مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

حاجة ماسة إلى إحراز تقدم عاجل في تنفيذ إعلان جدة

مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان
TT
20

مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

انخرط أعضاء مجلس الأمن في مناقشات موسعة حول مشروع قرار أعدته بريطانيا لمطالبة القوات المسلحة السودانية و«قوات الدعم السريع» بوقف القتال والسماح بتسليم المساعدات بشكل آمن وسريع ودون عوائق عبر الجبهات والحدود، أملاً في لجم التدهور السريع للأوضاع الإنسانية ووضع حد لأكبر أزمة نزوح في العالم.

وكشف دبلوماسيون في الأمم المتحدة عن أن بريطانيا تريد عرض مشروع القرار للتصويت «في أسرع وقت ممكن» بضمان تبنيه من تسعة أصوات أو أكثر من الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن، وعدم استخدام حق النقض «الفيتو» من أي من الدول الخمس الدائمة العضوية: الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا أو روسيا أو الصين.

ويطالب النص المقترح «قوات الدعم السريع» بـ«وقف هجماتها على الفور» في كل أنحاء السودان. كما يدعو الأطراف المتحاربة إلى «وقف الأعمال العدائية على الفور (...) والسماح وتسهيل الوصول الإنساني الكامل والآمن والسريع وغير المقيد عبر الخطوط والحدود إلى السودان وفي كل أنحائه».

المقترح يشدد أيضاً على «إبقاء معبر أدري الحدودي مع تشاد مفتوحاً لتسليم المساعدات، والحاجة إلى دعم الوصول الإنساني عبر كل المعابر الحدودية، في حين تستمر الحاجات الإنسانية، ومن دون عوائق».

ومن المقرر أن تنتهي صلاحية الموافقة التي مدتها ثلاثة أشهر والتي قدمتها السلطات السودانية للأمم المتحدة وجماعات الإغاثة لاستخدام معبر أدري الحدودي للوصول إلى دارفور في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.

صورة جوية لملاجئ مؤقتة للسودانيين الذين فرّوا من الصراع في دارفور بأدري في تشاد (رويترز)
صورة جوية لملاجئ مؤقتة للسودانيين الذين فرّوا من الصراع في دارفور بأدري في تشاد (رويترز)

وأصدر مجلس الأمن قرارين في شأن السودان، الأول في مارس (آذار) الماضي، ويدعو إلى وقف فوري للأعمال العدائية خلال رمضان المبارك، ثم في يونيو (حزيران) الماضي للمطالبة بوقف حصار مدينة الفاشر التي يبلغ عدد سكانها 1.8 مليون شخص. كما دعا القراران - اللذان تم تبنيهما بأغلبية 14 صوتاً وامتناع روسيا عن التصويت - إلى الوصول الإنساني الكامل والسريع والآمن وغير المقيد.

«أعمال مروعة»

وفي مستهل جلسة هي الثانية لمجلس الأمن خلال أسبوعين حول التطورات في السودان، وصفت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للشؤون السياسية وعمليات السلام، روزماري ديكارلو، السودان بأنه «محاصر في كابوس»، مشيرة إلى الموجة الأخيرة من الهجمات التي شنتها «قوات الدعم السريع» في ولاية الجزيرة الشرقية، والتي وصفتها المنظمات غير الحكومية بأنها «من أشد أعمال العنف تطرفاً في الأشهر الثمانية عشر الأخيرة».

وأضافت: «قُتل عدد كبير من المدنيين. وفقد الكثير منازلهم وأجبروا على الفرار. ونحن نتلقى تقارير عن انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك العنف الجنسي المرتكب في الغالب ضد النساء والفتيات».

وكذلك أشارت ديكارلو إلى استمرار القتال في الفاشر والخرطوم ومناطق أخرى «حيث يتعرض المدنيون لمعاناة مروعة»، مشددة على أن الشعب السوداني «يحتاج إلى وقف فوري لإطلاق النار».

وعدّت أن «الوقت حان منذ فترة طويلة لكي يأتي الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات» لأن «الطريق الوحيد للخروج من هذا الصراع هو الحل السياسي التفاوضي».

