إثيوبيا وأرض الصومال... الأمن مقابل منفذ البحر

رئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي وآبي أحمد يحضران توقيع اتفاقية مذكرة التفاهم (رويترز)
رئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي وآبي أحمد يحضران توقيع اتفاقية مذكرة التفاهم (رويترز)
TT

إثيوبيا وأرض الصومال... الأمن مقابل منفذ البحر

رئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي وآبي أحمد يحضران توقيع اتفاقية مذكرة التفاهم (رويترز)
رئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي وآبي أحمد يحضران توقيع اتفاقية مذكرة التفاهم (رويترز)

ألقت إثيوبيا حجراً في بركة ساكنة، بتوقيعها مذكرة تفاهم للاستحواذ على حصة غير محددة من ميناء بربرة، الواقع في أراضي جمهورية أرض الصومال، المعلنة من جانب واحد، لتفجر خلافاً قديماً متجدداً، مع جارتها الشرقية الصومال، التي أعلنت رفضها للاتفاقية، وسحبت سفيرها في العاصمة أديس أبابا للتشاور.

وتبحث إثيوبيا، الدولة المحرومة من أي إطلالة بحرية، منذ فترة طويلة، للحصول على منفذ بحري يحقق لها طموحاتها الاقتصادية مع دول مطلة على البحر الأحمر في القرن الأفريقي. وتعتمد حالياً على ميناء جيبوتي المجاورة، في نحو 95 في المائة من تجارتها البحرية. وحاولت إثيوبيا خلال الأعوام السابقة إنجاز اتفاقات مع إريتريا والسودان وكينيا، لاستخدام موانئها (عصب/شمال شرق، وبورتسودان/شمال غرب، ولامو الكيني/جنوب غرب). لكن محاولاتها لم يكتب لها النجاح مع إريتريا، خاصة بعد حرب التغراي، كما فشلت مع السودان التي غرقت في انقلابات وحرب أهلية.

اتفاقية تحقق مصالح الطرفين

وينص الاتفاق على منح إثيوبيا منفذاً على البحر الأحمر على طول 20كلم، لا سيما في ميناء بربرة، لمدة 50 عاماً. في المقابل «ستعترف إثيوبيا رسمياً بجمهورية أرض الصومال» كما أعلن موسى بيهي عبدي، زعيم هذه المنطقة التي لم تعترف بها الأسرة الدولية منذ إعلان استقلالها عن الصومال في عام 1991.

ويتيح استخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر، نقل ما مقداره 30 في المائة على الأقل، من التعاملات التجارية الإثيوبية مع جيبوتي. وحسب رضوان حسين، مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، فإن مذكرة التفاهم تمهد الطريق لإثيوبيا للتجارة البحرية في المنطقة، بمنحها إمكانية الوصول إلى قاعدة عسكرية مستأجرة على البحر الأحمر؛ ما يعني أن جمهورية أرض الصومال ستحصل على الأمن في المنطقة المضطربة، مقابل بيع جزء من أراضيها إلى أديس أبابا، كمنفذ على البحر الاحمر. وبحسب الاتفاقية، ستحصل أرض الصومال أيضاً على حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة.

الخبير في شؤون القرن الأفريقي، عبد الشكور عبد الصمد، يقول لـ«الشرق الأوسط»: إن الاتفاقية التي ستمتد لنحو نصف قرن من الزمان، ستفيد جمهورية أرض الصومال في تحديث بنيتها التحتية، وفي إقامة الطرق والسكك الحديدية، والاستفادة من كهرباء سد النهضة على وجه الخصوص، كما يمكن أن تحصل على حماية عسكرية، بعد توسيع الاتفاقية.

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد (أ.ب)

وكان آبي أحمد قال قبل أشهر إن بلاده في حاجة إلى تعزيز حقها في الوصول إلى البحر، في تصريح أثار مخاوف في المنطقة. وأكد أن «وجود إثيوبيا كأمة (كان) مرتبطاً بالبحر الأحمر»، وأن بلاده في حاجة إلى ميناء، عادّاً أن «السلام» في المنطقة يقوم على «تقاسم متبادل متوازن» بين إثيوبيا وجيرانها في القرن الأفريقي المطلّين على البحر الأحمر، ذاكراً تحديداً جيبوتي وإريتريا والصومال.

