هل نجحت لجنة الصلح مع «الفاسدين» في استرجاع أموال تونس المنهوبة؟https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A/%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7/4658906-%D9%87%D9%84-%D9%86%D8%AC%D8%AD%D8%AA-%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%84%D8%AD-%D9%85%D8%B9-%C2%AB%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%B3%D8%AF%D9%8A%D9%86%C2%BB-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D8%A7%D8%B9-%D8%A3%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%84-%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D9%87%D9%88%D8%A8%D8%A9%D8%9F
هل نجحت لجنة الصلح مع «الفاسدين» في استرجاع أموال تونس المنهوبة؟
مراقبون يرون أن مسار الصلح الجزائي الذي طرحه الرئيس سعيد غير واقعي (د.ب.أ)
كشف وليد العرفاوي، رئيس الجمعية التونسية لدعم المحاكمة العادلة، والمحامي المهتم بملف الصلح الجزائي مع الدولة، أن لجنة الصلح الجزائي قبلت حتى الآن 250 ملف طلب صلح، وأنهت إجراءات الصلح في 40 في المائة منها، موضحاً أن اللجنة تمكنت من تحصيل نحو 35 مليون دينار تونسي (نحو 11 مليون دولار)، وهو مبلغ زهيد مقارنة بالمبلغ الذي تطمح رئاسة الجمهورية التونسية لتحصيله، أي حوالي 13.5 مليار دينار تونسي (نحو 4.5 مليار دولار)، بحسب تصريح الرئيس قيس سعيد.
ورافقت فترة التمديد الماضية (6 أشهر) تساؤلات حول التمديد من جديد لهذه اللجنة بسبب المبالغ الزهيدة التي حصلت عليها خلال فترة عملها السابقة، والصعوبات الكثيرة التي تواجه عمل هذه اللجنة التي أحدثها الرئيس سعيد، وصدر الإعلان عنها بـ«الرائد الرسمي» (الصحيفة الحكومية الرسمية) في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.
وقال العرفاوي إن أعمال اللجنة الوطنية للصلح الجزائي ستستمر إلى ما بعد تاريخ 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أي بعد فترة التمديد الثانية والأخيرة لأعضائها بستة أشهر. وأكد في تصريح إعلامي لوكالة الأنباء التونسية الرسمية أن الرئيس سعيد بإمكانه تغيير أعضاء اللجنة فور انتهاء فترة التمديد الثانية، وإبقاء اللجنة كهيكل حكومي مكلف مهمّات رسمية، من خلال إصدار أمر رئاسي.
وبشأن تواضع قيمة المبالغ التي تم تحصيلها، عدّ العرفاوي هذا الرقم «مؤشراً إيجابياً»، خصوصاً إذا ما تمت مقارنته بما حققته «هيئة الحقيقة والكرامة»، الهيئة الدستورية المنتخَبة التي ترأستها الحقوقية سهام بن سدرين، طوال سنوات، حيث لم تتمكن من جمع سوى 9 ملايين دينار (نحو 3 ملايين دولار) ، مضيفاً أن هذا الرقم مرشح للارتفاع خلال الفترة المقبلة، لا سيما بعد أن عبَّر عدد من رجال الأعمال الذين استفادوا من الوضع السياسي قبل 2011 للحصول على امتيازات مالية من البنوك التونسية دون ضمانات فعلية، باستعدادهم للقيام بإجراءات الصلح الجزائي.
وكان الرئيس سعيد قد أكد خلال موكب أداء أعضاء لجنة الصلح الجزائي اليمين الدستورية أن اللجنة «مدعوة لاسترجاع ما قدره 13.5 مليار دينار تونسي (نحو 4.5 مليار دولار) لفائدة الشعب التونسي». وصرح في مناسبات عديدة بأن عدد الذين نهبوا أموال البلاد يصل إلى نحو 460 شخصاً، وفق تقرير صدر عن اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، التي ترأسها المحامي عبد الفتاح عمر، إثر ثورة 2011.
وبشأن الصعوبات التي قلَّصت فرص نجاح اللجنة في استرجاع المبلغ المعلَن عنه، المقدَّر بنحو 13.5 مليار دينار تونسي، أوضح العرفاوي أن أبرز معضلة في عملها إلى حد الآن هي أنها «تعمل دون رئيس، وتركيبتها منقوصة»، عادّاً أن رئيس الجمهورية لم يتوخَّ سياسة سد الشغور بصورة مستعجلة لضمان نجاحها في مهمتها، على حد تعبيره.
