«سد النهضة»... هل تستغل إثيوبيا انشغال مصر بحرب غزة؟

وسط أنباء عن استعدادات «الملء الخامس»

جانب من جولة المفاوضات التي جرت في القاهرة بشأن «سد النهضة» الشهر الماضي (وزارة الري المصرية)
جانب من جولة المفاوضات التي جرت في القاهرة بشأن «سد النهضة» الشهر الماضي (وزارة الري المصرية)
TT

«سد النهضة»... هل تستغل إثيوبيا انشغال مصر بحرب غزة؟

جانب من جولة المفاوضات التي جرت في القاهرة بشأن «سد النهضة» الشهر الماضي (وزارة الري المصرية)
جانب من جولة المفاوضات التي جرت في القاهرة بشأن «سد النهضة» الشهر الماضي (وزارة الري المصرية)

جددت أنباء بشأن استعدادات في إثيوبيا لـ«الملء الخامس» لـ«سد النهضة»، تساؤلات في مصر حول استمرار أديس أبابا في «الإجراءات الأحادية» بشأن ملف «السد»، وذلك في ظل انشغال مصر بالحرب الإسرائيلية على غزة، وقبل أسابيع من جولة مفاوضات مرتقبة بين مصر والسودان وإثيوبيا في أديس أبابا حول «السد».

وتداول خبراء جيولوجيا في مصر صوراً التقطت (مساء الثلاثاء) أظهرت «قيام إثيوبيا بفتح بوابة تصريف المياه الشرقية بشكل كامل لتمرير المياه الزائدة، استعداداً لتعلية الحائط الخرساني للسد وبدء الملء الخامس». وعد أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية في جامعة القاهرة، عباس شراقي، «التحركات الإثيوبية» الجديدة بأنها «خطوات فنية معروفة لبدء (الملء الخامس) خلال أسابيع قليلة». وقال شراقي لـ«الشرق الأوسط» (الأربعاء) إن «سد النهضة» به بوابتا تصريف للطوارئ، وقامت إثيوبيا الآن بفتح إحدى البوابتين لتصريف المياه، لأن التوربينات لا تعمل، و«سوف يتم تصريف المياه الزائدة خلال نحو ثلاثة أيام، ثم يترك الممر الأوسط نحو أسبوعين ليجف، وتبدأ بعدها مرحلة (التعلية الخرسانية) تمهيداً لـ(الملء الخامس) الذي يهدف إلى تخزين 64 مليار متر مكعب من المياه، وهي زيادة كبيرة عن المخزون الحالي منذ الملء الرابع وهو 41 مليار متر مكعب».

وتأتي التحركات الإثيوبية الجديدة قبل جولة مفاوضات رابعة حول «سد النهضة» تُعقد بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، بمشاركة الدول الثلاث، عقب الجولة الثالثة من المفاوضات التي عقدت بالقاهرة خلال 23 و24 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، من دون التوصل لاتفاق.

ووفق شراقي فإن لجوء إثيوبيا إلى فتح إحدى بوابتي التصريف الخاصة بالطوارئ لتصريف المياه الزائدة، يؤكد أنها «فشلت في تشغيل (التوربينات) والتي تسمح بمرور المياه الزائدة، كما أن المياه التي يتم تصريفها في الوقت الراهن بغرض التجفيف والتعلية، هي مياه مهدرة لا يستفيد بها أي طرف»، واصفاً الإجراءات الإثيوبية الجديدة بأنها «استغلال لانشغال مصر بحرب غزة، للمضي في كافة مراحل (السد) بشكل أحادي».

«سد النهضة» الإثيوبي (رويترز)

وكان وزير الري والموارد المائية المصري، هاني سويلم، قد حذر الأسبوع الماضي، من أن مصر «تأتي على رأس قائمة الدول الأقل من حيث معدل الأمطار، مع الاعتماد شبه المطلق على نهر النيل بنسبة 98 في المائة، الذي يأتي من خارج الحدود». ووصف خلال «أسبوع القاهرة للمياه»، الممارسات الإثيوبية بأنها «ممارسات أحادية غير تعاونية، يُمكن أن يكون لها تأثير كارثي على مصر». كما لفت الوزير المصري حينها إلى أنه «في حالة استمرار تلك الممارسات على التوازي مع فترة جفاف مطول قد ينجم عن ذلك خروج أكثر من مليون و100 ألف شخص من سوق العمل، وفقدان ما يقرب من 15 في المائة من الرقعة الزراعية المصرية».

في السياق وصف نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في مصر، أيمن عبد الوهاب، التحركات الإثيوبية الجديدة بأنها «امتداد للنهج الإثيوبي المستند على سياسة فرض الأمر الواقع». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «إثيوبيا لم تكن يوماً جادة في التفاوض حول ملف (سد النهضة)، وهي الآن تستغل انشغال مصر والعالم بحرب غزة لتمرير الخطوات التي تريدها، ولا أعتقد أن جولة التفاوض المرتقبة الشهر المقبل، ستحقق شيئاً، أو تختلف عن الجولات السابقة».


