السودان: «تقدم» تسعى لتوسيع جبهتها... والجيش يكثف التحشيد

قصف مواقع «الدعم السريع» في الخرطوم

TT

السودان: «تقدم» تسعى لتوسيع جبهتها... والجيش يكثف التحشيد

مواطنون في ولاية كسلا السودانية (الأحد) خلال تحشيد مناهض لقوات «الدعم السريع» بحضور مسؤولين من الجيش (سونا)
مواطنون في ولاية كسلا السودانية (الأحد) خلال تحشيد مناهض لقوات «الدعم السريع» بحضور مسؤولين من الجيش (سونا)

في الوقت الذي أعلنت فيه «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)» في السودان (الاثنين) أنها تسعى لتوسيع جبهتها من القوى السياسية الهادفة لوقف الحرب في البلاد، واصل الجيش التحشيد العسكري للمدنيين في الولايات الخاضعة لسلطته استعداداً لمواجهة عناصر «قوات الدعم السريع»، وقصف بالمدفعية والطائرات مواقع لـ«الدعم» في العاصمة الخرطوم.

وقال العميد مبارك بخيت، القيادي في «تقدم» وأمين شؤون رئاسة «تجمع قوى تحرير السودان»، إن التنسيقية «تسعى إلى توسيع جبهتها المدنية لتضم أطرافاً جديدة، في إطار الجهود الرامية إلى وقف الحرب بين الجيش السوداني و(قوات الدعم السريع)، وبناء تحول ديمقراطي حقيقي».

وأضاف بخيت لـ«وكالة أنباء العالم العربي» (الاثنين): «أرسلنا خطابات إلى جهات عدة، من بينها (الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو)، و(حركة تحرير السودان)، و(الحزب الشيوعي)، و(حزب البعث)، كما أرسلنا خطابات إلى كيانات أخرى، سواء كانت لجان مقاومة أو إدارة أهلية أو مكونات مجتمع مدني، وغيرها من المنظمات، لكي نصل إلى حد أدنى من الاتفاق؛ الهدف الأول والأساسي منه هو إيقاف الحرب». وتابع: «حتى الآن لم تصل إلينا ردود مؤكدة من هذه الأطراف، لكنها ستصل بكل تأكيد إلى لجنة الاتصال».

رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك (يمين) وقائد «قوات الدعم السريع» خلال مباحثات في أديس أبابا (تويتر)

وأكد بخيت أن «التنسيقية» أرسلت «خطابات أيضاً إلى مكونات المجتمع المدني، ورجال الدين والطرق الصوفية وغيرها من الأطراف»، مشيراً إلى أن تنسيقية «تقدم» ستعقد «مؤتمراً تأسيسياً في نهاية فبراير (شباط) المقبل يشمل كل السودانيين، سواء في الولايات أو الأرياف أو المدن».

ورداً على سؤال بشأن التحديات التي تواجه «تقدم» في إطار مسعاها لعقد اجتماعات مع الأطراف المختلفة، قال بخيت: «التحديات تكمن بشكل أساسي في مسألة التنقل، لأن الحرب فرضت على السودانيين ظروفاً صعبة جداً، وغالبية القيادات موجودة في أماكن مختلفة وتجد صعوبة في التنقل».

«قصف الدعم»

وعلى صعيد ميداني، قال شهود (الاثنين) إن «الجيش السوداني قصف بالمدفعية الثقيلة والطائرات المسيرة مواقع لقوات (الدعم السريع) في العاصمة الخرطوم، وسط استمرار معاناة السكان في أحياء أم درمان من انقطاع المياه وسوء شبكات الاتصالات».

وأفاد شهود تحدثوا لـ«وكالة أنباء العالم العربي» بأن «الجيش قصف (قوات الدعم) في منطقة السوق العربي وسط الخرطوم، كما تعرض حيا جبرة والصحافة المحيطان بسلاح المدرعات إلى ضربات مدفعية مكثفة».

وذكر الشهود أن «أعمدة دخان كثيفة تتصاعد من منطقتي الأزهري والنهضة المجاورتين لأرض المعسكرات، والمدينة الرياضية الخاضعة لسيطرة (الدعم السريع) جنوب الخرطوم، كما شوهدت أعمدة دخان في منطقة شرق النيل بمدينة الخرطوم بحري».