ويرى مراقبون لمسار الصلح الجزائي، الذي طرحه الرئيس سعيد ودافع عنه، أن الأموال التي تحدث عن إمكانية استرجاعها غير واقعية، وشككوا في إمكانية تحصيلها.
وكان سعيد قد عبَّر في زيارات متكررة لمقر لجنة الصلح الجزائي عن عدم رضاه عن تقدُّم سير أعمالها، وحض أعضاءها على مزيد من العمل لاسترجاع الأموال المنهوبة، وهي مهمات شديدة التعقيد، بحسب عدد من المراقبين.
ذكرت وسائل إعلام محلية أن السلطات في جنوب أفريقيا ألقت القبض على داني جوردان، رئيس الاتحاد الوطني لكرة القدم، الأربعاء؛ بسبب مزاعم بشأن استخدام أموال الاتحاد.
دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
وجدت دعوات تحجيب النساء «جبراً»، التي تنتصر لها السلطة في العاصمة الليبية، عدداً من المؤيدين، لكنها خلقت أيضاً تياراً واسعاً من الرافضين لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات.
فبعد إعلان السلطة، ممثلة في عماد الطرابلسي، وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة، عن إجراءات واسعة ضد النساء، من بينها «فرض الحجاب الإلزامي»، بدت الأوضاع في ليبيا متجهة إلى التصعيد ضد «المتبرجات»، في ظل صراع مجتمعي محتدم.
بين الرفض والقبول
تفاعل الشارع الليبي بشكل متباين مع تصريحات الطرابلسي، بين من رفضها جملة وتفصيلاً، ومن قال إنه «ينفذ شرع الله ويسعى لنشر الفضيلة»، في وقت شرعت فيه أجهزة أمنية في إغلاق صالات رياضية ونوادٍ نسائية، بينما لم تعلّق سلطات البلاد، ممثلة في المجلس الرئاسي أو «الوحدة»، على هذا الأمر، وهو ما عده مقربون منهما «رضاً وقبولاً» بما تعهد به الطرابلسي.
وبين هذا التيار وذاك، ظهرت شكاوى من التضييق والتحريض ضد «متبرجات»، أعقبتها دعوات للنائب العام بضرورة التدخل لحمايتهن وتفعيل القانون. وأمام تصاعد هذا الاتجاه الذي حذرت منه منظمات دولية، عدّت زهراء لنقي، عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، أن الهدف منه «إشغال الناس عن القضايا الجوهرية، مثل الفساد المالي والإداري وتهريب الأموال».
وقالت الزهراء لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التوجه «يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تفعلها حكومة (الوحدة) بين الحين والآخر، في إطار توجّه منهجي لعودة المنظومة الأمنية القمعية، وكبت الحريات العامة، وملاحقة المجتمع المدني عبر توظيف خطاب متشدد».
وسبق لمنظمة «العفو الدولية» القول إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء والفتيات، والانتقاص من حقوقهن في حرية التعبير والدين، والمعتقد والخصوصية الجسدية، بما في ذلك خطط لإنشاء شرطة الأخلاق لفرض الحجاب الإلزامي».
من جهته، عدّ جمال الفلاح، رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، أن هذه الإجراءات «قسّمت المجتمع بين جماعة مؤيدة، وأخرى تعد هذا التوّعد إهانة للمرأة الليبية، التي ترفض فرض الحجاب عليها بالقوة».
وقال الفلاح الذي يرى أن المرأة الليبية «قيادية ورائدة في مجالات عدة»، لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كنا نتحدث عن الأخلاق والفضيلة، فليبيا اليوم تعج بالربا وفساد السلطة والمسؤولين، بالإضافة إلى الرشى في أوساط من هم في السلطة؛ ولذلك كان من الأولى التركيز على قضايا الرشوة والابتزاز والقتل خارج القانون».
وكان الطرابلسي قد قال في مؤتمر صحافي في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، باللهجة الليبية: «نلقى واحد مقعمز (جالس) هو وبنت برقدهم في الحبس، والبنت بترقد هي وأهلها في الحبس. والنساء اللي تسوق من غير ستر شعرها بنستلم منها السيارة... لا نعرف زميل لا صديق لا شريك لا موظف».
