«معاناة النزوح» تُعيد سودانيين إلى الخرطوم رغم المعارك

تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» عن مصاعب الشتاء وشح الغذاء

TT

«معاناة النزوح» تُعيد سودانيين إلى الخرطوم رغم المعارك

نساء في مدينة الجنينة (غرب دارفور) في 7 نوفمبر الحالي يبكين بعد تلقيهن نبأ وفاة أقاربهن (رويترز)
نساء في مدينة الجنينة (غرب دارفور) في 7 نوفمبر الحالي يبكين بعد تلقيهن نبأ وفاة أقاربهن (رويترز)

جلست السيدة الأربعينية (أم سليمان) على الأرض في مبنى تحت التشييد بمدينة ود مدني السودانية التي نزحت إليها قبل 6 أشهر، بدا على وجهها التعب بينما كشفت ملابسها المهترئة هزال جسدها وشحوبه. لم تستطع السيدة السودانية حبس دموعها التي كانت تسيل بغزارة وهي تتحدث إلى «الشرق الأوسط» عن معاناتها وعجزها عن توفير ملابس الشتاء لأبنائها لمواجهة البرد؛ فهي تتحصل، كما قالت، على «بضعة جنيهات من بيع الشاي» بالكاد توفر لهم بعض الطعام.

ودفعت المعاناة من برد الشتاء وشح الغذاء نازحين سودانيين إلى التفكير في «العودة إلى الخرطوم»، رغم المعارك بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، وفق ما قالوا لـ«الشرق الأوسط». وتقدِّر «منظمة الصحة العالمية»، و«هيئة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف)»، أن 700 ألف طفل سوداني يعانون سوء التغذية الحاد، بينما تزداد المعاناة شتاءً مع ترافق الجوع والبرد، وعدم القدرة على شراء دقيق «الدخن» الذي يعتمد عليه معظم السودانيين، غير أن أسعاره تضاعفت.

نساء سودانيات يصطففن في يوليو الماضي للحصول على حصص الأرز من متطوعي الصليب الأحمر (رويترز)

ومنذ بدأ طقس الشتاء في التعبير عن نفسه، يتعرض ملايين النازحين لمخاطر عديدة، لا سيما مَن يعانون أمراض الصدر، ومن يقيمون في دور إيواء غير مهيأة للسكنى، كما أن المدارس التي يقيم فيها النازحون متهالكة ومغطاة بسقف من «الزنك»، ومداخلها ونوافذها مشرعة للريح ودون أبواب، وفي أحسن الأحوال لها أبواب ونوافذ من الأعشاب لا تحمي سكانها من البرد القارس الجاف.

ويطالب نازحون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» منظمات الإغاثة والمساعدات بتوفير «ملابس شتاء»، لا سيما للأطفال والنساء، وإزاء ذلك أطلق ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي حملات للمساهمة في «مشروع كساء النازحين»، وتخصيص مواقع لجمع تلك الملابس بشكل عيني، أو الإسهام في دعم مالي من المواطنين داخل وخارج البلاد، لشراء تلك الملابس الضرورية. ويقدر متطوعون أن هناك أكبر عدد من النازحين قدّروه بنحو 7.1 مليون نازح داخلياً، بحاجة لمساعدات إنسانية ملحّة، ويزيد من تلك الحاجة حلول الشتاء.

عودة رغم المخاطر

وبسبب مصاعب الحياة في دور الإيواء، فكرت السيدة الستينية نعمات بلة في العودة من مكان نزوحها بولاية البحر الأحمر إلى بيتها في الخرطوم، رغم احتدام المعارك هناك. وقالت السيدة لـ«الشرق الأوسط» إنها «تعاني آلام المفاصل التي تزيد حدتها في الشتاء البارد الرطب في البحر الأحمر». وتتابع: «أعلم أن العودة للخرطوم محفوفة بالمخاطر، فالحرب جعلت رائحة الموت تنتشر في كل مكان، ومَن لم يمُت بأسلحة الطرفين في مناطق الاشتباكات، يكن معرضاً للموت برداً».

نازحون سودانيون فروا من الصراع في أغسطس الماضي وتوجهوا إلى تشاد (رويترز)

نازح آخر، هو عبد الصادق صالح، حاول إيجاد حل لمواجهة البرد، عن طريق تنظيف «أكياس الخيش» وتغطيتها بخرق من القماش ليستخدمها أغطية لأطفاله ليلاً. يقول الرجل: «يبدو أن رحلة النزوح ستطول؛ إذ لم تتوصل الجولة الثانية من (مفاوضات جدة) لاتفاق لوقف إطلاق النار، وانقطع الأمل في الرجوع إلى بيوتنا في مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان». وتابع: «أجتهد في الحصول على عمل آخر بسوق ود مدني لتوفير مال لشراء ملابس الشتاء وتوفير مستلزمات العام الدراسي لأطفالي، فمن المتوقَّع بدء العام الدراسي قريباً».