ولفتت ديكارلو إلى أن القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان و«قوات الدعم السريع» بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، الملقب «حميدتي» «كل منهما مقتنعة بقدرتها على الانتصار في ساحة المعركة».

وقالت إنه «مع اقتراب نهاية موسم الأمطار، تواصل الأطراف تصعيد عملياتها العسكرية وتجنيد مقاتلين جدد وتكثيف هجماتها»، عادّة أن «هذا ممكن بفضل الدعم الخارجي الكبير، بما في ذلك التدفق المستمر للأسلحة إلى البلاد».

واتهمت ديكارلو «بعض الحلفاء المزعومين للأطراف» بأنهم «يمكّنون المذابح في السودان». ورحبت بجهود الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية «إيغاد» من أجل استعادة الحوار السياسي السوداني الشامل.

كما أشادت بالتحالف من أجل تعزيز إنقاذ الأرواح والسلام في السودان لتعزيز تنفيذ «إعلان جدة» والقضايا الرئيسية الأخرى.

تنفيذ إعلان جدة

وركزت المسؤولة الأممية على دور المبعوث الشخصي للأمين العام إلى السودان رمطان لعمامرة، الذي أعد التقرير الأخير للأمين العام في شأن حماية المدنيين في السودان، موضحة أنه «يحتوي على توصيات قوية. ولدينا مسؤولية جماعية لتكثيف جهودنا لتفعيلها».

وقالت: «إننا في حاجة ماسة إلى إحراز تقدم عاجل في تنفيذ إعلان جدة. ويتعين على الأطراف في النهاية أن تتحرك وفقاً لالتزاماتها بحماية المدنيين»، مضيفة أن إنشاء آلية الامتثال التي اتفق عليها الأطراف المتحاربة، بدعم من الشركاء الرئيسيين، يعد «خطوة حاسمة لمحاسبة الأطراف على التزاماتها. وفي الوقت نفسه، وفي غياب وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، فإننا في حاجة ماسة إلى إحراز تقدم في مجال وقف إطلاق النار المحلي الذي قد يمنح المدنيين بعض الراحة، ويخلق سبل الحوار، وربما يمهد الطريق لاتفاق أكثر شمولاً».

وزير الخارجية السعودي إلى جانب ممثلين عن طرفي النزاع السوداني خلال توقيع اتفاق وقف النار في جدة (رويترز)
وزير الخارجية السعودي إلى جانب ممثلين عن طرفي النزاع السوداني خلال توقيع اتفاق وقف النار في جدة (رويترز)

وأكدت أن «الدعم المستمر من مجلس الأمن للمبعوث الشخصي لعمامرة أمر بالغ الأهمية».

وكذلك استمع أعضاء المجلس لإحاطة من مدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية راميش راجاسينغهام، نيابة عن وكيلة الأمين العام للشؤون الإنسانية منسقة المعونة الطارئة جويس مسويا حول مستجدات الوضع الإنساني المتردي في أنحاء السودان.

دارفور

وفي سياق قريب، أنهى فريق من خبراء مجلس الأمن المعني بتنفيذ القرار (1591) الخاص بحظر الأسلحة في إقليم دارفور، الثلاثاء، زيارة استمرت لثلاث أيام، إلى مدينة بورتسودان التي تعد عاصمة مؤقتة للبلاد، لمتابعة تنفيذ القرار.

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي مدد مجلس الأمن قرار حظر تسليح الكيانات المتحاربة في دارفور لمدة عام.

والتقى الفريق في أول زيارة له للسودان منذ اندلاع الحرب، عدداً من المسؤولين السودانيين المدنيين والعسكريين.

وقالت المفوض العام لـ«مفوضية العون الإنساني» (مؤسسة حقوقية سودانية) سلوى آدم بنية، التي التقت فريق خبراء مجلس الأمن، إنها أطلعتهم على «الأوضاع في دارفور ومدن البلاد الأخرى، وتقديم وثائق مصورة» قالت إنها «تُثبت الانتهاكات الفظيعة التي ارتكبتها (ميليشيا الدعم السريع)».

جنود من «قوات الدعم السريع» خلال دورية بمنطقة شرق النيل (أرشيفية - أ.ب)
جنود من «قوات الدعم السريع» خلال دورية بمنطقة شرق النيل (أرشيفية - أ.ب)

واتهمت بنية، عناصر «الدعم السريع» بـ«التعدي على فرق المساعدات الإنسانية». وأكدت «استعداد الحكومة السودانية على استمرار العمل بإدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر الحدودي غرب البلاد، بعد الاتفاق على آلية مشتركة تضم الأمم المتحدة والجارة تشاد لتسهيل مراقبة المنقولات الواردة للسودان».

وكذلك ناقش وزير الداخلية خليل باشا سايرين، مع الفريق «الجهود التي تقوم بها الحكومة السودانية لحماية المدنيين»، مؤكداً «التزامها بتسهيل إجراءات منح التأشيرات لدخول موظفي الأمم المتحدة، بجانب تسهيل إجراءات التخليص الجمركي بالمواني والمطارات».

وتتهم الحكومة السودانية دولاً بتقديم أسلحة وعتاد لـ«الدعم السريع».

وتطالب تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» وتمثل أكبر تحالف سياسي مدني مناهض للحرب، بتوسيع حظر الأسلحة في دارفور ليشمل كل السودان، وترى أن وقف تدفق الأسلحة أمر حاسم لتخفيف حدة العنف وإنهاء النزاع.


مقالات ذات صلة

«الخارجية السودانية» تتهم «الدعم السريع» بنهب الآثار والمتاحف

شمال افريقيا أرشيفية لمتحف السودان القومي

«الخارجية السودانية» تتهم «الدعم السريع» بنهب الآثار والمتاحف

الاعتداء على المتاحف ومراكز الإشعاع الثقافي والتاريخي، مخطط يستهدف محو الهوية الثقافية الوطنية.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا الصادق المهدي (يمين) وابنه الأكبر عبد الرحمن في فعالية دينية لطائفة الأنصار (أرشيفية - غيتي)

خلافات عميقة تضرب أكبر حزب سياسي في السودان

تفجرت الخلافات داخل «حزب الأمة القومي»، وانتقلت من خلافات داخلية إلى حرب بيانات علنية بين مؤسسات الحزب.

أحمد يونس (كمبالا)
أوروبا نساء يبعن بضائعهن في سوق نزارا المفتوح جنوب السودان 15 فبراير (أ.ب)

بابا الفاتيكان يُندد بـ«الكارثة الإنسانية المروعة» في جنوب السودان

جدَّد بابا الفاتيكان فرنسيس، الأحد، دعوته للسلام في أوكرانيا وفلسطين وإسرائيل ولبنان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وميانمار وجنوب السودان.

«الشرق الأوسط» (الفاتيكان)
شمال افريقيا البرهان (أ.ف.ب)

البرهان: لا تراجع عن هزيمة وسحق قوات «الدعم السريع»

قال رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان اليوم (السبت)، إنه لا تراجع عن هزيمة وسحق قوات «الدعم السريع»

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني في مدينة أم درمان (أرشيفية - رويترز)

الجيش السوداني يسترد منطقة استراتيجية في أم درمان

أعلن الجيش السوداني، يوم السبت، استرداد واحد من أكبر معاقل «قوات الدعم السريع» الرئيسية في غرب مدينة أم درمان، وهي منطقة «سوق ليبيا».

أحمد يونس (كمبالا)

العلاقات الفرنسية - الجزائرية تسلك مساراً جديداً لطيّ صفحة الخلافات

فرنسا والجزائر على الطريق لفتح صفحة جديدة في علاقاتهما (أ.ف.ب)
فرنسا والجزائر على الطريق لفتح صفحة جديدة في علاقاتهما (أ.ف.ب)
TT
20

العلاقات الفرنسية - الجزائرية تسلك مساراً جديداً لطيّ صفحة الخلافات

فرنسا والجزائر على الطريق لفتح صفحة جديدة في علاقاتهما (أ.ف.ب)
فرنسا والجزائر على الطريق لفتح صفحة جديدة في علاقاتهما (أ.ف.ب)

وفّر عيد الفطر المبارك، الاثنين الماضي، للرئيس الفرنسي مناسبة للتواصل هاتفياً مع نظيره الجزائري لتهنئته به. لكن الغرض الأساسي تمثل برغبة الطرفين في طيّ صفحة الخلافات، التي تحكمت في علاقات البلدين منذ شهر يوليو (تموز) 2024، بعد أن نشرت حينذاك الرئاسة الفرنسية نص الرسالة التي وجهها إيمانويل ماكرون إلى العاهل المغربي بمناسبة ذكرى اعتلائه العرش، وفيها يؤكد له أن «حاضر الصحراء الغربية ومستقبلها يندرج في إطار السيادة المغربية».

