ما مدى تأثُّر الأزمة الليبية بالحرب الإسرائيلية على غزة؟

وسط انتظار تحرك أممي بشأن قانونَي الانتخابات العامة

عبد الله باتيلي المبعوث الأممي إلى ليبيا (المكتب الإعلامي للبعثة)
عبد الله باتيلي المبعوث الأممي إلى ليبيا (المكتب الإعلامي للبعثة)
TT

ما مدى تأثُّر الأزمة الليبية بالحرب الإسرائيلية على غزة؟

عبد الله باتيلي المبعوث الأممي إلى ليبيا (المكتب الإعلامي للبعثة)
عبد الله باتيلي المبعوث الأممي إلى ليبيا (المكتب الإعلامي للبعثة)

بدت الأزمة الليبية ممتدة، دون حل في الأمد القريب، في ظل تمسّك الأطراف السياسية المنقسمة في البلاد بما يرونه «قانونياً» لجهة إجراء الانتخابات العامة، وسط انتظار تحرك البعثة الأممية لإنقاذ خريطتها التي سبق أن أعلنت عنها أمام مجلس الأمن الدولي في إحاطات سابقة.

وأمام عدم وجود حلحلة ملموسة على أي مسار سياسي، بعد أكثر من عام على مهمة عبد الله باتيلي، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا، تزايدت مخاوف السياسيين بالبلاد من مدى تأثّر قضيتهم باتساع رقعة الصراعات في المنطقة، بالنظر إلى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وما تبعتها من مواقف دولية «متعارضة قد تأخذ الأزمة إلى نفق مظلم».

ويرى رئيس حزب «صوت الشعب» الليبي فتحي عمر الشبلي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن ما حدث ويحدث في غزة «أعطى رسالة بأن الدول الكبرى، من بينها أميركا وبريطانيا وألمانيا المتورطة بمساندة ودعم الكيان الإسرائيلي، ليست مهتمة بقضايا الأمة العربية، بقدر ما هي حريصة على مصلحة إسرائيل».

تزداد مخاوف الليبيين من أن تعرقل الخلافات حول تشكيل «حكومة موحدة» إجراء الانتخابات المرتقبة (هيئة الانتخابات)

وتتداخل أميركا ودول أوروبية، من بينها بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، بالإضافة إلى دول إقليمية، في الأزمة الليبية، ويرى سياسيون ليبيون أن «هذه التدخلات في كثير منها تعرقل الحل السياسي»، وأرجعوا ذلك «لإصرار هذه الدول على دعم كل منهم جبهته في الداخل الليبي، ما يخلق تعارضاً في المصالح، ثم مزيداً من الفشل داخلياً».

ويقول سياسي ليبي إن الوجه الذي أظهرته الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا على سبيل المثال مؤخراً لجهة الأزمة الفلسطينية «خلق لدى الليبيين حالة من النفور وعدم الاطمئنان لتقديم تلك الدول نفسها على أنها وسيطة تسعى لحل قضيتهم»، وزاد: «تبين للجميع أن المسألة لا تعدو كونها لعبة مصالح وفرض نفوذ».

ونوّه السياسي الليبي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى «وجود حالة انشغال دولي وعربي بما يجري من حرب إسرائيلية على قطاع غزة»، وقال: «كانت العاصمة طرابلس قبل بدء الحرب تشهد زيارات لسياسيين ودبلوماسيين دوليين بشكل ملحوظ، الآن الأنظار متجهة نحو القطاع».

اجتماع سابق للجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) في تونس الأسبوع الماضي بحضور رؤساء مجموعة العمل الأمنية المنبثقة عن عملية برلين (البعثة الأممية)

وتدعم أميركا والدول الأوروبية الأربع دعوة المبعوث الأممي في ليبيا إلى التوصل لتسوية سياسية في البلاد تمهّد الطريق لإجراء انتخابات.

وفي آخر بيان أصدرته الدول الخمس في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قالت إنها «تؤيد بقوة دعوة الأمم المتحدة لكل القادة الليبيين إلى العمل معاً من أجل التوصل إلى تسوية سياسية ملزمة، تمهد الطريق لإجراء انتخابات وطنية وحكومة موحدة».