وسيلة للإلهاء
أمينة الحاسية، رئيس مجلس إدارة ملتقى التغيير لتنمية وتمكين المرأة، ربطت بين توجه سلطات طرابلس لتفعيل الحجاب «جبراً»، والأزمة السياسية في البلاد، وهو ما ذهبت إليه أيضاً لنقي.
تقول الحاسية لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يضع المسؤولون في ليبيا المرأة في مكان بين السياسة والدين؛ ولو تريد الدولة حقاً المحاسبة فعليها أن تبدأ أولاً بمواجهة الفساد، وتدع المرأة وشأنها»، مضيفة: «هم الآن في وضع سياسي سيئ».
وعدت لنقي التركيز على المرأة وزيها وشعرها «زوبعة يستهدفون الإلهاء من ورائها»، معتقدة أن حكومة طرابلس «تسعى لأن تكون سلطة دينية وهي ليست كذلك... و 90 في المائة من الليبيات تقريباً يرتدين الزي نفسه داخل ليبيا. هذه في رأيي زوبعة للإلهاء عن القضايا الجوهرية لا أقل ولا أكثر».
حماية الآداب العامة
غير أن صمت السلطة حيال ما ذهب إليه الطرابلسي توقف بعد قرار أصدره الدبيبة، وتم تداوله على نطاق واسع، وهو القرار الذي قضى باستحداث إدارة بالهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، تسمى «الإدارة العامة لحماية الآداب العامة».
وحدد القرار، الذي لم تنفه حكومة الدبيبة، مهام إدارة «حماية الآداب العامة»، من بينها ضبط الجرائم التي ترتكب في الأماكن العامة، والمقاهي والمطاعم ودور العرض والفنادق، وغيرها من الأماكن العامة أو المخصصة للارتياد العام بالمخالفة للتشريعات الخاصة بحماية الآداب العامة، ومكافحة الأفعال التي تتنافى مع توجهات المجتمع، وتسيء إلى قيمه وأخلاقه ومبادئه، وتطبيق التشريعات النافذة، بالإضافة إلى القيام بأعمال البحث والتحري، وجمع الاستدلال في الجرائم المتعلقة بالآداب العامة.
وتوجه مقربون من الإعلامية الليبية، زينب تربح، ببلاغ إلى النائب العام، بعد شكايتها في مقطع فيديو من مضايقات وهي تقود سيارتها من طرف مجهولين لكونها حاسرة الرأس، وقالت إيناس أحمدي، إحدى المقربات من الإعلامية، إن تربح «تتعرض لحملة شرسة من العنف والتعدي»، مشيرة إلى أن الحملة «ما زالت في بدايتها، وما زالت تأخذ أشكالاً أكثر تعنيفاً دون أي رادع».
وانتشر على تطبيق «تيك توك» تأييد واسع لرغبة سلطة طرابلس في تفعيل الحجاب، كما أسبغ بعض المعجبين على الطرابلسي أوصافاً عديدة، تعود لشخصيات تاريخية، وعدّوه «حامياً للإسلام والأخلاق». وهنا تلفت الحاسية إلى «تغول التيار الديني في غرب ليبيا، وتأثيره على من هم في السلطة، لما يملكه من مال وسلاح وميليشيات»، وقالت بهذا الخصوص: «أصبحت هناك حالات تعد على صالات الرياضة والنوادي النسائية بالقوة، وقد حاولوا أن يغلقوها بحجج كثيرة، من بينها الدين والحجاب. وربما نقول إن الطرابلسي له علاقة بهذه التشكيلات المسلحة وهذا التوجه الديني».
ووسط تباين مجتمعي، يراه كثيرون أنه سيتفاعل في قادم الأيام كلما تعددت حالات التضييق على «المتبرجات»، قالت المحامية الليبية ثريا الطويبي، إن ما ذهب إليه الطرابلسي، «جاء مخالفاً للإعلان الدستوري، الذي نص على حماية الحقوق وصيانة الحريات». مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يعد لباس المرأة من الحقوق والحريات الشخصية، ما لم يكن فاضحاً أو خادشاً للحياء العام، وليس من اختصاص وزير الداخلية وضع القيود على لباس المرأة، أو تنقلها وسفرها للخارج».
واتساقاً مع ذلك، تعتقد الحاسية أن ليبيا تعيش راهناً في فوضى، ومواجهة من تيار ديني يريد الهيمنة على زمام الأمور والقوانين ودسترة هذه المشكلات، لكنها قالت جازمة: «الليبيون والليبيات سيرفضون هذا الإلزام، إلا لو فرض عليهم بقوة السلاح».