تجدد الاشتباكات المسلحة مجدداً في العاصمة الخرطوم

ازدياد سقوط القتلى والجرحى المدنيين... و«الدعم السريع» تتهم الجيش

تصاعد لهيب النار والدخان وسط العاصمة الخرطوم بعد تجدد القتال (أ.ف.ب)
تصاعد لهيب النار والدخان وسط العاصمة الخرطوم بعد تجدد القتال (أ.ف.ب)
TT

تجدد الاشتباكات المسلحة مجدداً في العاصمة الخرطوم

تصاعد لهيب النار والدخان وسط العاصمة الخرطوم بعد تجدد القتال (أ.ف.ب)
تصاعد لهيب النار والدخان وسط العاصمة الخرطوم بعد تجدد القتال (أ.ف.ب)

ارتفعت وتيرة الاشتباكات المسلحة، السبت، بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، بعد أن تجدد القصف المدفعي العنيف في عدة جبهات بالعاصمة الخرطوم، بعد يوم دامٍ شهد مقتل وإصابة العشرات من المواطنين في أحياء بمدينة أمدرمان وجنوب الخرطوم، وفق لجان النشطاء المحلية ومجموعات غرف الطوارئ.

وأفاد شهود عيان بدوي انفجارات قوية تصاعدت على أثره سحب الدخان، جراء قصف عنيف استهدف الأحياء السكنية في منطقة بري، الواقعة مباشرةً شرق مقر قيادة الجيش بمركز الخرطوم، باتجاه جسر المنشية. فيما قالت مصادر محلية إن مناطق جنوب أم درمان تعرضت لقصف مدفعي متبادل بين الطرفين، مع سماع أصوات اشتباكات بالأسلحة الثقيلة والخفيفة حول عدد من الأحياء السكنية، بالقرب من قيادة سلاح المهندسين التابع للجيش (غرب المدينة).

ودبت حالة من الذعر والهلع وسط المدنيين جراء سقوط عشوائي للمقذوفات النارية الثقيلة داخل الأحياء، حسبما أشارت المصادر ذاتها. وأفادت لجان محلية بمنطقة بيت المال، وهي أحد الأحياء القديمة بمدينة أمدرمان، بوقوع إصابات وسط الأهالي جراء غارات للطيران الحربي، مناشدة الجيش السوداني بالتوقف فوراً عن القصف بالطيران للحي، مشيرة إلى أن القصف الجوي يسبب خسائر مادية وبشرية وسط سكان المنطقة، تفوق نسبة الأضرار والخسائر التي تتكبدها «ميليشيا الدعم السريع».

من جهة ثانية، اتهمت لجان محلية بالمنطقة ذاتها، أمس الجمعة، «قوات الدعم السريع» بارتكاب مجزرة في سوق الرحمة بضاحية القمائر، أسفرت عن سقوط 9 قتلى وإصابة 5 آخرين. وكانت غرفة طوارئ جنوب الحزام (هيئة تطوعية) قد أفادت بأن المستشفى استقبل حالة وفاة واحدة، وأكثر من 27 إصابة بالشظايا النارية، إثر قصف استهدف السوق المركزية جنوب الخرطوم.

في سياق ذلك، اتهمت «قوات الدعم السريع» استخبارات الجيش السوداني بوضع العراقيل بشكل متعمد للحيلولة دون وصول المساعدات الإنسانية لمستحقيها، حيث لم تدخل شاحنة واحدة إلى مناطق سيطرة قواتها، على الرغم من توقيع الطرفين على الالتزامات، التي تتضمن حماية وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. وقالت «قوات الدعم السريع»، في بيان نشر على منصة «إكس»، اليوم (السبت)، إن «عرقلة دخول المساعدات الإنسانية للمدنيين من الطرف الآخر لشاحنات المساعدات المتجهة إلى مناطق سيطرتنا، يشكل إخلالاً بالالتزامات التي أكدنا عليها مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، ومنها السماح بالمرور السريع للمساعدات».