غير أنه مع الانشغال بالحرب الإسرائيلية على غزة، تراجعت تحركات البعثات الدبلوماسية لهذه الدول بشكل ملحوظ في ليبيا، باستثناء لقاء عقده ريتشارد نورلاند السفير والمبعوث الأميركي إلى ليبيا مع فرحات بن قدارة، رئيس مجلس إدارة «المؤسسة الوطنية للنفط الليبية»، أكدت فيه واشنطن «أهمية الحفاظ على استقلالية مؤسسة النفط ونزاهتها التكنوقراطية، بالإضافة إلى سلامة موظفيها».

ريتشارد نورلاند مبعوث الولايات المتحدة إلى ليبيا (موقع السفارة على «إكس»)

وبالنظر إلى جمود العملية السياسية في ليبيا، وبعد أقل من أسبوع على لقاء رئيسي مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» عقيلة صالح ومحمد تكالة في القاهرة، يترقب الليبيون أي تحرك للمبعوث الأممي بشأن إنقاذ فرصة إجراء انتخابات عامة في ليبيا من الفشل.

وأبلغ مجلس النواب الليبي أعضاءه بجلسة تعقد الاثنين، وفق ما أكد النائب إسماعيل الشريف، مرجحاً أن تتم مناقشة ما أثمرت عنه مشاورات صالح وتكالة في القاهرة حول قانوني الانتخابات الرئاسية والنيابية المنتظرة.

ويتمسك باتيلي بأن قانونَي الانتخابات الجديدين «يسترعيان عدداً من الملاحظات»، وقال في إحاطته السابقة أمام مجلس الأمن الدولي إن هناك «بعض القضايا المثيرة للجدل» تحتاج حلاً، من بينها إلزامية الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، خلافاً للممارسة المتعارف عليها.


مقالات ذات صلة

تباين ليبي حول استدعاء البرلمان حكومة حماد للمساءلة

شمال افريقيا جلسة في مجلس النواب الليبي (المجلس)

تباين ليبي حول استدعاء البرلمان حكومة حماد للمساءلة

فتح قرار رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، استدعاء حكومة أسامة حماد، المكلفة من مجلسه، للمساءلة، نقاشاً واسعاً بين النخب السياسية والمراقبين للشأن الليبي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا عمليات شفط مياه الأمطار في بنغازي (وسائل إعلام ليبية)

سوء الأحوال الجوية يعطل الدراسة في شرق ليبيا

أدّت التقلبات الجوية العنيفة التي شهدتها معظم مناطق شرق ليبيا إلى تعليق الدراسة في مدن عدة، بناءً على توجيه من السلطات المحلية.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا الدبيبة خلال احتفال «عيد الاستقلال» بطرابلس (حكومة الوحدة)

ليبيا: الدبيبة يدعو إلى اعتماد دستور «ينهي المراحل الانتقالية»

هاجم رئيس حكومة الوحدة «المؤقتة» عبد الحميد الدبيبة، مجدداً «خصومه السياسيين»، ودعا إلى اعتماد دستور ينهي المراحل الانتقالية.

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا صالح وحماد وبالقاسم حفتر خلال افتتاح عدد من المشروعات في درنة (الحكومة الليبية)

درنة الليبية لتجاوز أحزان «الإعصار» واستعادة بريقها

على مقربة من ساحل البحر المتوسط الذي ذابت فيه بعض أجساد غرقى المدينة الجبلية، شهدت درنة الليبية افتتاح عدد من المشروعات، في خطوة لاستعادة بريقها المفقود.

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا من اجتماع سابق للدبيبة مع حمزة في طرابلس العام الماضي (حكومة الوحدة)

تباين ليبي بشأن منح قائد تشكيل مسلح منصباً «استخباراتياً» بطرابلس

لا يتمتع مدير الاستخبارات العسكرية بطرابلس محمود حمزة، بخلفية عسكرية أكاديمية، لكن ظهوره الأول كان من بين مقاتلين ضد نظام الرئيس السابق معمر القذافي، عام 2011.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

مصر: جدل متصاعد بسبب قانون «المسؤولية الطبية»