وفي مواجهة المخاوف التي أثارتها تصريحاته، أكد أنه «لن يحصل أبداً على مصالحه بالحرب».

وذكرت «وكالة الأنباء الإثيوبية» (إنا)، أن مذكرة التفاهم تؤكد من جديد الموقف المبدئي للحكومة الإثيوبية المتمثل في تعزيز المصالح المتبادلة، من خلال التعاون على أساس المعاملة بالمثل، في حين قال مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، عبر منصة «إكس»، الاثنين: إن الاتفاق «سيفتح الطريق أمام تحقيق تطلع إثيوبيا إلى تأمين وصولها إلى البحر، وتنويع وصولها إلى الموانئ البحرية». وأضاف، أن الاتفاق يعزز أيضاً الشراكة الأمنية والاقتصادية والسياسية للطرفين الموقعين.

استحواذ جزئي أم كامل؟

ورغم أن مذكرة التفاهم لم تحدد نسبة الاستحواذ لميناء بربرة، فإن عبد الصمد، من أديس أبابا، أشار إلى أنها قد تكون نسبة استحواذ كاملة، وسيكون الميناء تحت إشراف كامل من الدولة الإثيوبية. وتقول سلطات إثيوبيا إنها ستعلن التفاصيل كاملة رسمياً خلال فترة وجيزة.

وكانت اتفاقية سابقة أبرمت في مارس (آذار) 2018، تمتلك بموجبها «موانئ دبي العالمية» على 51 في المائة من المشروع، و30 في المائة لـ«موانئ أرض الصومال»، بينما تبلغ حصة إثيوبيا 19 في المائة. وكجزء من الاتفاقية، ستستثمر الحكومة الإثيوبية في البنية التحتية لتطوير ممر بربرة كبوابة تجارية لها، ولكن يبدو أن هذه الاتفاقية لم تر النور.

ولم يعد لإثيوبيا منفذ بحري منذ استقلال إريتريا في عام 1993. واستفادت من منفذ على ميناء عصب الإريتري، لكنها خسرته خلال النزاع بين البلدين بين عامي 1998 و2000. وتعتمد إثيوبيا الآن على ميناء جيبوتي في صادراتها ووارداتها.

ولم تحصل أرض الصومال على اعتراف دولي واسع النطاق، رغم إعلانها الحكم الذاتي بعيداً عن الصومال في عام 1991. وتعد إثيوبيا من أوائل الدول التي اعترفت بجمهورية أرض الصومال في عهد الرئيس مليس زيناوي (1955 - 2012)، في حين حصلت على اعترافات ضمنية من دول أخرى، من خلال السماح بإقامة ممثليات دبلوماسية، أو معاملات تجارية. وكان وفد من الاتحاد الأوروبي قد راقب الانتخابات التي جرت في أرض الصومال، وهنأ الشعب والحكومة ومفوضية الانتخابات والأحزاب السياسية في أرض الصومال على إجراء الانتخابات بنجاح.

وسجلت زيارات متبادلة بين المسؤولين في كينيا وأرض الصومال خلال الفترات الماضية. ويسافر الصوماليون بجوازات تابعة لأرض الصومال إلى جميع أنحاء العالم من دون أي عقبات.

رئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي (رويترز)

وتقول الصومال: إن جمهورية أرض الصومال جزء من أراضيها. وقالت «وكالة الأنباء الوطنية الصومالية» (صونا)، الأسبوع الماضي: إنه بعد جهود وساطة تزعمتها جيبوتي، اتفقت الصومال وأرض الصومال على استئناف محادثات تستهدف حسم نزاعاتهما.

احتجاج صومالي شديد اللهجة

واستدعى الصومال سفيره لدى إثيوبيا للتشاور؛ احتجاجاً على مذكرة التفاهم الإثيوبية مع أرض الصومال. وعقد مجلس الوزراء الصومالي، برئاسة حمزة عبدي باري، اجتماعاً طارئاً، الثلاثاء؛ لبحث الخطوة التي وصفتها حكومة الصومال بأنها «انتهاك إقليمي غير قانوني»، وفقاً لما نشرته وكالة الأنباء الصومالية. وقال الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، في تدوينة على منصة «إكس»: «أدنّا الانتهاك غير المشروع الذي قامت به إثيوبيا لسيادتنا الوطنية وسلامتنا الإقليمية ورفضناه. لا يمكن، ولن يمكن لأحد، أن ينتزع شبراً من الصومال. الصومال ملك للشعب الصومالي. هذا أمر محسوم».

