المهدي لـ«الشرق الأوسط»: أنصار البشير أشعلوا الحرب ويذكون نارها

القيادي في «حزب الأمة» السوداني قال إن العسكر لن يكونوا جزءاً من المشهدين السياسي والاقتصادي

الصدّيق الصادق المهدي القيادي في قوى «الحرية والتغيير»، وحزب «الأمة» السوداني («الشرق الأوسط»)
الصدّيق الصادق المهدي القيادي في قوى «الحرية والتغيير»، وحزب «الأمة» السوداني («الشرق الأوسط»)
TT

المهدي لـ«الشرق الأوسط»: أنصار البشير أشعلوا الحرب ويذكون نارها

الصدّيق الصادق المهدي القيادي في قوى «الحرية والتغيير»، وحزب «الأمة» السوداني («الشرق الأوسط»)
الصدّيق الصادق المهدي القيادي في قوى «الحرية والتغيير»، وحزب «الأمة» السوداني («الشرق الأوسط»)

اتهم عضو المجلس المركزي لتحالف «قوى إعلان الحرية والتغيير»، ومساعد رئيس «حزب الأمة» القومي، الصدّيق الصادق المهدي، منتقدي أنصار وقف الحرب، بأنهم يتمسكون باستمرارها «خشية تضرر مصالحهم»، ويتنصلون من مسؤوليتهم عن الحرب بتحميلها لـ«القوى المدنية التي تعمل على إصلاح مؤسَسي للدولة يقطع الطريق أمامهم».

وقال المهدي في مقابلة مع «الشرق الأوسط»، إن خلاف «أنصار نظام البشير البائد الرئيسي، ليس مع قوات (الدعم السريع) التي صنعوها ومكّنوها، بل مع القوى المدنية التي تسعى لتحقيق إصلاح مؤسسي لمؤسسات الدولة، بما في ذلك القوات النظامية، بما هدد ويهدد تمكينهم واستثماراتهم ونهبهم موارد البلاد».

وكشف المهدي عن اقتراب القوى المدنية من «تشكيل جبهة مدنية عريضة، تعمل على إنهاء الحرب، مؤلفة من قوى مدنية وسياسية ولجان مقاومة ومهنيين وشخصيات مستقلة، وتم التوافق على لجنة اتصال للقيام بالاتصالات اللازمة لإعلان الجبهة وعقد مؤتمرها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا».

حرب مدمرة اشتعلت في الخرطوم تتضارب المعلومات حول من أشعلها (أ.ف.ب)

وأوضح أن النظام البائد وأنصاره «أشعلوا الحرب ويعملون على استمرارها ويقفون ضد وقفها، ليعودوا إلى السلطة من بوابتها، وليفتحوا منافذ جديدة للفساد، لذلك صنعوا ودعموا انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ثم جاءوا بالطامة الكبرى، حرب منتصف أبريل (نيسان) الماضي، لقطع الطريق أمام أي تحول ديمقراطي مدني مضاد لمصالحهم».

ووصف المهدي الاتهامات التي يطلقها أنصار نظام الرئيس السابق عمر البشير، على القوى المدنية بـ«الخيانة»، بأنها «مخالفة للمنطق السليم»، وأكد أن من يدعون لاستمرار الحرب أشخاص قد تضررت مصالحهم من وقفها، مضيفاً أن «أنصار حزب المؤتمر الوطني، والإسلاميين عموماً، وأصحاب التمكين السابق، أشعلوا الحرب، ويريدون استمرارها».

​ ونفى المهدي وجود مشكلة رئيسية بين حزب «المؤتمر الوطني» (الحاكم في عهد البشير) وأنصاره، وقوات «الدعم السريع»؛ «لأنهم صنعوها ومكنوها من اقتسام السلطة والتمكين معها، ليعودوا من بوابتها بشكل من الأشكال»، مؤكداً أن «مشكلتهم الحقيقية مع القوى السياسية التي تدعو للإصلاح. فهم يريدون المحافظة على مصالحهم المشبوهة وتمكينهم وتهريب موارد البلاد، وإعادة فتح أبواب الفساد على مصراعيها، لذلك أشعلوا الحرب ويتمسكون باستمرارها، وهذا هو السبب المباشر لهجمة فلول النظام البائد على المدنيين».