ماكرون يكرم خلال أكتوبر الماضي بعض المشاركين في الحرب الجزائرية (أ.ف.ب)
ماكرون يكرم خلال أكتوبر الماضي بعض المشاركين في الحرب الجزائرية (أ.ف.ب)

وكشفت مصادر دبلوماسية في باريس عن أن ماكرون لم يفاجئ الرئيس عبد المجيد تبون بهذا الموقف؛ لأنه أطلعه عليه قبل ذلك خلال لقائهما في إيطاليا على هامش قمة «مجموعة السبع»، وذلك «عملا بمبدأ الشفافية».

وخلال أشهر طويلة، تأرجحت العلاقات بين فرنسا والجزائر بين المراوحة والتصعيد، والأسباب كثيرة وطفت على السطح تباعاً؛ فمن جانب، هناك رفض الجزائر استعادة مواطنيها الذين فقدوا حق البقاء على الأراضي الفرنسية، وملاحقة «مؤثرين» جزائريين متهمين بالعمل لمصلحة النظام والدعوة إلى العنف، واعتقال الكاتب الجزائري - الفرنسي بوعلام صنصال وسجنه.

الرئيس الجزائري مستقبلاً مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط يوم 11 سبتمبر 2024 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً مستشارة الرئيس الفرنسي لشؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط يوم 11 سبتمبر 2024 (الرئاسة الجزائرية)

ومن جانب آخر، تكاثرت الحملات السياسية على الجزائر، ومنها استخدام التأشيرات الفرنسية وسيلة ضغط على الجانب الآخر، وتداخل ملفات الهجرة والأمن والتطرف والإرهاب ببعضها ببعض، ورغبة وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، الدخول في عملية «ليّ ذراع» مع الجزائر، و«الإنذار» الذي وجهه رئيس الحكومة فرنسوا بايرو، والتهديد بالتراجع عن عدد من الاتفاقيات المبرمة منذ سنوات بين البلدين. والأهم من ذلك، كله أن العلاقات الثنائية أصبحت لدى الطرفين سلاحاً سياسياً يُستخدم في التحارب الداخلي، خصوصاً في فرنسا حيث يستغل اليمين؛ بجناحيه التقليدي والمتطرف، الملف الجزائري شعبوياً.

دور «الخلية الدبلوماسية»

في ظل هذه الأجواء، لم يكن الاتصال الهاتفي بين الرئيسين ممكناً لولا العمل الدبلوماسي البعيد عن الأضواء، الذي جرى في الأشهر الثلاثة الماضية من العام الحالي. وعُلم في باريس أن «الخلية الدبلوماسية» في «قصر الإليزيه» أجرت 3 زيارات إلى الجزائر، آخرها زيارة آن كلير لوجاندر، مستشارة الرئيس ماكرون لشؤون العالم العربي، ولقاؤها الرئيس تبون بهدف تمهيد الأرضية لعودة التواصل بين الرئيسين، والسعي للرجوع إلى علاقات طبيعية.

وزير داخلية فرنسا برونو ريتايو (أ.ب)
وزير داخلية فرنسا برونو ريتايو (أ.ب)

وكان بوعلام بوعلام، مدير مكتب الرئيس تبون، المحاورَ المنتدبَ لـ«الخلية الدبلوماسية» من «الإليزيه». ولعبت الجملة التي قالها الرئيس تبون في حديث لمجموعة من الصحف الجزائرية دورها في تسهيل الأمور، عندما أكد أن «المرجع» بالنسبة إليه، فرنسياً، هو رئيس الجمهورية وليس أي طرف آخر. وفسرت باريس ذلك بأنه رغبة رئاسية جزائرية في تجاوز وزير الداخلية برونو ريتايو، الذي يُنظر إليه في الجانب الآخر من المتوسط، على أنه «يصب الزيت على النار لغرض سياسي؛ نظراً إلى سعيه لترؤس حزب (الجمهوريون)، بمناسبة الانتخابات الحزبية الداخلية الشهر المقبل».

معضلة صنصال في طريقها إلى الحل

ورأت باريس في الحكم «المخفف» الصادر بحق صنصال (5 سنوات سجناً بدلاً من العشر التي طلبها الادعاء العام)، مؤشراً لرغبة جزائرية في قلب صفحة الخلافات. وعدّت مصادر سياسية معنية بالملف الجزائري في باريس أن الطرفين توصلا إلى قناعة مفادها بأن «القطيعة بينهما مضرة للطرفين، وأن لكليهما مصلحة في عودة التعاون؛ لأنهما يواجهان معاً تحديات أمنية واستراتيجية وسياسية واقتصادية في عالم متغير، وأن كلاً منهما يحتاج الآخر».

الكاتب الجزائري - الفرنسي بوعلام صنصال الذي حكم عليه القضاء الجزائري بـ5 سنوات سجناً (أ.ب)
الكاتب الجزائري - الفرنسي بوعلام صنصال الذي حكم عليه القضاء الجزائري بـ5 سنوات سجناً (أ.ب)

وجاء في بيان مشترك أن «الرئيسين توافقا على أن متانة الروابط، لا سيما الروابط الإنسانية، التي تجمع فرنسا والجزائر، والمصالح الاستراتيجية والأمنية للبلدين، والتحديات والأزمات التي تواجه أوروبا والبحر الأبيض المتوسط وأفريقيا، تتطلب العودة إلى هذا الحوار بين شريكين على قدم المساواة». ويبدو أن باريس فهمت أن الجزائر «تجاوزت» أزمة رسالة ماكرون إلى ملك المغرب، ووعت أنه لن يتراجع عنها. لكن في المقابل، ووفق ما جاءت به صحيفة «لوبينيون» في عددها ليوم الأربعاء، فقد تفاهم الرئيسان على أن تتحاشى باريس إثارة اللغط بشأن الصحراء الغربية، عبر الامتناع عن إرسال وزرائها إلى هذه المنطقة، وقبول الإشارة إلى دور الأمم المتحدة في الملف المذكور.

وفي أي حال، ترى باريس أن الرئيس تبون يريد الفصل بين علاقات بلاده بفرنسا، وعلاقات باريس بالرباط. وقد أوحى بذلك، في الحديث الصحافي المشار إليه سابقاً، بقوله إن «العلاقات الجزائرية - الفرنسية عمودية»، بمعنى أنها ليست مرتبطة بأي شيء آخر، في إشارة إلى التقارب الفرنسي - المغربي.

أعضاء «لجنة الذاكرة» خلال اجتماع لهم مع الرئيس تبون نهاية 2022 (الرئاسة الجزائرية)
أعضاء «لجنة الذاكرة» خلال اجتماع لهم مع الرئيس تبون نهاية 2022 (الرئاسة الجزائرية)

جاء البيان المشترك والمطول شاملاً وتناول؛ تصريحاً وتلميحاً، نقاط النزاع كافة بين العاصمتين، ففي ملف استعداد الجزائر لاستقبال مواطنيها المرحّلين عن الأراضي الفرنسية، عُلم أن الطرفين شددا على العودة إلى الأصول المعمول بها، بحيث يتعين على السلطات الفرنسية أن تطلب من القنصليات الجزائرية المنتشرة على الأراضي الفرنسية أن توفر «وثيقة سفر» تؤكد جنسية الشخص المرحّل، وليس تجاوز هذه الأصول كما فعلت فرنسا مؤخراً، حين قدمت للجزائر لائحة من 60 اسماً، وطلبت موافقتها عليها. ولإعادة ترسيخ هذا المبدأ، اتُفق على اجتماع يضم المسؤولين عن 18 قنصلية جزائرية لدى فرنسا مع مسؤولي الأجهزة الأمنية في المناطق المعنية. كذلك، فإن باريس تأمل «لفتةً» من الرئيس تبون بخصوص الكاتب بوعلام صنصال، بمعنى أن يعمد الرئيس تبون إلى العفو عنه والسماح له بالعودة إلى فرنسا. وبما أن صنصال متقدم في السن ومريض، فقد يأتي ذلك تحت شعار «البادرة الإنسانية» التي دعا إليها ماكرون أكثر من مرة.