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (رويترز)

من جانبه، أكد رئيس الوزراء الصومالي عزم الحكومة على حماية سيادة البلاد، وقال: «ما من أحد يمكنه أن ينتهك أي جزء من أراضي الصومال أو بحره أو جوه». وأصدر مجلس الوزراء الصومالي بياناً عقب اجتماعه الطارئ، قال فيه: إن توقيع مذكرة التفاهم «لا أساس له من الصحة، وهو اعتداء سافر على السيادة الداخلية لجمهورية الصومال الفيدرالية».

ودعا البيان الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، إلى اجتماع طارئ بهذا الخصوص.

وتشهد العلاقات بين إثيوبيا والصومال توتراً حاداً منذ عقود، كما توجد خلافات تاريخية بين دول القرن الأفريقي، إلا أن الخبير عبد الصمد يقول: إن «مياهاً كثيرة جرت تحت الجسر»، وصارت المصالح الاقتصادية وسياسات الانفتاح توفر باباً للتقارب بين هذه الدول.

الوضع مع إريتريا

ورغم أن السلطات الرسمية في إريتريا لاذت بالصمت إزاء الاتفاقية بين إثيوبيا وأرض الصومال، فإن مراقبين يرون أن أسمرا ربما لا تعجبها الاتفاقية، ولكنها لن تعلق عليها. ويقول عبد الصمد: إن إريتريا ربما تكون قد أضاعت فرص اتفاق سابق كان سيدرّ عليها أموالاً طائلة من إثيوبيا عن طريق استخدام ميناء عصب. ويضيف: إن إثيوبيا، بتوقيعها على هذه الاتفاقية، لن تغفل عن الاتفاقيات السابقة مع إريتريا والسودان، وربما تعود إليها في أوقات لاحقة «لأن إثيوبيا تعمل من أجل تنويع مصادر تعاملاتها التجارية، في ظل أن الدولة التي تحتضن كثافة سكانية عالية تقدر بنحو 120 مليون نسمة، تحتاج إلى تحريك عجلة اقتصادها لمواجهة التحديات الكبيرة».


مقالات ذات صلة

مشاركة لافتة في أول انتخابات مباشرة بالصومال

شمال افريقيا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال الإدلاء بصوته (وكالة الأنباء الصومالية)

مشاركة لافتة في أول انتخابات مباشرة بالصومال

أفادت السلطات الصومالية، الخميس، بأن انتخابات المجالس المحلية شهدت «إقبالاً واسعاً» في أول انتخابات مباشرة تجري بالبلاد منذ 57 عاماً.

محمد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)

مقديشو تشهد أول انتخابات محلية مباشرة منذ عقود

زخم وترتيبات كبيرة تشهدها أول انتخابات مباشرة في الصومال منذ نحو 6 عقود، وذلك بعقد اقتراع المجالس المحلية لإقليم بنادر الذي يضم العاصمة مقديشو، الخميس.

محمد محمود (القاهرة )
العالم العربي قائد قوات الشرطة الوطنية بالصومال العميد أسد عثمان عبد الله (وكالة الأنباء الصومالية)

الصومال يتأهب أمنياً لأول انتخابات مباشرة منذ 6 عقود

وسط إجراءات أمنية غير مسبوقة تقترب أول انتخابات مباشرة في الصومال منذ عقود، من خطوة التصويت الشعبي، الخميس المقبل، وسط خلافات بين الحكومة الفيدرالية والمعارضة.

محمد محمود (القاهرة)
أفريقيا صورة أطفال نشرها المتحدث باسم الرئاسة النيجيرية صنداي داري (إكس)

نيجيريا: الجيش يعلن القضاء على 21 «داعشياً»

أعلن الجيش النيجيري القضاء على 21 من عناصر تنظيم «داعش في غرب أفريقيا»، خلال عملية عسكرية لمحاربة الإرهاب بولاية بورنو، أقصى شمال شرقي البلاد.