وفي أمدرمان، التي تشكل إلى جانب الخرطوم وبحري، العاصمة الكبرى، يسود هدوء حذر وسط استمرار معاناة المواطنين بسبب انقطاع المياه لأكثر من أسبوع إلى جانب سوء حالة خدمات الاتصالات والإنترنت.

وتوقفت محطتان رئيسيتان عن العمل بسبب نقص محاليل الكلور اللازمة لتنقية المياه، وتفقد والي ولاية الخرطوم، أحمد عثمان حمزة، (الأحد) عدداً من الحارات والمناطق بمحلية كرري، للوقوف على تداعيات أزمة شح المياه.

مرضى يتلقون العلاج على أجهزة غسل الكلى في مستشفى القضارف بشرق السودان (أ.ف.ب)

وفي مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، وسط السودان، وجهت «لجان مقاومة مدني» اتهامات لـ«قوات الدعم السريع» بـ«سرقة ونهب سيارات المواطنين من داخل منازلهم في أحياء وقرى المدينة».

كما أشارت اللجان في بيانها (الاثنين) إلى «استمرار سرقة الأسواق والمخازن والمنازل من قبل العصابات واللصوص بمعاونة (قوات الدعم السريع)». لكن «الدعم السريع» تنفي مراراً صلتها بتلك الانتهاكات وتلقي باللائمة على من تطلق عليهم «المنفلتين» من «أذرع النظام البائد والاستخبارات العسكرية».

كما أفادت اللجان بأن «هناك العديد من الإصابات والوفيات بين المواطنين نتيجة القصف العشوائي الذي يقوم به سلاح الجو التابع للجيش السوداني في أحياء مختلفة من المدينة، حيث صار لا يفرق بين الأهداف العسكرية والمدنية»، وفق ما جاء في البيان.

وذكرت كذلك أن «كل المستشفيات العامة والخاصة والمراكز الصحية والصيدليات في مدينة ود مدني وأغلب مناطق القري المجاورة خارج الخدمة بشكل كامل وتعرضت أغلبها للنهب».

تحشيد الجيش

إلى ذلك واصل الجيش السوداني التحشيد العسكري لداعميه في الولايات الخاضعة لسيطرته، بهدف الاستعداد لمواجهة «الدعم السريع»، وأجرى ولاة الولاية الشمالية وكسلا والقضارف لقاءات عدة مع مواطنين داعمين للجيش ينشطون ضمن ما أطلق عليه «المقاومة الشعبية المسلحة» و«الهيئة الشعبية لدعم وإسناد القوات المسلحة».

والتقي والي الولاية الشمالية عابدين عوض الله وفد «الهيئة الشعبية لدعم وإسناد القوات المسلحة بوحدة الغابة الإدارية بمحلية الدبة»، واطلع الوالي (الأحد) حسب «وكالة السودان للأنباء» على «جهود الهيئة ودعمها وإسنادها للقوات المسلحة في معركتها ضد (ميليشيا الدعم السريع)».

والي ولاية القضارف السودانية (الأحد) وسط تجمع من مؤيدي الجيش (سونا)

وأشار إلى «ضرورة مواصلة الإعداد والتدريب وفتح (معسكرات الكرامة) للشباب، وكل القادرين على حمل السلاح دفاعاً عن الأرض والعرض، وحماية المواطنين وممتلكاتهم».

وفي ولاية كسلا، نقلت وكالة الأنباء السودانية أن «مواطني محلية ريف ود الحليو أكدوا وقوفهم جنباً إلى جنب مع قوات الشعب المسلحة وإعلان الجاهزية التامة من خلال تدشين (نفرة المقاومة الشعبية) لمواجهة أي عدوان يهدد الولاية عامة والمحلية خاصة».

وتكرر النهج نفسه في ولاية القضارف، الذي التقى واليها المكلف محمد محجوب بعض مواطنيها، وقال إن «الولاية آمنة ومحروسة بالقوات المسلحة والأجهزة الأمنية الأخرى»، مؤكداً حرص «حكومة الولاية على تقديم الدعم المادي والعيني للارتكازات كافة للقيام بدورها كاملاً لحفظ الأمن وحماية الولاية من أي توغل للميليشيات المتمردة».


