية، هاكان فيدان، ورئيس المخابرات، إبراهيم كالين. وخلال اللقاء أكد إردوغان دعم تركيا لجهود ليبيا في مختلف الصعد، مشدداً على أهمية تعزيز التعاون بين البلدين في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية.

من جهته، شدد الدبيبة على أهمية الزيارة في «تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع تركيا»، مؤكداً أن التعاون الثنائي «سيكون محورياً» في تحقيق التنمية المستدامة في ليبيا، معرباً عن تقدير الحكومة «للدعم التركي في مجالات عدّة، خصوصاً في المجالات السياسية والاقتصادية».

ورافق الدبيبة خلال زيارته إلى تركيا وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية وليد اللافي، الذي شارك في المناقشات حول تعزيز قنوات التواصل بين البلدين في إطار الدبلوماسية الفعالة.

وتدعم تركيا حكومة الدبيبة في غرب ليبيا، عسكرياً، وتنشر قوات وقواعد عسكرية هناك منذ عام 2020، وتتعاون معها في مجال الطاقة، وغيرها من المجالات، كما بدأت في الفترة الأخيرة خطوات للتقارب مع شرق ليبيا، وأعلنت دعمها مساعي إجراء الانتخابات، وتوحيد ليبيا تحت قيادة حكومة واحدة.

جانب من مباحثات إردوغان والدبيبة بحضور وزير الخارجية ورئيس المخابرات التركيين (الرئاسة التركية)

وجاءت مباحثات إردوغان والدبيبة، بعد يوم واحد فقط من استئناف الخطوط الجوية التركية، الثلاثاء، رحلاتها بين إسطنبول ومطار بينينا في بنغازي بشرق ليبيا بعد توقف 10 سنوات.

وكان رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، قد أجرى مباحثات مع السفير التركي في طرابلس جوفن بيغتش، الاثنين. وقال بيان لمجلس النواب الليبي إن صالح التقى السفير التركي في مدينة القبة بشرق ليبيا، تناولت العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين.