روى ناجون جانباً من الفظائع التي ارتُكبت في الفاشر عاصمة شمال دارفور، عقب استيلاء «قوات الدعم السريع» عليها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
«رصاص متطاير»
وقال أحمد جبريل الذي فر مع 7 من أفراد أسرته المقربين ولا يعرف مصيرهم إلى الآن: «نجوت من الموت بأعجوبة... بقينا نركض دون توقف، هرباً من الرصاص المتطاير حولنا». وأضاف: «كان الأمر مروِّعاً جداً، خرجنا في تلك الليلة حفاة بملابس البيت، وفي الطريق تعرضنا لإطلاق نار كثيف من مقاتلي (الدعم السريع)، وبعدها تفرقنا وذهب كل منا في اتجاه».
جبريل هو واحد من 4 ناجين رووا لـ«الشرق الأوسط»، ما رأوه من عمليات قتل لنساء ورجال في أثناء الفرار من الفاشر. وقال: «نزحنا بأعداد كبيرة والرصاص العشوائي فوق رؤوسنا، كثيرون سقطوا قتلى وجرحى». وأضاف أنه رأى عشرات الأشخاص يموتون جوعاً وعطشاً، وآخرين متأثرين بجراحهم الخطيرة في رحلة فرارهم إلى مخيم طويلة للنازحين الذي يبعد نحو 60 كيلومتراً عن الفاشر.
ومنذ أبريل (نيسان) 2023، تسبب النزاع في السودان بين «قوات الدعم السريع» والجيش في مقتل عشرات الآلاف، ونزوح أكثر من 12 مليوناً وفي «أسوأ أزمة إنسانية» في العالم، وفق الأمم المتحدة.
وبعد سيطرتها على الفاشر، آخر معاقل الجيش في دارفور غرب السودان، في نهاية أكتوبر، نقلت «قوات الدعم السريع» هجومها شرقاً إلى إقليم كردفان الغني بالنفط، والذي يضم 3 ولايات. وشهدت عملية الاستيلاء على الفاشر قتلاً جماعياً واغتصاباً ونهباً، وفقاً لمنظمات غير حكومية وشهادات ناجين.

«احتجاز قسري لعائلات»
وأفاد الناجون الذين تحدثوا عبر الهاتف بأن «قوات الدعم السريع» لا تزال تحتجز قسراً مئات من العائلات في المعتقلات ودور الإيواء، وكثيرون ماتوا جوعاً أو بالرصاص. وقال أحد الناجين: «رأينا جثث نساء ورجال تتدلى من الأشجار، لا أحد يستطيع الاقتراب منها». وحسب شهود عيان، كانت روائح كريهة تنبعث بسبب انتشار الجثث المتحللة في أرجاء المدينة.
وقال المحامي آدم إدريس الذي خرج بعد أيام من سقوط الفاشر: «إن (قوات الدعم السريع) كانت تُجبرنا على الذهاب إلى المساجد، وتُصوِّرنا هناك، ثم تنشر مقاطع فيديو لتقول إن الأوضاع تسير بشكل طبيعي، بينما في حقيقة الأمر كانت تحتجز المواطنين العُزل، وتطلب أموالاً طائلة مقابل إطلاق سراحهم». وأضاف: «أصبحت أرواح الناس في الفاشر سلعة تُعرض للبيع بأسعار متفاوتة». وتابع قائلاً: «في اليوم التالي للسقوط، حاول مئات من الذين نزحوا قبل أيام قليلة إلى بلدة قروني الواقعة في شمال غربي الفاشر الهروب، بعدما سمعوا من القادمين الجدد ما جرى هناك، ولكن تمت محاصرتهم ومنعهم من قبل مسلحي (الدعم السريع)».
ويروي إدريس أنه لن ينسى أبداً تلك المناظر المروِّعة في أثناء فراره من الفاشر، وقال: «رأيت أشخاصاً جرحى غارقين في دمائهم في حالة حرجة، لا أحد يلتفت إلى أنينهم وحشرجاتهم. الكل يحاول الهروب من هذا الجحيم. الشباب يحملون كبار السن على أكتافهم، والنساء يربطن أطفالهن بقطعة قماش على ظهورهن».
وتابع بأنه بعد وصوله إلى مكان آمن، تواصل مع أسرته في شرق السودان: «فأبلغوني أنهم تلقوا نبأ وفاتي بعد إصابتي برصاصة، وأقاموا مراسم العزاء».

«إهانات عنصرية»
بدورها، روت «أ. م.» -وهي أم لطفلين- جوانب من الانتهاكات التي تعرضت لها النساء. وقالت: «أوقفوا النساء صفاً واحداً، وصوَّبوا أسلحتهم نحونا، حتى ظننت أنهم سيطلقون النار علينا. بعدها بدأوا التفتيش داخل ملابسنا بحثاً عن الأموال والذهب (...) تعرضنا لعنف جنسي ومعاملة مهينة غير إنسانية من أفراد (الدعم السريع). كانوا يصفوننا بعبارات عنصرية».
وذكرت «تنسيقية لجان مقاومة الفاشر» في بيانات سابقة، أن جنود «الدعم السريع» بعد دخولهم المدينة هاجموا المنازل وقتلوا بعض الأسر، وبعدها فر كثير من المواطنين في اتجاهات مختلفة للنجاة بأرواحهم.
ووصف شاب عشريني -طلب عدم ذكر اسمه- ليلة هروبهم من الفاشر بأنها الأقسى في حياته، وكيف رأى «الموت يقترب» من جيرانه في أثناء خروجهم من المدينة. وقال: «عثرنا على عشرات القتلى والجرحى، في طريقنا إلى مخيم طويلة»، مضيفاً أن «قوات الدعم السريع» كانت تحث الناس على البقاء في المدينة، وفي الوقت نفسه تحتجزهم قسراً في المعتقلات دون طعام ودون ماء.

من جهته، قال رئيس مجلس أمناء «هيئة محامي دارفور» الصادق علي حسن، إن منسوبي «قوات الدعم السريع»، ارتكبوا كل أنواع الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين في الفاشر. وكشف عن أن سجن شالا في شمال دارفور يكتظ بالمعتقلين، وهناك آخرون تم نقلهم إلى سجن دقريس جنوب الإقليم، مضيفاً أن مقاتلي «الدعم السريع» يختطفون المواطنين ويطلبون منهم الاتصال بأهاليهم لدفع فدية قد تصل إلى 60 مليار جنيه سوداني، أي ما يعادل نحو 15 ألف دولار للفرد. وفي وقت سابق نفت «قوات الدعم السريع» الاتهامات بارتكاب انتهاكات.




