«الحكومة المصغرة» والانتخابات الليبية... خلافات متجددة بين «النواب» و«الأعلى للدولة»

عقب تصريحات متضاربة لصالح وتكالة

عقيلة صالح (مجلس النواب الليبي)
عقيلة صالح (مجلس النواب الليبي)
TT

«الحكومة المصغرة» والانتخابات الليبية... خلافات متجددة بين «النواب» و«الأعلى للدولة»

عقيلة صالح (مجلس النواب الليبي)
عقيلة صالح (مجلس النواب الليبي)

جدد الحديث عن الانتخابات الليبية و«الحكومة الجديدة المصغرة» الخلافات من جديد بين مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة. وبينما أشار رئيس البرلمان عقيلة صالح، في تصريحات كثيرة أخيراً، إلى «تمسكه بجاهزية القوانين الانتخابية» التي أقرها مجلسه قبل شهرين بوصفه أساسا لإجراء الانتخابات، وأنه «لا مجال لتغييرها»، أكد رئيس المجلس الأعلى، محمد تكالة، «ضرورة التوصل لقوانين انتخابية ترضي الأطراف الليبية كافة».

الخلاف بين صالح وتكالة لم يكن فقط بشأن قوانين الانتخابات، بل امتد أيضاً إلى تشكيل «الحكومة المصغرة الجديدة» التي ستتولى الإشراف على العملية الانتخابية، فبعدما ذكر صالح أن «تشكيل الحكومة المصغرة سيحسم نهاية الشهر الحالي»، دعا تكالة إلى «مناقشة ملف المناصب السيادية». وهنا يرى سياسيون أن «تباين وجهات النظر بين صالح وتكالة لن يؤدي إلا إلى تأجيل الانتخابات فعلياً».

عضو مجلس النواب الليبي، حسن الزرقاء، حمل تكالة مسؤولية «عرقلة إجراء الانتخابات»، بسبب اعتراضه على القوانين التي أقرها البرلمان في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، خاصة أن تلك القوانين تم إعدادها من قبل لجنة مشتركة من أعضاء من المجلسين وهي لجنة «6 + 6»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «إصرار تكالة على مناقشة ملف المناصب السيادية والتوافق حولها مع مجلس النواب، ثم إعادة النظر بالقوانين الانتخابية، لن يؤدي إلا إلى استنزاف مزيد من الوقت، وهو ما يصب في صالح استمرارية بقاء حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة في موقعها على رأس السلطة في طرابلس».

المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي عبّر عن قلقه إزاء انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا (البعثة)

الزرقاء يرى، أنه في ظل جاهزية القوانين وتقارب كتلة كبيرة من أعضاء «الأعلى للدولة» والمسار الذي يطرحه مجلس النواب بالذهاب سريعاً لتشكيل «حكومة جديدة موحدة»، فإنه يتوجب «على البعثة الأممية عدم إضاعة مزيد من الوقت، وحسم الأمر بتقديم مبادرة جديدة تنصب على رعايتها لحوار بين المجلسين بشأن تشكيل هذه الحكومة الجديدة، وتحديد مهامها ومدتها للوصول إلى إجراء الانتخابات».

أما عضو مجلس النواب الليبي، عمار الأبلق، فأكد لـ«الشرق الأوسط» أن تصريحات صالح وتكالة أو «رسائلهما المبطنة» لن تسفر إلا عن «تأزيم المشهد السياسي المتأزم بالأساس». واستبعد الأبلق «حدوث أي حلحلة في الأزمة الليبية حالياً». ودلل على ذلك «بانشغال الأطراف الغربية والإقليمية المؤثرة بالساحة الليبية بمجريات حرب غزة».

