مصر تستنفر في سيناء وتكثف اتصالات «الممر الإنساني»

استمرار وصول مساعدات إغاثية إلى مطار العريش

الطائرة التركية التي تحمل مواد إغاثية لسكان قطاع غزة عقب وصولها إلى مطار العريش (الهلال الأحمر المصري)
الطائرة التركية التي تحمل مواد إغاثية لسكان قطاع غزة عقب وصولها إلى مطار العريش (الهلال الأحمر المصري)
TT

مصر تستنفر في سيناء وتكثف اتصالات «الممر الإنساني»

الطائرة التركية التي تحمل مواد إغاثية لسكان قطاع غزة عقب وصولها إلى مطار العريش (الهلال الأحمر المصري)
الطائرة التركية التي تحمل مواد إغاثية لسكان قطاع غزة عقب وصولها إلى مطار العريش (الهلال الأحمر المصري)

تتسارع وتيرة الاتصالات والتحركات المصرية من أجل التوصل إلى تفاهمات بشأن فتح «ممر إنساني» لإدخال المساعدات الإغاثية إلى قطاع غزة، في وقت أفاد فيه شهود عيان بـ«وجود حالة استنفار في سيناء»، بينما يستمر وصول طائرات تحمل مواد إغاثية إلى مطار العريش الذي خصصته السلطات المصرية لتلقي مساهمات دول العالم لدعم سكان قطاع غزة.

واستقبل مطار العريش الدولي في شمال سيناء (الجمعة) طائرة شحن تركية تحمل مساعدات غذائية وطبية لقطاع غزة، وحملت الطائرة التركية 24 طناً من المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية واحتياجات المستشفيات بالقطاع الذي يواجه «حصاراً إسرائيلياً محكماً وقصفاً متواصلاً»، بينما ينتظر المطار وصول طائرتين تركيتين أخريين تحملان 60 طناً للطائرات الثلاث خلال الساعات المقبلة، وفق مصادر مطلعة.

وقال الدكتور خالد زايد، رئيس فرع «الهلال الأحمر» المصري بشمال سيناء، إن المساعدات التركية هي الشحنة الثانية التي تصل لمطار العريش لصالح أهالي غزة بعد أن وصلت (الخميس) أول شحنة مساعدات إنسانية دولية من الأردن لإرسالها للقطاع. وأضاف زايد، في بيان، أن مصر من أولى الدول التي أرسلت مساعدات إنسانية لأهالي غزة، إذ سبق في اليوم الثالث للعدوان على غزة، وقبل أن يتعطل السفر، إرسال طنين من المساعدات الإنسانية والطبية المصرية إلى «الهلال الأحمر» الفلسطيني، مشيراً إلى استمرار عمل متطوعين على مدار الساعة لنقل المساعدات الدولية بعد تسلمها.

وكانت وزارة الخارجية المصرية دعت، في بيان، جميع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية الراغبة في تقديم مساعدات إنسانية وإغاثية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، إلى إيصال تلك المساعدات إلى مطار العريش الدولي.

متطوعو «الهلال الأحمر» المصري خلال استقبال شحنة مواد إغاثية لسكان غزة بمطار العريش (الهلال الأحمر المصري)

وفي السياق ذاته، أفادت مصادر محلية وشهود عيان لـ«مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان» بـ«وصول تعزيزات عسكرية كبيرة لمنطقة رفح الحدودية ظهر الخميس»، وبثت المؤسسة عبر حسابها على موقع «إكس» (تويتر سابقاً) فيديو «أظهر جزءاً من تلك التعزيزات العسكرية أثناء مرورها بمدينة العريش وهي في طريقها إلى مدينة رفح الحدودية، المجاورة لقطاع غزة»، وفق المؤسسة.

ومن جانبه، أشار عضو مجلس الشيوخ المصري (الغرفة الثانية للبرلمان) عن محافظة شمال سيناء، فايز أبو حرب، إلى أن الأوضاع الصعبة التي يشهدها قطاع غزة «تلقي بظلالها على شمال سيناء، خصوصاً في المناطق القريبة من القطاع»، لافتاً إلى وجود حالة كبيرة من التعاطف الشعبي مع أهالي غزة في ظل المأساة الإنسانية التي يواجهونها.

وأضاف أبو حرب لـ«الشرق الأوسط» أن الدولة المصرية بكل مكوناتها «في حالة استنفار في سيناء لدعم ومساندة أهالي غزة»، مؤكداً أن المؤسسات الرسمية والأجهزة الطبية والإغاثية والأوساط الشعبية في أتم حالات الاستعداد لتقديم العون عند الاتفاق على فتح «ممر إنساني» لتقديم أوجه الإغاثة اللازمة، مشدداً في هذا الصدد على «الدعم الكامل من جانب قبائل وعائلات سيناء لمؤسسات الدولة المصرية في موقفها الداعم لأهالي غزة».