الشيخ محمد (نواكشوط)
شمال افريقيا جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)

تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو

جدد مجلس الأمن الدولي ولاية «بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)» حتى 20 ديسمبر (كانون الأول) 2026.

محمد محمود (القاهرة)

رئيس وزراء السودان: مبادرتنا للسلام تستند إلى مرجعيات منها إعلان جدة

رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)
TT

رئيس وزراء السودان: مبادرتنا للسلام تستند إلى مرجعيات منها إعلان جدة

رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)
رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس (أرشيفية - رويترز)

قال رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، اليوم الجمعة، إن الحكومة عرضت رؤيتها للسلام خلال جلسة مفتوحة لمجلس الأمن الدولي، حيث تستند إلى مرجعيات من بينها إعلان منبر جدة، مشدداً على أن بلاده لن تقبل بوجود أي قوات أممية أو أي رقابة مفروضة عليها.

وأوضح إدريس، خلال مؤتمر صحافي في بورتسودان بعد عودته من الولايات المتحدة، أن معظم التفاعلات في جلسة مجلس الأمن تجاه مبادرة الحكومة للسلام كانت «إيجابية»، وأكد أن هذه المبادرة من شأنها أن توقف الحرب وتحقق السلام العادل والشامل للشعب السوداني.

وأضاف رئيس الوزراء: «نحن دعاة سلام ولسنا دعاة حرب، بل الحرب قد فُرضت علينا»، محذراً من أن أي هدنة لا يصاحبها نزع سلاح مَن سماهم «الميليشيات» ستؤدي إلى تعقيد الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين.

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في مبنى الأمم المتحدة بنيويورك (صور الأمم المتحدة)

وأوضح أن مبادرة الحكومة للسلام تستند إلى مرجعيات عدة، منها قرارات مجلس الأمن وإعلان منبر جدة الموقع في مايو (أيار) 2023، إلى جانب الزيارات التي أجراها رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان لا سيما لمصر وقطر.

كان رئيس الوزراء السوداني قد توجه إلى الولايات المتحدة يوم السبت الماضي ليبحث مع مسؤولين بالأمم المتحدة تعزيز التعاون بين الجانبين ويجري مشاورات بشأن تداعيات الحرب وآفاق السلام.

اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023 بعد صراع على السلطة خلال فترة انتقالية كان من المفترض أن تفضي إلى إجراء انتخابات للتحول إلى حكم مدني.

وتسيطر «قوات الدعم السريع» الآن على إقليم دارفور بالكامل في غرب السودان، بعدما أعلنت سيطرتها مؤخراً على مدينة الفاشر عقب حصارها لمدة 18 شهراً، فيما يسيطر الجيش على النصف الشرقي من البلاد.


مشاركة لافتة في أول انتخابات مباشرة بالصومال

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال الإدلاء بصوته (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال الإدلاء بصوته (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

مشاركة لافتة في أول انتخابات مباشرة بالصومال

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال الإدلاء بصوته (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال الإدلاء بصوته (وكالة الأنباء الصومالية)

أفادت السلطات الصومالية، أمس (الخميس)، بأن انتخابات المجالس المحلية شهدت «إقبالاً واسعاً» في أول انتخابات مباشرة تجري بالبلاد منذ 57 عاماً.

ذلك الإقبال الذي تحدثت عنه مقديشو، تؤكده الصور التي تخرج من مراكز الاقتراع الـ523، ويراه خبير في الشؤون الأفريقية «يعكس رغبة شعبية خالفت رهانات المعارضة بعدم المشاركة، وتشكل فرصة لمسار ديمقراطي قد يتشكل عبر الانتخابات المباشرة، مما يدفع الرافضين لهذا المسار لبدء حوار بشأن المستقبل، لا سيما قبل رئاسيات 2026».

وتوافد سكان محافظة بنادر إلى مراكز الاقتراع للمشاركة في انتخابات المجالس المحلية المباشرة، في أول عملية انتخابية من هذا النوع تشهدها العاصمة مقديشو منذ نحو 6 عقود.

وافتُتح 523 مركزاً للاقتراع في تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي، وأغلقت عند السادسة مساءً، وسط إجراءات تنظيمية وأمنية مشددة شملت 16 مديرية من مديريات المحافظة التي تضم العاصمة مقديشو، وفق ما نقلته «وكالة الأنباء الصومالية»، الخميس، مشيرة إلى وجود «إقبال واسع على مراكز الاقتراع في بنادر».