مجلس الشيوخ المصري أثناء مناقشة قانون «المسؤولية الطبية» (وزارة الشؤون النيابية والقانونية المصرية)
مجلس الشيوخ المصري أثناء مناقشة قانون «المسؤولية الطبية» (وزارة الشؤون النيابية والقانونية المصرية)
TT

مصر: جدل متصاعد بسبب قانون «المسؤولية الطبية»

مجلس الشيوخ المصري أثناء مناقشة قانون «المسؤولية الطبية» (وزارة الشؤون النيابية والقانونية المصرية)
مجلس الشيوخ المصري أثناء مناقشة قانون «المسؤولية الطبية» (وزارة الشؤون النيابية والقانونية المصرية)

تصاعد الجدل في مصر بسبب قانون «المسؤولية الطبية»، عقب موافقة مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية للبرلمان) نهائياً على القانون. وبينما ترفض نقابة الأطباء المصرية مشروع القانون الجديد، ودعت إلى جمعية عمومية طارئة للأطباء، ترى الحكومة المصرية أن القانون الجديد «يحقق التوازن بين حقوق المرضى والطبيب».

ووافق «الشيوخ المصري» أخيراً على تشريع «المسؤولية الطبية وحماية المرضى»، ومن المقرر إحالته إلى مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) لمناقشته وإقراره في صيغته النهائية.

وينصّ مشروع القانون الجديد على تشكيل «لجنة عليا»، تتبع رئيس الوزراء، تسمى «اللجنة العليا للمسؤولية الطبية وحماية المريض». وعرّف القانون اللجنة بأنها «جهة الخبرة الاستشارية المتعلقة بالأخطاء الطبية، وهي معنية بالنظر في الشكاوى، وإنشاء قاعدة بيانات، وإصدار الأدلة الإرشادية للتوعية بحقوق متلقي الخدمة، بالتنسيق مع النقابات والجهات المعنية».

ويشتمل مشروع القانون الجديد على 30 مادة، من بينها مادتان «أجازتا الحبس للأطباء»، حيث نصّت المادة 27 على «الحبس لمدة لا تقل عن 6 أشهر لمن تسبب في خطأ طبي أدى إلى وفاة متلقي الخدمة»، أما المادة 29 فأجازت لجهات التحقيق إصدار «قرارات بالحبس الاحتياطي للأطباء، حال ارتكاب جرائم أثناء تقديم الخدمة الطبية».

وشهدت مصر في الشهور الماضية تعرض عدد من الأطباء لاعتداءات خلال عملهم بالمستشفيات من أقارب المرضى، من بينها واقعة تعدي الفنان محمد فؤاد على طبيب مستشفى «جامعة عين شمس»، خلال مرافقة شقيقه الذي أصيب بأزمة قلبية الصيف الماضي، وكذا الاعتداء على طبيب بمستشفى «الشيخ زايد» في القاهرة من أقارب مريض، نهاية أكتوبر (تشرين أول) الماضي، وهي الوقائع التي يجري التحقيق فيها قضائياً.

واستقبلت نقابة الأطباء المصرية مشروع القانون الجديد برفض واسع، باعتباره ينصّ على «عقوبات مشددة تجاه الأطباء»، ودعت أعضاءها إلى جمع عام طارئ في 3 يناير (كانون ثاني) المقبل للمطالبة بتعديل التشريع الجديد.

وعدّ نائب رئيس الوزراء المصري، وزير الصحة، خالد عبد الغفار، أن «التشريع الجديد متوازن». وقال خلال مشاركته في مناقشة القانون بـ«الشيوخ» أخيراً، إن فلسفة القانون «تستهدف تحقيق التوازن والتكامل بين الطبيب والمريض»، لافتاً إلى أن التشريع «يمنح الحماية الجنائية للأطباء، ويوفر بيئة عمل آمنة للطواقم الطبية، بعد أن تكررت حوادث التعدي على الأطباء».

من جانبه، قال وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي المصري، محمود فوزي، إن القانون الجديد «يعزز الثقة بين الطبيب والمريض، ويسعى لتحقيق جودة الخدمة العلاجية»، مشيراً في تصريحات إلى أن التشريع «وضع ضمانات للطبيب، من بينها التعريف المحكم للخطأ الطبي، وحدّد الحالات التي تنتفي فيها مسؤولية الطبيب ومقدم الخدمة الطبية».