وأكد المهدي أن معركة حزب «المؤتمر الوطني» وأنصاره الأساسية «ليست مع قوات (الدعم السريع)، مهما تصاعدت ودمرت البلاد وقتلت المواطنين وهجرت من هجرتهم، وعرضت البلاد وأهلها للمعاناة».

واتهم المهدي أنصار النظام البائد والعسكريين الموالين لهم «بإهدار مبالغ ضخمة تتراوح بين 6 و9 مليارات دولار سنوياً. فالسودان ينتج من الذهب سنوياً ما يتراوح بين 120 و200 طن، لا تحصل الدولة منها إلا على نحو من 20 إلى 30 طناً، ويذهب الباقي هدراً عن طريق التهريب».

وأوضح أن عناصر نظام عمر البشير البائد تسعى للحفاظ على هذه المصالح، وقال إن «وقوف هؤلاء وراء انقلاب 25 أكتوبر كان لقطع الطريق أمام إصلاح مؤسسات الدولة الاقتصادية والعسكرية، وإنهم زادوا الطين بلة بإشعال الحرب العبثية، وعملوا على استمرارها، منطلقين من عدائهم للقوى المدنية التي تدعو لتحول مدني ديمقراطي، ولإصلاح مؤسسي للدولة السودانية».

لا شراكة مع العسكر

وقطع المهدي بـ«استحالة قيام شراكة جديدة بين المدنيين والعسكريين في المرحلة المقبلة»، وقال: «هم أقروا بأنهم لن يكونوا جزءاً من المشهد السياسي، فإذا كانوا صادقين وجادين، فإن ممارساتهم، منذ نظام عمر البشير وأثناء الانتقال وصولاً إلى الحرب العبثية والكوارث التي ترتبت عليها، كفيلة بجعلنا نضغط ونتوافق على أن يلتزموا بما ألزموا أنفسهم به في الاتفاق الإطاري، بأن يبتعدوا عن ممارسة السياسة والاقتصاد والاستثمار».

ورأى المهدي أن استمرار الحرب «يهدد بانزلاق البلاد نحو مأساة الحرب الأهلية، وتحول السودان لبؤرة ومصدر للكوارث في العالم والإقليم»، قاطعاً بأن «الطريق الأصوب لوقف الحرب تكون بإعلاء صوت مصالح السودان، ومحاصرة دعاوى من أشعلوا الحرب والمستفيدين من استمرارها».

ووفقاً للمهدي، فإن الحرب «تسببت في معاناة للمدنيين في دارفور، خصوصاً غربها، ما اضطر كثيراً منهم للجوء إلى دول الجوار في ظل ظروف في غاية المأساوية، ويليهم في المعاناة من ظلوا في الخرطوم، وجميعهم يعانون قسوة العيش وندرة مقومات الحياة».

ووصف المهدي قرار مجلس حقوق الإنسان بتشكيل لجنة تقصي حقائق بشأن الانتهاكات في السودان، بأنه «قرار يستحق الإشادة، ويؤكد في الوقت ذاته أن تبعات الحرب العبثية تقع على المدنيين، وأن القادة العسكريين يستمرون في حربهم دون مراعاة لدمار البلاد وقتل المدنيين وعمال الإغاثة، ما جعل السودان يصنف ثاني أخطر دولة على عمال الإغاثة، إذ قتل فيه 19 عامل إغاثة خلال عام واحد، وذلك وفقاً لمسؤول في الأمم المتحدة».

وأعرب المهدي عن قناعته بأن قرار مجلس حقوق الإنسان سيكشف مرتكبي الانتهاكات ويقطع سجال الطرفين واتهام أحدهما للآخر، وتابع: «هذا تحقيق مستقل مدعوم بخبرات مجلس حقوق الإنسان وإمكاناته المالية»، داعياً للاستعانة بسودانيين من «أصحاب الخبرة والكفاءة والتأهيل في تكوين لجنة تقصي الحقائق لتكون لجنة وطنية ودولية، تستطيع إنجاز تحقيق مستقل وشفاف يحدد الانتهاكات ويكشف المسؤولين عنها، وينهي اتهامات طرفي الحرب لبعضهما بتلك الانتهاكات، ويحاسب من تسببوا بها، ويسهم في تحقيق العدالة للضحايا ووضع أسس العدالة الانتقالية».