مقالات ذات صلة

«هدنة غزة»: «المناطق العازلة» تُعمق مخاوف الإخفاق

تحليل إخباري فلسطينيان يتفقدان آثار الغارات الإسرائيلية على حي الزيتون بمدينة غزة (أ.ف.ب)

«هدنة غزة»: «المناطق العازلة» تُعمق مخاوف الإخفاق

حديث إسرائيلي رسمي عن إنشاء «مناطق عازلة» في قطاع غزة، أثار تساؤلات بشأن مدى تأثيراتها على اتفاق الهدنة المحتمل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي تسبب القصف الإسرائيلي على غزة في استشهاد أكثر من 45 ألف فلسطيني أكثر من نصفهم نساء وأطفال (رويترز)

تجمدوا حتى الموت... البرد يودي بحياة 3 أطفال في غزة

توفي 3 أطفال فلسطينيين في الساعات الـ48 الماضية بسبب البرد الشديد، حيث قال الأطباء إنهم تجمدوا حتى الموت أثناء وجودهم في مخيمات غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي جندي إسرائيلي يدخل نفقاً بُني لدعم المحتجزين ويرمز إلى أنفاق «حماس» خلال تجمع جماهيري في تل أبيب (رويترز)

إسرائيل و«حماس» تتبادلان اتهامات «عرقلة صفقة غزة»

بدَّدت إسرائيل وحركة «حماس»، أمس الأربعاء، أجواء التفاؤل بقرب عقد صفقة في قطاع غزة، تشمل هدنة مؤقتة وتبادلاً للأسرى، وتراشقتا بالاتهامات حول مسؤولية عرقلة.

كفاح زبون (رام الله)
شمال افريقيا أشخاص يتفقدون موقع القصف الإسرائيلي على خيام تؤوي فلسطينيين نازحين من بيت لاهيا (أ.ف.ب)

​«هدنة غزة»: «جمود» يدفع المفاوضات إلى «مصير غامض»

مغادرة الوفد الإسرائيلي الدوحة للتشاور بشأن اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة فتح تكهنات بشأن «مستقبل مسار الجمود الحالي» في ظل طلب الوسطاء «التعاون»

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
المشرق العربي جانب من قداس منتصف الليل في بيت لحم (إ.ب.أ)

الحرب على غزة ودمارها الموضوع الرئيسي بقداس منتصف الليل في بيت لحم

خيَّمت الحرب المدمرة في قطاع غزة على قداس منتصف الليل في بيت لحم الذي ترأسه بطريرك القدس للاتين الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا.

«الشرق الأوسط» (بيت لحم)

نائب حمدوك يؤكد تمسكهم بتشكيل حكومة «موازية»

اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)
اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)
TT

نائب حمدوك يؤكد تمسكهم بتشكيل حكومة «موازية»

اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)
اجتماع سابق للهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية «تقدم» (فيسبوك)

أعلن نائب رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، الهادي إدريس، تمسكه بتشكيل «حكومة مدنية» في السودان؛ لكي تنتزع الشرعية من الحكومة التي تتخذ من بورتسودان عاصمة مؤقتة التي عيّنها قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان. وأوضح إدريس أن الغرض من الحكومة المقترحة هو قطع الطريق «أمام خطط أنصار نظام الإسلاميين (النظام البائد بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير) الرامية لتقسيم البلاد، وأيضاً لعدم ترك صوت السودان للجبهة الإسلامية لتتحدث باسمه، وأخيراً لإجبار الطرف الآخر (الجيش) على القبول بمفاوضات لوقف الحرب». وأشار إدريس في الوقت ذاته، إلى تمسكه بوحدة الصف المدني؛ لأن تحالف «تقدم» يعدّ أعظم إنجاز للمدنيين منذ الانقلاب على حكومة الثورة المدنية في أكتوب (تشرين الأول) 2021.

وقال إدريس، وهو عضو سابق في مجلس السيادة قبل أن يقيله البرهان بعد اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023، إنهم ماضون في تشكيل الحكومة، وإن القرار بتشكيلها لا رجعة فيه، موضحاً أن «فكرة نزع الشرعية وتكوين حكومة فكرة قديمة؛ لأن حكومة الثورة هي الحكومة الشرعية، وليس حكومة الانقلاب»، وانتقد ما أسماه تلكؤ القوى المدنية في تشكيل الحكومة بقوله إن «القوى المدنية لم تكن تملك الشجاعة الكافية لملء المقعد الشاغر».