وأشار البيان إلى وجود «مضايقات وعراقيل» توضع أمام المنظمات الأجنبية العاملة في مناطق سيطرة «الدعم السريع»، وذلك بالتأخير المتعمد لتأشيرات الموظفين، إلى جانب منع وصول المعدات الطبية إلى المستشفيات من قبل «منظمة أطباء بلا حدود»، و«منظمة الطوارئ الإيطالية». كما نددت «الدعم السريع» بما وصفته بـ«السلوك الإجرامي»، الذي ظل يمارسه «العدو»، داعية جميع المنظمات الدولية إلى إدانة هذه الأفعال، التي تهدف إلى «تجويع المدنيين الأبرياء»، وقالت بهذا الخصوص: «لن نصمت إزاء هذه الممارسات، وسيكون لنا موقف حاسم تجاه حرمان شعبنا من حقوقه المشروعة».

واتفق طرفا القتال في السودان، الجيش و«الدعم السريع»، في السابع من الشهر الحالي في «منبر جدة 2» بوساطة من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، وممثلين للاتحاد الأفريقي، ومنظمة التنمية الحكومية «إيقاد»، على ترتيبات تسهيل المساعدات الإنسانية وإجراءات بناء الثقة.

ونصت الالتزامات على إنشاء آلية مشتركة من الطرفين، بالتنسيق مع مكتب الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة لمعاجلة معوقات إيصال المساعدات الإنسانية الإغاثية. كما أقر الاتفاق إنشاء آلية تواصل مشتركة بين قادة الجيش و«الدعم السريع»، وتخفيف حدة الخطاب الإعلامي فيما بينهما، والقبض على أنصار النظام المعزول الهاربين من السجون، واتخاذ إجراءات ضد الأطراف التي تؤجج الصراع.


مقالات ذات صلة

تحالف «صمود» يؤكد استحالة الحل العسكري في السودان

شمال افريقيا 
حمدوك يتوسط قيادات مدنية خلال مؤتمر سابق في لندن (الشرق الأوسط)

تحالف «صمود» يؤكد استحالة الحل العسكري في السودان

دعا التحالف المدني الديمقراطي (صمود) في السودان، الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، إلى الوقف الفوري للحرب عبر التفاوض، مؤكداً استحالة الحل العسكري

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا عناصر من «قوات الدعم السريع» في الفاشر عاصمة شمال دارفور (تلغرام)

تجدد القتال العنيف في الفاشر غرب السودان

تجددت المواجهات، يوم الأحد، بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في مدينة الفاشر شمال دارفور، وسط أنباء عن سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى من الطرفين.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا الحرب شرَّدت السودانيين والأرقام تشير إلى نحو 13 مليون شخص فرُّوا من مناطقهم (أ.ف.ب)

السودان: عاصمة ولاية شمال كرفان تحت القصف المدفعي ومقتل 6

لقي 6 أشخاص على الأقل حتفهم، وأصيب 10 آخرون، الجمعة، في قصف مدفعي شنته «قوات الدعم السريع» استهدف أحياء سكنية في مدينة الأُبيّض عاصمة ولاية شمال كردفان.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
تحليل إخباري عناصر بالجيش السوداني يحتفلون بعد استعادتهم القصر الجمهوري في الخرطوم 21 مارس الماضي (أ.ب)

تحليل إخباري كيف ترى القاهرة إعلان «الدعم السريع» سيطرتها على «المثلث الحدودي»؟

أثار إعلان «قوات الدعم السريع» السودانية السيطرة على منطقة «المثلث الحدودي» بين مصر والسودان وليبيا تساؤلات حول موقف القاهرة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا «الدعم السريع» تعلن سيطرتها على مناطق قرب الحدود مع ليبيا ومصر

«الدعم السريع» تعلن سيطرتها على مناطق قرب الحدود مع ليبيا ومصر

أعلنت «قوات الدعم السريع» إكمال سيطرتها على مناطق سودانية في المثلث الحدودي مع ليبيا ومصر، بينما قال الجيش السوداني إنه أخلى قواته من المنطقة كترتيب دفاعي

أحمد يونس (كمبالا) وجدان طلحة (بورتسودان)

تحالف «صمود» يؤكد استحالة الحل العسكري في السودان


حمدوك يتوسط قيادات مدنية خلال مؤتمر سابق في لندن (الشرق الأوسط)
حمدوك يتوسط قيادات مدنية خلال مؤتمر سابق في لندن (الشرق الأوسط)
TT

تحالف «صمود» يؤكد استحالة الحل العسكري في السودان


حمدوك يتوسط قيادات مدنية خلال مؤتمر سابق في لندن (الشرق الأوسط)
حمدوك يتوسط قيادات مدنية خلال مؤتمر سابق في لندن (الشرق الأوسط)

