هل غيّرت الأمم المتحدة استراتيجيتها تجاه الأزمة الليبية؟

بعد تعيين الأميركية ستيفاني خوري نائباً لباتيلي

الأميركية ستيفاني خوري نائب المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا (البعثة الأممية)
الأميركية ستيفاني خوري نائب المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا (البعثة الأممية)
TT

هل غيّرت الأمم المتحدة استراتيجيتها تجاه الأزمة الليبية؟

الأميركية ستيفاني خوري نائب المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا (البعثة الأممية)
الأميركية ستيفاني خوري نائب المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا (البعثة الأممية)

تتزاحم رؤى عديد من السياسيين في ليبيا، لتفسير الغرض من تعيين الأميركية ستيفاني خوري، نائباً للمبعوث الأممي الخاص إلى البلاد عبد الله باتيلي، وسط تساؤلات حول ما إذا كان هذا التعيين يمثل تغيراً في استراتيجية المنظمة الأممية تجاه الأزمة الليبية، أم أنه يكرّس لجهود باتيلي ودعمه.

ويأتي قرار الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بتعيين خوري نائباً للممثل الخاص للشؤون السياسية بالبعثة الأممية، في وقت تتعرّض فيه الأخيرة ورئيسها لانتقادات حادة من بعض الأطراف في البلد المنقسم سياسياً.

وأمام تباين في آراء السياسيين، وصف رئيس حزب «صوت الشعب» الليبي، فتحي عمر الشبلي، تعيين خوري، بأن الأمم المتحدة بهذا التعيين «زادت من تمكين الولايات المتحدة للسيطرة على (الورقة الليبية) بالكامل»، معتقداً بأن خوري ستحل محل باتيلي بعد أشهر عدة».

ستيفاني وليامز المستشارة الخاصة السابقة للأمين العام بالبعثة الأممية إلى ليبيا (البعثة الأممية)

وخوري ليست الأميركية الوحيدة في البعثة، فقد سبقتها ستيفاني وليامز، التي شغلت منصب المستشارة الخاصة للأمين العام بالبعثة، وانتهت مهمتها في نهاية يوليو (تموز) 2022، بعد قرابة 8 أشهر، وسط إشادة أممية بعملها الذي وصفته بـ«المذهل».

وقال الشبلي، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، إنه «لا يعتقد بأن الأمم المتحدة غيّرت من استراتيجيها تجاه الأزمة الليبية، لكن تعيين خوري، هو عمل ممنهج ومقصود من الولايات المتحدة، على اعتبار أنها تسيطر على الموقف السياسي في ليبيا».

وعلى الرغم من أن الشبلي، قال إن خوري «لها تاريخ من العمل في مناطق صراع عديدة»، ووصفها بأنها «من الشخصيات التي تؤمن بخط الإدارة الأميركية الحالية»، فإنه رأى أن «تعيينها سيزيد الموقف في ليبيا تعقيداً، كما سيؤكد سيطرة بلدها على الملف الليبي في ظل الغياب الكامل للدورَين الروسي والصيني».

وتحلّ خوري في هذا المنصب، وخلفها «أكثر من 30 عاماً من الخبرة في دعم العمليات السياسية، ومحادثات السلام والوساطة في حالات النزاع وما بعد النزاع، بما في ذلك في منطقة الشرق الأوسط»، بحسب البعثة الأممية.

كما أنها صاحبة تجربة تفوق 15 عاماً من العمل مع الأمم المتحدة في العراق ولبنان وليبيا والسودان وسوريا واليمن. وشغلت أخيراً منصب مدير الشؤون السياسية في بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان.

ووسط انتقادات حادة للمبعوث الأممي، يعدّ الأخير أن «الهدف الأساسي للبعثة هو دعم الأطراف الليبية لتحقيق الاستقرار من خلال تسوية سياسية سلمية»، مؤكداً أن «السبيل إلى الخروج من الأزمة يستلزم حل جميع المسائل التي حالت دون إجراء الانتخابات في عام 2021 من خلال المفاوضات والتوافق على تسوية سياسية بين الأطراف المؤسسية الرئيسية.