نقيب الأطباء المصري خلال مناقشته قانون المسؤولية الطبية مع أطباء الفيوم (نقابة الأطباء المصرية)

لكن نقيب الأطباء المصري، أسامة عبد الحي، عدّ أن القانون الجديد «لا يحقق مصلحة الطبيب والمريض»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «رغم أهمية التشريع لتنظيم العلاقة بين مقدم ومتلقي الخدمة الطبية، فالصيغة الحالية لا تحقق الغاية من صدور القانون».

وتأتي تحفظات الأطباء تجاه القانون حول آلية وصيغة محاسبة الطبيب، حال وقوع خطأ طبي، وفق عبد الحي، الذي قال إن «التشريع لم يتعامل بجدية مع دور اللجنة العليا للمسؤولية الطبية، وجعل لجوء جهات التحقيق لها اختيارياً»، مطالباً بضرورة «النصّ على إحالة جميع الشكاوى الموجهة ضد الأطباء إلى (اللجنة) من أجل فحصها، وحال ثبوت ارتكاب الطبيب خطأ طبياً يحال بعدها إلى جهات التحقيق».

في حين ترى الحكومة المصرية أن «إنشاء لجنة المسؤولية الطبية بالقانون تمثل ضمانة أكبر للأطباء».

وبحسب نقيب الأطباء، فإن «التشريع لم يفرق بين الخطأ الطبي الصادر من طبيب متخصص، والخطأ الصادر من طبيب خالف القانون في ممارسة المهنة، بممارسته الخدمة الطبية في مكان غير مرخص، أو من دون مؤهل علمي»، مطالباً بـ«إلغاء الحبس الاحتياطي في مشروع القانون، والنص على بدائل أخرى مع الأطباء».

وكان وزير الصحة المصري قد قلّل من خطورة نصوص الحبس في القانون، بقوله إن قرارات الحبس الاحتياطي المنصوص عليها في القانون «وضعت وفقاً لضوابط واضحة ومحددة، أهمها أن تصدر من رئيس نيابة في الجرائم التي تقع من مقدم الخدمة الطبية».

ويعتقد عضو «لجنة الصحة» بمجلس الشيوخ المصري، محمد صلاح البدري، أن قانون المسؤولية الطبية «خطوة جيدة لتنظيم العلاقة بين الطبيب والمريض»، مشيراً إلى أن «هناك دعاية سلبية تسعى لإظهار القانون باعتباره مخصصاً لحبس الأطباء»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القانون «ينص على إجراءات محددة لمحاسبة الطواقم الطبية حال وقوع أخطاء أو إهمال، بدلاً من الإجراءات الحالية للمحاسبة المنصوص عليها في قانون العقوبات». ورأى البدري أنه «لا يمكن إلغاء عقوبة الحبس بشكل مطلق من القانون»، معتبراً ذلك «يخالف قواعد الدستور».

وانتقل الجدل المثار بشأن مشروع القانون إلى «السوشيال ميديا»، حيث أشار الطبيب ومقدم البرامج الطبية، خالد منتصر، إلى أن «أي قانون يحافظ على حقوق المرضى، ويعاقب الفئة القليلة من الأطباء، ضروري». وقال عبر حسابه على «إكس» إن هناك فئة «تسيء لمهنة الطب بسبب أخطائها الطبية، ويجب أن يكون هناك قانون لردعهم».

من جهته، أكد مدير «المركز المصري للحق في الدواء» (منظمة حقوقية)، محمود فؤاد، «أهمية وجود تشريع مصري للمسؤولية الطبية، للحد من الأخطاء وحوادث الإهمال الطبي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يجب اختزال القانون في الخلاف حول مسألة حبس الأطباء».

ويرى فؤاد ضرورة توفير «بيئة صحية ومناخ طبي آمن داخل المستشفيات، قبل تطبيق القانون»، مضيفاً أنه «مثلما أشارت نصوص القانون على تحقيق أهداف معينة، تخدم المرضى والأطباء، لا بد أيضاً من توفير الإمكانات والأدوات اللازمة للطبيب لأداء عمله».