تحركات تونسية - ليبية - أوروبية لمكافحة الإرهاب

توقيفات بالجملة وحملات أمنية مكثفة براً وبحراً

وزير الداخلية كمال الفقي وكوادر من الوزارة في حملة جديدة ضد الإرهاب والتهريب قبل أيام (من موقع وزارة الداخلية التونسية)
وزير الداخلية كمال الفقي وكوادر من الوزارة في حملة جديدة ضد الإرهاب والتهريب قبل أيام (من موقع وزارة الداخلية التونسية)
TT

تحركات تونسية - ليبية - أوروبية لمكافحة الإرهاب

وزير الداخلية كمال الفقي وكوادر من الوزارة في حملة جديدة ضد الإرهاب والتهريب قبل أيام (من موقع وزارة الداخلية التونسية)
وزير الداخلية كمال الفقي وكوادر من الوزارة في حملة جديدة ضد الإرهاب والتهريب قبل أيام (من موقع وزارة الداخلية التونسية)

كثفت وزارة الداخلية التونسية مؤخراً حملاتها الأمنية براً وبحراً لمكافحة ظواهر الإرهاب والجريمة المنظمة وتبييض الأموال وعصابات تهريب الأموال والمخدرات والاتجار في البشر والمهاجرين غير القانونيين من سواحل تونس وليبيا نحو أوروبا عبر إيطاليا.

قوات الأمن كسبت معركة مكافحة الإرهاب (أرشيفية - متداولة)

وكشفت بلاغات رسمية عن جلسات عمل عقدها قبل أيام وزراء داخلية تونس وليبيا وإيطاليا وعدد من كبار المسؤولين الأمنيين في البلدان الثلاثة لتنسيق التحركات الأمنية الوقائية والعمليات المشتركة بين البلدان الثلاثة، بعد أن كشفت التحقيقات عن وجود علاقة بين المتهمين في قضايا إرهابية وفي جرائم تهريب المخدرات وتبييض الأموال، والاتجار في السلاح والمواد المحظورة، ونقل المهاجرين غير النظاميين الأفارقة والعرب بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، وخاصة عبر سواحل جنوبي تونس وغرب ليبيا نحو جزيرة لمبادوزة الإيطالية غير البعيدة عن ميناء مدينة صفاقس التونسية، 270 كلم جنوبي العاصمة تونس.

وأعلنت مصادر أمنية وقضائية تونسية عن توقيفات وتتبعات وقرارات من النيابة العمومية بالإحالة على القضاء وعلى السجون لعدد كبير من المشتبه بتورطهم في قضايا إرهابية وتهريب المخدرات وتبييض الأموال وجرائم اقتصادية ومالية خطيرة.

رجال أمن تونسيون في حالة استنفار (أرشيف وسائل إعلام محلية)

متهمون من الحجم الكبير

وشملت الإيقافات وقرارات الإحالة على المحاكم شخصيات سياسية، بينهم المسؤول الأول عن حزب القطب اليساري الإعلامي ورجل الأعمال رياض بن فضل ونحو 35 شخصية وشركة لها علاقة بعالم المال والاتصال والمؤسسات الاقتصادية التي صادرتها الحكومة التونسية مباشرة بعد سقوط حكم الرئيس زين العابدين بن علي في يناير2011.

كما شملت مسؤولين كباراً سابقين في الدولة وفي شركة «الكرامة القابضة» التي كانت تشرف منذ أكثر من 12 عاماً على تسيير مئات المؤسسات والأملاك التابعة للدولة والتي كانت سابقاً ملكاً لعائلات الرئيس التونسي الأسبق بن علي.

سمير بن عمر محامي قضايا الإرهاب في تونس (الشرق الأوسط)

محاكمات غيابية ومطاردة

وأكد محامي المتهمين في قضايا الإرهاب بتونس، سمير بن عمر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ما نشرته بلاغات السلطات الأمنية في تونس عن اعتقال محاكمين غيابياً بالتورط في جرائم إرهابية، بينهم ثلاثة عناصر أعلنت مصالح الأمن ومكافحة الإرهاب عن إيقافهم الاثنين في ضواحي العاصمة تونس الأكثر كثافة حي التضامن ومنوبة والمرسى.

