انتشار الكوليرا في السودان أكبر من الرصد

مسؤولون ومواطنون تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» عن المصاعب الوبائية

TT

انتشار الكوليرا في السودان أكبر من الرصد

مرضى يتلقون العلاج مطلع الشهر الحالي في مستشفى القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)
مرضى يتلقون العلاج مطلع الشهر الحالي في مستشفى القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)

يهدد انتشار مرض الكوليرا في أجزاء واسعة من السودان حياة الملايين، خصوصاً أنه يأتي مواكباً لتدهور كبير في النظام الصحي بالبلاد منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» قبل أشهر. ويعتقد أطباء ومسؤولون بالقطاع الصحي تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» أن «عدد الإصابات بالكوليرا (أكبر بكثير) من الحالات المبلغ عنها، فضلاً عن صعوبات رصد العدد الحقيقي جراء تدهور المرافق الصحية السودانية».

وتسببت الاشتباكات المستمرة بين طرفي الحرب في خروج أكثر من 90 في المائة من المستشفيات والمرافق الصحية في كل ولايات السودان، على الرغم من جهود المنظمات الدولية في تقديم المساعدات الطبية والأدوية في ظروف أمنية بالغة التعقيد.

وتقول مديرة الاستجابة في «إدارة الطوارئ الصحية ومكافحة الأوبئة» في وزارة الصحة (الاتحادية) السودانية، د. ليلي حمد النيل لـ«الشرق الأوسط»، إن «عدد الإصابات (المسجلة) بالكوليرا تجاوزت أكثر من 9600 حالة، أسفرت عن 267 حالة وفاة». ومشيرة إلى أن «ولاية البحر الأحمر (شرق البلاد) ظلت تسجل إصابات مرتفعة».

وشرحت المسؤولة الحكومية أن «الكوليرا تنتشر في 10 ولايات بالبلاد وهي (البحر الأحمر، والخرطوم، والجزيرة، والقضارف، وسنار، وكسلا، والنيل الأبيض، والنيل الأزرق، ونهر النيل، والشمالية).

وعلى الرغم من اعتماد قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، على مدينة بورتسودان بوصفها عاصمة بديلة للخرطوم في إدارة شؤون البلاد، فإنها تشهد كذلك تفشياً للكوليرا.

وبحسب تقارير السلطات الصحية، استوطن مرض الكوليرا في معظم ولايات السودان، ويتسبب سنوياً في حصد أرواح المئات من المواطنين، وخصوصاً خلال أشهر الخريف التي تنتشر فيها الوبائيات.

وتحدث مقيمون في مدينة بورتسودان إلى «الشرق الأوسط» عن «الأوضاع البيئية الصعبة في مدينتهم»، وقالوا إنه «تنذر بكارثة صحية قد تؤدي إلى زيادة انتشار كبير للوبائيات». وربط بعضهم تفشي الكوليرا في بورتسودان بـ«نزوح أعداد كبيرة جراء المعارك في العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة (وسط البلاد)». ورأوا أن «مئات الآلاف من النازحين يشكلون مصدر ضغط إضافياً ويتسببون في تراكم النفايات المنزلية، وبالتالي زيادة التلوث لعدم قدرة السلطات على إزالة النفايات من الأحياء السكنية والطرقات».

أحمد عوض الكريم، وهو سوداني يقطن ضاحية السلالاب التابعة لمدينة بورتسودان، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «هناك ارتفاعاً كبيراً في ظهور أعراض يرجح أنها تعبر عن الإصابة بالكوليرا بين سكان منطقته، والتي تتمثل في الإسهال المائي، والآلام في البطن».

ودعا الكريم السلطات الصحية إلى «اتخاذ إجراءات وقائية وتكثيف مكافحة الأوبئة عبر حملات الرش التي تساهم في القضاء على نواقل الأمراض وسط السكان».

ويهدد استمرار الحرب بين الجيش و«الدعم السريع» بمزيد من موجات النزوح المستمرة للمواطنين من مناطق الاشتباكات، وبالتالي نقل مزيد من الأمراض والأوبئة.

وتشير إحصائيات المنظمات الدولية والإقليمية إلى أن أكثر من 7 ملايين شخص نزحوا داخلياً وخارجياً جراء الحرب.

وتدعو مديرة الاستجابة في «إدارة الطوارئ الصحية ومكافحة الأوبئة» المواطنين إلى «تبليغ الوحدات الصحية في حالة الإصابة بالمرض».

وبشأن الإجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة الاتحادية، قالت الدكتورة ليلى حمد النيل، إنه «تم تفعيل نظام الترصد في الولايات المتأثرة بالكوليرا، وتوفير الإمداد الدوائي لها، وتدريب الكوادر الصحية على المعالجة القياسية للحالات، بالإضافة إلى تفعيل البروتوكول العلاجي في مراكز عزل الحالات».

