الحرب في السودان تدخل شهرها السابع دون أفق حل

دخلت الحرب بين طرفي القتال في السودان، الأحد، شهرها السابع دون توقف، ولا تلوح في الأفق بادرة نصر عسكري حاسم لأحد الطرفين، وهو ما كان قد ذهبت إليه تحليلات الخبراء وتوقعات السياسيين بأن القتال المستمرّ أنهك القوتين المتقاتلتين، وخلق حالة من توازن الضعف، على الرغم من أن الوضعين العسكري والميداني لا يزالان يعكسان تفوقاً لـ«الدعم السريع»، خلال الأشهر الأولى من الحرب.

نساء وأطفال في مخيم جديد للنازحين بالسودان (أ.ف.ب)

لم يشهد الموقف الميداني تغييراً كبيراً على الوضع الذي شكّلته الحرب خلال الأشهر الثلاثة الأولى، حيث لا تزال قوات «الدعم السريع» تُحكم سيطرتها على مواقع عسكرية وسيادية في العاصمة الخرطوم، وفي الوقت نفسه تهاجم باستمرار قيادة سلاح المدرّعات ومقرّ القيادة الرئيسي للجيش الذي بدوره يستميت في الدفاع عن المنطقتين العسكريتين.

وقال شهود عيان، لــ«الشرق الأوسط»، إن مناطق متفرقة في العاصمة الخرطوم شهدت قصفاً مدفعياً متبادلاً بين الجيش و«الدعم السريع»، وعادت مواجهات متقطعة في محيط سلاح قيادة المدرّعات، بمنطقة الشجرة جنوب الخرطوم.

وأفاد الشهود بأن الجيش أطلق قذائف مدفعية استهدفت مواقع لقوات «الدعم السريع» في مدينة أمدرمان. وفي المقابل ردّ «الدعم السريع» بقصف مماثل على أحياء شرق الخرطوم.

وفي موازاة ذلك، توترات أنباء عن رصد قوات لـ«الدعم السريع» تتوغل في ولاية النيل الأبيض وسط البلاد، وذلك بعد محاولة، خلال الأيام الماضية، للتمدد في مناطق بولاية الجزيرة الوسطية.

وفي حين تستمر المعارك يومياً في جبهات القتال بالعاصمة الخرطوم ويتمدد الصراع أكثر في ولايات دارفور وكردفان (غرب ووسط) البلاد، ويهدد مناطق أخرى ظلت، طيلة الفترة الماضية، خارج نطاق الاشتباكات، تتجمد مبادرات الحل السياسي المطروحة من دول المنطقة والجوار السوداني وتحركات القوى الدولية في حمل الطرفين على وقف دائم لإطلاق النار.

دخان يتصاعد من طائرة محترقة داخل مطار الخرطوم (أرشيفية - رويترز)

وتبددت آمال السودانيين في توقف الحرب وعودتهم إلى منازلهم، عقب خروج قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، من مقر قيادة الجيش بوسط الخرطوم، وترديده، في أكثر من خطاب، بأن الحرب تنتهي بالقضاء على «تمرد قوات الدعم السريع»، ما يرشح باستمرار القتال لفترة أطول.

رسالة الفكي

ودعا عضو «مجلس السيادة السوداني» السابق، محمد الفكي سليمان، قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان إلى «التوجه فوراً نحو الحل السياسي لوقف الحرب، عبر (منبر جدة)، برعاية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة»، مشدداً على أنه على قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) بذل مزيد من السيطرة على الانتهاكات التي ترتكبها قواته ضد المدنيين.

وأضاف الفكي: «اليوم، أكملنا الشهر السادس على الحرب اللعينة التي دمّرت البلاد»، موجّهاً عدة رسائل، للجبهة المدنية التي بصدد عقد اجتماع، في الأيام المقبلة، بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وطالبهم بأن «يضعوا نصب أعينهم الهدف الأول؛ وهو وقف الحرب مهما كانت التنازلات، دون النظر للمصالح السياسية الضيقة».

ودعا، في تسجيل مصوَّر نُشره في «فيسبوك»، إلى أن تكون الجبهة واسعة تضم جميع السودانيين وتضغط من أجل إيقاف الحرب، وألّا يخضعوا لابتزاز القوى الداعمة للحرب.

ووجّه الفكي رسالة مباشرة إلى البرهان، داعياً إياه إلى الاعتذار عن الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ومشيراً إلى أن حميدتي سبق أن اعتذر عن مشاركته في الانقلاب.

وشدَّد عضو «السيادي» السابق على دعوته البرهان للاتجاه مباشرة إلى الحل السياسي في منبر جدة، برعاية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية؛ لحماية البلاد.

جنرالا الحرب في السودان البرهان وحميدتي (رويترز)

كما وجّه الفكي برسالة إلى قائد «الدعم السريع»، قائلاً: «الانتهاكات الإنسانية وأعمال النهب في ازدياد مستمر، وهذا الأمر ينتهك حقوق المدنيين، ويجب أن يكون هناك حزم على الأرض وكل المناطق التي توجد فيها قوات الدعم السريع تتعامل وفق قانون الحرب لحماية المدنيين».

وناشد الفكي المجتمع الدولي ورعاة منبر «جدة»؛ السعودية والولايات المتحدة، الإعلان عن استئناف المحادثات بين الجيش و«الدعم السريع» في وقت قريب، ومحاصرة كل الجهات التي ترغب في استمرار الحرب.

مصرع ضابط سوداني كبير في قصف لـ«الدعم السريع»

لقي ضابط كبير في الجيش السوداني مصرعه، بقصف مدفعي من قوات «الدعم السريع»، استهدف مقر قيادة قوات المدرَّعات في منطقة الشجرة بالخرطوم. وبمقتله يرتفع عدد ضباط الجيش القتلى بنيران «الدعم السريع» إلى 5 ضباط كبار، ثلاثة منهم برتبة اللواء، واثنان برتبة فريق، وذلك وفقاً لرصد غير رسمي، في حين لا يزال «الدعم السريع» يحتفظ بعدد من الأسرى؛ بينهم ضابط برتبة فريق، على الأقل.

وقال العقيد إبراهيم الحوري، رئيس تحرير جريدة القوات المسلّحة، الناطقة باسم الجيش السوداني، على «فيسبوك»، في تغريدة على صفحته، إن اللواء أيوب عبد القادر استُشهد، صباح الأحد، على أثر «تدوين مدفعي من الجنجويد».

واللواء أيوب عبد القادر، قائد «الفرقة 17»، ومقرّها مدينة سنجة في ولاية النيل الأزرق. وبعد اندلاع القتال بين الجيش و«الدعم السريع»، قاد قوة أطلق عليها «متحرك أسود النيل الأزرق»؛ لفك حصار قوات «الدعم السريع» عن منطقة الشجرة العسكرية المعروفة بـ«سلاح المدرعات». ويتردد أنه كان يشغل منصب نائب سلاح المدرّعات عند مقتله.

ونَعَت صفحات عدة تابعة لمناصري الجيش، والمُوالين للإسلاميين، اللواء أيوب، وأشار بعضها إلى أن مقتله ربما يكون ناتجاً عن «خيانة» من داخل السلاح، بإرسال إحداثيات مكتبه. وعادةً لا يكشف الجيش السوداني عن خسائره في الحرب.

وأثار مقتل اللواء أيوب غضباً واسعاً بين أنصار نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وأعضاء «حزب المؤتمر الوطني» والإسلاميين، وغصّت صفحاتهم على مواقع التواصل بحزن عميق. ووفقاً لمصدر، فإن الرجل أحد القادة العكسريين الإسلاميين المهمّين داخل الجيش، ويتردد أنهم كانوا يرغبون في ترشيحه بديلاً لقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وأن خلافات دارت بينه وبين قائد الجيش على أداء القوات، أثناء هجمات قوات «الدعم السريع»، على قيادة قوات المدرّعات.

لقاء بين ممثلَين للجيش السوداني و«الدعم السريع» في أديس أبابا

كشفت مصادر متطابقة عن لقاء جمع بين مدير جهاز المخابرات العامة السوداني الفريق أحمد إبراهيم مفضل، والمستشار القانوني لقوات {الدعم السريع} محمد المختار، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا خلال الأيام الماضية، ناقشا فيه ظروف الحرب الدائرة في البلاد وسبل وقفها.

وأفادت المصادر، التي شددت على حجب هويتها، بأن نقاشاً جدياً جرى بين الرجلين حول الأوضاع في البلاد، وتأثيرات الحرب الدائرة، وما يمكن أن تؤدي إليه الصراعات الحالية من عواقب وخيمة تهدد أمن وسلامة كل البلاد. ولمحت المصادر إلى وجود انقسام في المواقف داخل كابينة قيادة الجيش حول ما يجري في البلاد، مؤكدة «توريط» الجيش في الحرب من قبل الحركة الإسلامية عن طريق التأثير على قيادات عسكرية نافذة فيه.

وذكرت المصادر أن الفريق مفضل نقل للمستشار المختار وجود رغبة جادة من قادة في الجيش السوداني، بفتح قنوات اتصال مع قوات {الدعم السريع}، الهدف منها وضع حد للحرب الدائرة في البلاد، منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي. وأبلغت مصادر صحافية «الشرق الأوسط» بأن مدير المخابرات السوداني الفريق مفضل، زار العاصمة الإثيوبية أديس أبابا الأسبوع الماضي في زيارة سرية، ومنها توجه إلى العاصمة المصرية القاهرة، في وقت تزامنت فيه الزيارة مع وجود مستشار {الدعم السريع} محمد المختار في أديس أبابا.

وفي اتصال هاتفي، أجرته «الشرق الأوسط»، رفض مستشار {الدعم السريع} محمد المختار، الإدلاء بأي معلومات عن نشاطه في العاصمة الإثيوبية الأيام الفائتة، وما إذا كان قد التقى الفريق مفضل أم لا، وقال إن «ما دار في زيارته لأديس أبابا لم يحن أوان كشفه». وذكرت المصادر وجود تبرم وضيق في أروقة الجيش من هيمنة وتدخل ونفوذ قادة النظام السابق من الإسلاميين في القرارات داخل الجيش، وخصوصاً رفضهم وقف الحرب وتمسكهم باستمرار القتال بين الجيش وقوات {الدعم السريع}.

السودان: لقاء بين ممثلَين لـ«الجيش» و«الدعم السريع» في أديس أبابا

كشفت مصادر متطابقة عن لقاء جمع بين مدير جهاز المخابرات العامة السوداني، الفريق أحمد إبراهيم مفضل، والمستشار القانوني لقوات الدعم السريع محمد المختار، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا خلال الأيام الماضية، نقشا فيه ظروف الحرب الدائرة في البلاد وسبل وقفها.

وأفادت المصادر التي شددت على حجب هويتها، بأن نقاشاً جدياً جرى بين الرجلين، حول الأوضاع في البلاد وتأثيرات الحرب الدائرة، وما يمكن أن تؤدي إليه الصراعات الحالية من عواقب وخيمة تهدد أمن وسلامة كل البلاد. ولمحت المصادر إلى وجود انقسام في المواقف داخل كابينة قيادة الجيش حول ما يجري في البلاد، مؤكدة «توريط» الجيش في الحرب من قبل الحركة الإسلامية عن طريق التأثير على قيادات عسكرية نافذة فيه.

وذكر المصدر أن الفريق مفضل نقل للمستشار المختار وجود رغبة جادة من قادة في الجيش السوداني، بفتح قنوات اتصال مع قوات الدعم السريع، الهدف منها وضع حد للحرب الدائرة في البلاد، منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي. وأبلغت مصادر صحافية «الشرق الأوسط» أن مدير المخابرات السوداني الفريق مفضل، زار العاصمة الإثيوبية أديس أبابا الأسبوع الماضي في زيارة سرية، ومنها توجه إلى العاصمة المصرية القاهرة، في وقت تزامنت فيه الزيارة مع وجود مستشار الدعم السريع محمد مختار في أديس أبابا.