دعا التحالف المدني الديمقراطي (صمود) في السودان، الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، إلى الوقف الفوري للحرب عبر التفاوض، مؤكداً استحالة الحلول العسكرية، وجدد دعوته إلى تفكيك نظام «الإنقاذ» السابق الذي كان يتزعمه الرئيس المخلوع عمر البشير، وأيضاً حظر حزبه «المؤتمر الوطني»، وإعادة بناء وهيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية، وتكوين حكومة مدنية انتقالية تحكم البلاد لمدة خمس سنوات، وتعد لانتخابات حرة نزيهة. كما وعد التحالف بتقديم رؤيته للقوى السياسية والمدنية للتشاور حول مشروع وطني متوافق عليه.

وأعلن «صمود» إكمال إعداد وثيقة رؤية سياسية لإنهاء الحروب واستعادة تأسيس الدولة المدنية، معلناً عزمه على تقديمها للقوى السياسية والمجموعات النسوية والشبابية والمدنية كافة، من أجل التوافق على رؤية موحدة تُخرج البلاد من أزماتها.

وجاء في الوثيقة، التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط»، أنّ النزاع في السودان لا يمكن حله عسكرياً مهما طال أمده، وأنّ الخيار الوحيد لوضع حدٍّ للمعاناة وحفظ وحدة البلاد يتمثل في الإنهاء الفوري للحرب، وإطلاق عملية سلام شاملة ذات مصداقية يقودها السودانيون، تؤدي إلى حل سياسي يعالج جذور الأزمة، بمحاورها الإنسانية ووقف إطلاق النار، وابتداع مسار سياسي مدني.

وتوقعت «صمود» أن تفضي العملية المزمع إطلاقها إلى وقف دائم لإطلاق النار، وتوقيع اتفاق سلام شامل، والانتقال إلى ترتيبات دستورية انتقالية تقوم على توافق عريض، وتستعيد «ثورة ديسمبر» في مسار الانتقال المدني الديمقراطي، وإعادة بناء وتأسيس منظومة أمنية وعسكرية موحدة، مهنية، وقومية، لا تتدخل في السياسة والاقتصاد.

بناء نظام عدالة

نازحون سودانيون في مخيم تديره «مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» ببلدة القلابات السودانية الحدودية مع إثيوبيا خلال نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وشدّدت الوثيقة على أهمية بناء نظام عدالة، يحاسب الانتهاكات وينصف الضحايا، وتشكيل سلطة مدنية انتقالية بصلاحيات كاملة لتصفية آثار الحرب، وإعادة الإعمار، وقيادة البلاد إلى انتخابات ديمقراطية نزيهة. وبحسب الرؤية، فإنّ العملية السلمية يجب أن تستند إلى معايير واضحة، وأطراف معروفة ومحددة، تتمثل في القوى السياسية، وحركات الكفاح المسلح، والمجتمع المدني، والمهنيين، والنقابات، ولجان المقاومة، على أن تكون مدعومة ببُعد شعبي يشارك فيه أصحاب المصلحة.

وأكدت الوثيقة على رفض أي مساعٍ لما سمّته «إغراق العملية السياسية بواجهات مصنوعة ومزيّفة»، كما رفضت مكافأة حزب «المؤتمر الوطني» والحركة الإسلامية وواجهاتهما على إشعال الحرب والعمل على استمرارها، مؤكدة وجوب محاسبتهما. ووضعت الرؤية توصيفاً لمستويات الحكم الانتقالي بأن يكون «اتحادي، إقليمي، محلي»، يدير البلاد خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات تنتهي بانتخابات عامة، تعقبها فترة تأسيسية ثانية مدتها خمس سنوات تقودها الحكومة المنتخبة.

وتتمثل مهام الحكومة الانتقالية في استدامة وقف إطلاق النار، وتنفيذ ترتيبات أمنية تشمل بناء وتأسيس المنظومة الأمنية والعسكرية، وجمع السلاح، وفرض سيادة حكم القانون، وتحقيق الاستجابة الإنسانية، وإعمار ما دمرته الحرب، وإطلاق عملية عدالة انتقالية ومصالحة وطنية، تتضمن كشف الحقائق، ومحاسبة الجناة، وجبر الضرر، وضمان عدم الإفلات من العقاب، والنهوض بالاقتصاد الوطني، ووقف تدهوره، ومكافحة الفساد.