وأوضح المحامي سمير بن عمر «للشرق الأوسط»، أن المحاكم التونسية تنظر منذ سنوات في ملفات مماثلة بالجملة بناءً على تقارير وملفات تصلها من النيابة العمومية ومصالح مكافحة الإرهاب. وتسبب وجود عشرات المتهمين في حالة فرار تصدر الأحكام ضدهم غيابياً، ويقع إيقافهم من قِبل مصالح الأمن ويحالون مجدداً على المحاكم «فيتمتعون بحق الاعتراض على تلك الأحكام أمام هيئات قضائية قد تفرج عن بعضهم وقد تؤيد الأحكام الصادرة ضدهم».

وكان متحدث باسم الإدارة العامة للحرس الوطني أورد، أن المشتبه بتورطهم في الإرهاب الثلاثة الذين أوقفوا قبل يومين «مطلوبون من قِبل القضاء والأمن وصدرت ضدهم أحكام بالسجن تتراوح بين 18 شهراً وست سنوات».

في الأثناء، أوردت مصادر مطلعة، أن عدد المتهمين في قضية «تهريب» خمسة مساجين خطرين موقوفين منذ 10 أعوام من أكبر سجون العاصمة تونس قبل أسابيع ارتفع وناهز الـ18، اغلبهم من بين كوادر الأمن وموظفي الإدارة العام للسجون التابعة لوزارة العدل.

أسلحة صيد نارية غير قانونية حجزتها قوات الأمن التونسية مؤخراً (الداخلية التونسية)

وقد نجحت قوات الأمن في إعادة إيقاف المساجين الخمسة بعد أسبوع من تهريبهم. وأحالت عدداً منهم والمشتبه بمشاركتهم في التهريب على فرق النخبة في الإدارة العامة للحرس الوطني التابعة لوزارة الداخلية. وتعدّ هذه الفرق «الأكثر خبرة»، منذ تسجيل ما سمي بـ«الفلتان الأمني» بعد سقوط حكم بن علي في 2011، وقرار الحكومة «حل مؤسسة أمن الدولة في وزارة الداخلية» والتي كان من بين اختصاصاتها متابعة ملفات الإرهاب وتبييض الأموال في القضايا ذات الصبغة السياسية.

أكثر من 1300 كلغ من الكوكايين

من جهة أخرى، اتهم الرئيس التونسي مجدداً بعض المسؤولين في المحاكم والبنك المركزي وقيادات بعض «الجمعيات غير الحكومية» والأحزاب السياسية و«المورطين في الفساد المالي وتبييض الأموال والإرهاب والمخدرات» بمحاولة إرباك أجهزة الدولة وبالتهرب من دفع الضرائب ومن تسوية وضعيتها القانونية عبر «مسار المصالحة الجزائية» الذي عرضته الدولة.

كما أعلنت وزارة الداخلية في بلاغ رسمي مؤخراً، أنه «في سياق التصدي لمُختلف أنواع الجرائم ومُقاومة المظاهر المُخلة بالأمن العام، وفي إطار السّعي المُتواصل لإلقاء القبض على العناصر الإجراميّة المُفتش عنها وتقديمها للعدالة، تمّ تنظيم حملات أمنيّة هادفة شاركت فيها وحدات مُختصّة من الإدارة العامّة للأمن الوطني والإدارة العامّة للحرس الوطني؛ وذلك قصد مُكافحة ظاهرة ترويج المُخدّرات والتصدّي للجريمة المُنظمة والقبض على العناصر الضّالعين في ترويع المُواطنين»

وحسب البلاغ نفسه، أسفرت هذه الحملات عن إيقاف الكثير من المُفتّش عنهُم في عدة محافظات وبحوزة بعضهم «أسلحة نارية غير مرخص فيها» و«بنادق صيد بدون رخصة» وكميات هائلة من الأموال والمخدرات بأنواعها، بينهم أكثر من 1300كلغ من الكوكايين في قضية واحدة.


مقالات ذات صلة

«فاغنر» تشارك في معارك على حدود الجزائر

أفريقيا مسلحون من الطوارق في كيدال عام 2022 (أ.ف.ب)

«فاغنر» تشارك في معارك على حدود الجزائر

اندلعت، الخميس، معارك عنيفة ما بين الجيش المالي المدعوم بمقاتلين من «فاغنر» الروسية، والمتمردين الطوارق المتمركزين في مدينة تينزاواتين.

الشيخ محمد (نواكشوط)
شمال افريقيا أنصار الرئيس التونسي قيس سعيد ينظمون مسيرة حاشدة احتفالاً بيوم الجمهورية التونسية إلى جانب احتجاج أنصار أحزاب المعارضة للمطالبة بالإفراج عن المعارضين السياسيين في البلاد (د.ب.أ)

تطورات جديدة في قضايا المتهمين بـ«التآمر على أمن الدولة» في تونس

أعلنت مصادر أمنية رسمية تونسية أن قوات مكافحة الإرهاب ووحدات أمنية من النخبة في محافظات عدة ألقت مؤخراً القبض على عدد من المتهمين في قضايا إرهاب وتهريب بشر.

