تعيش مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان السودانية حالة من الهدوء الحذر، وذلك في أعقاب معارك عنيفة شهدتها المدينة، يوم (الأربعاء)، تمكنت خلالها قوات مشتركة من الجيش، و«الجيش الشعبي لتحرير السودان (جناح عبد العزيز الحلو)» من صد هجوم لـ«قوات الدعم السريع» على قلب المدينة، وتحدثت منصات تابعة للحكومة السودانية أنّ تحالف القوتين «كبّد (الدعم) خسائر فادحة في الأرواح والعتاد». وبدأت المعارك في الدلنج منتصف نهار الأربعاء، إثر دخول قوة من «الدعم السريع» إلى المدينة، ووفقاً لشهود عيان فإن «القوة المهاجمة اشتبكت بادئ الأمر مع الجيش في مقر قيادة اللواء 54، بقوة موزعة على نحو 60 عربة قتالية».
ومدينة الدلنج هي ثانية كبرى مدن ولاية جنوب كردفان، إلى الجنوب من مدينة الأبيض (حاضرة الولاية)، وتقع على بُعد 498 كيلومتراً جنوب غربي العاصمة الخرطوم، وتتبعها منطقة بيلا الخصيبة (تقع على أطراف الدلنج) التي تشتهر بالزراعة المطرية وإنتاج الحبوب، والقطن وزهرة الشمس، وتخضع لسيطرة «الدعم السريع». وذكرت منصة الناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية، أن «قوة مشتركة من القوات المسلحة السودانية، والشرطة، وجهاز المخابرات العامة، (الجيش الشعبي لتحرير السودان - جناح عبد العزيز الحلو)، صدت هجوماً شنته (ميليشيا الدعم السريع) على مدينة الدلنج ظُهر الأربعاء، واستبسلت في دحر الهجوم، وتسلمت سيارات قتالية ودمّرت أخرى، وكبّدت الميليشيا خسائر كبيرة وفادحة في الأرواح، وطردتهم خارج المدينة». واتهم البيان الرسمي، «الدعم السريع» بارتكاب ما وصفها بـ«جريمة ضد الإنسانية» عبر «قصفها مسجد الدلنج العتيق، وإصابة عدد من المصلين بجروح، نقلوا على أثرها إلى المستشفى للعلاج».

وقال الصحافي المقيم في الدلنج، عبد الوهاب أزرق لــ«الشرق الأوسط»، إن المدينة «تعيش حالة من الهدوء، فيما تتأهب القوات المشتركة إضافةً إلى المواطنين المستنفَرين استعداداً لمواجهة أي هجوم محتمَل من (الدعم السريع) على المدينة والولاية»، مضيفاً أن «القوات حققت نصراً كبيراً على القوات المهاجمة، قتلت خلاله العشرات ودمرت كثيراً من آلياته، واستولت على عدد من السيارات القتالية والذخائر والمعدات». وأوضح أزرق أن «الاشتباكات دامت لنحو ساعتين، تمكنت خلالها قوات الجيش و(الجيش الشعبي) من صد هجوم (الدعم السريع)، وطرده باتجاه مدينة الدبيبات».
الحركة الشعبية
ولم يصدر تعليق رسمي من «الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو» وهي التنظيم السياسي الذي يتبعه «الجيش الشعبي»، أو من «الدعم السريع» بشأن التطورات في الدلنج. وتواصلت «الشرق الأوسط» مع مصدر في «الحركة الشعبية» غير أنه قال إنهم «لم يقرروا بعد التعليق على الأنباء التي تتحدث عن مشاركتهم في عملية الدلنج». وتسيطر «الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال جناح عبد العزيز الحلو» منذ عام 2011 على منطقة «كاودا» الجبلية الحصينة التي تقع جنوب ولاية جنوب كردفان، وتعدها منطقة «محررة»، إلى جانب سيطرتها على بعض المناطق في ولاية النيل الأزرق، وكان ينظر إليها الجيش السوداني بوصفها «حركة متمردة»، إذ رفضت التوقيع على اتفاقية السلام مع الجيش (اتفاق جوبا) 2020، لكنها كانت قد أعلنت وقف إطلاق نار من جهة واحدة منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق عمر البشير عام 2019. ويعود تأسيس الحركة الشعبية إلى فترة الحرب السابقة على انفصال جنوب السودان، وبعدها خاض مقاتلوها معارك مع الجيش السوداني، استولوا خلالها على منطقة «كادوا» وأقاموا فيها إدارة محلية، وأطلقوا عليها المنطقة «المحرَّرة». لكنّ الحركة تعرضت لانشقاق رأسي في يونيو (حزيران) 2017 أطاح فيه نائب الرئيس عبد العزيز الحلو، برئيس الحركة مالك عقار (يشغل حالياً منصب نائب رئيس «مجلس السيادة الانتقالي»)، وأمينها العام ياسر عرمان، اللذين وقّعا لاحقاً «اتفاقية جوبا»، واحتفظ الجناحان بالاسم ذاته (الحركة الشعبية لتحرير السودان). وفي وقت لاحق، انشق التيار الموقِّع على اتفاقية السلام نفسه بُعيد انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 إلى تيارين هو الآخر؛ يقود أحدهما رئيس الحركة مالك عقار الذي أيَّد الانقلاب واحتفظ بمنصبه «عضو مجلس السيادة»، قبل تسميته «نائب رئيس مجلس السيادة» بديلاً لمحمد حمدان دقلو «حميدتي» بعد اشتعال الحرب بين الجيش و«الدعم السريع»، فيما اختار التيار الذي يقوده ياسر عرمان تمييز نفسه بإضافة «التيار الثوري» إلى اسم الحركة الشعبية لتحرير السودان، ووقف مع القوى المناهضة للانقلاب، وبعد الحرب انضم إلى تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، لمناهضة للحرب.
غارات نيالا
في غضون ذلك، شن الطيران الحربي التابع للجيش السوداني الليلة الماضية غارات جوية مكثّفة على مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، فيما تعرضت أحياء جنوب العاصمة الخرطوم لقصف مدفعي أسفر عن وقوع قتلى ومصابين. وقال سكان تحدثوا إلى وكالة أنباء العالم العربي (الخميس) إن «ضربات جوية مكثفة استهدفت حي المطار منتصف الليلة الماضية بعد تحليق طائرات حربية في سماء المدينة»، مشيرين إلى أن «الضربات أسفرت عن سقوط عدد من المصابين لم يتمكنوا من حصرهم ونُقلوا إلى مستشفى نيالا التعليمي».

وظلت مدينة نيالا تتعرض لغارات جوية وقصف بالبراميل المتفجرة خلال الأسابيع الماضية، بعد أن سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، إلى جانب ثلاث ولايات أخرى في إقليم دارفور من أصل خمس ولايات. كما سيطرت «الدعم السريع» على أجزاء واسعة من كردفان والخرطوم. وأفاد شهود بأن قصفاً مدفعياً استهدف (الخميس) عدداً من أحياء جنوب الخرطوم، فيما قالت «لجان مقاومة جنوب الحزام» في بيان، إن «منطقة جنوب الحزام أصبحت ساحة ملتهبة للقصف المتبادل بين الجيش و(قوات الدعم السريع) عن طريق الطيران الحربي والمُسيّرات وقذائف المدفعية». ولفت البيان إلى أن منطقة السلمة القديمة شهدت سقوط خمس قذائف، الأربعاء، وقذيفتين، الخميس، تسببت في إصابات متفرقة لمواطنين من المنطقة، مشيراً إلى أن حالة من الرعب والهلع انتشرت وسط السكان، إلى جانب إغلاق سوق المنطقة المكتظة بالباعة والمواطنين.
وذكر البيان أن إحدى القذائف سقطت على منزل كان يقام فيه حفل زواج، وسط أنباء عن مقتل 6 أشخاص، حسب إحصائيات أولية.
وتشهد جبهات القتال في محيط أرض المعسكرات وسلاح المدرعات، جنوب الخرطوم، ومقر قيادة الجيش وسط المدينة، وسلاح الإشارة بمدينة الخرطوم بحري، إلى جانب أحياء وسط مدينة أمدرمان، هدوءاً حذراً مع استمرار انقطاع المياه في الأجزاء الشمالية من أمدرمان لأكثر من 10 أيام وتذبذب شبكات الاتصالات.
اندلع القتال بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» على نحو مفاجئ في منتصف أبريل (نيسان) بعد أسابيع من التوتر بين الطرفين، بينما كانت الأطراف العسكرية والمدنية تضع اللمسات النهائية على عملية سياسية مدعومة دولياً.