سلطة شرعية

البرهان يخاطب مؤتمراً اقتصادياً في مدينة بورتسودان (الجيش السوداني)

وأكد إدريس على أهمية تكوين سلطة شرعية لتمثيل الشعب السوداني، بقوله: «مجرد الحديث عن هذه الخطوة أحدث إرباكاً للمشهد السوداني، باعتبارها الوسيلة الوحيدة المشروعة لاسترداد الشرعية من حملة السلاح». وشدد على أنهم لن يتخلون عن تشكيل الحكومة إلاّ إذا قرر طرفا الحرب الذهاب إلى المفاوضات لإنهاء القتال.

وجرت مشاورات مطولة الأسابيع الماضية في العاصمة الكينية نيروبي بين قوى سياسية والجبهة الثورية وشخصيات من تحالف «تقدم» ومن خارجه، بحثت تشكيل «حكومة سلام» على الأرض داخل السودان، لكن الهادي نفى بلوغ المفاوضات مرحلة تداول أسماء المرشحين للحكومة المراد تشكيلها. وأكد الهادي على التقائهم عدداً من قادة «قوات الدعم السريع»، وأجروا معهم مشاورات وأثنوهم عن تشكيل حكومة تابعة حصرياً لـ«قوات الدعم سريع»، وحصلوا منهم على تعهدات بتوفير الحماية والأمن للحكومة المزمعة حال تكوينها. وتابع: «الحكومة التي نسعى لتشكيلها ليست حكومة (قوات الدعم السريع)؛ لأن هذه القوات لديها إدارتها المدنية».

وشهد مؤتمر «تقدم» التأسيسي الذي عُقد في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في مايو (أيار) الماضي، تداول فكرة تشكيل حكومة موازية لحكومة بورتسودان التي يترأسها البرهان، لكن المقترح لم يحظ بالقبول الكافي، ثم أعيد طرحه مجدداً في اجتماع الهيئة القيادية لـ«تقدم» في مدينة عنتيبي الأوغندية مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

تباين المواقف

حمدوك رئيس تنسيقية «تقدم» (فيسبوك)

وإزاء تباين المواقف داخل التحالف تقرر إحالة الخلاف لآلية سياسية تم تكوينها مؤخراً. وأكد إدريس على بروز تباينات جديدة في اجتماع «تقدم» الأخير حول فكرة نزع الشرعية من حكومة بورتسودان، قائلاً إن «البرهان لا يملك شرعية، والعالم يتعامل معه باعتباره سلطة أمر واقع؛ لذلك لن نترك له صوت الشعب ليتحدث باسمه، ونزع الشرعية منه يتطلب استرداد شرعية رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك الذي عيَّنته الثورة التي أسقطت نظام البشير في عام 2019».

وأبلغ إدريس الصحافيين أن ثلاث قضايا رئيسية، هي - تشكيل الحكومة، وتكوين الجبهة المدنية، واجتماع المائدة المستديرة - حدثت تباينات بشأنها في اجتماع «تقدم» أحيلت إلى الآلية السياسية التي تم تشكيلها أخيراً برئاسة حمدوك، للتوافق عليها والخروج بمواقف مشتركة. وأضاف: «بالنسبة لنا وحدة تحالف (تقدم) مهمة؛ لأنك لا تستطيع التحدث عن جبهة مدنية أوسع ما لم تحافظ على (تقدم)، وإننا بصفتنا جبهة ثورية لن نكون سبباً في تقسيم هذا التحالف المدني الضخم، فنحن مؤسسون له».

وقال إن اجتماع عنتيبي كان أساساً لبحث جدول قضية نزع الشرعية من حكومة بورتسودان، وتوصلنا خلاله إلى ضرورة تكوين حكومة موازية، لكن الخلافات تراوحت بين من يطالبون بتشكيل حكومة مصغرة مرجعيتها الوثيقة الدستورية لعام 2019 وهياكل الحكم للفترة الانتقالية، وأن يكون أعضاء مجلس السيادة السابقين ورئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك في وضع شبيه بحكومة منفى، للتحدث باسم الشعب السوداني، بينما رأى آخرون ضرورة التأسيس لسلطة جديدة داخل السودان وبمرجعية سياسية جديدة.

ومع تأكيده على وجود تيار يرفض فكرة تشكيل حكومة موازية خوفاً من تقسيم البلاد، إلاّ أن إدريس كشف عن تمسك غالبية أعضاء «الجبهة الثورية» ورؤساء وقيادات أحزاب داخل «تقدم» بخيار تشكيل الحكومة، إضافة إلى مجموعات مترددة. وأرجع ذلك إلى ما أسماه «ابتزاز الخطاب الدعائي للإسلاميين»، قائلاً: «نحن مع خيار تشكيل الحكومة، ونعتبرها خطوة مهمة لوقف المشروع الإخواني الهادف إلى تقسيم السودان».