كمال بن يونس (تونس)
آسيا قوات الأمن التركية ألقت القبض على سيريبرياكوف عقب وصوله بودروم الأربعاء (صورة موزعة من الداخلية التركية)

تركيا سلمت روسيا مُنفِّذ تفجير سيارة أحد العسكريين في موسكو

سلمت تركيا مواطناً روسياً مطلوباً دولياً إلى السلطات في موسكو بعد أن هرب إلى موغلا في ولاية بودروم الجنوبية الغربية عقب تفجيره سيارة ضابط.

سعيد عبد الرازق ( أنقرة)
آسيا عناصر من الشرطة الألمانية المختصة بمكافحة الإرهاب (غيتي)

ألمانيا: إيداع اثنين السجن على ذمة التحقيق للاشتباه في دعمهما «داعش»

عقب إلقاء القبض على اثنين للاشتباه في تأييدهما لتنظيم «داعش» بولايتي هامبورغ وشليزفيج-هولشتاين، تم إيداعهما السجن على ذمة التحقيق.

«الشرق الأوسط» (كارلسروه )
أوروبا حالة استنفار في العاصمة بروكسل إثر إنذار إرهابي (متداولة)

بلجيكا تفتش 14 منزلاً في تحقيق لمكافحة الإرهاب وتحتجز 7 لاستجوابهم

قال مكتب المدعي العام الاتحادي في بلجيكا، الخميس، إن الشرطة فتشت 14 منزلاً في إطار تحقيق يتعلق بالإرهاب، مضيفاً أن 7 أشخاص احتُجزوا بغرض استجوابهم.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
TT

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)
هرباً من الجوع والحرب عبرت عائلات سودانية من منطقة دارفور إلى مخيم للاجئين في تشاد هذا الشهر (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر حدودي حيوي؛ ما يؤدي فعلياً إلى قطع المساعدات عن مئات الآلاف من الناس الذين يعانون من المجاعة في أوج الحرب الأهلية. ويحذّر الخبراء من أن السودان، الذي بالكاد يُسيّر أموره بعد 15 شهراً من القتال، قد يواجه قريباً واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود. ولكن رفْض الجيش السوداني السماح لقوافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة بالمرور عبر المعبر يقوّض جهود الإغاثة الشاملة، التي تقول جماعات الإغاثة إنها ضرورية للحيلولة دون مئات الآلاف من الوفيات (ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، حسب أحد التقديرات بحلول نهاية العام الحالي).

ويتعاظم الخطر في دارفور، المنطقة التي تقارب مساحة إسبانيا، والتي عانت من الإبادة الجماعية قبل عقدين من الزمان. ومن بين 14 ولاية سودانية معرّضة لخطر المجاعة، تقع 8 منها في دارفور، على الجانب الآخر من الحدود التي تحاول الأمم المتحدة عبورها، والوقت ينفد لمساعدتها.

نداءات عاجلة

ويقع المعبر الحدودي المغلق -وهو موضع نداءات عاجلة وملحة من المسؤولين الأميركيين- في أدري، وهو المعبر الرئيسي من تشاد إلى السودان. وعلى الحدود، إذ لا يزيد الأمر عن مجرد عمود خرساني في مجرى نهر جاف، يتدفق اللاجئون والتجار والدراجات النارية ذات العجلات الأربع التي تحمل جلود الحيوانات، وعربات الحمير المحملة ببراميل الوقود.

رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

لكن ما يُمنع عبوره إلى داخل السودان هو شاحنات الأمم المتحدة المليئة بالطعام الذي تشتد الحاجة إليه في دارفور؛ إذ يقول الخبراء إن هناك 440 ألف شخص على شفير المجاعة بالفعل. والآن، يقول اللاجئون الفارّون من دارفور إن الجوع، وليس الصراع، هو السبب الرئيسي وراء رحيلهم. السيدة بهجة محكر، وهي أم لثلاثة أطفال، أصابها الإعياء تحت شجرة بعد أن هاجرت أسرتها إلى تشاد عند معبر «أدري». وقالت إن الرحلة كانت مخيفة للغاية واستمرت 6 أيام، من مدينة الفاشر المحاصرة وعلى طول الطريق الذي هددهم فيه المقاتلون بالقضاء عليهم.