وبحسب الجهات المختصة، تسلّم 503 آلاف و916 ناخباً بطاقات الاقتراع من بين المسجلين، تمهيداً للإدلاء بأصواتهم لاختيار ممثليهم في المجالس المحلية. وكان نظام التصويت المباشر قد أُلغي في الصومال بعد تولي الرئيس محمد سياد بري، السلطة عام 1969. ومنذ سقوط حكومته في 1991 يقوم النظام السياسي في البلاد على هيكل قبلي، فيما أعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود عن تسجيل 20 من التنظيمات السياسية، لافتة إلى أن 1604 مرشحين يتنافسون في انتخابات المجالس المحلية.

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية، الدكتور علي محمود كلني، أن «تسجيل الانتخابات إقبالاً شعبياً لافتاً تجاوز التوقعات، عكس رغبة واضحة لدى سكان مقديشو في الانخراط بالعملية السياسية، وطيّ صفحة طويلة من العزوف القسري عن المشاركة الديمقراطية»، مشيراً إلى أنه «يُنظر إلى هذا الحراك الشعبي بوصفه مؤشراً على تعافٍ تدريجي تشهده العاصمة، سياسياً وأمنياً واجتماعياً، بعد سنوات من الهشاشة والصراع».

وأكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود عقب الإدلاء بصوته، وذلك في مركز مسرح الدولة الوطنية، أن انتخابات المجالس المحلية في محافظة بنادر، تمثل «محطة تاريخية مفصلية وحلماً طال انتظاره»، مشيراً إلى أنها تشكل خطوة أساسية تقود البلاد نحو الانتخابات الدستورية الشاملة.

طوابير من الناخبين خلال الإدلاء بأصواتهم في محافظة بنادر (وكالة الأنباء الصومالية)

وعقب الإدلاء بصوته في ذلك الاقتراع، أكد رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، أن الانتخابات المباشرة لمجالس الإدارة المحلية في إقليم بنادر تمثل خطوة مهمة لتعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد في البلاد.

وتقدمت سفارة الصومال بمصر في بيان، بالتهنئة لشعب وحكومة الصومال على بدء الانتخابات المحلية، مؤكدة أنها لحظة تاريخية وتحويلية، حيث يشارك المواطنون في هذه العمليات الديمقراطية لأول مرة منذ نحو 6 عقود.

ويعتقد كلني أن طريقة إدارة الحكومة للعملية الانتخابية، إلى جانب المشهد العام الذي ساد المدينة خلال يوم الاقتراع، حملا رسائل سياسية متعددة؛ من أبرزها قدرة الدولة على تنظيم استحقاقات انتخابية في بيئة أمنية معقّدة، والحدّ من المخاوف التي روّجت لها أطراف معارضة بشأن استحالة تطبيق مبدأ «صوت واحد لكل مواطن» في مقديشو.

وكان «مجلس مستقبل الصومال»، الذي يضم قوى سياسية معارضة، أعلن في ختام اجتماع عقده المجلس بمدينة كيسمايو، الأسبوع الماضي، رفضه الانتخابات المحلية، قائلاً إنها عملية «أحادية الاتجاه» تفتقر إلى التوافق الوطني. ومنح المجلس، الرئيس حسن شيخ محمود، مهلة لمدة شهر واحد لعقد حوار شامل لتجنب «فراغ دستوري محتمل وصراعات سياسية قد تهدد الاستقرار».

ورغم الشكوك العميقة التي عبّرت عنها قوى المعارضة حيال إجراء انتخابات المجالس المحلية في العاصمة مقديشو، والمخاوف الواسعة من احتمالات الاضطراب الأمني والسياسي، شهدت المدينة محطة سياسية غير مسبوقة، تمثلت في إجراء انتخابات محلية بعد ما يقارب 60 عاماً من الانقطاع، وفق كلني.

نائب رئيس الوزراء الصومالي صالح أحمد جامع خلال الإدلاء بصوته (وكالة الأنباء الصومالية)

وقد شكّلت هذه الانتخابات حدثاً استثنائياً في الوعي الجمعي، لا سيما لدى ما يقارب 3 أجيال من سكان العاصمة الذين لم يسبق لهم أن عايشوا عملية اقتراع رسمية مباشرة، يُمنح فيها المواطن حق اختيار ممثليه السياسيين عبر صندوق الاقتراع.