مقالات ذات صلة

مصر لدعم موقفها في نزاع «سد النهضة» بتحركات مكثفة بنيويورك

شمال افريقيا وزير الخارجية المصري خلال لقائه نظيره الصيني في نيويورك (الخارجية المصرية)

مصر لدعم موقفها في نزاع «سد النهضة» بتحركات مكثفة بنيويورك

كثّفت مصر من تحركاتها الدبلوماسية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لدعم موقفها في نزاع «سد النهضة» الإثيوبي.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا أبو الغيط خلال محادثات مع البرهان في نيويورك (الجامعة العربية)

«الجامعة العربية» تطالب بتمويل خطة مساعدات إنسانية عاجلة للسودان

طالبت جامعة الدول العربية بـ«تمويل خطة مساعدات إنسانية عاجلة للسودان». وأعربت عن استعدادها المشاركة في «أي مساعٍ حميدة» من شأنها إنهاء حالة «الاحتراب الأهلي».

فتحية الدخاخني (القاهرة )
الخليج الربيعة يلقي كلمة السعودية في اجتماع بشأن الوضع الراهن للمساعدات الإنسانية بالسودان (واس)

الربيعة: السعودية بذلت جهوداً حثيثة لإعادة الأمل للسودانيين

أكد الدكتور عبد الله الربيعة المشرف على «مركز الملك سلمان للإغاثة» أن السعودية بذلت جهوداً حثيثة لإيجاد سبل لإعادة الأمل إلى شعب السودان منذ بداية أزمة بلادهم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو أيام تحالفهما (أرشيفية)

البرهان: أدعم جهود إنهاء «احتلال» قوات «الدعم السريع» أراضي بالسودان

قال قائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، اليوم (الخميس)، إنه يؤيد الجهود الرامية لإنهاء الحرب المدمرة في بلده.

«الشرق الأوسط» «الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا وزير الخارجية المصري يشارك في اجتماع وزاري حول السودان على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك (الخارجية المصرية)

مصر تطالب بـ«إنهاء سريع» للقتال الدامي في السودان

طالبت مصر بالعمل سريعاً على إنهاء «القتال الدامي» في السودان، مع السماح بمرور المساعدات الإنسانية للمدنيين الأبرياء، مؤكدةً «ضرورة الحفاظ على كل مؤسسات الدولة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

تجدد الخلافات حول «الميزانية الموحدة» يفجِّر مخاوف الليبيين

المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)
TT

تجدد الخلافات حول «الميزانية الموحدة» يفجِّر مخاوف الليبيين

المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي خلال لقاء خوري بمقر «المجلس الرئاسي» في طرابلس الشهر الماضي (المجلس الرئاسي الليبي)

أبدى سياسيون ومحللون ليبيون تخوفهم من وقوع أزمة جديدة، تتعلق بالمطالبة بـ«قانون موحد للميزانية»، في وقت لا تزال فيه البلاد تتعافى من تأثير أزمة المصرف المركزي.

وتأتي هذه المخاوف بعد دعوة مستشار رئيس المجلس الرئاسي، زياد دغيم، البعثة الأممية، قبيل توقيع اتفاق المصرف المركزي، إلى «قيادة آلية حوار مع مجلس النواب، للوصول إلى قانون ميزانية موحدة، أو الاتفاق على ترتيبات مالية مؤقتة».

المصرف المركزي بالعاصمة طرابلس (صفحة المصرف على فيسبوك)

وعدَّ رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني» الليبي، أسعد زهيو، مطالبة المجلس الرئاسي في هذا التوقيت «بدايةً لظهور قضية خلافية جديدة». ويعتقد زهيو أن هذا المطلب من المجلس الرئاسي يعد «نوعاً من الضغط على كل من البعثة ومجلسَي النواب و(الأعلى للدولة) للقبول بمشاركته، وحليفه المتمثل في رئيس حكومة (الوحدة الوطنية) عبد الحميد الدبيبة، في إدارة عوائد الثروة النفطية». ولفت زهيو إلى مطالبة المجلس الرئاسي بتعيينه مجلس إدارة المصرف المركزي، أو تشكيل لجنة ترتيبات مالية مؤقتة بقيادة محمد المنفي.

