مصريون يترقبون تأثير «المشروعات الضخمة» للحكومة على الغلاء

شكاوى متزايدة من ارتفاع أسعار السلع

الإقبال على الشراء في منطقة العتبة بوسط القاهرة أصبح ضعيفاً بسبب الغلاء (تصوير: عبد الفتاح فرج)
الإقبال على الشراء في منطقة العتبة بوسط القاهرة أصبح ضعيفاً بسبب الغلاء (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصريون يترقبون تأثير «المشروعات الضخمة» للحكومة على الغلاء

الإقبال على الشراء في منطقة العتبة بوسط القاهرة أصبح ضعيفاً بسبب الغلاء (تصوير: عبد الفتاح فرج)
الإقبال على الشراء في منطقة العتبة بوسط القاهرة أصبح ضعيفاً بسبب الغلاء (تصوير: عبد الفتاح فرج)

عقب إعلان الحكومة المصرية، الجمعة، عن «مشروعات ضخمة» و«صفقة كبرى»، يترقب المصريون تأثير هذه «الصفقة الكبرى» على الغلاء، وسط شكاوى متزايدة من ارتفاع الأسعار في البلاد.

وتحت عنوان «مصر والإمارات... شراكة من أجل التنمية - رأس الحكمة»، شهد رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، الجمعة، مراسم التوقيع على ما وصفه بـ«أكبر صفقة استثمار مباشر»، وأكد مدبولي، في مؤتمر صحافي عقب التوقيع، أن صفقة رأس الحكمة «ستتضمن استثماراً أجنبياً مباشراً بقيمة 35 مليار دولار خلال شهرين، وأن هذه الصفقة تتم في إطار قوانين الاستثمار المصرية».

عزيزة بكر، وهي سيدة أربعينية وأم لثلاثة أطفال، وتقطن في محافظة الجيزة، لم تفهم ما تناقلته وسائل الإعلام، خلال يومي الخميس والجمعة، عن «الصفقة الكبرى»، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنها «سمعت أن الصفقة ستدخل لمصر دولارات»، على حد وصفها. وتساءلت عن تأثير «الصفقة» على الأسعار التي تواصل الارتفاع. وأشارت إلى أن ما يعنيها هو «انخفاض أسعار الغذاء»، حيث إن دخل الأسرة لم يعد يكفي الاحتياجات الأساسية.

أما جمعة محمد، وهو موظف ثلاثيني وأب لطفلين، ويقطن في محافظة المنوفية (دلتا مصر)، فأعرب عن تفاؤله بالصفقة. وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «سمع عن مليارات الدولارات التي ستدخل البلاد، ما سيؤثر على الأسعار»، لكنه في الوقت نفسه أبدى مخاوفه من ألا يحدث ذلك سريعاً.

مصريون يأملون في انخفاض الأسعار (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وتشهد مصر موجة غلاء وسط تباين سعري الدولار بين السوق الرسمية و«السوق الموازية»، وأظهرت بيانات البنك المركزي المصري انخفاض معدل التضخم الأساسي، الذي يستثني الوقود وبعض السلع الغذائية متقلبة الأسعار، إلى 29 بالمائة على أساس سنوي في يناير (كانون ثاني) الماضي، مقارنة بـ34.2 بالمائة في ديسمبر (كانون الأول). لكن ذلك لم يحد من شكوى المصريين من الغلاء، مؤكدين «تصاعد الأسعار بشكل شبه يومي».

وللدولار الأميركي سعران في مصر، أحدهما رسمي في البنوك يقدر بـ30.9 جنيه للدولار، لكنه غير متاح توافره بسهولة، والآخر في «السوق السوداء»، ويقدر بأكثر من 60 جنيهاً، وفق وسائل إعلام محلية.

كانت مدينة رأس الحكمة قد شغلت الرأي العام المصري منذ نهاية الشهر الماضي مع تداول أنباء عن الصفقة لم تؤكدها الحكومة وقتها، وسط مخاوف من أن «تتضمن الصفقة بيعاً لأراض مصرية». وشدد رئيس الوزراء المصري على أن مشروع مدينة رأس الحكمة هو «شراكة وليس بيع أصول»، مشيراً إلى أن مصر ستحصل على «35 في المائة من أرباح المشروع»، متوقعاً أن «يحقق المشروع الاستقرار النقدي للبلاد، ويساهم في كبح جماح التضخم والقضاء على السوق الموازية للدولار».