ودعا المهدي إلى «وضع أسس عملية وفنية دقيقة لتعويض ضحايا الانتهاكات، وفق منهج لا يقوم على الروايات، بل على آليات التدقيق العلمية التي تحدد ما فقده الضحايا»، مؤكداً أن الأعمال العدوانية والانتهاكات ضد المدنيين لم تبدأ بالحرب الحالية، بل بدأت بانقلاب يونيو (حزيران) 1989، الذي مكن الإسلاميين وارتكب جرائم الإبادة الجماعية والحرب، ومارس التعذيب والقتل ونهب موارد البلاد، ثم قتل وانتهك حقوق الثوار السلميين في عملية فض اعتصام القيادة العامة، حتى الحرب الحالية.

العسكر مسؤول عن جريمة فض الاعتصام

وحمّل المسؤولية عن هذه الانتهاكات لـ«المكون العسكري بشقيه، وهذا أمر يجب إخضاعه للتحقيق، وأنا أحمل المجلس العسكري الانتقالي المسؤولية كاملة، فالجيش يقول إنه لم يقم بفض الاعتصام، لكن الجريمة حدثت أمام قيادته العامة، ومن واجبه حماية المدنيين، وفي الحد الأدنى هم مسؤولون عن التقصير»، مضيفاً أن «المدنيين السودانيين تعرضوا لانتهاكات عديدة من قبل المكون العسكري، توجت بهذه الحرب التي وصفوها هم بأنفسهم بالعبثية». وأكد المهدي أن المدنيين ليسوا ضد العسكريين والجيش السوداني، لكنهم يعملون من أجل الإصلاح المؤسسي في البلاد، بإقامة مؤسسة عسكرية لا تعمل لأجندة سياسية تخصها. وتابع: «هذه مهمة المكونات السودانية جميعها، بأن يكون هناك جيش مهني قومي احترافي واحد، يعمل على حماية الوطن ومواطنيه. وهذه من المهام التي يجب التوافق عليها للخروج من الحرب والدخول في فترة انتقال مدني، لذلك هناك ضرورة لصوت مدني واضح في إصلاح المؤسسات، بما فيها القوات النظامية».

وعدّ المهدي أن استمرار الحرب «لن يحقق نتيجة إيجابية لأي من طرفيها، ناهيك بالبلاد»، وقال: «حتى لو دارت الحرب خارج المدن لتدخل المدنيون لوقفها، لأنها تستنزف أرواح أبناء السودان، وتستهلك إمكانات البلاد، وتهدد مجتمعها بالانقسام».

تحذير من حرب أهلية

وحذر المهدي من اتساع نطاق الحرب وتحولها إلى حرب أهلية، بقوله: «أصبح كل طرف يستنصر بمكونات اجتماعية موالية له، وهذا التوجه قد يقود البلاد للانزلاق إلى حرب أهلية تهدد بتقسيمها». وتابع: «لذلك يجب أن تقف، وأن يعلو الصوت المدني في التعبير عن ضرورة إيقافها، وهذا ما نعمل عليه الآن، من خلال توحيد هذا الصوت المدني».

وبمواجهة الانقسام الواضح بين المدنيين، أكد المهدي أن توحيد الصف المدني قطع شوطاً مهماً، موضحاً أن «هناك تياراً يرى أن إنهاء الاضطراب في البلاد والتباين العسكري يكمن في العمل المسلح فقط، لكن هذا التيار انحسر بشكل كبير، وعلا صوت الدعوة لإيقاف الحرب».