دهباية وابنها النحيل مؤيد صلاح البالغ من العمر 20 شهراً في مركز علاج سوء التغذية بأدري (نيويورك تايمز)

لكن الأسرة شعرت بأن لديها القليل للغاية من الخيارات. قالت السيدة محكر، وهي تشير إلى الأطفال الذين يجلسون بجوارها: «لم يكن لدينا ما نأكله». وقالت إنهم غالباً ما يعيشون على فطيرة واحدة في اليوم.

الجيش: معبر لتهريب الأسلحة

وكان الجيش السوداني قد فرض قراراً بإغلاق المعبر منذ 5 أشهر، بدعوى حظر تهريب الأسلحة. لكن يبدو أن هذا لا معنى له؛ إذ لا تزال الأسلحة والأموال تتدفق إلى السودان، وكذلك المقاتلون، من أماكن أخرى على الحدود الممتدة على مسافة 870 ميلاً، التي يسيطر عليها في الغالب عدوه، وهو «قوات الدعم السريع».

لاجئون فرّوا حديثاً من منطقة في دارفور تسيطر عليها «قوات الدعم السريع» في مخيم بتشاد (نيويورك تايمز)

ولا يسيطر الجيش حتى على المعبر في أدري، إذ يقف مقاتلو «قوات الدعم السريع» على بُعد 100 متر خلف الحدود على الجانب السوداني. وعلى الرغم من ذلك، تقول الأمم المتحدة إنها يجب أن تحترم أوامر الإغلاق من الجيش، الذي يتخذ من بورتسودان مقراً له على بُعد 1000 ميل إلى الشرق، لأنه السلطة السيادية في السودان. وبدلاً من ذلك، تضطر الشاحنات التابعة للأمم المتحدة إلى القيام برحلة شاقة لمسافة 200 ميل شمالاً إلى معبر «الطينة»، الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني؛ إذ يُسمح للشاحنات بدخول دارفور. هذا التحول خطير ومكلّف، ويستغرق ما يصل إلى 5 أضعاف الوقت الذي يستغرقه المرور عبر «أدري». ولا يمر عبر «الطينة» سوى جزء يسير من المساعدات المطلوبة، أي 320 شاحنة منذ فبراير (شباط)، حسب مسؤولين في الأمم المتحدة، بدلاً من آلاف شاحنات المساعدات الضرورية التي يحتاج الناس إليها. وقد أُغلق معبر «الطينة» أغلب أيام الأسبوع الحالي بعد أن حوّلت الأمطار الموسمية الحدود إلى نهر.

7 ملايين مهددون بالجوع

وفي الفترة بين فبراير (شباط)، عندما أُغلق معبر «أدري» الحدودي، ويونيو (حزيران)، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة من الجوع من 1.7 مليون إلى 7 ملايين شخص. وقد تجمّع اللاجئون الذين وصلوا مؤخراً على مشارف مخيم أدري، في حين انتظروا تسجيلهم وتخصيص مكان لهم. ومع اقتراب احتمالات حدوث مجاعة جماعية في السودان، أصبح إغلاق معبر «أدري» محوراً أساسياً للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، كبرى الجهات المانحة على الإطلاق، من أجل تكثيف جهود المساعدات الطارئة. وصرّحت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، مؤخراً للصحافيين: «هذه العرقلة غير مقبولة على الإطلاق».

أحد مراكز سوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود» في أدري إذ يُطبّب طفل من جرح ملتهب في ذراعه ناجم عن العلاج الوريدي المستمر لسوء التغذية (نيويورك تايمز)

وكان إيصال المساعدات إلى دارفور صعباً حتى قبل الحرب. وتقع أدري تقريباً على مسافة متساوية من المحيط الأطلسي إلى الغرب والبحر الأحمر إلى الشرق، أي نحو 1100 ميل من الاتجاهين. فالطرق مليئة بالحفر، ومتخمة بالمسؤولين الباحثين عن الرشوة، وهي عُرضة للفيضانات الموسمية. وقال مسؤول في الأمم المتحدة إن الشاحنة التي تغادر ميناء «دوالا» على الساحل الغربي للكاميرون تستغرق نحو 3 أشهر للوصول إلى الحدود السودانية. ولا يقتصر اللوم في المجاعة التي تلوح في الأفق على الجيش السوداني فحسب، فقد مهّدت «قوات الدعم السريع» الطريق إليها أيضاً، إذ شرع مقاتلو «الدعم السريع»، منذ بدء الحرب في أبريل (نيسان) 2023 في تهجير ملايين المواطنين من منازلهم، وحرقوا مصانع أغذية الأطفال، ونهبوا قوافل المساعدات. ولا يزالون يواصلون اجتياح المناطق الغنية بالغذاء في السودان، التي كانت من بين أكثر المناطق إنتاجية في أفريقيا؛ ما تسبّب في نقص هائل في إمدادات الغذاء.