وفي اتصال هاتفي، أجرته «الشرق الأوسط»، رفض مستشار الدعم السريع محمد مختار، الإدلاء بأي معلومات عن نشاطه في العاصمة الإثيوبية الأيام الفائتة، وما إن كان قد التقى الفريق مفضل أم لا، وقال إن «ما دار في زيارته لأديس أبابا لم يحن أوان كشفه». وذكرت المصادر وجود تبرم وضيق في أروقة الجيش من هيمنة وتدخل ونفوذ قادة النظام السابق من الإسلاميين في القرارات داخل الجيش، وخصوصا رفضهم وقف الحرب وتمسكهم باستمرار القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع.

المهدي لـ«الشرق الأوسط»: لا شراكة مع العسكريين

قال عضو المجلس المركزي لتحالف «قوى إعلان الحرية والتغيير»، ومساعد رئيس «حزب الأمة» القومي، الصدّيق الصادق المهدي، إن منتقدي أنصار وقف الحرب في السودان يتمسكون باستمرارها «خشية تضرر مصالحهم»، ويتنصلون من مسؤوليتهم عن الحرب بتحميلها لـ«القوى المدنية التي تعمل على إصلاح مؤسَسي للدولة يقطع الطريق أمامهم».

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، أوضح المهدي أن خلاف «أنصار نظام البشير البائد الرئيسي، ليس مع قوات {الدعم السريع} التي صنعوها ومكنوها، بل مع القوى المدنية التي تسعى لتحقيق إصلاح مؤسسي لمؤسسات الدولة، بما في ذلك القوات النظامية، بما هدد ويهدد تمكينهم واستثماراتهم ونهبهم موارد البلاد».

وكشف المهدي عن اقتراب القوى المدنية من «تشكيل جبهة مدنية عريضة، تعمل على إنهاء الحرب، مؤلفة من قوى مدنية وسياسية ولجان مقاومة ومهنيين وشخصيات مستقلة، وتم التوافق على لجنة اتصال للقيام بالاتصالات اللازمة لإعلان الجبهة وعقد مؤتمرها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا».

وأوضح أن النظام البائد وأنصاره «أشعلوا الحرب ويعملون على استمرارها ويقفون ضد وقفها، ليعودوا إلى السلطة من بوابتها، وليفتحوا منافذ جديدة للفساد، لذلك صنعوا ودعموا انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ثم جاءوا بالطامة الكبرى، حرب منتصف أبريل (نيسان) الماضي، لقطع الطريق أمام أي تحول ديمقراطي مدني مضاد لمصالحهم».

وقطع المهدي بـ«استحالة قيام شراكة جديدة بين المدنيين والعسكريين في المرحلة المقبلة»، وقال: «هم أقروا بأنهم لن يكونوا جزءاً من المشهد السياسي، فإذا كانوا صادقين وجادين، فإن ممارساتهم، منذ نظام عمر البشير وأثناء الانتقال وصولاً إلى الحرب العبثية والكوارث التي ترتبت عليها، كفيلة بجعلنا نضغط ونتوافق على أن يلتزموا بما ألزموا أنفسهم به في الاتفاق الإطاري، بأن يبتعدوا عن ممارسة السياسة والاقتصاد والاستثمار».

ورأى المهدي أن استمرار الحرب «يهدد بانزلاق البلاد نحو مأساة الحرب الأهلية وتحول السودان لبؤرة ومصدر للكوارث في العالم والإقليم»، قاطعاً بأن «الطريق الأصوب لوقف الحرب تكون بإعلاء صوت مصالح السودان، ومحاصرة دعاوى من أشعلوا الحرب والمستفيدين من استمرارها». ويتمسك المهدي بأهمية توحيد الصف المدني من أجل مخاطبة العسكريين بضرورة «تجنيب البلاد حرباً أهلية تهدد بتقسيمها إذا أعلن كل طرف حكومة موالية له في مناطق سيطرته».

المهدي لـ«الشرق الأوسط»: أنصار البشير أشعلوا الحرب ويذكون نارها

اتهم عضو المجلس المركزي لتحالف «قوى إعلان الحرية والتغيير»، ومساعد رئيس «حزب الأمة» القومي، الصدّيق الصادق المهدي، منتقدي أنصار وقف الحرب، بأنهم يتمسكون باستمرارها «خشية تضرر مصالحهم»، ويتنصلون من مسؤوليتهم عن الحرب بتحميلها لـ«القوى المدنية التي تعمل على إصلاح مؤسَسي للدولة يقطع الطريق أمامهم».

وقال المهدي في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، إن خلاف «أنصار نظام البشير البائد الرئيسي، ليس مع قوات (الدعم السريع) التي صنعوها ومكّنوها، بل مع القوى المدنية التي تسعى لتحقيق إصلاح مؤسسي لمؤسسات الدولة، بما في ذلك القوات النظامية، بما هدد ويهدد تمكينهم واستثماراتهم ونهبهم موارد البلاد».

وكشف المهدي عن اقتراب القوى المدنية من «تشكيل جبهة مدنية عريضة، تعمل على إنهاء الحرب، مؤلفة من قوى مدنية وسياسية ولجان مقاومة ومهنيين وشخصيات مستقلة، وتم التوافق على لجنة اتصال للقيام بالاتصالات اللازمة لإعلان الجبهة وعقد مؤتمرها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا».

حرب مدمرة اشتعلت في الخرطوم تتضارب المعلومات حول من أشعلها (أ.ف.ب)

وأوضح أن النظام البائد وأنصاره «أشعلوا الحرب ويعملون على استمرارها ويقفون ضد وقفها، ليعودوا إلى السلطة من بوابتها، وليفتحوا منافذ جديدة للفساد، لذلك صنعوا ودعموا انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ثم جاءوا بالطامة الكبرى، حرب منتصف أبريل (نيسان) الماضي، لقطع الطريق أمام أي تحول ديمقراطي مدني مضاد لمصالحهم».

ووصف المهدي الاتهامات التي يطلقها أنصار نظام الرئيس السابق عمر البشير، على القوى المدنية بـ«الخيانة»، بأنها «مخالفة للمنطق السليم»، وأكد أن من يدعون لاستمرار الحرب أشخاص قد تضررت مصالحهم من وقفها، مضيفاً أن «أنصار حزب المؤتمر الوطني، والإسلاميين عموماً، وأصحاب التمكين السابق، أشعلوا الحرب، ويريدون استمرارها».

تجدد الاتهامات للحركة الإسلامية بتأجيج الحرب في السودان

بعد العقوبات الأميركية التي طالت وزير الخارجية السوداني الأسبق، علي كرتي، طالب قادة مدنيون ومسؤولون في قوى الحرية والتغيير، بعدم الاكتفاء بالعقوبات، بل بعدّ الحركة الإسلامية، خصوصاً الجناح المتطرف منها، «جماعة إرهابية»، عقب تأكد دورها في إشعال الحرب وإصرارها على استمرارها من أجل المحافظة على مصالحها.

وعدّ القيادي في «قوى الحرية والتغيير»، خالد عمر يوسف، هذه العقوبات تأكيداً على ضلوع «الطرف الثالث» في الحرب الدائرة منذ 6 أشهر بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، فيما انتقدت «الحركة الإسلامية» القرار وعدّته جائراً، بل و«قلادة شرف» على صدر أمينها العام، وتموضعاً في الصف الخطأ من الصراع في السودان.

وقال عمر، الذي شغل منصب وزير مجلس الوزراء في حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وفقاً لبيان نشره على حسابه في منصة «إكس»، اليوم (الجمعة)، إن العقوبات شملت للمرة الأولى «طرفاً ثالثاً» غير الطرفين المتقاتلين، وهو «الحركة الإسلامية»، ممثلة بشخص زعيمها الحالي علي أحمد كرتي.

علي كرتي الأمين العام لـ«الحركة الإسلامية» في السودان (غيتي)

وشدد على أن النقطة الأهم التي وردت في بيان وزارة الخزانة الأميركية، هي الإشارة إلى دور الإسلاميين في «الوقوف بوجه محاولات التوصل إلى اتفاق للتهدئة بين القوات المسلحة والدعم السريع»، مضيفاً أن «عقوبات الخميس تأكيد على أدلة ضلوع عناصر النظام السابق في الكارثة التي تحل ببلادنا الآن».

الإسلاميون يسعون إلى عسكرة الحياة السياسية

وأوضح عمر أن استمرار الحرب الحالية لا يصب في مصلحة أي جهة بالسودان سوى عناصر النظام السابق. وأضاف: «هم يريدون عسكرة الحياة في البلاد، إذ إن هذا هو المناخ الذي يجيدون العيش فيه، وهم يريدون الانتقام من الثورة وتصفيتها». واستطرد قائلاً: «القضية الأهم للمؤتمر الوطني هي استمرار الحفاظ على نفوذه داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية، فهم مجموعة معزولة شعبياً ولا قوة لهم، إلا بوجودهم داخل المنظومة الأمنية والعسكرية التي يستخدمون نفوذهم داخلها لتحقيق أجندتهم السياسية».

من جهته، قال القيادي في تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير شهاب إبراهيم، لـ«الشرق الأوسط»، إن العقوبات ضد الحركة الإسلامية تأخرت، وكان من المفترض أن تتم في وقت أبكر، بيد أنه استدرك بتفهم تحالفه لطرق اتخاذ القرارات لدى بعض المجموعات الإقليمية والدولية.

غارات جوية دمرت منازل ومباني في وسط الخرطوم (من مقطع فيديو)

وأوضح إبراهيم أن العقوبات أكدت دور الحركة الإسلامية بقيادة كرتي في إشعال الحرب ابتداء، وعملها على استمرارها من أجل المحافظة على مصالحها والعودة للحكم مجدداً، أو في الحد الأدنى لبقائها مؤثرة على الساحة السياسية، وبقاء «الدولة العميقة» التي كانت لجنة تفكيك نظام 30 يونيو (حزيران) على تفكيكيها. ودعا إبراهيم إلى عدم الاكتفاء بالعقوبات التي صدرت بحق أمين عام الحركة الإسلامية، بل إلى تصنيف الحركة «جماعة إرهابية»، دون أن يشمل ذلك التصنيف «كل الإسلاميين»، ويقتصر تصنيف «جماعة إرهابية» على من يسعون لتخريب الانتقال المدني الديمقراطي. وتابع: «يكفي أن حزب المؤتمر الشعبي - حزب الترابي - وقّع معنا الاتفاق الإطاري، ونحن على استعداد للنقاش مع الإسلاميين غير المنضوين للواجهة السياسية للنظام البائد».

الحركة الإسلامية: أميركا تسترضي أبواقها

وفي أول رد فعل من «الحركة الإسلامية» السودانية، وصفت قرار وزارة الخزانة الأميركية بأنه «قلادة شرف على صدر الأمين العام للحركة الإسلامية، الذي وقف بنفسه وماله مجاهداً في سبيل الله والوطن». وقالت «الحركة الإسلامية» في بيان، الخميس: «ليس مستغرباً أن تسعى الولايات المتحدة الأميركية لاستصدار قراراتها الجائرة، وتعاود الوقوف في الصف الخطأ في حقبة مهمة بتاريخ السودان». وأضاف البيان أن الإدارة الأميركية تريد أن تسترضي «أبواقها» الذين يتهمون قيادة «الحركة الإسلامية» بإشعال الحرب «وهي منها براء، وتسعى لمزيد من الاستفزاز لصفٍ وقف في جانب الوطن، لا في جانب الخونة والعملاء». وأوضح البيان أنّ موقف «الحركة الإسلامية» وأمينها العام مُعلن منذ الانقلاب العسكري في 11 أبريل (نيسان) 2019، بانحيازها لصف المحافظة على سلامة البلاد وأمنها واستقرارها.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أعلن العقوبات الخميس (أ.ف.ب)

وقال وكيل الخارجية الأسبق، السفير عبد الله الأزرق، في تدوينة على «تلغرام»، إن قرار العقوبات الأميركية ضد الأمين العام لـ«الحركة الإسلامية» علي كرتي، يعني غض الطرف عمّا سمّاه «دور عملائها» في التخطيط للحرب، متهماً جهات خارجية بلعب دور في صدور القرار الأميركي، مستنداً إلى «الإسلاموفوبيا»، على حسب تعبيره، ومحاولة لإضعاف الإسلاميين لصالح قوى إعلان «الحرية والتغيير».

