أسعار البن تُعكِّر «مزاج المصريين»

نكات ساخرة في «السوشيال ميديا»... ومستهلكون غيَّروا عاداتهم

ارتفاع أسعار القهوة في مصر «يعكِّر المزاج» (تصوير: عبد الفتاح فرج)
ارتفاع أسعار القهوة في مصر «يعكِّر المزاج» (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

أسعار البن تُعكِّر «مزاج المصريين»

ارتفاع أسعار القهوة في مصر «يعكِّر المزاج» (تصوير: عبد الفتاح فرج)
ارتفاع أسعار القهوة في مصر «يعكِّر المزاج» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

اعتاد الطبيب الأربعيني محمود طلعت أن يخرج من منزله ويتوجه إلى مقهى متخصص في إعداد القهوة الأميركية، قبل توجهه للمستشفى، إلا أنه مع ارتفاع الأسعار تنازل تدريجياً عن هذا الطقس اليومي. لكن طلعت أكد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يستطع التنازل عن فنجان القهوة الذي يصفه بأنه «يضبط المزاج»، فبات يحصل عليه بسعر أقل من الأكشاك أو السيارات المنتشرة في شوارع القاهرة.

ومع ارتفاع الأسعار باطّراد، استبدل طلعت بهذا الطقس إعداد القهوة في منزله، واحتساءها قبل النزول للعمل، بعدما حلَّقت أسعار البن بعيداً، ليبلغ سعر الكيلوغرام من بعض أنواعه الفاخرة 900 جنيه مصري (السعر الرسمي للدولار الأميركي نحو 31 جنيهاً مصرياً، بينما يبلغ في السوق الموازية نحو 60 جنيهاً وفق وسائل إعلام محلية).

وارتبطت القهوة عموماً بحياة المصريين، فمادة «الكافيين» الموجودة فيها لا تقوم بمهمة التنبيه فقط، وإنما لها وظيفة طقوسية في حياتهم اليومية، فهي حالة استثنائية لبداية يوم العمل، وأحياناً تكون بمثابة طقس لاستقبال الحياة.

وعدَّت تقارير إعلامية وصول سعر بعض أصناف البن الفاخرة إلى 900 جنيه للكيلوغرام الواحد «ارتفاعاً جنونياً»، وعزا نائب رئيس شعبة البن باتحاد الغرف التجارية المصرية، محمد نظمي، هذا الارتفاع، إلى أسباب عدة، موضحاً في مداخلة متلفزة، مساء الاثنين، أن «هذا الارتفاع ليس في مصر فقط؛ بل هو ظاهرة عالمية»، لافتاً إلى تأثير المناخ على المحاصيل في العالم كله. كما لم يستبعد تأثير أحداث التوتر الأمني في البحر الأحمر على مصروفات الشحن، مذكراً بأنه «منذ عام يزداد سعر البن كل شهر تقريباً».

ويوضح نظمي أن أسعار البن في السوق المصرية تبدأ من 240 جنيهاً للكيلوغرام، وتصل إلى أكثر من 400 جنيه. بينما تفيد تقارير نشرتها وسائل إعلام محلية بأن أسعار «البن المحوج» (الفاخر) تصل إلى 940 جنيهاً للكيلوغرام.

ويبدو أن سعر البن ليس هو الوحيد الذي يغير عادات المستهلكين ويعكر مزاجهم في مصر، إذ يشير رئيس جمعية «مواطنون ضد الغلاء» محمود العسقلاني، إلى أن «كل ما هو مرتبط بمزاج المصريين ارتفع بشكل خرافي»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «البن الذي كان بـ100 جنيه أصبح بـ900 جنيه، والشاي أيضاً أصبح غالياً، والسكّر طبعاً، وكذلك السجائر. كل هذه السلع ارتفعت أسعارها؛ بل وتختفي من الأسواق في بعض الأحيان».

لكن العسقلاني يلفت إلى الدور الذي يلعبه بعض التجار والمحتكرين في تعميق أزمات الأسعار، إذ يقول إن «المشكلة أن هذه السلع تسيطر عليها مجموعة من التجار، يرفعون السلع وفقاً لأسعار الدولار في (السوق السوداء)، وهذه جريمة في حق البلد والمواطنين، فضلاً عن تأثيرها السلبي على مزاج المصريين».

وللقهوة ميراث وافر في وجدان المصريين وذاكرتهم؛ حيث ذكر الأديب المصري الراحل جمال الغيطاني في كتابه «ملامح القاهرة في ألف عام» كيف دخلت القهوة إلى البلاد مع الطلبة اليمنيين الذين درسوا في الأزهر الشريف قبل خمسة قرون، معرّجاً على احتفاء المصريين بهذا المشروب الداكن، وتخصيصهم أماكن لتناوله عُرفت بالمقاهي، وظلت طويلاً جزءاً حيوياً من النسيج الاجتماعي والثقافي للبلاد.