استجابة دولية هزيلة

وكانت الاستجابة الدولية لمحنة السودان هزيلة إلى حد كبير، وبطيئة للغاية، وتفتقر إلى الإلحاح.

في مؤتمر عُقد في باريس في أبريل، تعهّد المانحون بتقديم ملياري دولار مساعدات إلى السودان، أي نصف المبلغ المطلوب فقط، لكن تلك التعهدات لم تُنفذ بالكامل. وفي مخيمات اللاجئين المزدحمة في شرق تشاد، يُترجم الافتقار للأموال إلى ظروف معيشية بائسة. وقالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، التي تدير مخيمات اللاجئين في تشاد، إن عملياتها ممولة بنسبة 21 في المائة فقط في شهر يونيو. وقد اضطر برنامج الأغذية العالمي مؤخراً إلى خفض الحصص الغذائية، إثر افتقاره إلى الأموال.

يعيش ما يقرب من 200 ألف شخص في مخيم أدري الذي يمتد إلى الصحراء المحيطة حيث المأوى نادر ولا يوجد ما يكفي من الطعام أو الماء (نيويورك تايمز)

ومع هطول الأمطار بغزارة، جلست عائشة إدريس (22 عاماً)، تحت غطاء من البلاستيك، تمسّكت به بقوة في وجه الرياح، في حين كانت تُرضع ابنتها البالغة من العمر 4 أشهر. وكان أطفالها الثلاثة الآخرون جالسين بجوارها، وقالت: «نحن ننام هنا»، مشيرة إلى الأرض المبتلة بمياه الأمطار. لم يكن هناك سوى 3 أسرّة خالية في مركز لسوء التغذية تديره منظمة «أطباء بلا حدود»، وكان ممتلئاً بالرضع الذين يعانون من الجوع. وكان أصغرهم يبلغ من العمر 33 يوماً، وهي فتاة تُوفيت والدتها في أثناء الولادة. في السرير التالي، كان الطفل مؤيد صلاح، البالغ من العمر 20 شهراً، الذي كان شعره الرقيق وملامحه الشاحبة من الأعراض المعروفة لسوء التغذية، قد وصل إلى تشاد في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد أن اقتحم مسلحون منزل أسرته في الجنينة، عبر الحدود في دارفور، وقتلوا جده. وقالت السيدة دهباية، والدة الطفل مؤيد: «لقد أردوه قتيلاً أمام أعيننا». والآن، صار كفاحهم من أجل البقاء على قيد الحياة بفضل حصص الأمم المتحدة الضئيلة. ثم قالت، وهي تضع ملعقة من الحليب الصناعي في فم طفلها: «أياً كان ما نحصل عليه، فهو ليس كافياً بالمرة».

سفير سوداني: المساعدات مسيّسة

وفي مقابلة أُجريت معه، دافع الحارث إدريس الحارث محمد، السفير السوداني لدى الأمم المتحدة، عن إغلاق معبر «أدري»، مستشهداً بالأدلة التي جمعتها الاستخبارات السودانية عن تهريب الأسلحة.

مندوب السودان لدى الأمم المتحدة الحارث إدريس خلال جلسة سابقة لمجلس الأمن (أ.ب)

وقال إن الأمم المتحدة «سعيدة» بترتيب توجيه الشاحنات شمالاً عبر الحدود في الطينة. وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتوقع مجاعة في السودان تعتمد على «أرقام قديمة»، وتسعى إلى إيجاد ذريعة «للتدخل الدولي». ثم قال: «لقد شهدنا تسييساً متعمّداً ودقيقاً للمساعدات الإنسانية إلى السودان من الجهات المانحة». وفي معبر أدري، يبدو عدم قدرة الجيش السوداني على السيطرة على أي شيء يدخل البلاد واضحاً بشكل صارخ. وقال الحمّالون، الذين يجرّون عربات الحمير، إنهم يُسلّمون مئات البراميل من البنزين التي تستهلكها سيارات الدفع الرباعي التابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي عادة ما تكون محمّلة بالأسلحة.

*خدمة نيويورك تايمز