تزداد معاناة كثيرين مع حلول فصل الشتاء، فهم إلى جانب البرد يعانون الجوع؛ فمعظمهم يواجهون البرد ببطون خاوية في مراكز الإيواء، ولمواجهة البرد والجوع، اضطر بعضهم لتأخير وجبة الغداء لما بعد المغرب تحايلاً على ظروفهم الاقتصادية، وحتى لا ترتجف أجسادهم من الجوع والبرد معاً.


مقالات ذات صلة

الخلاف بين القاهرة و«الدعم السريع» مرشح لمزيد من التصعيد

شمال افريقيا مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية بالقاهرة في بداية يوليو 2024 (الخارجية المصرية)

الخلاف بين القاهرة و«الدعم السريع» مرشح لمزيد من التصعيد

يتجه الخلافُ بين القاهرة و«قوات الدعم السريع» في السودان إلى «مزيدٍ من التصعيد» عقب دعوة مستشار قائد «الدعم السريع»، الباشا طبيق، لإيقاف صادرات بلاده إلى مصر.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا جنود من «قوات الدعم السريع» خلال دورية بمنطقة شرق النيل (أ.ب)

«الدعم السريع» تعلن الاستيلاء على عشرات السيارات القتالية في دارفور

أعلنت «قوات الدعم السريع» أنها ألحقت هزيمة كبرى في الأرواح والعتاد بـ«القوات المشتركة» التابعة للحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش السوداني شمال دارفور.

أحمد يونس (كامبالا)
شمال افريقيا جنود سودانيون من وحدة قوات «الدعم السريع» (أ.ب)

الأمم المتحدة: مقتل 24 شخصاً في هجمات بجنوب السودان

أعلنت الأمم المتحدة وسلطات محلية اليوم (الجمعة)، أن هجمات وهجمات مضادة جرت هذا الأسبوع بين متمردين والقوات الحكومية في جنوب السودان أسفرت عن مقتل 24 شخصاً.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
تحليل إخباري محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

تحليل إخباري بعد خطاب «حميدتي»... هل بدأت الموجة الثانية من الحرب السودانية؟

العنوان الأبرز لخطاب قائد «قوات الدعم السريع»، هو «الانتقال للحرب الشاملة، على عكس ما ذهب البعض لتفسيره بأنه إقرار بالهزيمة».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا مقر الأمم المتحدة في جنيف (متداولة)

«مجلس حقوق الإنسان» يمدد مهمة بعثة تقصي الحقائق في السودان

صوّت «مجلس حقوق الإنسان»، التابع للأمم المتحدة، الأربعاء الماضي، لصالح تمديد مهمة بعثة تقصي الحقائق بشأن الوضع في السودان، في ظل الحرب المتواصلة فيه.


مصر: أزمات تطبيقات «النقل الذكي» تعود للواجهة بعد إدانة سائق بـ«فعل فاضح»

مشهد علوي للعاصمة المصرية القاهرة (رويترز)
مشهد علوي للعاصمة المصرية القاهرة (رويترز)
TT

مصر: أزمات تطبيقات «النقل الذكي» تعود للواجهة بعد إدانة سائق بـ«فعل فاضح»

مشهد علوي للعاصمة المصرية القاهرة (رويترز)
مشهد علوي للعاصمة المصرية القاهرة (رويترز)

أعادت إدانة سائق بإحدى شركات «النقل الذكي» في مصر، بارتكاب «فعل فاضح» في أثناء استقلال الفنانة المصرية هلا السعيد سيارة في القاهرة، أزمات وحوادث تلك التطبيقات إلى الواجهة مجدداً، بعد عدة وقائع شهدتها البلاد ارتبطت بسائقيها.

وقضت محكمة جنح مستأنف أكتوبر بتأييد حكم السجن بحق السائق لمدة سنة، في الواقعة التي تعود إلى شهر مايو (أيار) الماضي، عندما كشفت الممثلة المصرية عن تفاصيلها، من خلال فيديو نشرته في ذلك الوقت عبر حسابها الرسمي على «إنستغرام»، وتقدمت ببلاغ ضد السائق متهمة إياه بـ«ارتكاب أفعال خادشة للحياء في أثناء ركوبها معه، مما أدى لنزولها من السيارة».