لكن رئيس شعبة البن بالغرفة التجارية بالقاهرة، حسن فوزي، يرجع الارتفاع المتوالي في أسعار البن إلى ثلاثة عوامل رئيسية: أولها سعر الدولار في «السوق السوداء»، والارتباط بالبورصة العالمية، وزيادة أسعار نولون الشحن بمعدل الضعف. وتستورد مصر 100 في المائة من احتياجاتها من البن من الخارج، ما يتراوح بين 70 و80 ألف طن، بتكلفة سنوية تصل إلى 345 مليون دولار، وفق ما أكد فوزي في تصريحات صحافية.

ويتم الاحتفال باليوم العالمي للقهوة في أول أكتوبر (تشرين الأول)، وذكرت تقارير عن إدارة الغذاء والدواء الأميركية، أن ملايين الأشخاص يعتمدون على تناول القهوة للانتباه والتركيز، مع الإشارة إلى أن تناول ما يصل إلى 400 ملّيغرام من القهوة في اليوم، ما يعادل 4 أكواب من القهوة، يعدّ معدلاً آمناً للبالغين الأصحاء.

وكما هو معتاد، فقد تصدرت الشكاوى والنكات الساخرة من ارتفاع سعر البن بعض تفاعلات «السوشيال ميديا» المصرية. ومن بين أبرز النكات الساخرة من هذا الارتفاع انتشرت دعابة لقيت اهتماماً من متفاعلين، تقول: «بعد أن وصل سعر كيلو البن إلى 500 جنيه، لا نقول: نحتسي القهوة؛ بل نقول: نتعاطاها».

كما يتم تداول النكات حول علاقة القهوة بالإبداع، ومنها أن «شخصاً قال لأحد المثقفين إنه يريد أن يكون مثقفاً، وإنه يشرب القهوة لهذا الغرض لكنها لا تأتي بنتيجة، فيرد عليه المثقف قائلاً: لكي تكون مثقفاً لا يجب أن تشرب القهوة، ولكن عليك أن تحتسيها».

وعلّق مستخدمون لمنصة «إكس» على ارتفاع أسعار البن، ومنهم صاحب حساب باسم «أحمد طحانة» الذي نشر خبر ارتفاع السعر وكتب حواراً متخيلاً مع أحد المسؤولين: «سعر البن مش هينزل يا ريس؟» ليرد المسؤول: «ينزل يروح فين في البرد ده؟»، معلقاً: «إذن، هي التغيرات المناخية».

وتشهد مصر حالة من ارتفاع أسعار السلع، وسط تباين سعر الدولار بين السوق الرسمية والسوق الموازية، ورغم أن تقارير رسمية ذكرت أن المعدل السنوي للتضخم في مصر تراجع إلى 29.8 في المائة خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، مقارنة بـ33.7 في المائة خلال ديسمبر (كانون الأول) 2023، فإن الأسعار ما زالت تتصاعد، وفق ما يقول المصريون في وسائل الإعلام والمنتديات.


مقالات ذات صلة

كيف تؤثر القهوة على معدتك وجهازك الهضمي؟

صحتك القهوة لها فوائد كبيرة على بكتيريا الأمعاء المفيدة (إ.ب.أ)

كيف تؤثر القهوة على معدتك وجهازك الهضمي؟

لا يقتصر دور فنجان القهوة الصباحي على إيقاظك وإمدادك بالطاقة والنشاط، بل إنه قد يؤثر أيضاً بشكل إيجابي على معدتك، وفقاً لمجموعة متزايدة من الأبحاث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد حبوب بُن بعد التحميص (رويترز)

تراجع إنتاج أكبر منتج لـبُن «روبوستا» في العالم يهدد بزيادة أسعار القهوة عالمياً

اتجهت الأنظار إلى فيتنام، بعد ارتفاع أسعار بُن «روبوستا» في بورصة لندن إلى أعلى مستوياتها خلال 16 عاماً؛ وذلك لأنها أكبر منتج في العالم لـبُن «روبوستا».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك يأخذ دين ليانو استراحة لشرب الماء مع ارتفاع الحرارة في لاس فيغاس 6 يونيو 2024 (أ.ب)

كيف يؤثر ارتفاع درجات الحرارة على جسمك وما النصائح لتبريده؟

مع ارتفاع درجات الحرارة، إليك أبرز العوارض التي تسببها الحرارة الشديدة وأبرز النصائح لتبريد الجسم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق العامل الوراثي يلعب دوراً في المدة التي يبقيك فيها الكافيين منتبهاً (أرشيفية - رويترز)

ما أفضل وقت لتناول القهوة؟

سلّط الباحثون الضوء على إيجابيات وسلبيات تأخير تناول الكافيين خلال اليوم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك القهوة هي أكثر المشروبات ذات التأثير النفساني استهلاكاً على نطاق واسع في العالم (رويترز)

«العلاقة عكسية»... دراسة تكشف سر القهوة في الوقاية من «باركنسون»

يبدو أن هناك شيئاً يتعلق بالكافيين ومكوناته يحمي أدمغة الناس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز