السودان: «اعتماد» الشهادات الجامعية معاناة تثير غضب الخريجين

يقطعون آلاف الكيلومترات إلى بورتسودان للحصول على ختم الوزارة

ساحل بورتسودان (وزارة السياحة في بورتسودان)
ساحل بورتسودان (وزارة السياحة في بورتسودان)
TT

السودان: «اعتماد» الشهادات الجامعية معاناة تثير غضب الخريجين

ساحل بورتسودان (وزارة السياحة في بورتسودان)
ساحل بورتسودان (وزارة السياحة في بورتسودان)

يقف المئات من خريجي الجامعات تحت لهيب شمس بورتسودان الحارقة، في «طوابير متعرجة»، وينتظرون أكثر من 6 ساعات أمام نافذة واحدة لتوثيق «اعتماد» شهادات تخرجهم الجامعية من الدائرة المعنية في وزارة التعليم العالي... بعضهم يرافقه أولياء الأمور القادمون من مختلف ولايات البلاد، بينما يحمل بعض النساء أطفالهن الذين يثير صراخهم ضجة كبيرة في المكان.

وتشترط السلطات السودانية للتصديق على الشهادات، اعتماد «أختام» الجامعات من قبل وزارة التعليم العالي. ولمن يرغبون في تقديمها للسفارات من أجل العمل بالخارج، يستلزم اعتماد وزارة الخارجية لخاتم وتوقيع وزارة التعليم العالي، ثم تعتمد السفارة المعنية خاتم وتوقيع وزارة الخارجية، لتصبح معتمدة لدى البلد المعني.

خيمة لإيواء الخريجين (الشرق الأوسط)

المار حول المكان، يرى وجوهاً يكسوها التعب والإرهاق، بل يمكن أن يصادف حالات إغماء بسبب ضربات الشمس والتعب، لا سيما وسط الخريجات، بينما قد يستوقفه صوت بكاء الأطفال المرافقين لأمهاتهم الخريجات، فالجميع ينتظر في الشارع العام، قبل إدخالهم «الصالة» لبدء إجراءات الاعتماد و«توثيق الشهادات»، بعد دفع رسوم تبلغ 8 آلاف جنيه سوداني، أي ما يوازي نحو 8 دولارات أميركية.

وقالت سمية محمد لـ«الشرق الأوسط»، إنها جاءت من ولاية نهر النيل - تبعد نحو 700 كيلومتر - بعد رحلة برية شاقة استغرقت أكثر من 10 ساعات بسبب رداءة الطرق، وتابعت: «في اليوم التالي مباشرة، ذهبت إلى مقر الوزارة، لكنهم أبلغوني بأن الأمر يتطلب تسجيل اسمي في يوم آخر، ثم أعود في اليوم التالي، وهأنذا أنتظر من الصباح الباكر، وقد بلغت الساعة الآن الثانية والنصف ظهراً، وبعد كل هذا التعب، طلبوا من الجميع الحضور غداً»، وأضافت: «جئت برفقة خالي دون وضع حسابات للبقاء في بورتسودان لأكثر من 3 أيام، وأخشى أن يطول الأمر، ونحن لا نملك المال الكافي لذلك».

سمية محمد إحدى الخريجات تشرح معاناتها (الشرق الأوسط)

ووصل أحمد آدم إلى بورتسودان من ولاية سنار، قاطعاً مسافة طولها 1100 كيلومتر تقريباً، في رحلة استمرت يومين على طريق محفوفة بالمخاطر، ويضطر المسافرون في بعض أجزائه، إلى سلوك طرق غير معبدة تجنباً للمناطق التي يسيطر عليها «الدعم السريع».

ويقول أحمد آدم باستياء، إنه وعند وصوله إلى مكان التوثيق، وجد أمامه طابوراً طويلاً من الخريجين، يمتد من داخل المكتب حتى الشارع العام، ويضيف: «نحن نقف ساعات طويلة في مكان مزدحم يقل فيه الأكسجين، ما يسبب للكثيرين ضيقاً في التنفس، بينما يتصبب عرقهم غزيراً».

ومن داخل المبنى المخصص لتوثيق الشهادات، قال موظف طلب حجب اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن عدد طالبي توثيق الشهادات يصل أحياناً إلى 6 آلاف في اليوم، و«بعض الخريجين يحضرون منذ الرابعة صباحاً ويقفون في النافذة»، واصفاً الإجراء بأنه «مرهق مادياً وبدنياً»، وحضّ السلطات على فتح نوافذ توثيق في ولايات أخرى آمنة، للتخفيف عن المواطنين، وتقليل عناء السفر الطويل.

تحول المكان إلى «سوق» تضج ببائعي الشاي والماء (الشرق الأوسط)

أما الخريجة عائشة أحمد من ولاية القضارف فقد قطعت أكثر من 780 كيلومتراً، لمجرد أنها تريد وضع ختم على شهادتها الجامعية، وقالت: «الوضع غير مهيأ لاستقبال هذا العدد الكبير من طالبي التوثيق، وكان على وزارة التعليم العالي توفير مقاعد ليجلس الناس عليها»، وتابعت: «لا يمكن أن يقف الخريجون على أقدامهم، أو يجلسوا على الأرض لساعات طويلة، وهم ينتظرون دورهم في خيمة صغيرة لا تقيهم أشعة الشمس الحارة».