وتشمل مهام الانتقال، وفقاً للرؤية، إصلاح مؤسسات الدولة المدنية والقضائية، وضمان استقلاليتها وكفاءتها، وتفكيك أدوات القمع، ومواجهة ما ترتّب على انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وتهيئة المناخ للحوار الوطني الجاد، وصياغة دستور دائم يعكس تطلعات المواطنين في دولة مدنية ديمقراطية.

تفكيك نظام البشير

الرئيس السابق عمر البشير في القفص أثناء محاكمته بعد إطاحته في 2019 (فيسبوك)

وشددت الرؤية على تفكيك نظام البشير، وحظر النشاط السياسي لحزب المؤتمر الوطني «المحلول» وواجهاته، وحظر تمثيله في مؤسسات الحكم والمفوضيات، ومنع إعادة تسجيله أو تسجيل جمعياته ومنظماته وواجهاته، على أن تؤول أمواله وأسهمه، سواء المسجلة باسمه أو بأسماء أي من واجهاته، إلى وزارة المالية.

وتعمل حكومة الانتقال على إعداد البلاد لإقامة انتخابات حرة نزيهة، من خلال إنشاء مفوضية انتخابات مستقلة، وإعداد سجل انتخابي شفاف، وضمان الحريات السياسية والإعلامية، وتعزيز الحوار مع المجتمع الدولي عبر سياسة خارجية متوازنة تستطيع حشد الدعم الإقليمي والدولي لصالح السلام والتحول المدني.

ونصّت الرؤية على أسس ومبادئ لإنهاء الحروب، وإعادة تأسيس الدولة السودانية، وتحقيق وحدة البلاد وسيادتها على أراضيها ومواردها ومجالها الجوي والبحري، وأن يكون الشعب مصدر السلطات خلال المرحلة الانتقالية، دون مشاركة العسكريين في الحكم، وبناء دولة مدنية، تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان والمعتقدات، وتعتمد المواطنة أساساً للحقوق والواجبات دون تمييز ديني، أو جهوي، أو اجتماعي، أو اقتصادي، أو بسبب الإعاقة.

كما حددت الرؤية شكل الحكم بـ«نظام فيدرالي» يعترف بحقوق الأقاليم في إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية والثقافية، وضمان حقوقها في المشاركة العادلة في جميع مستويات السلطة، مع اعتماد مبدأ التقاسم العادل للموارد، بما يحقق التوازن، ويستجيب للتنوع والمظالم التاريخية، ويكرّس العدالة والمساواة والحكم الرشيد، ويؤسس لمنظومة أمنية وعسكرية مبنية على الأسس المهنية القومية والمعايير الدولية، وتحقق استقلالية مؤسسات الدولة.

سياسة خارجية متوازنة

رئيس الوزراء السوداني الجديد يؤدي اليمين الدستورية أمام البرهان (سونا)

وخارجياً، دعت الوثيقة إلى انتهاج سياسة خارجية متوازنة، تراعي مصالح البلاد، وتدعم السلم والأمن الإقليمي والدولي، وتنأى عن التدخل في شؤون الغير، وتقوم على مبدأ حسن الجوار، وتحارب الإرهاب والتطرف والجرائم العابرة للحدود، والهجرة غير الشرعية.

ووصفت الرؤية الحرب بأنها «حرب وجودية» تهدد وحدة البلاد وتفتح الباب أمام سيناريوهات خطيرة، وقد تسببت في كارثة إنسانية غير مسبوقة، مشيرة إلى أنها تهدف في جوهرها إلى «تصفية ثورة ديسمبر»/كانون الأول، وقطع الطريق أمام أي مسار لتحول مدني ديمقراطي يحقق أهداف الثورة في الحرية والسلام والعدالة.

وأوضحت أنّ ضرورة وقف القتال تكمن في اعتماد حلول سلمية مستدامة تعالج أسباب الحروب وتضمد آثارها، وتستعيد نهضة البلاد عبر مشروع جامع يستكمل مسار التغيير، ويؤسس لدولة العدل والمواطنة والديمقراطية. وأكد تحالف «صمود» رفضه ترك البلاد رهينة للفوضى والتشظي، مشيراً إلى أنه سيخوض «المعركة المصيرية» بطرح رؤيته بصفتها إطاراً سياسياً استراتيجياً للقوى السياسية والمجتمعية.