البرلمان الليبي أقر مشروع قانون ميزانية موحدة لعام 2024 بقيمة 37 مليار دولار (النواب)

وكان البرلمان الليبي قد أقر في يوليو (تموز) الماضي، مشروع قانون ميزانية موحدة لعام 2024، بقيمة 180 مليار دينار (37 مليار دولار)، إلا أن المجلس الأعلى للدولة رفضها، وقال حينها إنها «أُقرَّت دون التشاور معه»؛ وعدَّ ذلك «مخالفة للاتفاق السياسي والتشريعات النافذة».

وخلال رسالته إلى خوري، قال مستشار المنفي، إن قانون الميزانية الذي أقره البرلمان «خلا من اشتراطات دستورية، توجب تقديم مشروع قانون الميزانية من السلطة التنفيذية، والتشاور مع المجلس الأعلى للدولة قبل تقديم المشروع».

وأوضح زهيو لـ«الشرق الأوسط» أن دغيم «يعرف أن البرلمان لن يقبل التخلي عن مشروع القانون الذي سبق أن أقره قبل 3 أشهر؛ وحتى لو قبل فلن يكون الوصول لهذا القانون متاحاً حالياً، نظراً لانقسام المجلس الأعلى للدولة».

من اجتماع سابق لأعضاء المجلس الأعلى للدولة (المجلس)

ونجحت البعثة الأممية في التوصل لاتفاق ينهي الصراع على إدارة المصرف المركزي، بتعيين قيادة جديدة له. ووفقاً لبنود الاتفاق، تُسند للمحافظ الجديد بالتشاور مع البرلمان مهمة ترشيح أعضاء مجلس إدارة الجديد للمصرف خلال أسبوعين من تسلم مهامه.

من جهته، يعتقد المحلل السياسي الليبي، محمد امطيريد، أن دعوة المجلس الرئاسي لقانون جديد للميزانية، عبارة عن «نوع من الضغط لضمان تقاسم الإيرادات مع القوى الأبرز بالمنطقة الشرقية، المتمثلة في القيادة العامة لـ(الجيش الوطني) بقيادة المشير خليفة حفتر».

غير أن دغيم دافع في تصريحات صحافية عن مطلب «الرئاسي»، وقال إن «السبب الرئيسي لتفجير الأزمة الحالية هو عدم وجود قانون ميزانية يعيد للمصرف المركزي دوره الفني، بعيداً عن الدور السياسي أو تحديد أولويات الإنفاق».

وتتنافس على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى هي «الوحدة الوطنية» المؤقتة ومقرها طرابلس، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والثانية مكلفة من البرلمان، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب، بقيادة أسامة حماد.

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة (الوحدة)

ولم يبتعد المحلل السياسي الليبي، فرج فركاش، عن الآراء السابقة؛ حيث عدَّ ما يحدث مناورة من قبل مستشار المجلس الرئاسي «لضمان حصول الأطراف بالمنطقة الغربية على نصيبهم من كعكة تقاسم (المركزي)، مثلما تحاول بقية القوى الأخرى». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن كافة الأطراف في الساحة «تسعى للحصول على نصيب من الثروة»، بما يمكن توصيفه بمعركة «كسر العظم»، كون هذا «هو السبيل الوحيد لبقائهم في سُدة السلطة؛ خصوصاً وأن لديهم حلفاء وموالين ينفقون عليهم».

يشار إلى أن مستشار المنفي قال إن «وجود قانون ميزانية موحد لسنة 2024، يتطلب 3 اشتراطات دستورية لم تتحقق فيما أصدره البرلمان»، مشيراً إلى أن «الاشتراطات تتمثل في تقديم مشروع قانون للميزانية من السلطة التنفيذية، على أن تتشاور تلك السلطة مع المجلس الأعلى للدولة بشأنه؛ ثم يقر مجلس النواب المشروع، وفق التعديل السادس للإعلان الدستوري».