ونتيجة للزحام، تحول المكان إلى «سوق» تضج ببائعي الشاي والماء. ويقول حامد ولّي، وهو بائع شاي اختار مكاناً قريباً لنافذة التوثيق ليقدم للناس خدمته: «أحضر في الصباح الباكر، وأعدّ عدّتي لبيع الشاي والقهوة».

يقدم ولّي، خدمة القهوة والشاي بسعر 300 جنيه للكوب الواحد، ويستفيد من الإعياء والإرهاق الذي يعانيه الخريجون، في تأجير مقاعد بلدية لهم بمبلغ 300 جنيه هو الآخر، ويتابع ولّي: «سوقي محدودة بالساعة الثانية ظهراً، أجمع عدة الشاي والقهوة والمقاعد على وجه السرعة، ولا أستجيب لرجاءات الموجودين بالانتظار حتى نهاية الدوام الرسمي في الساعة الثالثة، حين تغلق النافذة، فموعد عملي ينتهي الساعة الثانية بالضبط ولا أزيد».


مقالات ذات صلة

مشاورات مستمرة في «نيروبي» لتكوين أكبر جبهة مدنية سودانية

شمال افريقيا حمدوك رئيس تنسيقية «تقدم» (فيسبوك)

مشاورات مستمرة في «نيروبي» لتكوين أكبر جبهة مدنية سودانية

«مهما اتسعت رقعة الخلافات يمكن التوصل لتفاهمات مشتركة تسهل من التوصل لاتفاق بين القوى السودانية بمختلف تكويناتها السياسية والعسكرية والمدنية»...

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا من عمليات التنظيف في المدينة (الدفاع المدني )

حملة تعقيم واسعة لمخلفات الحرب في مدينة ود مدني السودانية

المدينة أصبحت خالية من التلوث البيئي، وتم التأكد من ذلك بواسطة الأجهزة عالية الدقة والجودة التي استخدمتها الفرق الفنية خلال عمليات التعقيم.

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا العملة السودانية (مواقع التواصل)

أوراق النقد الجديدة في السودان «سلاح حرب» يثقل كاهل المدنيين

أثار عجز المصارف عن توفير ما يكفي من أوراق النقد الجديدة احتجاجات أمام المكاتب الحكومية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي سودانيون يتسلمون الطعام في موقع أنشأته منظمة إنسانية محلية للتبرع بالوجبات والأدوية للنازحين جراء الحرب في مدينة مروي السودانية (أ.ف.ب)

واحد من كل 3 أطفال في السودان يواجه سوء التغذية الحاد

قال «برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة»، اليوم (الأحد)، إن طفلاً واحداً من كل 3 يواجه سوء التغذية الحاد في السودان، وهو ما يجعل البلاد على شفا مجاعة.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا أعمدة الدخان تتصاعد خلال اشتباكات بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في الخرطوم (رويترز)

السودان: هجمات لـ«الدعم السريع» تقطع الكهرباء عن معظم مناطق سيطرة الجيش

قال مسؤولون حكوميون وسكان إن الكهرباء انقطعت عن معظم المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوداني بعد هجمات لـ«قوات الدعم السريع» على محطات توليد الكهرباء.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

«الجنائية الدولية» تصدر مذكرة توقيف بحق آمر جهاز الشرطة القضائية في ليبيا

مبنى محكمة العدل الدولية (رويترز)
مبنى محكمة العدل الدولية (رويترز)
TT

«الجنائية الدولية» تصدر مذكرة توقيف بحق آمر جهاز الشرطة القضائية في ليبيا

مبنى محكمة العدل الدولية (رويترز)
مبنى محكمة العدل الدولية (رويترز)

أعلنت المحكمة الجنائية الدولية، اليوم (الأربعاء)، أنها أصدرت مذكّرة توقيف بحق آمر جهاز الشرطة القضائية في ليبيا، أسامة نجيم، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».

وكانت السلطات الإيطالية أوقفت المشتبه به في تورينو (شمال)، الأحد، لكنها عادت وأخلت سبيله الثلاثاء «من دون إشعار مسبق أو استشارة المحكمة»، وفق ما جاء في بيان للمحكمة التي تتّخذ مقراً في لاهاي.

في بيانها لفتت المحكمة إلى أنه «في 18 يناير (كانون الثاني) 2025، أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية بالأغلبية مذكرة توقيف بحق أسامة المصري نجيم».

ويعتقد أن نجيم هو مدير مركز احتجاز معيتيقة في طرابلس، وهو ملاحق بتهم تشمل القتل والاغتصاب والعنف الجنسي والتعذيب، مرتكبة منذ 15 فبراير (شباط) 2015.

ويعتقد أن الجرائم ارتُكبت بحق معتقلين بسبب ديانتهم أو «لسلوك غير أخلاقي» أو لتأييدهم أو انتمائهم لفصائل مسلّحة أخرى، وفق الجنائية الدولية.

نجيم اعتُقل الأحد في أحد فنادق تورينو، بناء على مذكّرة للإنتربول.
ولفت بيان المحكمة إلى أنه «من دون إشعار مسبق أو استشارة المحكمة، أخلي سبيل أسامة نجيم وأعيد إلى ليبيا».