ويتمسك المهدي بأهمية توحيد الصف المدني من أجل مخاطبة العسكريين بضرورة «تجنيب البلاد حرباً أهلية تهدد بتقسيمها إذا أعلن كل طرف حكومة موالية له في مناطق سيطرته». ورأى أن «وقف الحرب يعني وقف الدمار والموت، وهو يفتح الباب لمساعدة الناس ووقف معاناتهم القاسية ومعالجة التباينات المدنية والعسكرية سلمياً، وتقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين، وإطلاق عملية سياسية تنقل البلاد إلى اتفاق شامل يزيل كل أسباب الحروب، ويعالج جذور الأزمة ليجعل من الحرب الحالية آخر الحروب».

جهود لتشكيل جبهة مدنية

وأرجع المهدي تأخر التوافق المدني إلى أسباب موضوعية وذاتية، قائلاً: «استغرق توافق وتوحيد القوى المدنية زمناً طويلاً، لظروف موضوعية وذاتية، تتمثل في صعوبة التواصل بين المدنيين ووجود مجموعات كبيرة داخل البلاد». وفي إشارة إلى اجتماع «الكتلة الديمقراطية» التي أيدت انقلاب أكتوبر في مدينة أسمرا الإريترية، قال المهدي: «خرجوا بإعلان لا يخاطب قضية إيقاف الحرب بشكل فعال، وتبنوا موقفاً يعد إعادة إنتاج لموقفهم السابق، دون اتعاظ بتجربة الحرب، ودعوا لشراكة مع العسكريين وتكوين مجلس سيادة من 9 أشخاص بقيادة عسكرية ومشاركة مدنية، وهذه رؤيتهم قبل الحرب». واستطرد: «هذه رؤية مدنية، رغم تبايننا معها، فإننا نحترم توجهها ورأيها».

وكشف المهدي عن العمل على بلورة جبهة مدنية عريضة، تعد امتداداً للجبهة المدنية التي أعلن عنها في 27 أبريل (نيسان) الماضي، بمبادرة من «لجان مقاومة الحاج يوسف»، وقال إنها «جبهة تضم لجان مقاومة وقوى سياسية ومنظمات مجتمع مدني وقوى نقابية ومهنيين وشخصيات وطنية مستقلة، وعقدت تنسيقيتها في أديس أبابا اجتماعاً يومي 17 و18 سبتمبر (أيلول) الماضي». وأضاف أن المجموعات المدنية «اتفقت على تكوين لجنة اتصال للتواصل مع المكونات المدنية والحركات المسلحة غير المنضوية في إعلان أبريل، وتجديد الاتصالات مع المكونات التي استبطأت عمل الجبهة وكونت مبادرات أخرى».

وبدا المهدي متفائلاً «باتفاق الأطراف المدنية على تكوين جبهة عريضة وموسعة»، وقال: «أستطيع القول إن هناك بشائر بتحقيق توافق مدني عريض، وإننا مقبلون على جبهة مدنية عريضة بالفعل، تتكون من أنصار وقف الحرب، وتتوافق على رؤية واضحة لتقديم المساعدات للمواطنين، وتؤسس لانتقال يعلي الصوت المدني ويعير عنه بشكل واضح وبين وجلي». وتابع: «سيرى الناس هذه الجبهة ويقيمون موضوعياً أعمالها».


مقالات ذات صلة

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

شمال افريقيا نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

آلاف الأسر تفرقت حيث خرج أفرادها من دون أن يحملوا شيئاً أحياناً كانوا حفاة ويسيرون على أقدامهم ومن الصعوبة أن يتم توفير المساعدات لهم من الغذاء والمياه والأدوية

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا إيان إيغلاند الأمين العام لـ«المجلس النرويجي للاجئين» (غيتي)

المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودان

مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
شمال افريقيا شاحنة تحمل لاجئين سودانيين من مدينة رينك الحدودية في جنوب السودان (د.ب.أ)

الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

أفاد تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الأحد، بأن السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)
نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)
TT

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)
نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

قال رئيس منظمة «أطباء بلا حدود»، كريستوس كريستو، إن كثيراً من النساء وأطفالهن يعانون من صدمات نفسية سيئة جراء الحرب الدائرة في السودان، مشيراً إلى أن بعض الأطفال الذين لا تتعدى أعمارهم بضعة أشهر تعرضوا لإصابات بالذخيرة الحية في مناطق الرأس والصدر.