عبد الله باتيلي المبعوث الأممي في لقاء سابق مع نشطاء من جنوب ليبيا (البعثة الأممية)

ويحث المبعوث باتيلي منذ نهاية العام الماضي، الأطراف المؤسسية الليبية كافة على المشاركة في الحوار دون شروط مسبقة، وجمع ما أطلق عليهم «الخمسة الكبار» على طاولة الحوار. وهم: القائد العام لـ«الجيش الوطني» خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، بالإضافة إلى محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، إلى جانب محمد تكالة رئيس المجلس الأعلى للدولة.

والسنغالي باتيلي، الذي تسلّم مهام عمله في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) 2022، تعدّه حكومة «الاستقرار» المكلفة من مجلس النواب بقيادة أسامة حمّاد، «منحازاً» لغريمتها في طرابلس برئاسة عبد الحميد الدبيبة، لكن الأول يقول إن «التهجم على شخصه ليس أمراً مهماً».

ويتابع باتيلي: «ما يهم هو أن تتحمل الأطراف كافة مسؤوليتها التاريخية، وأن يلبوا مطلب الشعب الليبي في تشكيل حكومة موحدة جديدة دون تأخير». مبدياً تطلعه بالعمل مع خوري؛ للدفع بالعملية السياسية في ليبيا قُدماً.

وكان 57 حزباً سياسياً ليبياً، عدّت أن أداء البعثة «صار يفقد زخمه وتأثيره رغم محاولاتها المتواضعة لإيجاد مَخرج للانسداد السياسي في ليبيا»، وبينما رأت هذه الأحزاب أن ذلك ينذر بعواقب وخيمة حال استمرارها بدرجة الأداء الحالية نفسها، طالب ممثلوها الأمين العام للأمم المتحدة بتطوير ورفع مستوى أداء البعثة الأممية إلى ليبيا بما يتلاءم مع حجم التحديات التي تواجهها البلاد.

غير أن باتيلي، رأى في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي منتصف فبراير (شباط) الماضي، «ضرورة تفادي انزلاق ليبيا إلى هوة التفكيك كما يُستشرف من خلال عديد من الدلائل المفزعة»، وهنا يرى سياسيون ليبيون أن البعثة الأممية أرادت «مساندة باتيلي بشخصية قوية، مثل خوري، بقصد دعم المسار الديمقراطي الذي ينتهي بعقد الانتخابات العامة في أقرب الآجال».

وشدد باتيلي على أن «ثمة حاجة ماسة وعاجلة إلى اتفاق سياسي بين أصحاب الشأن الرئيسيين؛ لتشكيل حكومة موحّدة تسير بالبلاد نحو الانتخابات»، ومضى قائلاً: «أخاطب فيهم حسهم بالواجب الأخلاقي، أن يشرعوا في التفاوض من أجل إيجاد توافق يعيد الكرامة لبلدهم الأم».

ويرى المحلل السياسي الليبي إدريس إحميد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن باتيلي «لديه خطة مدعومة من الولايات المتحدة تستهدف إيجاد حل للأزمة الليبية، وربما يكون تعيين خوري من أجل تنفيذ هذه الخطة، في ظل جود صراع أميركي - روسي متزايد في البلاد».


مقالات ذات صلة

السلطات الليبية تعتقل 90 مهاجراً قبل تهريبهم إلى أوروبا

شمال افريقيا من عملية ضبط مهاجرين في صبراتة قبل تهريبهم إلى أوروبا (مديرية أمن صبراتة)

السلطات الليبية تعتقل 90 مهاجراً قبل تهريبهم إلى أوروبا

عثرت السلطات الأمنية في مدينة صبراتة الليبية على «وكر» يضم 90 مهاجراً غير نظامي، تديره إحدى عصابات الاتجار بالبشر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا صورة أرشيفية للقاء تكالة مع القائمة بالبعثة الأممية (البعثة)

تصاعد أزمة «الدولة» الليبي بعد إعلان تكالة فوزه

تصاعدت أزمة النزاع على رئاسة المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، اليوم الثلاثاء، بعد إعلان رئيسه السابق محمد تكالة فوزه مجدداً برئاسته، وسط اعتراض خالد المشري.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا احتجاج سابق لمرضي ضمور العضلات أمام مقر الحكومة بطرابلس (رابطة مرضى ضمور العضلات في ليبيا)