وأصدرت الولايات المتحدة عقوبات ضد زعيم الإسلاميين، علي أحمد كرتي، واتهمته بالعمل على إضعاف الجهود الرامية للوصول إلى حل سلمي في السودان، وبزعزعة الاستقرار وعرقلة الانتقال المدني الديمقراطي، وتقويض الحكومة الانتقالية، ما أسهم في اندلاع الحرب الحالية، وبأنه يعمل مع إسلاميين متشددين على عرقلة الجهود المبذولة لوقف إطلاق النار، ويتحمل بطريقة أو بأخرى المسؤولية عن أعمال وسياسات تهدد السلام والأمن والاستقرار في البلاد.

قصف محطة مواصلات

من جهة أخرى، قالت وزارة الخارجية السودانية، الجمعة، إن قوات «الدعم السريع» قصفت محطة مواصلات عامة في منطقة جرافة شمال أمدرمان، ما أدى إلى مقتل 10 مدنيين، وإصابة عدد كبير بجروح، بعضهم إصابته خطيرة، ما قد يؤدي إلى ارتفاع أعداد القتلى. وواصل طرفا القتال في السودان، الجيش وقوات «الدعم السريع»، الاشتباكات وتبادل القصف المدفعي في عدة مناطق بمدن العاصمة الخرطوم، طوال الأيام الماضية، بما في ذلك اليوم (الجمعة). ومساء الخميس، قتل 6 أشخاص بينهم أطفال، أثناء وجودهم داخل حافلات في محطة للنقل، وأصيب عدد من الموجودين في محيط المحطة بشظايا القذائف المدفعية إصابات متفاوتة، وفق شهود عيان. وأعلنت لجنة المقاومة في «الجرافة» (تنظيم أهلي)، على صفحتها في منصة «فيسبوك»، وفاة 9 مواطنين وإصابة عشرات بجروح. وقالت إن المواطن وهيب محمد الرباطابي فقد زوجته وجميع أطفاله نتيجة للقصف. واتهمت الخارجية السودانية في بيان، اليوم (الجمعة)، قوات «الدعم السريع المتمردة» بارتكاب المجزرة، بقصف محطة مواصلات عامة في منطقة الجرافة شمال أم درمان، بالمدفعية الثقيلة، في ذروة ازدحام المحطة بالمواطنين. وأضافت في بيان، أن الحصيلة الأولية للقصف بلغت 10 قتلى، من بينهم أطفال، بينما لا يزال عدد كبير من الجرحى يتلقون العلاج، وبعضهم إصابته خطيرة، ما يرشح عدد الضحايا للارتفاع، ودمرت المركبات والمحلات التجارية في المنطقة.

الفريق حميدتي خلال مناسبة سابقة للحرب (أ.ف.ب)

ووصفت الخارجية الحادثة بأنها «جريمة» تأتي امتداداً لمخطط «الدعم السريع» لإخلاء العاصمة من سكانها، بغرض الاستيلاء على منازلهم وممتلكاتهم، وتحويل المناطق السكنية إلى ثكنات عسكرية، مشيرة إلى أن المنطقة التي استهدفت تخلو من أي أهداف عسكرية للجيش. وأشار البيان إلى أن قوات «الدعم السريع» لا تزال تحتل عدداً كبيراً من المستشفيات والمراكز الصحية في العاصمة، وتستخدمها مراكز عسكرية. بدوره، أفاد مكتب المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة، نبيل عبد الله، في تقرير عن الموقف العملياتي ليل الخميس، بقيام قوات «الدعم السريع» بقصف عشوائي استهدف مدنيين في منطقة الجرافة بمحلة كرري الكبرى، أدى إلى مقتل 10 أشخاص، من ضمنهم أسرة كاملة.

اشتباكات في محيط القيادة العامة

وفي موازاة ذلك، تجددت اليوم المعارك بين الجيش و«الدعم السريع» في محيط القيادة العامة للجيش بوسط الخرطوم، والقصر الرئاسي ومناطق أخرى متفرقة في مدن العاصمة. وقال شهود من الأحياء المتاخمة للقيادة، إن أعمدة الدخان تصاعدت بكثافة في سماء المنطقة بسبب القصف والاشتباكات بين القوتين المتقاتلتين.

وقال الجيش إنه نفذ ضربات جوية بالمسيرات على تجمعات ومواقع عسكرية لقوات «الدعم السريع» في حي الجريف غرب، شرق الخرطوم، كما استهدف بالقصف المدفعي مواقع أخرى لتلك القوات في أحياء الصحافة وجبرة والمعمورة، جنوب الخرطوم.

واشنطن تفرض عقوبات على قيادي «إخواني» سوداني متهم بتقويض السلام

أعلنت الولايات المتحدة، الخميس، فرض عقوبات على وزير الخارجية السوداني السابق، علي كرتي، على خلفية اتهامه بعرقلة مساعي التوصل إلى اتفاق لوقف النار يضع حداً للنزاع الذي تشهده البلاد منذ أشهر. ويشغل كرتي حالياً منصب الأمين العام للحركة الإسلامية في السودان، وتولى وزارة الخارجية بين عامي 2010 و2015 في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير.

وعد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في بيان، الحركة التي يتزعمها كرتي «جماعة متطرفة تعارض بفاعلية الانتقال الديمقراطي في السودان». وأشار إلى أنه في أعقاب عزل البشير في أبريل (نيسان) عام 2019، قاد كرتي «جهوداً لتقويض الحكومة الانتقالية» التي قادها المدنيون برئاسة عبد الله حمدوك. كما اتهمت واشنطن كرتي بالوقوف في وجه محاولات التوصل إلى اتفاق للتهدئة بين الجيش وقوات «الدعم السريع» في المعارك التي اندلعت بينهما منذ منتصف أبريل (نيسان).

ويُعتقد على نطاق واسع في السودان أن كرتي، ومن ورائه جناح متطرف من حركته، وراء إشعال الحرب في البلاد، وأن كتائب الحركة متغلغلة في الجيش وتمنع التوصل إلى سلام. وقال نائب وزير الخزانة الأميركي براين نلسون إن «إجراءات اليوم (الخميس) تحاسب أولئك الذين يُضعفون جهود التوصل إلى حل سلمي ديمقراطي في السودان». وتابع: «سنواصل استهداف الأطراف التي تطيل أمد هذا النزاع لمكاسب شخصية».

الأمين العام لـ«الحركة الإسلامية» في السودان علي كرتي أحد المتهمين بتأجيج الحرب (غيتي)

عقوبات إضافية

كما فرضت واشنطن عقوبات على شركة «GSK ADVANCE» لتكنولوجيا المعلومات والأمن، ومقرها في السودان، وشركة «Aviatrade LLC» ومقرها في روسيا، وذلك على خلفية اتهام قوات «الدعم السريع» باستخدامها للحصول على معدات عسكرية، من بينها طائرات مسيّرة روسية الصنع. وأوضح البيان أنه اعتباراً من أواخر عام 2020 عملت شركة «GSK» السودانية مع شركة «Aviatrade LLC»، وهي شركة إمداد عسكرية، لترتيب شراء قطع الغيار والإمدادات، بالإضافة إلى تدريب المركبات الجوية من دون طيار (UAVs) التي اشترتها قوات «الدعم السريع» سابقاً. ومنذ منتصف عام 2023 استخدمت قوات «الدعم السريع» شركة «GSK» لتسهيل عمليات الشراء الإضافية من شركة «Aviatrade LLC» الروسية بما في ذلك معدات المراقبة وقطع الغيار بأوامر من كبار قادة قوات «الدعم السريع».

وتهدف العقوبات لمنع المشمولين بها من القيام بأي أعمال تجارية وتمويلية والسماح بمصادرة ممتلكاتهم الواقعة تحت السلطة القانونية الأميركية. وأشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى أنها أضافت عدداً من الشخصيات المرتبطة بنظام البشير الذي حكم البلاد على مدى ثلاثة عقود، إلى قائمة الممنوعين من السفر إلى الولايات المتحدة، من دون تحديد أسمائهم.

وسبق لواشنطن وأطراف غربية أخرى أن فرضت عقوبات على أفراد وشركات على صلة بالنزاع الذي أودى بحياة 7500 شخص على الأقل، وتسبب في نزوح ولجوء أكثر من 5 ملايين شخص إلى مناطق أخرى داخل السودان أو إلى دول الجوار.

ويشكك محللون في جدوى العقوبات على الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات «الدعم السريع» بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي). وتقول وزارة الخزانة الأميركية إن كرتي منخرط بشكل مباشر وغير مباشر في أعمال أو سياسات تهدد السلام و الأمن و الاستقرار في السودان. وأشار بيان الخزانة الأميركية إلى أنه منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات «الدعم السريع» عمل كرتي وغيره من الإسلاميين السودانيين المتشددين، على عرقلة الجهود المبذولة للتوصل إلى وقف إطلاق النار لإنهاء الحرب الحالية، كما عرقل الجهود المبذولة لاستعادة التحول الديمقراطي في السودان.

واشنطن تفرض عقوبات على قيادي «إخواني» سوداني متهم بتقويض السلام

أعلنت الولايات المتحدة، الخميس، فرض عقوبات على وزير الخارجية السوداني السابق، علي كرتي، على خلفية اتهامه بعرقلة مساعي التوصل إلى اتفاق لوقف النار يضع حداً للنزاع الذي تشهده البلاد منذ أشهر. ويشغل كرتي حالياً منصب الأمين العام للحركة الإسلامية في السودان، وتولى وزارة الخارجية بين عامي 2010 و2015 في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير.

وعد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في بيان، الحركة التي يتزعمها كرتي «جماعة متطرفة تعارض بفاعلية الانتقال الديمقراطي في السودان». وأشار إلى أنه في أعقاب عزل البشير في أبريل (نيسان) عام 2019، قاد كرتي «جهوداً لتقويض الحكومة الانتقالية» التي قادها المدنيون برئاسة عبد الله حمدوك. كما اتهمت واشنطن كرتي بالوقوف في وجه محاولات التوصل إلى اتفاق للتهدئة بين الجيش وقوات «الدعم السريع» في المعارك التي اندلعت بينهما منذ منتصف أبريل (نيسان).

ويُعتقد على نطاق واسع في السودان أن كرتي، ومن ورائه جناح متطرف من حركته، وراء إشعال الحرب في البلاد، وأن كتائب الحركة متغلغلة في الجيش وتمنع التوصل إلى سلام. وقال نائب وزير الخزانة الأميركي براين نلسون إن «إجراءات اليوم (الخميس) تحاسب أولئك الذين يُضعفون جهود التوصل إلى حل سلمي ديمقراطي في السودان». وتابع: «سنواصل استهداف الأطراف التي تطيل أمد هذا النزاع لمكاسب شخصية».

الأمين العام لـ«الحركة الإسلامية» في السودان علي كرتي أحد المتهمين بتأجيج الحرب (غيتي)

عقوبات إضافية

كما فرضت واشنطن عقوبات على شركة «GSK ADVANCE» لتكنولوجيا المعلومات والأمن، ومقرها في السودان، وشركة «Aviatrade LLC» ومقرها في روسيا، وذلك على خلفية اتهام قوات «الدعم السريع» باستخدامها للحصول على معدات عسكرية، من بينها طائرات مسيّرة روسية الصنع. وأوضح البيان أنه اعتباراً من أواخر عام 2020 عملت شركة «GSK» السودانية مع شركة «Aviatrade LLC»، وهي شركة إمداد عسكرية، لترتيب شراء قطع الغيار والإمدادات، بالإضافة إلى تدريب المركبات الجوية من دون طيار (UAVs) التي اشترتها قوات «الدعم السريع» سابقاً. ومنذ منتصف عام 2023 استخدمت قوات «الدعم السريع» شركة «GSK» لتسهيل عمليات الشراء الإضافية من شركة «Aviatrade LLC» الروسية بما في ذلك معدات المراقبة وقطع الغيار بأوامر من كبار قادة قوات «الدعم السريع».