لكن في المقابل، يعتقد اختصاصي الصحة العامة والتخدير الدكتور هيثم مكاوي أن «عدد الإصابات بمرض الكوليرا أكبر بكثير من الحالات المبلغ عنها»، منوهاً بأن «الأوضاع التي تعيشها البلاد تجعل من الصعوبة الوصول إلى العدد الحقيقي».

وقال مكاوي لـ«الشرق الأوسط» إن «سقوط ولاية الجزيرة في أيدي مسلحي (الدعم السريع) تسبب في صعوبة الحصول على العلاج، خصوصاً أن المدينة كانت تضم مخازن أدوية تابعة لوزارة الصحة، وأخرى للمنظمات الدولية التي تقدم العون الصحي لبقية الولايات بالأدوية».

وكان جاستن برادي، مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان، حذر الجمعة من «الحالة التي وصلت إليها الأوضاع الإنسانية في البلاد في ظل انتشار الأمراض المعدية، ومن بينها الكوليرا».

وقال برادي لـ«وكالة أنباء العالم العربي» إن «أبرز التحديات التي تواجهنا الآن في السودان هي الوصول إلى المحتاجين وتوفير الموارد اللازمة لهم»، وأضاف: «لدينا أيضاً أمراض معدية، بما في ذلك الكوليرا، والتي بمجرد انتشارها سيصعب احتواؤها، وستؤدي إلى ارتفاع معدل الوفيات».

ويعتقد مسؤولون أمميون أنه «هناك ما لا يقل عن ستة أمراض رئيسية متفشية في السودان؛ منها الكوليرا... بالإضافة إلى الحصبة وحمى الضنك وشلل الأطفال»، وأعربت الهيئات الأممية كذلك عن «القلق إزاء تعطيل العمليات الإنسانية الحيوية في السودان بسبب استمرار القتال، في وقت تفاقم فيه تفشي الكوليرا في أنحاء واسعة من البلاد».


مقالات ذات صلة

البرهان عن صراعات حزب البشير: لن نقبل ما يُهدد وحدة السودان

شمال افريقيا قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان يخاطب حضور مؤتمر اقتصادي في مدينة بورتسودان اليوم الثلاثاء (الجيش السوداني)

البرهان عن صراعات حزب البشير: لن نقبل ما يُهدد وحدة السودان

أعلن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان رفضه للصراعات داخل حزب «المؤتمر الوطني» (المحلول) الذي كان يقوده الرئيس السابق عمر البشير.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا رئيس وفد التفاوض في «قوات الدعم السريع» عمر حمدان خلال مؤتمر صحافي بنيروبي يوم 18 نوفمبر (الشرق الأوسط)

«قوات الدعم السريع» السودانية: خياراتنا مفتوحة لتشكيل حكومة في مناطق سيطرتنا

أكد رئيس وفد التفاوض في «قوات الدعم السريع» السودانية، عمر حمدان، في مؤتمر صحافي أنهم لا يرفضون السلام، لكن هذا يتوقف على مبادرة جادة وبضمانات دولية.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

انخرط مجلس الأمن في نقاشات حول مشروع قرار بريطاني لمطالبة القوات المسلحة السودانية و«قوات الدعم السريع» بوقف القتال فوراً والسماح بتسليم المساعدات الإنسانية.

علي بردى (واشنطن) محمد أمين ياسين (نيروبي)
تحليل إخباري محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

تحليل إخباري بعد خطاب «حميدتي»... هل بدأت الموجة الثانية من الحرب السودانية؟

العنوان الأبرز لخطاب قائد «قوات الدعم السريع»، هو «الانتقال للحرب الشاملة، على عكس ما ذهب البعض لتفسيره بأنه إقرار بالهزيمة».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا أرشيفية لحميدتي (رويترز)

مصر تنفي اتهامات حميدتي بشن غارات على قواته

نفت مصر اتهامات قائد «قوات الدعم السريع» في السودان محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لها بشن ضربات جوية على قوات مجموعته.

«الشرق الأوسط» (لندن)

مؤتمر دولي في مصر يبحث تعزيز «الاستجابة الإنسانية» لغزة

وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)
TT

مؤتمر دولي في مصر يبحث تعزيز «الاستجابة الإنسانية» لغزة

وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري خلال كلمته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا (وزارة الخارجية المصرية)

تستعد القاهرة لاستضافة مؤتمر دولي لدعم وتعزيز «الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة»، يوم الاثنين المقبل، بمشاركة إقليمية ودولية واسعة.

وأعلن وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، عن استضافة «مؤتمر القاهرة الوزاري لتعزيز الاستجابة الإنسانية في غزة»، يوم 2 ديسمبر (كانون الأول)، وقال خلال مشاركته في النسخة العاشرة لمنتدى حوارات روما المتوسطية بإيطاليا الاثنين: «المؤتمر سيبحث إجراءات تعزيز الاستجابة الإنسانية لقطاع غزة»، حسب إفادة للخارجية المصرية.

وأعاد عبد العاطي التأكيد على محددات الموقف المصري تجاه التطورات الإقليمية، التي تتضمن «ضرورة وقف فوري لإطلاق النار في غزة ولبنان، وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، ونفاذ المساعدات الإنسانية دون عوائق، فضلاً عن أهمية الانتقال لإيجاد أُفق سياسي لتنفيذ حل الدولتين».

وكشفت مصادر مصرية مطلعة أن «المؤتمر سيعقد على مستوى وزراء الخارجية»، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الحضور سيشمل تمثيلاً إقليمياً، من دول المنطقة، ودولياً، من المجتمع الدولي»، إلى جانب «تمثيل المؤسسات الدولية، ووكالات الأمم المتحدة المعنية بالقضية الفلسطينية، وعلى رأسها (الأونروا)».

وتجري القاهرة استعداداتها المكثفة لاستضافة المؤتمر، لضمان مشاركة واسعة فيه إقليمياً ودولياً، وفق المصادر، التي أشارت إلى أن «مصر ما زالت تتلقى تأكيدات من الدول التي ستشارك»، وأوضحت أن «المؤتمر سيناقش الأبعاد السياسية والأمنية والإنسانية للوضع في قطاع غزة»، وأن «دعم عمل وكالة (الأونروا)، سيكون من فعاليات المؤتمر».

ويعقد المؤتمر في ظل مطالبات عربية رسمية برفع القيود الإسرائيلية على مرور المساعدات لقطاع غزة، بعد قرار إسرائيل بحظر عمل أنشطة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ويتوقف رئيس الهيئة الدولية لدعم فلسطين، صلاح عبد العاطي، عند عقد المؤتمر بالتزامن مع الأوضاع الإنسانية الصعبة في قطاع غزة، وقال إن «الفلسطينيين ينظرون بإيجابية لمؤتمر القاهرة الوزاري، أملاً في تحقيق اختراق لأزمة المساعدات الإنسانية، والتدخل لإنفاذ الدعم لسكان القطاع»، مشيراً إلى أن «استمرار الوضع الحالي، مع حلول موسم الشتاء، يفاقم من المعاناة الإنسانية للسكان بغزة».

وتحدث عبد العاطي عن الأهداف التي يأمل الفلسطينيون أن يحققها المؤتمر، ودعا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «ضرورة أن يحقق المؤتمر استجابة إنسانية سريعة لسكان القطاع، كما حدث في التدخلات المصرية السابقة»، إلى جانب «ممارسة ضغوط على الجانب الإسرائيلي لفتح المعابر أمام المساعدات الإغاثية»، كما طالب بـ«تشكيل تحالف دولي إنساني لدعم الإغاثة الإنسانية لغزة».

وتقول الحكومة المصرية إنها قدمت نحو 80 في المائة من حجم المساعدات الإنسانية المقدمة لقطاع غزة، وفق تصريحات لوزير التموين المصري في شهر مايو (أيار) الماضي.

واستضافت القاهرة، في أكتوبر من العام الماضي، «قمة القاهرة للسلام»، بمشاركة دولية واسعة، بهدف «دفع جهود المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار، والعمل على تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة».

وباعتقاد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، طارق فهمي، أن «مؤتمر القاهرة الوزاري يستهدف إعادة تقديم القضية الفلسطينية للواجهة الدولية، مرة أخرى، في ضوء التطورات الإقليمية»، وقال إن «توقيت ومستوى التمثيل في المؤتمر، يقدمان رسائل تنبيه مبكرة لخطورة الوضع في القطاع، والمسار المستقبلي للقضية الفلسطينية على الصعيد الدولي».

وستتجاوز مناقشات المؤتمر حدود الدعم الإنساني والإغاثي لسكان قطاع غزة، وفقاً لفهمي، الذي قال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «المؤتمر سياسي بالدرجة الأولى، ويستهدف استعراض الجهود المبذولة، خصوصاً من الدول العربية، لوقف الحرب في القطاع»، مشيراً إلى أن «المؤتمر سيسعى لصياغة مقاربات جديدة للتعاطي مع الأزمة في غزة، والقضية الفلسطينية في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع تولي إدارة دونالد ترمب مهامها الرسمية في أميركا».