ولفت مدبولي إلى أن استثمارات المشروع سوف تقسم إلى «دفعتين، الأولى 15 ملياراً خلال أسبوع، والثانية 20 ملياراً، وأنه سيتم استخدام 11 مليار دولار ممثلة في ودائع الإمارات، تخصم من الدين الخارجي للدولة مع إتاحتها كسيولة للبنك المركزي لاستخدامها في التعامل مع مشكلة النقد الأجنبي».

وتحتاج مصر إلى نحو 25 أو 30 مليار دولار خلال العام الحالي حتى تسد الفجوة الدولارية، وسط شح حاد في العملة الأميركية ومصادرها، آخرها تراجع عائدات قناة السويس، التي قدرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال مؤتمر «مصر الدولي للبترول» الأسبوع الماضي، بأنها «تراجعت بنسبة 40 أو 50 في المائة خلال العام الجاري».

ويرى الخبير الاقتصادي وأستاذ التمويل والاستثمار، الدكتور مصطفى بدرة، في الصفقة وتوقيت إعلانها «عدة اعتبارات في غاية الأهمية»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الصفقة تعد شهادة ثقة كبيرة من مستثمر استراتيجي عالمي في الاقتصاد المصري، كما أن دخولها سيكون لها مردود كبير على الوضع الاقتصادي في مصر».

وأكد بدرة أن «الصفقة ستسهم في تحسين قيمة الجنيه أمام الدولار، كما ستسهم في إنهاء أزمة تكدس البضائع في الموانئ، في ظل توفير الدولار، ما ستكون له انعكاسات فعلية على الأسعار». وتوقع أن يعمد التجار إلى «تخفيض الأسعار لبيع ما لديهم من منتجات حتى يتمكنوا من استيراد غيرها»، لافتاً إلى أن «الصفقة ستزيد من فرص العمل وتدفع لمزيد من الاستثمارات في السوق المصرية».

في السياق، احتفى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، مصطفى بكري، بالصفقة، وكتب في منشور عبر حسابه على «إكس»، أن «هذه الصفقات تساعد على وضع حد للسوق الموازية للعملات الصعبة، وتدعم مسيرة الاقتصاد المصري». وأضاف بكري، الجمعة: «خلال أيام قليلة وقبل شهر رمضان ستتدفق إلى مصر مبالغ من العملة الصعبة ستساعد في التخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية».

كان الإعلامي المصري، أحمد موسى، قد قال في منشور على «إكس»، مساء الخميس، إن هذه الاستثمارات «ستدر أموالاً على البلاد، وتفتح فرص عمل وتنعكس على مسارات التنمية».

في حين أعربت السيدة عزيزة بكر عن سعادتها بمليارات الدولارات التي ستدخل البلاد، فإنها «تنتظر تأثيرها على الأسواق»، معربة عن أملها في أن «تصدق التوقعات بشأن انخفاض الأسعار».


مقالات ذات صلة

مصر: إحالة أوراق «سفاح التجمع» إلى المفتي تمهيداً لإعدامه

شمال افريقيا المتهم داخل القفص خلال جلسة محاكمته في جلسة سابقة (الشرق الأوسط)

مصر: إحالة أوراق «سفاح التجمع» إلى المفتي تمهيداً لإعدامه

أحالت محكمة «الجنايات المستأنفة» في مصر، الخميس، أوراق المتهم كريم محمد سليم، المعروف إعلامياً بـ«سفاح التجمع»، إلى مفتي الديار المصرية لأخذ الرأي في إعدامه.

أحمد عدلي (القاهرة)
شمال افريقيا أحد السائحين الناجين في حادث غرق المركب السياحي «سي ستوري» خلال إنقاذه (المتحدث العسكري للقوات المسلحة المصرية)

مصر تواصل البحث عن 7 مفقودين في حادث «مركب البحر الأحمر»

لليوم الثالث على التوالي، تواصلت عمليات البحث والإنقاذ عن 7 مفقودين في حادث غرق المركب السياحي «سي ستوري»، قبالة سواحل مدينة مرسى علم بمحافظة البحر الأحمر.

محمد عجم (القاهرة)
العالم العربي خلال لقاء سابق بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال قمة في القاهرة 27 ديسمبر 2023 (رويترز)

الرئيس المصري وملك الأردن يؤكدان ضرورة الوقف الفوري للحرب على غزة

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، اليوم الأربعاء، ضرورة الوقف الفوري للحرب الإسرائيلية على غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا عبد المجيد صقر القائد العام للقوات المسلحة المصرية وزير الدفاع والإنتاج الحربي (متداولة)

قائد الجيش المصري يتفقد جاهزية الوحدات العسكرية «المخطط إشراكها بإحدى مهام الاتحاد الأفريقي»

قال بيان للمتحدث العسكري باسم القوات المسلحة المصرية، إن قائد الجيش المصري تفقد جاهزية الوحدات العسكرية «المخطط إشراكها بإحدى مهام الاتحاد الأفريقي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا رجل يُلوح بعلم لبنان في مدينة صيدا في حين يتجه النازحون إلى منازلهم بعد سريان وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» (أ.ف.ب)

مصر ترحب بوقف إطلاق النار في لبنان

أفاد بيان لوزارة الخارجية المصرية، الأربعاء، بأن القاهرة تُرحب بوقف إطلاق النار في لبنان، مشيرة إلى أنه «سيسهم في بدء مرحلة خفض التصعيد بالمنطقة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

وزير خارجية فرنسا: الأزمة الإنسانية في السودان الأكبر في زمننا

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (رويترز)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (رويترز)
TT

وزير خارجية فرنسا: الأزمة الإنسانية في السودان الأكبر في زمننا

وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (رويترز)
وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (رويترز)

في أول جولة أفريقية له منذ تعيينه في منصبه أواخر شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، اختار وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو ثلاث محطات، أولاها تشاد، تليها أثيوبيا، وتنتهي في السنغال. وقال باور، في تسجيل فيديو على موقع وزارته الرسمي، إنه يتوجه الى تشاد بداية «من أجل محادثات مع السلطات التشادية، وأيضاً من أجل الالتقاء باللاجئين السودانيين» في هذا البلد. وعدّ بارو أن «الأزمة الإنسانية التي أفضى إليها النزاع السوداني تعد الكبرى في زمننا» من حيث إنها أدت إلى نزوح ما لا يقل عن 13 مليون شخص، فيما 25 مليوناً آخرون يعانون من سوء التغذية، وأن لها الأولوية في جولته الأفريقية الراهنة.

وأضاف الوزير الفرنسي أن أحد أهداف زيارته عنوانه «التثبت من أن التزامات المشاركين في مؤتمر باريس لمساعدة السودان، الذي عقد في شهر أبريل (نيسان) الماضي، وأسفر عن وعود بتقديم ملياري دولار، يتم تنفيذه». وبالفعل، فإن الوزير الفرنسي انتقل إلى الحدود المشتركة بين السودان وتشاد، حيث تتمركز غالبية اللاجئين السودانيين هرباً من الحرب الدائرة في بلادهم.

مع اللاجئين في مخيم أدري

ومن مدينة أدري التشادية، التي زارها برفقة نظيره التشادي عبد الرحمن غلام الله، حيث مخيمات اللاجئين، حثّ جان نويل بارو طرفي النزاع في السودان على وقف الأعمال القتالية والدخول في مفاوضات. والأهم من ذلك أنه دعا «القوى الخارجية المتحالفة مع المتحاربين إلى التوقف عن صبّ الزيت على النار»، لكن من غير الدخول في لعبة الأسماء، واتهام دول بعينها بالتدخل في الحرب الأهلية الدموية الدائرة في السودان، التي لا يرى أحد اليوم كيف ومتى سوف تنتهي.

صورة جوية لملاجئ مؤقتة بأدري في تشاد للسودانيين الذين فرّوا من الصراع بدارفور (رويترز)

وقالت مصادر فرنسية إن باريس «تشعر بالأسى» لأنها بذلت جهوداً كبرى من أجل جمع الأسرة الدولية مرتين لمدّ يد المساعدة للسودان، المرة الأولى خلال المرحلة الانتقالية. والمرة الثانية في الربيع الماضي. والحال أن هذه الجهود ذهبت سدى. وتأسف باريس لأن حرب السودان لم تجتذب تدخلات دول بعينها فقط، وإنما مرتزقة يساهمون بها طمعاً بثروات باطن الأرض السودانية، وخصوصاً الذهب. وأعلن بارو، الخميس، أن باريس سوف «تخصص 7 ملايين يورو إضافية لدعم نشاط الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في مكافحة الكوليرا ودعم النساء والأطفال» في تشاد. وتريد باريس من زيارة الوزير لمخيمات اللاجئين إظهار أنها «تفي بوعودها» إزاء مأساة هؤلاء.

تشاد في الحياد

وإزاء الاتهامات التي تساق ضد تشاد بأنها تسمح بتمرير السلاح إلى المتحاربين في السودان، أكد وزير خارجيتها أن بلاده «تلتزم الحياد التام» في هذا الصراع. مضيفاً، كما نقلت عنه وكالات الأنباء، أن بلاده «لديها مصلحة في البقاء على الحياد قدر الإمكان» في هذه الحرب. وأفادت مصادر فرنسية أن هذه النقطة خاصة كانت موضوع بحث بين وزيري خارجية البلدين. ولفرنسا قواعد عسكرية في تشاد، تعززت بعد انسحاب قواتها من مالي والنيجر وبوركينافاسو، عقب الانقلابات التي شهدتها هذه الدول في الأعوام الثلاثة الأخيرة. وتخطط باريس لإعادة النظر في انتشار قواتها في منطقة الساحل وخليج غينيا.

رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي سيلتقي الوزير الفرنسي في الأيام المقبلة (إ.ب.أ)

ومن جانب آخر، أفادت المصادر الفرنسية أن حرب السودان ستكون أحد المواضيع التي سيبحثها وزير الخارجية مع موسى فكي محمد، رئيس لجنة الاتحاد الأفريقي، الذي سيلتقيه في أديس أبابا. ويعبّر المسؤولون الفرنسيون عن تراجع الاهتمام الدولي بالحرب في السودان، حيث يُقدر عدد القتلى بـ150 ألفاً، فيما ربع سكان هذا البلد اضطروا للنزوح أو اللجوء، فيما الأوبئة والمجاعة والمجازر المتنقلة تفتك بالمدنيين.

حرب اجتماعية عشائرية

وفي مجموعة من التقارير، خصصتها لحرب السودان خلال الشهر الحالي، سعت صحيفة «لو موند» الفرنسية المستقلة إلى إلقاء الضوء على ما يجري في هذا البلد منذ 18 شهراً. وكتبت في أول تقاريرها أن العوامل الدافعة وراء هذه الحرب اجتماعية من جانب، ولكنها عشائرية وعرقية أيضاً. وتضيف أن «الأطراف الخارجية تستغل الصراع، وتؤججه وتنفخ في أواره بسبب التنافسات الدولية التي تغذيها الأطماع بأصول وثروات البلاد». ويضيف التقرير أن السودان هو «أحد أكبر منتجي الذهب في أفريقيا، ولديه ساحل طويل على البحر الأحمر، وهو بوابة رئيسية للتجارة العالمية». وبالتالي فإن العديد من الدول لديها طموحات، وترى في دعم هذا الطرف أو ذاك خدمة لمصالحها. من هنا، تعدّ الصحيفة أن نداءات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية تبقى دون صدى، فيما الأسرة الدولية أو على الأقل الدول القادرة من بينها، تكتفي ببعض الدعم المالي والاستجابة للحاجات الإنسانية. ورغم فائدة وضرورة وأهمية كل ذلك، فإنه لن يفضي إلى وقف الحرب، ومعها الفظائع المرتكبة خلالها، وهو الأمر المؤسف حقاً.