ليبيا: ضحايا «ضمور العضلات» يشكون التجاهل وبطء العلاج

يطالب مرضى ضمور العضلات في ليبيا بإنشاء مستشفى متخصص لخدمتهم، ووحدات رعاية بالمستشفيات الكبرى في البلاد.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا ضجة «إلزامية الحجاب» في ليبيا... تعارض دستوري وصمت حكومي

ضجة «إلزامية الحجاب» في ليبيا... تعارض دستوري وصمت حكومي

يرصد محللون ليبيون عقبات دستورية وقانونية وسياسية محتملة تعترض تفعيل ما ذهب إليه الطرابلسي، بخصوص فرض الحجاب على طالبات المدارس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا طائرة تابعة للخطوط الجوية الليبية قيد الصيانة في مايو الماضي (الصفحة الرسمية للشركة)

الديون والأعطال والرواتب... أزمات متراكمة تحاصر شركات الطيران الليبية

قدّر تقرير حديث صادر عن هيئة الرقابة الإدارية في ليبيا إجمالي ديون «الخطوط الليبية» بنحو 1.12 مليار دينار؛ لعدة أسباب، من بينها انخفاض عدد الطائرات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

السودان: معارك الفاشر مستمرة... وطرفا الحرب يزعمان التفوق

مدينة الفاشر السودانية تعاني وضعاً إنسانياً متدهوراً (أ.ب)
مدينة الفاشر السودانية تعاني وضعاً إنسانياً متدهوراً (أ.ب)
TT

السودان: معارك الفاشر مستمرة... وطرفا الحرب يزعمان التفوق

مدينة الفاشر السودانية تعاني وضعاً إنسانياً متدهوراً (أ.ب)
مدينة الفاشر السودانية تعاني وضعاً إنسانياً متدهوراً (أ.ب)

تضاربت الأنباء حول المعارك المستمرة في مدينة الفاشر الاستراتيجية بولاية شمال دارفور بالسودان، في ظل مزاعم طرفي الحرب بالتفوق، وفي حين تحدثت منصات تابعة لـ«قوات الدعم السريع» عن تحقيق تقدم كبير والاستيلاء على أحياء في المدينة، ينفي مسؤولون بالجيش السوداني والقوات المتحالفة معه الأمر، ويقولون إنهم يتصدون لهجمات «المتمردين» ويلحقون بهم «خسائر فادحة».

وحاضرة ولاية شمال دارفور، الفاشر، هي المدينة الكبيرة الوحيدة من إقليم دارفور المتبقية تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية والقوات الحليفة لها، وذلك بعدما سيطرت «الدعم السريع» منذ أشهر على المدن والفرق العسكرية التابعة للجيش في ولايات الإقليم الأربع (غرب، جنوب، وسط، شرق دارفور).

ومنذ أبريل (نيسان) 2023، يخوض الجيش السوداني و«الدعم السريع» حرباً واسعةً بدأت في الخرطوم، وامتدت لتشمل أنحاء البلاد كافة تقريباً، ما تسبب في موجة نزوح غير مسبوقة، وفجّر أزمة إنسانية وتفشياً للأمراض والجوع.

وتقاتل «الدعم» بقوة للاستيلاء على الفاشر التي تعني السيطرة على دارفور، الذي تحده أربع دول غرباً وجنوباً هي: ليبيا، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وولايات كردفان والشمالية من جهة الشرق والشمال.

«الدعم» يفرض حصاراً

وقال شاهد عيان لـ«الشرق الأوسط» إن «قوات الدعم السريع» حققت «اختراقات كبيرة» على حساب الجيش وحلفائه في القوات المشتركة، يوم الجمعة الماضي، وإنها «دخلت إلى سوق المدينة الكبير، وواصلت قصف تمركزات القوات المدافعة وقيادة الفرقة السادسة (التابعة للجيش)، مع اشتباكات متفرقة وعمليات كر وفر لاختراق الدفاعات».

وأكد الشاهد أن «(الدعم السريع) لا تزال تتمركز في المحور الشرقي للمدينة وأطراف سوق المدينة الكبير الشرقية، وتنتشر بكثافة في أحياء الجبل، والمصانع، والصفا، والجامعة، وحجر قد، القريبة من مقر قيادة الفرقة السادسة التابعة للجيش».