وتهدف العقوبات لمنع المشمولين بها من القيام بأي أعمال تجارية وتمويلية والسماح بمصادرة ممتلكاتهم الواقعة تحت السلطة القانونية الأميركية. وأشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى أنها أضافت عدداً من الشخصيات المرتبطة بنظام البشير الذي حكم البلاد على مدى ثلاثة عقود، إلى قائمة الممنوعين من السفر إلى الولايات المتحدة، من دون تحديد أسمائهم.

وسبق لواشنطن وأطراف غربية أخرى أن فرضت عقوبات على أفراد وشركات على صلة بالنزاع الذي أودى بحياة 7500 شخص على الأقل، وتسبب في نزوح ولجوء أكثر من 5 ملايين شخص إلى مناطق أخرى داخل السودان أو إلى دول الجوار.

ويشكك محللون في جدوى العقوبات على الجيش بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات «الدعم السريع» بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي). وتقول وزارة الخزانة الأميركية إن كرتي منخرط بشكل مباشر وغير مباشر في أعمال أو سياسات تهدد السلام و الأمن و الاستقرار في السودان. وأشار بيان الخزانة الأميركية إلى أنه منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات «الدعم السريع» عمل كرتي وغيره من الإسلاميين السودانيين المتشددين، على عرقلة الجهود المبذولة للتوصل إلى وقف إطلاق النار لإنهاء الحرب الحالية، كما عرقل الجهود المبذولة لاستعادة التحول الديمقراطي في السودان.

​ ونفى المهدي وجود مشكلة رئيسية بين حزب «المؤتمر الوطني» (الحاكم في عهد البشير) وأنصاره، وقوات «الدعم السريع»؛ «لأنهم صنعوها ومكنوها من اقتسام السلطة والتمكين معها، ليعودوا من بوابتها بشكل من الأشكال»، مؤكداً أن «مشكلتهم الحقيقية مع القوى السياسية التي تدعو للإصلاح. فهم يريدون المحافظة على مصالحهم المشبوهة وتمكينهم وتهريب موارد البلاد، وإعادة فتح أبواب الفساد على مصراعيها، لذلك أشعلوا الحرب ويتمسكون باستمرارها، وهذا هو السبب المباشر لهجمة فلول النظام البائد على المدنيين».

وأكد المهدي أن معركة حزب «المؤتمر الوطني» وأنصاره الأساسية «ليست مع قوات (الدعم السريع)، مهما تصاعدت ودمرت البلاد وقتلت المواطنين وهجرت من هجرتهم، وعرضت البلاد وأهلها للمعاناة».

واتهم المهدي أنصار النظام البائد والعسكريين الموالين لهم «بإهدار مبالغ ضخمة تتراوح بين 6 و9 مليارات دولار سنوياً. فالسودان ينتج من الذهب سنوياً ما يتراوح بين 120 و200 طن، لا تحصل الدولة منها إلا على نحو من 20 إلى 30 طناً، ويذهب الباقي هدراً عن طريق التهريب».

وأوضح أن عناصر نظام عمر البشير البائد تسعى للحفاظ على هذه المصالح، وقال إن «وقوف هؤلاء وراء انقلاب 25 أكتوبر كان لقطع الطريق أمام إصلاح مؤسسات الدولة الاقتصادية والعسكرية، وإنهم زادوا الطين بلة بإشعال الحرب العبثية، وعملوا على استمرارها، منطلقين من عدائهم للقوى المدنية التي تدعو لتحول مدني ديمقراطي، ولإصلاح مؤسسي للدولة السودانية».

لا شراكة مع العسكر

وقطع المهدي بـ«استحالة قيام شراكة جديدة بين المدنيين والعسكريين في المرحلة المقبلة»، وقال: «هم أقروا بأنهم لن يكونوا جزءاً من المشهد السياسي، فإذا كانوا صادقين وجادين، فإن ممارساتهم، منذ نظام عمر البشير وأثناء الانتقال وصولاً إلى الحرب العبثية والكوارث التي ترتبت عليها، كفيلة بجعلنا نضغط ونتوافق على أن يلتزموا بما ألزموا أنفسهم به في الاتفاق الإطاري، بأن يبتعدوا عن ممارسة السياسة والاقتصاد والاستثمار».

ورأى المهدي أن استمرار الحرب «يهدد بانزلاق البلاد نحو مأساة الحرب الأهلية، وتحول السودان لبؤرة ومصدر للكوارث في العالم والإقليم»، قاطعاً بأن «الطريق الأصوب لوقف الحرب تكون بإعلاء صوت مصالح السودان، ومحاصرة دعاوى من أشعلوا الحرب والمستفيدين من استمرارها».

ووفقاً للمهدي، فإن الحرب «تسببت في معاناة للمدنيين في دارفور، خصوصاً غربها، ما اضطر كثيراً منهم للجوء إلى دول الجوار في ظل ظروف في غاية المأساوية، ويليهم في المعاناة من ظلوا في الخرطوم، وجميعهم يعانون قسوة العيش وندرة مقومات الحياة».

ووصف المهدي قرار مجلس حقوق الإنسان بتشكيل لجنة تقصي حقائق بشأن الانتهاكات في السودان، بأنه «قرار يستحق الإشادة، ويؤكد في الوقت ذاته أن تبعات الحرب العبثية تقع على المدنيين، وأن القادة العسكريين يستمرون في حربهم دون مراعاة لدمار البلاد وقتل المدنيين وعمال الإغاثة، ما جعل السودان يصنف ثاني أخطر دولة على عمال الإغاثة، إذ قتل فيه 19 عامل إغاثة خلال عام واحد، وذلك وفقاً لمسؤول في الأمم المتحدة».

وأعرب المهدي عن قناعته بأن قرار مجلس حقوق الإنسان سيكشف مرتكبي الانتهاكات ويقطع سجال الطرفين واتهام أحدهما للآخر، وتابع: «هذا تحقيق مستقل مدعوم بخبرات مجلس حقوق الإنسان وإمكاناته المالية»، داعياً للاستعانة بسودانيين من «أصحاب الخبرة والكفاءة والتأهيل في تكوين لجنة تقصي الحقائق لتكون لجنة وطنية ودولية، تستطيع إنجاز تحقيق مستقل وشفاف يحدد الانتهاكات ويكشف المسؤولين عنها، وينهي اتهامات طرفي الحرب لبعضهما بتلك الانتهاكات، ويحاسب من تسببوا بها، ويسهم في تحقيق العدالة للضحايا ووضع أسس العدالة الانتقالية».

ودعا المهدي إلى «وضع أسس عملية وفنية دقيقة لتعويض ضحايا الانتهاكات، وفق منهج لا يقوم على الروايات، بل على آليات التدقيق العلمية التي تحدد ما فقده الضحايا»، مؤكداً أن الأعمال العدوانية والانتهاكات ضد المدنيين لم تبدأ بالحرب الحالية، بل بدأت بانقلاب يونيو (حزيران) 1989، الذي مكن الإسلاميين وارتكب جرائم الإبادة الجماعية والحرب، ومارس التعذيب والقتل ونهب موارد البلاد، ثم قتل وانتهك حقوق الثوار السلميين في عملية فض اعتصام القيادة العامة، حتى الحرب الحالية.

العسكر مسؤول عن جريمة فض الاعتصام

وحمّل المسؤولية عن هذه الانتهاكات لـ«المكون العسكري بشقيه، وهذا أمر يجب إخضاعه للتحقيق، وأنا أحمل المجلس العسكري الانتقالي المسؤولية كاملة، فالجيش يقول إنه لم يقم بفض الاعتصام، لكن الجريمة حدثت أمام قيادته العامة، ومن واجبه حماية المدنيين، وفي الحد الأدنى هم مسؤولون عن التقصير»، مضيفاً أن «المدنيين السودانيين تعرضوا لانتهاكات عديدة من قبل المكون العسكري، توجت بهذه الحرب التي وصفوها هم بأنفسهم بالعبثية». وأكد المهدي أن المدنيين ليسوا ضد العسكريين والجيش السوداني، لكنهم يعملون من أجل الإصلاح المؤسسي في البلاد، بإقامة مؤسسة عسكرية لا تعمل لأجندة سياسية تخصها. وتابع: «هذه مهمة المكونات السودانية جميعها، بأن يكون هناك جيش مهني قومي احترافي واحد، يعمل على حماية الوطن ومواطنيه. وهذه من المهام التي يجب التوافق عليها للخروج من الحرب والدخول في فترة انتقال مدني، لذلك هناك ضرورة لصوت مدني واضح في إصلاح المؤسسات، بما فيها القوات النظامية».

وعدّ المهدي أن استمرار الحرب «لن يحقق نتيجة إيجابية لأي من طرفيها، ناهيك بالبلاد»، وقال: «حتى لو دارت الحرب خارج المدن لتدخل المدنيون لوقفها، لأنها تستنزف أرواح أبناء السودان، وتستهلك إمكانات البلاد، وتهدد مجتمعها بالانقسام».

تحذير من حرب أهلية

وحذر المهدي من اتساع نطاق الحرب وتحولها إلى حرب أهلية، بقوله: «أصبح كل طرف يستنصر بمكونات اجتماعية موالية له، وهذا التوجه قد يقود البلاد للانزلاق إلى حرب أهلية تهدد بتقسيمها». وتابع: «لذلك يجب أن تقف، وأن يعلو الصوت المدني في التعبير عن ضرورة إيقافها، وهذا ما نعمل عليه الآن، من خلال توحيد هذا الصوت المدني».

وبمواجهة الانقسام الواضح بين المدنيين، أكد المهدي أن توحيد الصف المدني قطع شوطاً مهماً، موضحاً أن «هناك تياراً يرى أن إنهاء الاضطراب في البلاد والتباين العسكري يكمن في العمل المسلح فقط، لكن هذا التيار انحسر بشكل كبير، وعلا صوت الدعوة لإيقاف الحرب».

ويتمسك المهدي بأهمية توحيد الصف المدني من أجل مخاطبة العسكريين بضرورة «تجنيب البلاد حرباً أهلية تهدد بتقسيمها إذا أعلن كل طرف حكومة موالية له في مناطق سيطرته». ورأى أن «وقف الحرب يعني وقف الدمار والموت، وهو يفتح الباب لمساعدة الناس ووقف معاناتهم القاسية ومعالجة التباينات المدنية والعسكرية سلمياً، وتقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين، وإطلاق عملية سياسية تنقل البلاد إلى اتفاق شامل يزيل كل أسباب الحروب، ويعالج جذور الأزمة ليجعل من الحرب الحالية آخر الحروب».

جهود لتشكيل جبهة مدنية

وأرجع المهدي تأخر التوافق المدني إلى أسباب موضوعية وذاتية، قائلاً: «استغرق توافق وتوحيد القوى المدنية زمناً طويلاً، لظروف موضوعية وذاتية، تتمثل في صعوبة التواصل بين المدنيين ووجود مجموعات كبيرة داخل البلاد». وفي إشارة إلى اجتماع «الكتلة الديمقراطية» التي أيدت انقلاب أكتوبر في مدينة أسمرا الإريترية، قال المهدي: «خرجوا بإعلان لا يخاطب قضية إيقاف الحرب بشكل فعال، وتبنوا موقفاً يعد إعادة إنتاج لموقفهم السابق، دون اتعاظ بتجربة الحرب، ودعوا لشراكة مع العسكريين وتكوين مجلس سيادة من 9 أشخاص بقيادة عسكرية ومشاركة مدنية، وهذه رؤيتهم قبل الحرب». واستطرد: «هذه رؤية مدنية، رغم تبايننا معها، فإننا نحترم توجهها ورأيها».

وكشف المهدي عن العمل على بلورة جبهة مدنية عريضة، تعد امتداداً للجبهة المدنية التي أعلن عنها في 27 أبريل (نيسان) الماضي، بمبادرة من «لجان مقاومة الحاج يوسف»، وقال إنها «جبهة تضم لجان مقاومة وقوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني وقوى نقابية ومهنيين وشخصيات وطنية مستقلة، وعقدت تنسيقيتها في أديس أبابا اجتماعاً يومي 17 و18 سبتمبر (أيلول) الماضي». وأضاف أن المجموعات المدنية «اتفقت على تكوين لجنة اتصال للتواصل مع المكونات المدنية والحركات المسلحة غير المنضوية في إعلان أبريل، وتجديد الاتصالات مع المكونات التي استبطأت عمل الجبهة وكونت مبادرات أخرى».

الخرطوم... مدينة الأنهار تكابد العطش

تستيقظ ربة المنزل، علوية الطيب، الساعة الثانية صباحاً، لتراقب صنبور المياه، علّه يجود عليها ببضع قطرات من الماء تطفئ بها عطش أسرتها في نهارات الخرطوم القائظة، وأثناء قصف المسيرات الحربية والمدفعية. لكن، في الغالب، يضيع انتظارها عبثاً.

علوية، الخمسينية، تقول لـ«الشرق الأوسط» إن سكان الخرطوم لا يدرون أي مصير ينتظرهم، «هل الموت عطشاً، أم جوعاً، أم بالقذائف المتفجرة؟».

تقع العاصمة السودانية على نهرين؛ أبيض وأزرق، ومع ذلك يعاني سكانها العطش الشديد، حتى إن الأشجار فقدت أوراقها، وتحولت إلى مجرد سيقان يابسة، واختفت الأشجار الكثيفة التي كانت تنمو في بعض شوارع المدينة بسبب العطش، وحتى الكلاب والقطط التي تركها أصحابها تلهث من شدة العطش.

رجل يبيع المياه في إحدى أسواق الخرطوم التي مزّقتها الحرب (أ.ف.ب)

والمار في المدينة، يلحظ طوابير طويلة من الأواني المنزلية المتراصة، في انتظار حصتها من الماء من أحد المنازل. أوانٍ تحمل كل الألوان، بعضها قديم متآكل من جنباته، وبعضها الآخر جديد مغلق بإحكام، بينما ينتظر أصحابها في ظلال أشجار النيل، اتقاءً للهيب الشمس الحارق، والعرق يتصبب منهم غزيراً.

عجز في المياه

تعاني مناطق عديدة في الخرطوم العطش منذ أكثر من ستة أشهر، أي منذ اليوم الأول للحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع». فمنطقة بحري انقطعت عنها المياه منذ انطلاق الرصاصة الأولى للحرب، ما أجبر معظم سكانها على مغادرتها. وقالت غرفة طوارئ مياه ولاية الخرطوم لـ«الشرق الأوسط»، إن محطة بحري خرجت من الخدمة بعد تعرضها للقصف من قبل قوات «الدعم السريع»، وهي كانت تنتج 300 ألف متر مكعب يومياً، وتغذي منطقة الخرطوم بحري وأجزاء من مدينة أمدرمان.

اللجوء إلى الآبار للحصول على الماء (أ.ف.ب)

كما خرجت محطة مياه المنارة في أمدرمان عن الخدمة، ما خلق أزمة حقيقية لدى المواطنين، فاتجه سكان المناطق التي تغذيها هذه المحطة إلى أحياء أخرى بحثاً عن الماء. وعندما يرفع الأذان لصلاة الصبح، يذهب الناس إلى المساجد وهم يحملون في أيديهم أواني لجلب الماء من خزانات المسجد، لكنهم في كثير من الأحيان يجدون هذه الخزانات فارغة بسبب انقطاع التيار الكهربائي.

وأوضحت غرفة الطوارئ لـ«الشرق الأوسط»، أن محطة مياه المنارة توقفت لعدم وجود مواد تنقية، وهي الأخرى تنتج 300 ألف متر مكعب يومياً، وقالت إن العجز في المياه في الولاية يقدر بنحو 500 ألف متر مكعب يومياً، بينما تبلغ الحاجة الكلية للمياه في الخرطوم 3 ملايين متر مكعب، وأن أزمة حادة نشأت بعد تدمير 50 في المائة من محطات المياه. وتابعت الغرفة: «عدم توفر الممرات الآمنة للفرق الفنية لإصلاح محطات المياه، ونقص مواد التنقية، وانقطاع التيار الكهربائي، هي الأسباب الحقيقية للعطش الذي يعانيه المواطنون في الخرطوم».

فتيان يحملون أواني المياه في أحد شوارع الخرطوم (أ.ف.ب)

ويضطر المواطنون إلى شرب المياه من النيل مباشرة، ما أدى لانتشار الإسهالات المائية، وظهور حالات كوليرا وأمراض أخرى بسبب شرب المياه غير النقية. ويخشى على نطاق واسع من انتشار الأمراض المترتبة على استهلاك مياه الشرب غير النقية، وتحولها إلى أوبئة، إلى جانب انعدام الأدوية وضعف الخدمات الصحية الناتج عن خروج نسبة كبيرة من مراكز تقديم الخدمات الصحية من العمل بسبب الحرب والقتال، وتساقط القذائف والصواريخ العشوائية على مراكز تقديم الخدمات الصحية.

الخرطوم تتحول إلى مدينة أشباح هجرها سكانها

حوّلت حرب الجيش و«الدعم السريع» العاصمة السودانية الخرطوم إلى مدينة «أشباح» هجرها معظم سكانها... نزحوا إلى مدن أخرى داخل البلاد، بينما لجأ بعضهم إلى دول الجوار. وتقدر إحصائيات غير رسمية عدد الفارين من المدينة بأكثر من 4 ملايين من جملة السكان المقدر عددهم بأكثر من 8 ملايين ليلاً، و10 ملايين نهاراً.

أصبحت الخرطوم بسبب الحرب «مدينة مهجورة». لم يهجرها سكانها وحدهم، بل هجرتها أيضاً «الحكومة» نفسها إلى مدينة بورتسودان، شرق البلاد، كـ«عاصمة اضطرارية»، وذلك بعد سيطرة قوات «الدعم السريع» على معظمها، بما في ذلك دواوين الحكومة والجسور ووسط المدينة، بل مساكن المواطنين العادية، وما تعرضت له من خراب وتخريب بفعل القتال والحرب المستمرة منذ قرابة 5 أشهر.

ومنذ الأسابيع الأولى للقتال الذي اندلع في أبريل (نيسان) 2023، انتقلت الحكومة السودانية «مضطرة» إلى مدينة بورتسودان كعاصمة بديلة. ولم تكن وحدها، بل انتقل إليها معظم البعثات الدبلوماسية ومقرات منظمات إنسانية، بما في ذلك الأمم المتحدة.

سيارات ومبانٍ مدمرة في السوق المركزية شمال الخرطوم (رويترز)

ووفقاً لتقارير رسمية، فإن الحكومة «المكلفة» تمارس عملها من هناك، بل انتقل إليها رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، عقب إفلاته من الحصار الذي كان مفروضاً عليه وعلى هيئة قيادته داخل القيادة العامة، وكان قد سبقه إليها نائبه مالك عقار، ووزير المالية جبريل إبراهيم.

تقع العاصمة البديلة بورتسودان على الساحل الغربي للبحر الأحمر على بعد نحو 1000 كيلومتر من الخرطوم، وتعد الميناء الرئيسي ومدخل البلاد إلى البحار، وميناء واردات السودان من السلع وغيرها، وتصدر منها منتجاته، بما فيها النفط المحلي، ونفط دولة جنوب السودان عبر ميناء بشاير النفطي الواقع في المدينة.

وشهدت بورتسودان وقت اندلاع المواجهة اشتباكات محدودة بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، سيطر خلالها الجيش على الأوضاع في المدينة، وسلمت قوة «الدعم» الموجودة هناك قاعدتها العسكرية، ومنذ ذلك الوقت تعيش المدينة استقراراً لافتاً، وتحولت بسببه لعاصمة فعلية للبلاد بعد خراب الخرطوم.

توزع النفوذ

أما العاصمة الخرطوم، فقد تعرضت لخراب ليس له مثيل بسبب القتال والقصف الجوي والمدفعي الذي شمل أنحائها كافة. ومنذ وقت مبكر، سيطرت قوات «الدعم السريع» على مطار الخرطوم الدولي، وجزء من القيادة العامة للجيش، ورئاسة جهازي الأمن والمخابرات، والقصر الجمهوري، ووزارة الخارجية، ووزارة الداخلية، ومراكز الشرطة في وسط الخرطوم، ومعظم أحيائها، وبنك السودان المركزي، والمنطقة العسكرية الوسطى، والمنطقة العسكرية الاستراتيجية، وتحول وسط الخرطوم لثكنة عسكرية لقوات «الدعم»، واكتفى الجيش بوجوده في الجزء الشمالي من القيادة العامة ومعسكر المدرعات بمنطقة الشجرة جنوب الخرطوم.

غارات جوية دمرت منازل ومباني في وسط الخرطوم (من مقطع فيديو)

ولم تكتفِ «الدعم السريع» بالسيطرة على وسط الخرطوم والمنشآت الحكومية، بل تسيطر بشكل كامل أيضاً على معظم أحياء الخرطوم الممتدة في الجنوب الغربي إلى جبل أولياء، على بعد 40 كيلومتراً من مركز المدينة، وإلى حدود ولاية الجزيرة جنوباً وشرقاً. كما سيطرت بشكل شبه كامل على مدينة الخرطوم بحري عدا دائرة صغيرة تقع فيها قيادة سلاح الإشارة الملاصق للنيل الأزرق على ضفته الغربية، وترتبط مع القيادة العامة عبر جسر النيل الأزرق، كما تسيطر على مقار عسكرية، مثل مقر سلاح المظلات ومقر قوات جهاز العمليات، إضافة إلى مصفاة البترول في منطقة قري، على بعد نحو 50 كيلومتراً من وسط الخرطوم بحري.

نازحون من الخرطوم لجأوا إلى مدينة ودمدني القريبة (أ.ف.ب)

وفي أمدرمان، تسيطر قوات «الدعم السريع» على المنطقة القديمة، والمناطق الغربية والجنوبية منها، بينما يسيطر الجيش على قيادة سلاح المهندسين على النيل الأبيض، والسلاح الطبي المجاور له، إضافة إلى منطقة كرري العسكرية شمال المدينة، وتضم مطار «وادي سيدنا» الحربي الذي تنطلق منها المقاتلات لتلقي بمقذوفاتها على قوات «الدعم» المنتشرة في كل الأمكنة،

بل الجسور أيضاً... فالخرطوم التي تربط بين مدنها الثلاث 9 جسور، تسيطر قوات «الدعم» بشكل كامل على جسري سوبا والمنشية، اللذين يربطان منطقة شرق النيل بالخرطوم، وجسر كوبري الجيش الذي يربط أحياء شرق ووسط بحري بالخرطوم، وجسر المك نمر النار بقرب القصر الرئاسي، وجسر شمبات الرابط بين الخرطوم بحري وأمدرمان، وجسر الحلفايا الرابط بين شمال أمدرمان وشمال الخرطوم بحري.

بينما يسيطر الجيش على جسر النيل الأزرق، ويتقاسم السيطرة على عدد من الجسور مع «الدعم السريع»، مثل جسر الفتيحات من جهة أمدرمان، بينما تسيطر «الدعم» من جهة الخرطوم، على الجزء الغربي من جسر النيل الأبيض الرابط بين الخرطوم وأمدرمان، وتتقاسم القوتان السيطرة على جسر الحلفايا، فمن جهة الخرطوم بحري توجد «الدعم»، ومن جهة أمدرمان يوجد الجيش.