وأضاف في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، أننا إزاء أسوأ أزمة إنسانية شهدتها المنظمة على الإطلاق... آلاف الأسر تفرقت، خرج أفرادها من دون أن يحملوا شيئاً، أحياناً كانوا حفاة ويسيرون على أقدامهم، ومن الصعوبة أن يتم توفير المساعدات لهم من الغذاء والمياه والأدوية، يبدو هذا الأمر مستحيلاً في بعض أجزاء البلد.

سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم زمزم للنازحين (أ.ف.ب)

ورأى أن «الحرب تعد مشكلة حقيقية للنساء والأطفال تحديداً... أجرينا في أحد المستشفيات العاملة بالعاصمة الخرطوم فحوصات لنحو 4200 امرأة وطفل، ووجدنا أن ثلثهم يعاني من سوء التغذية الحاد، وهذا القياس يدل على أن كل الذين أجريت لهم فحوصات، يعانون من سوء التغذية المتوسط والحاد بدرجات متفاوتة».

وأوضح أن «واحداً من كل 6 جرحى يعالجون في المستشفى ذاته، يعاني من أمراض مصاحبة... لدينا أطفال لا تتعدى أعمارهم شهوراً تعرضوا لإصابات بالرصاص في الرأس أو الصدر، وللأسف في بعض الأحيان لا تتوفر المواد الطبية اللازمة لعلاجهم، في ظل حالة الحصار على المستشفى، ومنع وصول المعونات الطبية إليه».

الوضع في دارفور

وكشف الرئيس الدولي لمنظمة «أطباء بلا حدود»، كريستوس كريستو، عن ارتفاع نسبة حالات الإصابة بسوء التغذية وسط النساء الحوامل والمرضعات والأطفال الرضع في إقليم دارفور (غرب البلاد)، «وهو ما يتسبب في الوفيات لأسباب بسيطة يمكن علاجها لو توفرت الإمدادات الطبية».

امرأة وطفلها في مخيم زمزم للنازحين قرب الفاشر شمال دارفور بالسودان (أرشيفية - رويترز)

وقال إن «نسبة انتشار أمراض سوء التغذية وفقر الدم أعلى بكثير من قدرة فرقنا على علاجها».

وأضاف كريستو: «في أغسطس (آب) الماضي، أجرينا فحوصات لنحو 30 ألف طفل في عمر سنتين وأقل، حيث أثبتت أن ثلث هذا العدد يعاني من سوء تغذية حاد».

وكشف تقرير سابق لمنظمة «أطباء بلا حدود» في فبراير (شباط) الماضي عن وفاة طفل كل ساعتين في «مخيم زمزم» للنازحين في ولاية شمال دارفور.

ووفقاً للمنظمة، فإن الصراع في إقليم دارفور «أخذ طابعاً عرقياً، وعلى وجه الخصوص أحداث العنف التي جرت في ولاية غرب دارفور، وأدت إلى مقتل الآلاف ولجوء أكثر من 500 ألف شخص إلى تشاد».

وتجاوزت نسبة وفيات الأمهات في جنوب دارفور منذ مطلع العام الحالي التي سجلتها مرافق «أطباء بلا حدود»، 7 في المائة، وبينت الفحوصات التي أُجريت لرصد سوء التغذية بين الأطفال، معدلات هائلة تتجاوز عتبات الطوارئ.

وحض كريستو المجتمع الدولي «على بذل مزيد من الجهود للضغط على الأطراف المتحاربة للسماح بمرور المساعدات الإنسانية العاجلة؛ لتوفير الغذاء والدواء للآلاف من المدنيين في السودان».

وعالجت فرق «أطباء بلا حدود» أكثر من 4214 إصابة ناجمة عن العنف، بما في ذلك الأعيرة النارية وانفجارات القنابل، وشكلت نسبة الأطفال دون سن الخامسة عشرة، 16 في المائة منهم.