انطلاقة جديدة

يبدو واضحاً اليوم أن الطرفين يريدان «انطلاقة جديدة» لعلاقاتهما، وتفعيل «إعلان الجزائرّ» الذي صدر بمناسبة زيارة الدولة التي أجراها ماكرون صيف عام 2022. بالإضافة إلى «اللجنة المشتركة»، التي تشكلت من مؤرخين من الجانبين لتصفية ما يسمى «ملف الذاكرة»، والتي ستلتئم قريباً في باريس، لتقدم خلاصاتها إلى الرئيسين قبل الصيف المقبل. كما اتفق الطرفان على العودة إلى التعاون الأمني - الاستخباري، الذي توقف منذ 8 أشهر. ويعدّ الطرفان أن التعاون يفرض نفسه عليهما بشأن ملف منطقة الساحل، التي أُجبرت القوات الفرنسية على الخروج منها. كما أن الجزائر تتخوف من امتداداته السلبية إلى داخل أراضيها.

وبالتوازي، سيعاود الطرفان التعاون القضائي. وفي هذا السياق، سيزور وزير العدل الفرنسي، جيرالد دارمانان، قريباً الجزائر. كما أن وزير الخارجية جان نويل بارو سيزور الجزائر في 6 أبريل (نيسان) الحالي، بدعوة من نظيره أحمد العطاف. ومن المرتقب أن تكون العلاقات الثنائية من اختصاص وزيرَي الخارجية. واللافت أنه لا إشارة إلى زيارة ما من وزير الداخلية الفرنسي للجزائر.

اجتماع بين «اتحاد أرباب العمل» الفرنسي و«مجلس التجديد الاقتصادي» الجزائري في مايو 2022 (منظمة أرباب العمل الجزائرية)
اجتماع بين «اتحاد أرباب العمل» الفرنسي و«مجلس التجديد الاقتصادي» الجزائري في مايو 2022 (منظمة أرباب العمل الجزائرية)

أما في الملفات الاقتصادية، فقد توافق الطرفان على تطويرها، وتكثيف الحركة التجارية والاستثمارات المتبادلة، فقد أشار البيان المشترك إلى أن فرنسا ستعمل على دعم الجزائر في سعيها لإعادة النظر في اتفاقية الشراكة بينها وبين «الاتحاد الأوروبي».

ومساء الثلاثاء، دعا الرئيس ماكرون إلى اجتماع بشأن الجزائر، الغرض منه تنسيق العمل الحكومي لترجمة البيان المشترك إلى واقع، علماً بأن الرئيسين اتفقا «مبدئياً» على الالتقاء مجدداً، بيد أنه لا تفاصيل بهذا الشأن؛ لا في باريس ولا في الجزائر. لكن تجدر الإشارة إلى أن تبون لم يلبّ حتى اليوم دعوة لـ«زيارة دولة» إلى فرنسا، وُجهت إليه منذ صيف عام 2022. ولذا؛ فإن السيناريوهات كافة واردة. والأرجح أن الطرفين ينتظران النتائج العملية لاتصالهما الأخير قبل اتخاذ قرار بشأن لقائهما الجديد.

وفي أي حال، فإن اليمين الفرنسي لم يتأخر في التنديد بالتفاهم الجديد بين الجانبين، متهماً الحكومة بـ«الضعف والتراخي» في التعامل مع الجزائر، ومقللاً من تأثيره على الالتزامات التي يجب أن تُفرض على الجزائر. وقال لوران فوكييز، خلال اجتماع كتلة نواب حزب «الجمهوريين»: «لقد اتفقنا على إعادة إطلاق العلاقات الثنائية بين البلدين بعد أشهر من الأزمة. لكن في غضون 90 يوماً، سنجد بيننا عناصر خطيرة من (تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) طليقة. لا يمكننا قبول ذلك».

من جانبه، وجّه إريك سيوتي، المتحالف مع اليمني المتطرف، انتقادات مباشرة إلى وزير الداخلية برونو ريتايو؛ لأنه «لم يُبرز سوى عضلات صغيرة في مواجهة الجزائر».