كما استبعد الأبلق أن يكون لدى مجلس النواب أي إمكانية ليشكل بمفرده لتشكيل «حكومة موحدة» تسيطر على عموم البلاد حتى لو حصل على دعم كتلة من أعضاء «الأعلى للدولة»، ودعم من أي قوة، أو شخصية عسكرية بالمنطقة الغربية، ويرى أن الإقدام على تفعيل مثل هذا الإجراء «سيكون تكرارا للسيناريو الذي وضعه مجلس النواب قبل عامين، عندما شكل حكومة جديدة للبلاد، وعهد برئاستها حينذاك إلى وزير الداخلية الأسبق فتحي باشاغا، لكنه لم يستطع إزاحة حكومة الدبيبة ما أدى إلى حكومتين تتنازعان على السلطة».

ولفت الأبلق، إلى أن «القوى المسلحة بالمنطقة الغربية متعددة، ولا تخضع لسيطرة شخصية واحدة، وتحالف أغلبها حالياً مع الدبيبة»، مشدداً على أن المخرج الرئيسي «هو تقديم الأفرقاء الليبيين لتنازلات والاكتفاء بإجراء الانتخابات التشريعية، ليقوم البرلمان الجديد بحسم أي خلاف حول الانتخابات الرئاسة»، لكنه عاد وأكد أن «هذا الأمر غير متوقع».

محمد تكالة (المجلس الأعلى للدولة)

من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي، كامل المرعاش، إن مبادرة المبعوث الأممي عبد الله باتيلي بدعوة الأطراف الرئيسية الخمسة، صالح، وتكالة، والدبيبة، ورئيس المجلس الرئاسي، ومحمد المنفي، وقائد «الجيش الوطني» خليفة حفتر، للتوافق على قوانين الانتخابات وتشكيل «حكومة جديدة مصغرة»، «لا تزال قائمة ولم تنته بعد»، مشيراً إلى «الزيارات الخارجية التي قام بها باتيلي لدول جوار ودول إقليمية مؤثرة بالساحة الليبية للترويج لمبادرته ودعمها».

وأوضح المرعاش لـ«الشرق الأوسط» أن هناك فرصة كبيرة لأن تضغط تلك القوى، والدول المعنية بدرجة كبيرة باستقرار ليبيا، بما يُسهم في تراجع كل أفرقاء الأزمة عن مواقفهم المعلنة، والتي هي بالأساس ليست مواقف نهائية، وإنما تصريحات تطلق في إطار المناكفات السياسية.


مقالات ذات صلة

ليبيا تترقب مرحلة ثانية من انتخابات محلية «أكثر تعقيداً»

شمال افريقيا ليبيون يصطفون انتظاراً للإدلاء بأصواتهم في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية نوفمبر الماضي (مفوضية الانتخابات)

ليبيا تترقب مرحلة ثانية من انتخابات محلية «أكثر تعقيداً»

يرجع متابعون أهمية خاصة لهذه الجولة الانتخابية كونها تستهدف «البلديات الأكبر وذات الأوزان السياسية المهمة وفي طليعتها طرابلس وبنغازي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا تدشين أولى رحلات الخطوط التركية بعد غياب دام سنوات (حكومة شرق ليبيا)

تركيا تواصل انفتاحها على شرق ليبيا بتدشين رحلات إلى بنغازي

دشنت وزارة الطيران المدني بحكومة شرق ليبيا وأعضاء بمجلس النواب وعدد من القيادات الأمنية والعسكرية مراسم عودة الرحلات الجوية بين تركيا وبنغازي بعد توقف دام سنوات

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا الدبيبة ووزيرة العدل في حكومته المؤقتة (وزارة العدل)

ليبيا: مطالب بالتحقيق في وقائع «تعذيب» بسجن خاضع لنفوذ حفتر

أدانت حكومة «الوحدة» الليبية على لسان وزارة العدل التابعة لها، «استمرار ممارسات التعذيب والإخفاء القسري» في إشارة إلى تسريبات سجن قرنادة في شرق ليبيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة مستقبلاً وزير القوات المسلحة السنغالي (حكومة الوحدة)

الدبيبة يبحث تعزيز التعاون العسكري مع السنغال

قالت حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة إن رئيسها عبد الحميد الدبيبة ناقش سبل تعزيز التعاون العسكري بين ليبيا والسنغال.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا النائب العام الليبي المستشار الصديق الصور (مكتب النائب العام)

تسريبات «قديمة» لتعذيب سجناء تعيد مطالب فتح ملف المعتقلات الليبية

تداول ليبيون على نطاق واسع مقاطع فيديو قالوا إنها من داخل سجن «قرنادة» بمدينة شحّات بشرق البلاد وتظهر الاعتداءات على سجناء شبه مجردين من ملابسهم بالضرب.