آثار الدمار الذي لحق بمنزل أصيب بقذيفة مدفعية في حي الأزهري جنوب الخرطوم (أ.ف.ب)

كما شهد معظم أنحاء الخرطوم عمليات قتال عنيفة وقصفاً مدفعياً بالطيران الحربي، إضافة إلى الأسلحة والرشاشات الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، والدبابات، ما أدى إلى تدمير معظم البنى التحتية في المدينة. فمطار الخرطوم الدولي، الذي شهد أولى المعارك، يكاد يكون قد تدمر كلياً، بينما قصف الطيران الحربي ومدفعية الجيش مبنى القصر الجمهوري ومناطق تمركزات قوات «الدعم» في أنحاء الخرطوم كافة، وعادة ترد الأخيرة بمضادات الطيران والمدفعية الثقيلة والصواريخ المحمولة على الكتف «كاتيوشا».

«مقبرة كبيرة»

وأدى القتال العنيف إلى نزوح قرابة نصف سكان المدينة، فيما تقول تقارير طبية إن نحو 5 آلاف قتلوا، معظمهم من الخرطوم، وأصيب عدد غير محدد بجروح.

وفضلاً عن الدمار في المنشآت، فإن قطاعي الصحة والتعليم تعطلا تماماً عن العمل. وتقول تقارير إن الخدمات الصحية توقفت في الخرطوم بنسبة 90 بالمائة، بينما توقفت خدمات التعليم كلياً، بما في ذلك المدارس والجامعات حتى رياض الأطفال، بل تحولت المدينة إلى «مقبرة كبيرة»، دفن فيها آلاف من العسكريين والمدنيين في الميادين العامة وداخل البيوت والطرقات لتعذر دفنهم في المدافن المعروفة، بينما يتوقع أن يكون هناك مئات من الجثث لم تدفن حتى الآن لصعوبة الوصول إليها، وتوقف مقدمي خدمات الدفن.

مستشفى شرق النيل لم ينجُ من التدمير والقصف (رويترز)

وتدمرت منشآت حيوية وتاريخية بشكل شبه كامل، مثل القصر الجمهوري القديم، والقيادة العامة للجيش، ومطار الخرطوم الدولي، وما تزال تتعرض للقصف من قبل الجيش في محاولته لاستردادها. يقول المهندس محمد طاهر لـ«الشرق الأوسط» إن الدمار الذي لحق بالخرطوم كبير جداً، ويصعب بسببه أن تعود إلى حالتها الطبيعية، كما من الصعب جداً إعادة إعمارها ضمن الظروف التاريخية التي يعيشها السودان، وهي خسائر تقدر قيمتها بأكثر من 5 مليارات دولار، بحسب تقارير اقتصادية. وينتظر ارتفاع كلفة الخسائر كلما استمرت الحرب أكثر، هذا من دون حساب الخسائر الباهظة جراء الدمار الذي لحق بمساكن المواطنين جراء القصف، وعمليات النهب الواسعة.

«عجوبة» وخراب سوبا...

يقول شهود عيان إن القطاع الصناعي في الخرطوم تعرض لتخريب كبير وعمليات نهب واسعة، قد تستغرق سنوات لاستعادته، بينما نقل مستثمرون أعمالهم من الخرطوم إلى مدن أخرى، مثل مدينة ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة، وبورتسودان العاصمة الاضطرارية، وعدد من مدن وولايات البلاد الأخرى، ولا ينتظر أن يعودوا إلى الخرطوم في وقت قريب.

ربما أعاد التاريخ نفسه وذكر الناس بـ«خراب سوبا» عاصمة مملكة علوة النوبية في القرن السادس عشر الميلادي، بعد أن حكمت معظم السودان الأوسط الحالي لنحو 10 قرون. وتقول الرواية الشعبية إنه كانت لامرأة تدعى «عجوبة» ابنة فائقة الجمال، وظّفت تنافس وزراء المملكة على الزواج منها لتخريب المدينة ذائعة الصيت وقتها، حيث كانت تشترط على كل وزير يتقدم للزواج من بنتها قتل الوزير الذي سبقه في التقدم للزواج منها، ومع تكرار قتل الوزراء بعضهم بعضاً من أجل الحسناء، تضعضعت المملكة وانهارت، وتحولت القصة لأسطورة ومثل يضرب لكل مخرب: «عجوبة الخربت سوبا».

لكن خراب الخرطوم الحالي ليس رواية شعبية، بل واقع يعيشه السودانيون والعالم، تقول أسطورته إن جنرالين صديقين تنافسا على السلطة فتقاتلا وسحقت تحت أسلحتهما المدينة الأجمل والأعرق «الخرطوم»، التي قد لا تستعيد فتوتها لعقود من الزمان.

وبدا المهدي متفائلاً «باتفاق الأطراف المدنية على تكوين جبهة عريضة وموسعة»، وقال: «أستطيع القول إن هناك بشائر بتحقيق توافق مدني عريض، وإننا مقبلون على جبهة مدنية عريضة بالفعل، تتكون من أنصار وقف الحرب، وتتوافق على رؤية واضحة لتقديم المساعدات للمواطنين، وتؤسس لانتقال يعلي الصوت المدني ويعير عنه بشكل واضح وبين وجلي». وتابع: «سيرى الناس هذه الجبهة ويقيمون موضوعياً أعمالها».

وأيوب ليس الوحيد من بين كبار الضباط السودانيين الذين لقوا مصرعهم أثناء الحرب ضد قوات «الدعم السريع»، ففي 21 أغسطس (آب) الماضي، أعلن الجيش السوداني، في نعي رسمي، ما سمّاه «اغتيال» اللواء الركن ياسر فضل الله الخضر الصائم، قائد الفرقة 16 مشاة، بمنطقة نيالا العسكرية في ولاية جنوب دارفور، من قِبل عساكر تابعين له.

وأعلن الجيش السوداني، في أبريل (نيسان) الماضي، مقتل الفريق متقاعد أحمد عبد القيوم من قِبل قوات «الدعم السريع»، في حين نقلت تقارير صادرة عن «الدعم السريع»، في 13 يوليو (تموز) الماضي، في معركة مع قوة متحركة من منطقة حطاب العسكرية شمال مدينة الخرطوم بحري، مقتل قائد القوة برتبة لواء، وقائد ثاني القوة برتبة لواء أيضاً، لكن الجيش السوداني لم يعلّق على الخبر، في حين تناقلت صفحات النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي الصور والتعازي لمقتل أعداد أخرى من الضباط برتبة عميد وما دونها.

ولا تزال قوات «الدعم السريع» تحتفظ بالمفتش العام للجيش السوداني، الفريق الركن مبارك كجو، ومدير «معهد الاستخبارات العسكرية»، العميد الركن حيدر محمد المختار، واللواء بالقضاء العسكري وجدي محمد فضل الله، منذ اليوم الأول لاندلاع القتال، وما زالوا قيد الأَسر لدى قوات «الدعم السريع». وأعلنت عن أَسر قائد برتبة عميد في معارك شمال بحري، يتردد أنه أطلق سراحه أخيراً.

وفي فيديو بثّته قوات «الدعم السريع» على مواقع التواصل الاجتماعي، قال المفتش العام للجيش، الفريق الركن مبارك كجو، إنه اقتيد لقيادة «الدعم السريع»، صبيحة اندلاع القتال 15 أبريل الماضي. وأشار إلى أن قائد قوات «الدعم السريع» أوصى بمعاملته معاملة طيبة حسب رتبته. ووصف الأحداث بأنها «فتنة» تريد عودة «المؤتمر الوطني» للحكم مجدداً، ودعا لتحكيم العقل معترفاً بأن «الدعم السريع» قوات نظامية مُنشأة بقانون. في حين قال مدير «معهد الاستخبارات العسكرية» العميد الركن حيدر محمد المختار إنه لا يزال لدى قوات «الدعم السريع»، ويجد معاملة طيبة، ولم يمسَّه سوء.

مجلس حقوق الإنسان يعتمد لجنة تقصي انتهاكات الحرب في السودان

على الرغم من رفض الخرطوم، اعتمد مجلس حقوق الإنسان، يوم الأربعاء، قراراً بإنشاء بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق بشأن الوضع في السودان، مشدداً على الحاجة الملحة للتحقيق فيما ارتكب من انتهاكات لحقوق الإنسان ومكان وقوعها. وسارعت أحزاب سياسية وهيئات قانونية للترحيب بالقرار، وعدّته خطوة لتحقيق العدالة وضمان عدم الإفلات من المحاسبة.

وقتل أكثر من 7 آلاف، وأصيب آلاف جراء اندلاع الحرب في السودان منتصف أبريل (نيسان) الماضي، بحسب أحدث إحصائيات «الأمم المتحدة».

ويواجه طرفا القتال؛ القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، اتهامات بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ضد المدنيين خلال النزاع المستمر بينهما.

وكانت وزارة الخارجية السودانية استبقت صدور القرار، عندما كان في طور المشروع، بالرفض القاطع، ووصفته بـ«المتطرف» في التحامل على القوات المسلحة السودانية.

وصوّتت 19 دولة بالموافقة لصالح على القرار، فيما رفضته 16 دولة، وامتنعت 3 دول عن التصويت.

ودعا القرار أطراف النزاع إلى التعاون بصورة كاملة مع بعثة تقصي الحقائق في أداء عملها. وحثّ المجتمع الدولي على أن يقدم الدعم الكامل للبعثة في سبيل تنفيذ ولايتها.

وتتكون البعثة من 3 أعضاء من ذوي الخبرة في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، يتم تعيينهم من رئيس مجلس حقوق الإنسان في أقرب وقت ممكن لفترة أولية، مدتها عام.

وتم تكليف البعثة الدولية بالتحقيق وإثبات الحقائق والظروف والأسباب الجذرية لجميع المزاعم حول انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات وانتهاكات القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك المرتكبة ضد اللاجئين.

ووفقاً للقرار، على البعثة تحديد الأفراد والكيانات المسؤولة عن الانتهاكات أو غيرها من الجرائم ذات الصلة بهدف ضمان محاسبة المسؤولين.

وينص القرار على أن تقدم بعثة التقصي توصيات بشأن تدابير المساءلة حسب الاقتضاء والمسؤولية الجنائية الفردية ووصول الضحايا إلى العدالة.

ترحيب بالقرار

ورحّب محامو الطوارئ (هيئة قانونية)، في بيان، بموافقة المجلس التابع للأمم المتحدة على إنشاء لجنة تقصٍ بشأن الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان التي تم ارتكابها منذ اندلاع الحرب.

وأثنى محامو الطوارئ على الدول التي صوّتت بالموافقة على القرار، في مقدمتهم بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا والنرويج من أجل تحقيق شفاف وعادل يضمن عدم الإفلات من العقاب.

وبدوره، وصف «التجمع الاتحادي»، أحد فصائل تحالف قوى الحرية والتغيير، القرار بأنه خطوة مهمة لكشف الحقائق حول الانتهاكات الإنسانية الجسيمة التي ارتكبت خلال الحرب، مشدداً على تقديم كل من يثبت تورطه للعدالة.

ودعا القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع للتعاون الكامل مع اللجنة لتأدية عملها والقيام بكافة المهام المنوطة بها حتى تتحقق العدالة والإنصاف المستحقين لكل الضحايا والمتضررين.

وكانت وزارة الخارجية السودانية رفضت القرار في طور المشروع، ووصفته بـ«المتطرف» في التحامل على القوات المسلحة السودانية.

وتتهم الخارجية قوات «الدعم السريع المتمردة» بارتكاب فظائع ضد المدنيين، مِن تطهير عرقي ومجازر جماعية في دارفور، وجرائم القتل والاغتصاب والتعذيب والتشريد لآلاف المدنيين.