ويتصاعد الجدل داخل الصومال بشأن الانتخابات المباشرة المرتقبة عام 2026، بعد 57 عاماً من آخر اقتراع، والذي أُجري عام 1968، والتي تأتي بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، التي كانت تعتمد في الأساس على المحاصصة القبلية في ولايات البلاد الخمس، والتي جرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية»، وفي ظل سيطرة 4 عشائر كبرى هي: هوية، ودارود، ورحنوين، ودِر.

وعلى مدى عام تقريباً، تصاعدت الأزمة السياسية بقوة، وكانت العودة لاستكمال دستور 2012 المؤقت هي الشرارة الأبرز التي فاقمت الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وولايتي بونتلاند وجوبالاند من جانب، و«منتدى الإنقاذ الصومالي» من جانب آخر. واشتدت الخلافات بين الرئيس الصومالي والمعارضة بعد تأسيسه حزب «العدالة والتضامن» في 13 مايو (أيار) الماضي، وتسميته مرشحاً للحزب في الانتخابات المباشرة المقبلة، وسط تحركات للمعارضة وتشكيل تحالفات.

رئيس الوزراء الصومالي خلال جولة تفقدية في عدد من مراكز الاقتراع بالعاصمة مقديشو (وكالة الأنباء الصومالية)

وسيطوي زخم الإقبال في تلك الانتخابات مشهد الخلافات، بحسب ما يعتقد كلني، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط»، أن مشهد الإقبال في الانتخابات قد يسفر عن ارتفاع مستوى الثقة الشعبية بالحكومة، لا سيما بالحزب الحاكم، بوصفه الجهة التي أشرفت على إنجاز الاستحقاق الانتخابي، وتعزيز ثقة الأحزاب والتنظيمات السياسية في المنظومة الأمنية الوطنية وقدرتها على تأمين الاستحقاقات الديمقراطية، وتحوّل تدريجي في موقف المعارضة التي كانت تشكك في إمكانية إجراء انتخابات مباشرة بالعاصمة.

ويتوقع أيضاً انجذاب شرائح من المتعاطفين مع المعارضة نحو الحكومة، مع احتمال انضمام بعضهم إلى صفوف الحزب الحاكم، فضلاً عن ازدياد ثقة المجتمع الدولي في المسار الانتخابي الصومالي، واستمرار دعمه لحكومة الرئيس حسن شيخ محمود من أجل تعميم الانتخابات المباشرة على كامل البلاد.


البرهان وإردوغان يناقشان «التعاون الدفاعي»

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)
TT

البرهان وإردوغان يناقشان «التعاون الدفاعي»

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان خلال استقباله رئيس المجلس السيادي في السودان عبد الفتاح البرهان في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع رئيس «مجلس السيادة» السوداني عبد الفتاح البرهان، آخر التطورات في السودان، و«التعاون الدفاعي» بين الجانبين، في ظل التطورات الأخيرة في السودان، وضمنها تحقيق «قوات الدعم السريع» تقدماً في ولاية شمال دارفور قرب الحدود مع تشاد.

واستقبل إردوغان، البرهان، بمراسم رسمية في القصر الرئاسي بأنقرة، أمس (الخميس)، ثم عقدا جلسة ثنائية، أعقبتها جلسة موسعة بحضور عدد من الوزراء. وتناولت المباحثات العلاقات الثنائية والتطورات في السودان، والخطوات الكفيلة بتحقيق الاستقرار الإقليمي، والتعاون الدفاعي بين أنقرة والخرطوم، حسبما ذكرت الرئاسة التركية.

وكانت تقارير كشفت سابقاً عن تزويد تركيا للجيش السوداني بطائرات مسيَّرة، العام الماضي، استخدمها لتحقيق تقدم مهم ضد «قوات الدعم السريع» في مناطق مثل الخرطوم والأبيض.

كما أعرب مندوب تركيا الدائم لدى الأمم المتحدة، أحمد يلدز، قبل أيام، عن إدانة بلاده الشديدة لـ«الظلم» الذي تمارسه «قوات الدعم السريع» ضد المدنيين في السودان.