جمال جوهر (القاهرة)

ليبيا تترقب مرحلة ثانية من انتخابات محلية «أكثر تعقيداً»

ليبيون يصطفون انتظاراً للإدلاء بأصواتهم في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية نوفمبر الماضي (مفوضية الانتخابات)
ليبيون يصطفون انتظاراً للإدلاء بأصواتهم في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية نوفمبر الماضي (مفوضية الانتخابات)
TT

ليبيا تترقب مرحلة ثانية من انتخابات محلية «أكثر تعقيداً»

ليبيون يصطفون انتظاراً للإدلاء بأصواتهم في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية نوفمبر الماضي (مفوضية الانتخابات)
ليبيون يصطفون انتظاراً للإدلاء بأصواتهم في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية نوفمبر الماضي (مفوضية الانتخابات)

يترقب الليبيون المرحلة الثانية من الاقتراع على المجالس المحلية، نهاية يناير (كانون ثاني) الحالي، في عملية تبدو «أكثر تعقيداً» من سابقتها التي جرت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بحسب «المفوضية العليا للانتخابات»، وسط تحديات أمنية تهيمن على المشهد الليبي، وفق مراقبين.

وجاء الإقرار الرسمي بأن المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية ستكون ساخنة من زاوية «لوجيستية»، خصوصاً مع «زيادة أعداد الناخبين ومراكز الاقتراع ثلاثة أضعاف ما كان بالمرحلة الأولى»، حسب تصريحات رئيس المفوضية عماد السايح، الذي لم يحدد موعد إجرائها بعد، لكنه رأى ضرورة «توفير الدعم اللازم لها».

رئيس المفوضية الوطنية للانتخابات عماد السايح (مفوضية الانتخابات)

ومن المقرر أن تُجرى انتخابات المرحلة الثانية في 63 بلدية، منها 41 بلدية في المنطقة الغربية، و13 بلدية بالمنطقة الشرقية، إضافة إلى 9 بلديات في المنطقة الجنوبية، حسب قرار صادر عن المفوضية الأسبوع الماضي.

ويرصد المحلل السياسي الليبي، أيوب الأوجلي، أهمية خاصة لهذه الجولة الانتخابية، كونها تستهدف «البلديات الأكبر وذات الأوزان السياسية المهمة، وفي طليعتها طرابلس وبنغازي»، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى رغبة المفوضية في «الذهاب بعيداً لإنجاز هذا الاستحقاق الانتخابي».

وفي 16 نوفمبر الماضي أجريت انتخابات المجموعة الأولى في 58 بلدية، شهدت إقبالاً كبيراً بلغ 74 في المائة من إجمالي عدد من يحق لهم التصويت، بحسب بيانات المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.

وفي المنطقة الشرقية، أعلن رئيس المفوضية عماد السايح عن بدء الاستعدادات للجولة الثانية من الانتخابات، بلقاء مع مسؤولي مكاتب الإدارة الانتخابية، واطمأن إلى استكمال « التحضيرات اللازمة لتنظيم الانتخابات وفق أعلى معايير الشفافية والنزاهة».

رئيس البرلمان عقيلة صالح لدى الإدلاء بصوته في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية نوفمبر الماضي (مفوضية الانتخابات)

وبخصوص الإجراءات الأمنية، أكد وزير الداخلية بحكومة شرق ليبيا، اللواء عصام أبو زريبة، أن «إدارة حماية وتأمين الانتخابات على أتم الاستعداد دائماً للتنسيق لإجراء أي اقتراع، من خلال غرف أمنية خاصة بها في المناطق كافة».