وقال شاهد آخر قريب من القتال إن القوات المهاجمة فرضت حصاراً مشدداً على المدينة، ولم تترك سوى منفذ خروج واحد باتجاه معسكر «زمزم للنازحين»، وتابع: «أعداد كبيرة من المستنفرين خرجوا عبره، ومن يخرج لا مجال لعودته».

سوق مدمرة في مدينة الفاشر عاصمة ولاية دارفور جراء المعارك (أرشيفية - أ.ف.ب)

وأشار الشاهد إلى تفشي حالة من عدم الثقة بين «المستنفرين والقوات المشتركة، وبين القوات المشتركة نفسها، وبين المستنفرين وقيادة الفرقة السادسة»، وسط تبادل لاتهامات «الخيانة» وعدم عدالة توزيع الإمداد العسكري والمؤن والأموال.

«الجيش يدافع»

لكن الناطق الرسمي باسم قوات «حركة العدل والمساواة السودانية» الحليفة للجيش، العميد حامد حجر، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «التمرد (يقصد الدعم السريع) يعتبر الفاشر هدفاً سياسياً مُهماً، لذلك يسعى بإصرار للاستيلاء عليها لتنفيذ مخططه في تقسيم السودان على غرار النموذج الليبي أو اليمني»، وأضاف: «قواتنا أفشلت مخططه (أي الدعم) وحلفائه الإقليميين للاستيلاء على المنطقة الغنية بثرواتها الزراعية والمعدنية والبشرية».

ووفقاً لحجر، فإن «الجيش والقوات المشتركة ظلا يدافعان عن الفاشر بشراسة، وخاضا أكثر من 151 معركة مع قوات (التمرد) منذ اندلاع الحرب، أفلحت في الحيلولة دون بسط سيطرته على المدينة».

وتكونت «القوات المشتركة» من حركات مسلحة وقعت اتفاق جوبا لسلام السودان، وأبرزها «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة جبريل إبراهيم، التي التزمت الحياد طويلاً، قبل أن تقرر الانحياز للقتال مع الجيش في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وتفرض «قوات الدعم السريع» منذ أبريل (نيسان) الماضي حصاراً محكماً على الفاشر من الجهات كافة، وعادة فإن قيادة الجيش في بورتسودان تلجأ لعمليات «الإسقاط الجوي» لتزويد القوات المحاصرة بالذخائر والمؤن والأسلحة.

وأدى الحصار الطويل والقتال المستمر والقصف المدفعي المتبادل لأزمة إنسانية كبيرة، واضطر مئات الآلاف للنزوح من المدينة المقدر عدد سكانها بنحو 1.8 مليون، ومعظمهم نازحون سابقون من حرب دارفور الأولى 2003.

تسبب اندلاع القتال في الفاشر في نزوح مئات الآلاف إلى المحليات الآمنة شمال الولاية (أ.ف.ب)

ووفقاً لحجر، فإن «قوةً كبيرةً جداً تدافع عن الفاشر، تتكون من الفرقة السادسة التابعة للجيش، والقوات التي انسحبت من مدن زالنجي، والجنينة، والضعين، ونيالا، إضافة للقوات المشتركة وآلاف المستنفرين»، ويضيف: «هذه القوة الكبيرة صعبت مهمة التمرد، وأفشلت استيلاءه على الفاشر، في أكثر من 151 معركة معه».

وقلل حجر من هجمات «قوات الدعم السريع»، ووصفها بـ«محاولات اقتحام يائسة»، وتابع: «تكتيكات دفاعنا تقوم على فتح ممرات تكتيكية للقوات المهاجمة، خصوصاً من الطريق المار قرب السوق الكبير إلى المناطق الشرقية، حيث حواضنهم الاجتماعية، واستدراجهم إلى مناطق يتم كسر هجومهم فيها».

وفي المحور الجنوبي، قال حجر إن «الجنجويد (تسمية يطلقها مناوئو الدعم عليها) تسللوا، الثلاثاء، من الجهة الجنوبية بحشود كبيرة، ودارت معركة كبيرة استطاعت قواته صد القوات المهاجمة، وكبدتها خسائر فادحة في العتاد والأفراد»، وأضاف: «تكتيكات (الجنجويد) تتمثل في التسلل عبر الأحياء المدنية، وقصف الأعيان المدنية ومنازل المواطنين».