وفي 5 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي تقدمت كل من الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا والنرويج بطلب أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، لإرسال بعثة خبراء تابعة للأمم المتحدة إلى السودان لمراقبة خروقات حقوق الإنسان، والبحث عن جرائم محتملة ارتكبت ضد النساء واللاجئين والأطفال.

وكررت الأمم المتحدة التحذيرات من أن السودان على وشك الانزلاق إلى «حرب أهلية شاملة» تزعزع الاستقرار في المنطقة.

تدخل دولي

ويرى رئيس الحزب الناصري، ساطع الحاج، أن تكوين لجنة تقصي الحقائق في الانتهاكات رسالة للأطراف المتحاربة بأن الاستمرار في القتال يسمح بالتدخلات الأجنبية، ما قد يصل إلى مرحلة التدخل العسكري وفق البند السابع.

ويقول لــ«الشرق الأوسط» إن رفض الخرطوم للقرار لا يمنع لجنة تم تشكيلها وفق القانون الدولي من أن تؤدي مهامها، لكن نخشى من الأجندات الخفية وراء مثل هذه اللجان، التي تساهم في تفكك البلاد.

ويضيف أن اللجنة المكونة من مجلس حقوق الإنسان في الظاهر، وهو قرار جيد، وفي باطنه تدخل سافر، يضعف البلاد ويعود بها إلى المربع السابق في عهد نظام الرئيس المعزول، عمر البشير.

ويقول ساطع الحاج إن مثل القرارات لها دلالات قاسية تؤثر على الوطن وسلامته وتماسكه، ويجب على أطراف الصراع وقف الحرب فوراً، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي لا يعمل بجدية لوقف الحرب في السودان، التي يرى أنها لا تنفصل عن كل الحروب التي تشهدها المنطقتين العربية والأفريقية.

وفي غضون ذلك، أعلن مجلس السيادة في السودان، يوم الخميس، اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة بخصوص قرار مجلس حقوق الإنسان.

وقال إعلام مجلس السيادة إن عضو المجلس إبراهيم جابر ترأس يوم الخميس، بمدينة بورتسودان، الاجتماع الثالث للجنة العليا للتعامل مع الأمم المتحدة، بحضور رئيس الوزراء «المكلف»، عثمان الحسين، ووزير الخارجية بالإنابة، علي الصادق، والنائب العام خليفة أحمد خليفة، وعدد من قادة الأجهزة النظامية والعدلية.

وقال وزير الثقافة والإعلام «المكلف» جراهام عبد القادر، في تصريح صحافي، إن الاجتماع تداول حول القرار المقدم من بريطانيا لمجلس حقوق الإنسان وما تم بشأنه.

وأضاف أن الاجتماع أحيط علماً بفحوى القرار حيث تم اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة في هذا الشأن. وقال إن الاجتماع وقف على جهود اللجنة الوطنية للجرائم والانتهاكات وجهود النائب العام خلال مشاركته في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان بجنيف.

حرب الجنرالين دعائية بامتياز... وتكتم على الخسائر

أيام قليلة وتدخل الحرب بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» شهرها السابع، حيث يستمر خلالها القتال العنيف بين الطرفين، دون أن يحقق أحدهما «نصراً حاسماً» على الآخر. والمثير للدهشة وسط هذا القتال أن كلا الطرفين لم يهتم بـ«الخسائر» البشرية أو المادية، كأنما الضباط وضباط الصف والجنود الذين قتلوا في الحرب مجرد بيادق في رقعة شطرنج، تتم التضحية بهم لـ«يعيش الزعيم».

في الأيام الأولى للحرب، قال «الدعم السريع» إنه «أسر» عدداً من كبار الضباط، بينهم «المفتش العام» للجيش ومدير معهد الاستخبارات، فيما قال الجيش إن أكثر من 30 ضابطاً وصف ضابط قتلوا دفاعاً عن «القائد العام» عبد الفتاح البرهان. وفي عملية خروج البرهان من الحصار داخل القيادة العامة، أعلن عن مقتل «اثنين» من رجال البحرية، أحدهما ضابط، والآخر صف ضابط. عدا هؤلاء، لا يعرف أحد كم خسر الجيش السوداني من الضباط أو الجنود، سوى ما تناقلته وسائط التواصل من تعازٍ بضباط «كبار» يقال إنهم «استشهدوا» في المعركة.

قوات من «الدعم السريع» خلال عملية عسكرية سابقة في ضاحية مايو، جنوب الخرطوم (أ.ب)

«الدعم السريع» يتكتم هو الآخر على خسائره البشرية، ولم يعلن أبداً مقتل أي من قادته أو جنوده في المعركة، عدا تصريحات خجولة تخرج من قادته، تترحم على من تسميهم «شهداء»، وعدا ما تتناقله وسائط التواصل من تعازٍ أيضاً، أو ما يتم تناقله من «إشاعات» أو تلميحات إلى مقتل آلاف من أفراده، وعدد من قادته، بما فيها تلك «الإشاعة» التي تناقلها قادة سياسيون كبار عن مقتل قائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي).

انقطاع التواصل بين القيادات والميدان

البيانات الرسمية للطرفين لم تذكر أرقاماً قط، وعادة يكتفي مكتب الناطق الرسمي باسم الجيش ببيانات عامة عن سير المعارك وخسائر الطرف الآخر. ففي آخر إيجاز، قال إن قواته كبّدت العدو «عدداً من القتلى»، وأسرت عدداً منهم في معركة مع قوات «الحركة الشعبية»، وإنها دحرت هجوماً شنه «الدعم السريع» على قواته في مدينة الأبيض، وكبّدتهم خسائر فادحة «جارٍ حصرها». لكن هذه العبارة ظلت لازمة في كل البيانات، من دون تقديم حصر فعلي. وفي تفسيره لتكتم الطرفين على إعلان خسائرهما، قال المقدم معاش الطيب المالكابي، لـ«الشرق الأوسط»، إن الأمر يرجع إلى أن الطرفين فقدا مراكز القيادة والسيطرة منذ الأسبوع الأول للحرب، وبذلك لم تعد لديهما معلومات كافية عن تحركات القوات في المدن المختلفة، ما أدى إلى انقطاع التواصل بين القيادات والميدان، مع «اتساع» أرض المعارك بين الطرفين.

وأوضح المالكابي أن الطرفين يخشيان إعلان خسائرهما البشرية حتى لا يؤثر ذلك على التحشيد والتحشيد المضاد. وقال: «الحرب أخذت طابع الحواضن المجتمعية، ودخلتها عناصر جديدة، إلى جانب الرسميين في القوات المسلحة و(الدعم السريع)». وتابع: «(الدعم السريع) استهدف حواضنه الاجتماعية، واستعان الجيش بالمستنفرين، وظهر إلى جانبه منذ بداية المعارك مقاتلون لهم علاقة بـ(الدفاع الشعبي) والإسلاميين».

واستطرد المقدم مالكابي: «عندما تقدم معلومات عن عدد القتلى، فإنك تقلل قدرتك على الحشد». وأضاف: «لا يمكن حصر الخسائر أثناء استمرار الحرب. فهناك من شاركوا في القتال ولم يعودوا، ويصعب تحديد مصيرهم، أو تصنيفهم بين قتيل أو جريح أو أسير أو هارب، وأصبحت الإعلانات الشخصية هي الوسيلة الوحيدة لمعرفة القتلى الذين لديهم أقارب أو معارف في الجيش. لكن العدد المعلن من الخسائر لا يتعدى 5 بالمائة من الخسائر الفعلية لكلا الطرفين».

حرب دعائية بامتياز

أما المحلل السياسي الجميل الفاضل، فيرى أن التكتم على أرقام الخسائر «أمر طبيعي»، لأن إعلانها يؤثر سلباً على معنويات جنود ومقاتلي الطرفين. ويضيف: «كان لافتاً منذ اندلاع الحرب أن رهان كلٍ من الطرفين يتركز على رسم صورة ذهنية تؤكد تفوقه على خصمه ميدانياً، وتقديم مبررات تقرب هذا الطرف أو ذاك من الجمهور إليه».

ووصف الفاضل الحرب في السودان بأنها «حرب دعائية بامتياز، يحاول كل طرف فيها حصد نقاط لصالحه على حساب الطرف الآخر». ويتابع: «هناك معركة حول العقول تدور بالتزامن مع معارك الأرض، ما يجعل الخسائر البشرية والمادية تبدو كبيرة للغاية، رغم محاولات التقليل منها أو سترها وإخفائها».

بيد أن الفاضل يرى أن «كتائب الإسلاميين الجهادية»، التي تعدّ الطرف الرئيس في الحرب، هي الطرف الوحيد الذي دأب على الكشف عن قتلاه، وإصدار نعي رسمي موثق بأسمائهم. وتابع أنه «لعلّة قديمة عند الإسلاميين، فهم لا يكترثون للعواقب المحتملة، طالما أن الفاتورة يدفعها معهم آخرون على قدم سواء».

أعمدة الدخان الكثيف تتصاعد من جهة مطار الخرطوم الدولي الملاصق لمقر القيادة العامة للجيش (رويترز)

ويؤيد المحلل السياسي أشرف عبد العزيز، ما ذهب إليه الفاضل، من أن الطرفين يخشيان إعلان خسائرهما، خاصة البشرية منها، «لأن طبيعة السودانيين تميل إلى أن حسم الحرب يحدده عدد خسائر الطرفين من الأرواح». ويتابع: «لذلك يهتم نشطاء وسائط التواصل بإحصاء الخسائر في الأرواح، باعتبارها إشارات للنصر أو الهزيمة، ما يضطر الطرفين لإخفاء أعداد قتلاهما».

جثث كثيرة لا يتم نعي أصحابها

ويرى عبد العزيز أن تكتم الطرفين على خسائرهما يعني أن كل طرف منهما «يصر» على حسم المعركة عسكرياً، وبالتالي يحرص على إخفاء أي معلومات قد تؤثر على معنويات جنوده. ويضيف: «في تقديري أن القتلى وسط قوات (الدعم السريع) أكبر بحكم طرقهم القتالية، أما الجيش فأكبر خسائره بين المستنفرين». وأرجع عبد العزيز مقتل أعداد كبيرة من كبار ضباط الجيش إلى أنهم أصبحوا جزءاً من المعركة، يشاركون في القتال المباشر، ولا يعتمدون على «الصندوق القتالي». ويقول: «مقتل الضباط خسارة كبيرة للمؤسسة العسكرية التي تصرف كثيراً على تأهيل ضباطها، بمن فيهم ضباط المخابرات، الذين بلغ ببعضهم الحال اتهام الجيش بأنه أوقعهم في أفخاخ». وأضاف: «هناك عدد كبير من ضباط المخابرات وشرطة الاحتياطي المركزي على علاقة وثيقة بالتنظيم الإسلامي، لأنهم يقاتلون بدافع غير دافع الجندية وحده، فهم يقاتلون باعتبارهم (مجاهدين)».

قصف المشافي يثير موجة غضب عارمة في السودان

يذهب بعض المرضى إلى المشافي السودانية طلباً للتداوي، لكن المحزن أنهم «يعودون» إلى بيوتهم «أشلاء مقطعة»، أو تُجمع أعضاؤهم المتناثرة لتدفن كيفما، وأينما اتفق. وقد يحصل في أحيان أخرى أن تتناثر جثة محمولة على الأكتاف إلى المقابر، وتختلط بأشلاء المشيعين، جراء قذيفة استهدفت مستشفى، أو أخرى طائشة تقع على المشيعين في طريقهم إلى المدافن، الأمر الذي أثار موجة غضب عارمة بين المواطنين ضد طرفي القتال اللذين يفجران كل شيء، بما في ذلك المرضى ومواكب التشييع.