وبهذا الخصوص قال أبو زريبة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «نحن مستعدون للانتخابات دائماً، ونجدد نشاط منتسبينا من خلال عقد ورش العمل الخاصة بالشأن ذاته لرفع مستوى الأداء».

ومع ذلك، فإن ناشطين ومتابعين عبّروا عن مخاوف مما وصفوها بـ«توترات قبلية» في شرق ليبيا واكبت الجولة الأولى، الأمر الذي نفاه أبو زريبة قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إنه «صراع ديمقراطي تنافسي بين مكونات المجتمع، كون التركيبة السكانية قبلية».

في المقابل، يبدو التحدي الأمني أكثر وضوحاً في المنطقة الغربية، حسب متابعين، ومثال على ذلك فإنه من المقرر أن تُجرى الانتخابات في 5 دوائر انتخابية تابعة لمدينة الزاوية، علماً بأنها تشهد عملية عسكرية «مثيرة للجدل» ضد ما وصفتها حكومة غرب ليبيا ضد «أوكار مخدرات وتهريب وقود».

وازداد الغموض والتساؤلات بعد مظاهرات اندلعت في مدن بغرب ليبيا هذا الأسبوع، عقب بث اعتراف نجلاء المنقوش، في لقاء تلفزيوني بتفاصيل اجتماعها السري في إيطاليا، العام قبل الماضي، مع نظيرها الإسرائيلي، إيلي كوهين.

وفي هذا السياق، أبدى المحلل السياسي، أيوب الأوجلي، قلقاً مما عدّها «مجموعات مسلحة تأتمر بأمر قادة سياسيين يسيطرون على المشهد»، ولم يستبعد أن «تقف هذه المجموعات في وجه إجراء هذه الانتخابات، والاستفادة من الثغرات الأمنية لعرقلتها»، وفق رؤيته.

مسن ليبي يدلي بصوته في الجولة الأولى من الانتخابات البلدية نوفمبر الماضي (مفوضية الانتخابات)

وقال الأوجلي إن عقد الانتخابات «سيبطل حالة القوة القاهرة، التي منعت إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال 2021، ومن ثم يهدد استمرار هؤلاء القادة السياسيين في المشهد الليبي».

في مقابل التحديات السياسية أو الأمنية التي لازمت الحالة الليبية منذ 2011، تتمسك الأكاديمية والباحثة أمل العلوي بـ«بالتفاؤل»، استناداً إلى «نجاح المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية، ووصول من يمثلون شرائح كثيرة إلى تمثيل ناخبيهم في المجالس، بما يعزز الاستقرار».

وقالت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن نجاح الجولة الأولى هو «مدعاة للتفاؤل بالمضي خطوات عملية وجادة نحو الانتخابات البرلمانية والرئاسية، التي يطمح لها كل الليبيين».

يُشار إلى أن الجولة الأولى من الاقتراع البلدي مضت على «نحو سلس ودون تسجيل خروقات بالمنطقة الغربية»، وفق وصف وزير الداخلية المكلف في حكومة غرب ليبيا، عماد الطرابلسي، ولقيت إشادة من نائبة المبعوث الأممي، ستيفاني خوري في لقاء مع الطرابلسي الشهر الماضي.

ووفق مراقبين، لا تبدو الصورة قاتمة في مجملها، إذ يراهن البعض على الدعم الدولي الواسع من قبل مجلس الأمن والبعثة الأممية، والدول الكبرى للجولة الأولى للانتخابات المحلية، وهو ما عدّه الأوجلي «بصيص أمل» نحو نجاح مساعي الاحتكام لصندوق الاقتراع.

جانب من عمليات الإشراف على نجاح الجولة الأولى من الانتخابات البلدية السابقة (مفوضية الانتخابات)

وعلاوة على ذلك، هناك أيضاً الدعم القبلي لهذه الانتخابات، وهو ما أظهره ملتقى رعاه المجلس الرئاسي الأسبوع الماضي لأعيان وحكماء ومشايخ ليبيين، رأوا في الاقتراع البلدي «مؤشراً على رغبة الليبيين في تحقيق الاستقرار».