وقال علي فايز، دفاع المتهم، في تصريحات لصحف محلية، أول من أمس، إن الواقعة تتلخص في سوء تفاهم لدى الفنانة بخصوص أفعال السائق، إذ ظنت أنه يتحرش بها.

ومع نظر القضية، عاقبت محكمة جنح الشيخ زايد، في يوليو (تموز) الماضي، السائق بالحبس لمدة عام، وكفالة مالية 1000 جنيه، بناء على الاتهامات المسندة إليه بارتكاب فعل فاضح «التبول في طريق عام»، وتم استئناف الحكم أمام محكمة جنح مستأنف أكتوبر، التي أيدت حكم السجن بحق السائق.

من جانب آخر، قالت وزارة الداخلية المصرية، في بيان، الاثنين الماضي، إنه ورد لقسم شرطة المعادي بمديرية أمن القاهرة بلاغاً من سيـدة ونجلتها «تحملان جنسية إحدى الدول» بتضرر المُبلغة من قيام قائد سيارة تابعة لأحد تطبيقات «النقل الذكي» بالتحرش لفظياً بنجلتها ومضايقتها حال استقلالها السيارة صحبته لتوصيلها لأحد الأماكن، لافتة إلى أنه بالفحص أمكن تحديد وضبط السائق مُرتكب الواقعـة ، وبمواجهته أقر بارتكاب الواقعة، ليتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضده.

https://x.com/YousriSaid1/status/1843231920735564192

وشهدت مصر خلال الأشهر الماضية عدة وقائع واجه فيها سائقو النقل الذكي اتهامات مماثلة، أشهرها واقعة وفاة حبيبة الشماع (24 عاماً)، المعروفة بـ«فتاة الشروق»، بعد أن قفزت من سيارة أجرة تابعة لأحد التطبيقات الذكية وهي تسير بسرعة، مما عرضها لإصابات خطيرة سقطت على أثرها في غيبوبة لمدة 21 يوماً، فيما كانت آخر إفادة قالتها لمن حاول إنقاذها إن «السائق كان يحاول اختطافها».

أعقبها تعرض إحدى الأمهات، تدعى نبيلة عوض (40 عاماً)، لمحاولة اعتداء بعد أن استقلت سيارة «نقل ذكي» من منطقة التجمع (شرق القاهرة) إلى منطقة الشيخ زايد في الجيزة، وطلب منها السائق إلغاء الرحلة والدفع له نقداً، وحين رفضت، اصطحبها السائق إلى مكان مهجور في صحراء التجمع الثالث، وحاول الاعتداء عليها تحت تهديد سلاح أبيض، ولكنها تمكنت من الفرار.

وهي الوقائع التي شغلت الرأي العام المصري ودفعت أعضاء في مجلس النواب (البرلمان) للتفاعل معها، متقدمين بطلبات إحاطة وبيانات عاجلة بشأن النقل الذكي، من بينهم النائب عبد المنعم إمام، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إنه تقدم بطلب إحاطة قبل عدة أشهر حول مشكلة الأمان المتعلقة بتطبيقات النقل الذكي، بعدما تبين عدم قيام الشركات بتقنين أوضاعها، حيث طالب بوضع ضوابط صارمة لضمان سلامة وأمان المواطنين، وضرورة مناقشة كيفية تنظيم عمل النقل الذكي ووضع ضوابط جديدة له، وكذلك تنفيذ أنظمة مراقبة شاملة.

وبرأي «إمام»، فإن «مشكلات النقل الذكي في مصر لن تحل إلا بوجود ما يشبه الصندوق الأسود على غرار الطائرات؛ يعمل مع بداية الرحلة ليقوم بتسجيلها صوتاً وصورة، ويتوقف عندما ينزل الراكب من السيارة».

من جانبها، قالت الخبيرة الاجتماعية والأسرية في مصر، داليا الحزاوي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «تطبيقات النقل الذكي تتطلب وقفة صارمة وتعاملاً حازماً مع السائقين، وفقاً لمقولة (من أمن العقاب أساء الأدب)»، لافتة إلى أنه «يجب إلزام الشركات بتركيب كاميرات مراقبة، يمكن من خلالها محاسبة السائقين على تجاوزاتهم سواء كانت بالألفاظ أو الأفعال».

كما تطالب «الحزاوي» الأسر بالاتجاه إلى بدائل النقل الآمنة التي قامت الحكومة بتوفيرها والتوسع فيها مؤخراً، مثل حافلات النقل الذكي الجماعية الخاصة، التي تديرها شركات خاصة بالشراكة مع الحكومة، فهي أكثر أماناً خاصة للفتيات والسيدات.