هذه المشاهد الدامية ليست من نسج الخيال، بل هي واقع يتكرر حدوثه منذ أن اشتعلت الحرب بين الجيش و«الدعم السريع» منتصف أبريل (نيسان) الماضي، فيسرع طرفا القتال إلى تبادل الاتهامات بالمسؤولية عن الفعل الشنيع، وتخرج بيانات الإدانة من هذا الطرف ضد الآخر لتتهمه بهذا الفعل البشع، وهذا ما جسدته أحداث أول من أمس الاثنين، حين سقط 4 قتلى في مستشفى «النو» شمالي أم درمان، وتطايرت دماء جرحى آخرين جاؤوا إلى المشفى طلباً للعلاج، جراء قذيفة سقطت على المستشفى، إضافة إلى سقوط 24 قتيلاً وعدد من الجرحى الأسبوع الماضي.

تدمير مستشفى شرق النيل بالخرطوم في قصف جوي (رويترز)

والحرب تقترب من شهرها السابع، حصدت قذائف وصواريخ وطائرات ورصاصات المتقاتلين أرواحاً عدة داخل، أو بالقرب من مشافي الخرطوم أو مشافي إقليم دارفور وكردفان، وأدى ذلك إلى إصابة الناس بحالة من الحزن العميم، اجتاحت البلاد، إلى جانب موجة غضب عارمة تناقلتها وسائط التواصل الاجتماعي، مطالبة المتقاتلين بوقف الحرب التي تقتل طالبي العلاج.

ألم فاق الحدود

«إنهم يقتلون المرضى بسلاحهم، فمن أين أتى هؤلاء؟ وهل سيتبقى للطرفين شعب يتصارعون على قيادته بعد نهاية الحرب؟». هكذا تساءلت المواطنة سميرة صلاح، وهي تذرف الدموع حزناً على ابنها الذي قتل بشظايا قذيفة سقطت بالقرب من أحد المراكز الصحية في منطقة شرق النيل في الخرطوم بحري. وقالت سميرة لـ«الشرق الأوسط»: «كان ابني يعاني من ارتفاع ضغط الدم، فذهب لشراء الدواء، لكنه قتل في الطريق». وقال الصافي فضل المولى لـ«الشرق الأوسط» إن ما يحدث للمرضى في المشافي القريبة من مناطق الاشتباكات مؤلم جداً، ونتج عنه تزايد ضحايا الصراع الدامي ليصل إلى آلاف القتلى. وأضاف، محملاً قادة الطرفين المسؤولية عن الموت المجاني: «قذائفهم تتساقط بشكل عشوائي، وتضل طريقها إلى أهدافها لتحصد أرواح الأبرياء».

مسعفة في رواق فارغ في «مستشفى سوبا» الجامعي جنوب الخرطوم الذي تضرر بسبب الحرب (أ.ف.ب)

وبالقرب من مناطق الاشتباكات، فإن من لم يمت بأسلحة الطرفين قد يلقى حتفه بسبب عدم توفر الخدمات الطبية، وعدم وجود ممرات آمنة تمكنه من الوصول إلى الخدمات العلاجية الشحيحة، بسبب استهداف الكوادر الصحية، وندرة الدواء. فوصول الأطباء ومساعديهم إلى المشافي هو بحد ذاته مغامرة قد تكلف أحدهم حياته. وقد قتل عدد من الأطباء وهم يهمون بإسعاف مصابين أو مرضى. فمنذ اندلاع الحرب، أغلقت أكثر من 100 مستشفى ومرفق صحي في البلاد أبوابها، إما لوقوعها في مناطق الاشتباكات، أو لتعرضها للقصف المباشر، أو احتلالها من قوات «الدعم السريع».

المرضى أهداف حربية

ويصف خبراء في القانون الدولي تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، استهداف المدنيين بأنه «جريمة حرب»، ويعتبرون أن الجريمة تصبح مضاعفة حين يصل الاستهداف إلى المرضى، ويقولون إن «المدنيين غير قادرين على الدفاع عن أنفسهم بمواجهة المتحاربين، لذلك فإن الاعتداء عليهم يشكل جريمة مكتملة الأركان، مثلما لا يجيز القانون الدولي استهداف العسكريين غير المحاربين إذا كانوا مرضى في المستشفيات». ويتابعون: «الجرائم في السودان متشعبة، ولا تقتصر على انتهاك الحريات والحقوق، بل تخالف مبادئ القانون الدولي الإنساني، وتشكل جرائم مكتملة الأركان».

مرضى فشل كلوي في مستشفى سوبا جنوب الخرطوم حيث المعاناة بسبب الحرب (أ.ف.ب)

وفي ظل تبادل الاتهامات بارتكاب جرائم الحرب ضد المواطنين من قبل طرفي القتال، تقدمت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وإيطاليا والنرويج بمشروع قرار إلى مجلس حقوق الإنسان تطالب فيه بإرسال بعثة تقصي حقائق من ثلاثة خبراء للوقوف على الانتهاكات ضد المواطنين خلال الحرب، وتحديد المسؤوليات. لكن وزارة الخارجية السودانية رفضت تشكيل تلك اللجنة، متذرعة بأن من يرتكب الجرائم هي قوات «الدعم السريع»، وأن الجيش يصد عدوان القوات المتمردة، بينما أبدت قوات «الدعم السريع» ترحيبها بتكوين اللجنة، وحملت بدورها الجيش مسؤولية «المقتلة».

مجلس حقوق الإنسان يعتمد لجنة تقصي انتهاكات الحرب في السودان

على الرغم من رفض الخرطوم، اعتمد مجلس حقوق الإنسان، يوم الأربعاء، قراراً بإنشاء بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق بشأن الوضع في السودان، مشدداً على الحاجة الملحة للتحقيق فيما ارتكب من انتهاكات لحقوق الإنسان ومكان وقوعها. وسارعت أحزاب سياسية وهيئات قانونية للترحيب بالقرار، وعدّته خطوة لتحقيق العدالة وضمان عدم الإفلات من المحاسبة.

وقتل أكثر من 7 آلاف، وأصيب آلاف جراء اندلاع الحرب في السودان منتصف أبريل (نيسان) الماضي، بحسب أحدث إحصائيات «الأمم المتحدة».

ويواجه طرفا القتال؛ القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، اتهامات بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ضد المدنيين خلال النزاع المستمر بينهما.

وكانت وزارة الخارجية السودانية استبقت صدور القرار، عندما كان في طور المشروع، بالرفض القاطع، ووصفته بـ«المتطرف» في التحامل على القوات المسلحة السودانية.

وصوّتت 19 دولة بالموافقة لصالح على القرار، فيما رفضته 16 دولة، وامتنعت 3 دول عن التصويت.

ودعا القرار أطراف النزاع إلى التعاون بصورة كاملة مع بعثة تقصي الحقائق في أداء عملها. وحثّ المجتمع الدولي على أن يقدم الدعم الكامل للبعثة في سبيل تنفيذ ولايتها.

وتتكون البعثة من 3 أعضاء من ذوي الخبرة في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، يتم تعيينهم من رئيس مجلس حقوق الإنسان في أقرب وقت ممكن لفترة أولية، مدتها عام.

وتم تكليف البعثة الدولية بالتحقيق وإثبات الحقائق والظروف والأسباب الجذرية لجميع المزاعم حول انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات وانتهاكات القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك المرتكبة ضد اللاجئين.

ووفقاً للقرار، على البعثة تحديد الأفراد والكيانات المسؤولة عن الانتهاكات أو غيرها من الجرائم ذات الصلة بهدف ضمان محاسبة المسؤولين.

وينص القرار على أن تقدم بعثة التقصي توصيات بشأن تدابير المساءلة حسب الاقتضاء والمسؤولية الجنائية الفردية ووصول الضحايا إلى العدالة.

ترحيب بالقرار

ورحّب محامو الطوارئ (هيئة قانونية)، في بيان، بموافقة المجلس التابع للأمم المتحدة على إنشاء لجنة تقصٍ بشأن الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان التي تم ارتكابها منذ اندلاع الحرب.

وأثنى محامو الطوارئ على الدول التي صوّتت بالموافقة على القرار، في مقدمتهم بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا والنرويج من أجل تحقيق شفاف وعادل يضمن عدم الإفلات من العقاب.

وبدوره، وصف «التجمع الاتحادي»، أحد فصائل تحالف قوى الحرية والتغيير، القرار بأنه خطوة مهمة لكشف الحقائق حول الانتهاكات الإنسانية الجسيمة التي ارتكبت خلال الحرب، مشدداً على تقديم كل من يثبت تورطه للعدالة.

ودعا القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع للتعاون الكامل مع اللجنة لتأدية عملها والقيام بكافة المهام المنوطة بها حتى تتحقق العدالة والإنصاف المستحقين لكل الضحايا والمتضررين.

وكانت وزارة الخارجية السودانية رفضت القرار في طور المشروع، ووصفته بـ«المتطرف» في التحامل على القوات المسلحة السودانية.

وتتهم الخارجية قوات «الدعم السريع المتمردة» بارتكاب فظائع ضد المدنيين، مِن تطهير عرقي ومجازر جماعية في دارفور، وجرائم القتل والاغتصاب والتعذيب والتشريد لآلاف المدنيين.

وفي 5 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي تقدمت كل من الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا والنرويج بطلب أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، لإرسال بعثة خبراء تابعة للأمم المتحدة إلى السودان لمراقبة خروقات حقوق الإنسان، والبحث عن جرائم محتملة ارتكبت ضد النساء واللاجئين والأطفال.

وكررت الأمم المتحدة التحذيرات من أن السودان على وشك الانزلاق إلى «حرب أهلية شاملة» تزعزع الاستقرار في المنطقة.

تدخل دولي

ويرى رئيس الحزب الناصري، ساطع الحاج، أن تكوين لجنة تقصي الحقائق في الانتهاكات رسالة للأطراف المتحاربة بأن الاستمرار في القتال يسمح بالتدخلات الأجنبية، ما قد يصل إلى مرحلة التدخل العسكري وفق البند السابع.

ويقول لــ«الشرق الأوسط» إن رفض الخرطوم للقرار لا يمنع لجنة تم تشكيلها وفق القانون الدولي من أن تؤدي مهامها، لكن نخشى من الأجندات الخفية وراء مثل هذه اللجان، التي تساهم في تفكك البلاد.

ويضيف أن اللجنة المكونة من مجلس حقوق الإنسان في الظاهر، وهو قرار جيد، وفي باطنه تدخل سافر، يضعف البلاد ويعود بها إلى المربع السابق في عهد نظام الرئيس المعزول، عمر البشير.

ويقول ساطع الحاج إن مثل القرارات لها دلالات قاسية تؤثر على الوطن وسلامته وتماسكه، ويجب على أطراف الصراع وقف الحرب فوراً، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي لا يعمل بجدية لوقف الحرب في السودان، التي يرى أنها لا تنفصل عن كل الحروب التي تشهدها المنطقتين العربية والأفريقية.

وفي غضون ذلك، أعلن مجلس السيادة في السودان، يوم الخميس، اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة بخصوص قرار مجلس حقوق الإنسان.

وقال إعلام مجلس السيادة إن عضو المجلس إبراهيم جابر ترأس يوم الخميس، بمدينة بورتسودان، الاجتماع الثالث للجنة العليا للتعامل مع الأمم المتحدة، بحضور رئيس الوزراء «المكلف»، عثمان الحسين، ووزير الخارجية بالإنابة، علي الصادق، والنائب العام خليفة أحمد خليفة، وعدد من قادة الأجهزة النظامية والعدلية.

وقال وزير الثقافة والإعلام «المكلف» جراهام عبد القادر، في تصريح صحافي، إن الاجتماع تداول حول القرار المقدم من بريطانيا لمجلس حقوق الإنسان وما تم بشأنه.

وأضاف أن الاجتماع أحيط علماً بفحوى القرار حيث تم اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة في هذا الشأن. وقال إن الاجتماع وقف على جهود اللجنة الوطنية للجرائم والانتهاكات وجهود النائب العام خلال مشاركته في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان بجنيف.