وبينما تواصل القاهرة اتصالاتها المكثفة مع القوى الإقليمية والدولية من أجل فتح «ممر إنساني» لإغاثة سكان غزة، وفق ما أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مساء (الخميس)، أعلنت الأمم المتحدة أن الجيش الإسرائيلي أبلغها بضرورة نقل سكان شمال قطاع غزة البالغ عددهم 1.1 مليون نسمة إلى جنوب القطاع (في اتجاه الحدود المصرية) في 24 ساعة، وأنها طالبت إسرائيل بإلغاء هذا الإخطار. وكثف الجيش الإسرائيلي توزيع منشورات باللغة العربية تدعو سكان القطاع إلى إخلاء منازلهم، وعدم العودة إليها إلا بعد إصداره إشعاراً آخر.

الخبير في الشؤون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سعيد عكاشة، أشار إلى أن الموقف المصري «حاسم بشأن رفض تهجير سكان غزة إلى سيناء»، إلا أنه أضاف أن الوضع على الأرض «قد يدفع بالسلطات المصرية إلى استقبال مجموعة من الحالات الإنسانية في إطار الدعم المصري الإغاثي لسكان القطاع».

وأضاف عكاشة لـ«الشرق الأوسط» أن استمرار الضغط الإسرائيلي على سكان غزة ودفعهم تحت وطأة تصاعد القصف إلى التوجه نحو الحدود المصرية «قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة تدفع السلطات المصرية إلى إعادة ترتيب الأمور، وفق ما تقتضيه تطورات الموقف على الأرض».

واستبعد الخبير في الشؤون الإسرائيلية أن تضحي تل أبيب بعلاقاتها مع مصر، مشيراً إلى أن «خلق حالة عداء مع مصر لن يكون في مصلحة إسرائيل»، والقرار المصري «قد يتدرج في تصاعده وفق تطورات الموقف ووفق التقديرات»، لافتاً إلى أن التحذيرات المصرية التي وصفها بـ«الواضحة» من تهجير الفلسطينيين في غزة إلى الأراضي المصرية «أدت إلى تراجع في التصريحات الإسرائيلية»، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى «استمرار الأصوات المتطرفة في إسرائيل الداعية للدفع بسكان غزة نحو الأراضي المصرية وتصفية القضية الفلسطينية، حيث من المتوقع أن يعقب تفريغ غزة من سكانها تفريغ مماثل في الضفة الغربية، وفق الكثير من التصورات والأفكار السياسية في إسرائيل».

وكان أحد متحدثي الجيش الإسرائيلي قد أشار حين سُئل عن مصير النازحين الفلسطينيين، إلى أن «بإمكانهم التوجه إلى مصر»، «ما تسبب في مضاعفة القلق المصري»، قبل أن يعدل المتحدث الإسرائيلي تصريحاته لاحقاً. ونقلت وسائل إعلام مصرية عن مصادر أمنية رفيعة المستوى، تحذيرها من محاولة دفع فلسطينيي غزة تجاه الحدود المصرية. وأكدت أن «السيادة المصرية ليست مستباحة»، وأن «سلطة الاحتلال مسؤولة عن إيجاد ممرات إنسانية لنجدة شعب غزة»، وليست مصر.


مقالات ذات صلة

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

المشرق العربي مبنى مدمّر نتيجة القصف الإسرائيلي في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

«القسام»: مقتل أسيرة في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة

أعلن المتحدث باسم «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» الفلسطينية، أبو عبيدة، اليوم (السبت)، مقتل أسيرة إسرائيلية في هجوم إسرائيلي على شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فتاة فلسطينية نازحة تأكل كسرة خبز في مخيم برفح جنوب قطاع غزة (د.ب.أ)

مقتل 3 فلسطينيات بسبب «ربطة خبز» في غزة

تقف يومياً ولساعات طوابير طويلة من الفلسطينيين أمام المخابز للحصول على «ربطة خبز» واحدة تتكون من نحو 22 رغيفاً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

لم يشهد سكان غزة، الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، مع إعلان مقتل 21 شخصاً على الأقل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال العملية البرية داخل قطاع غزة (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد جنوده في معارك بشمال غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، الخميس، مقتل أحد جنوده في معارك في شمال قطاع غزة. وأضاف أن الجندي القتيل يدعى رون إبشتاين (19 عاماً) وكان ينتمي إلى لواء غيفعاتي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
TT

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا، تخص الجزائر والمغرب و«بوليساريو»، والاحتلال الفرنسي لشمال أفريقيا خلال القرنين الـ19 والـ20.

وأكدت وكالة الأنباء الجزائرية، أمس، في مقال شديد اللهجة ضد صنصال وقطاع من الطيف الفرنسي متعاطف معه، أنه موقوف لدى مصالح الأمن، وذلك بعد أيام من اختفائه، حيث وصل من باريس في 16 من الشهر الجاري، وكان يفترض أن يتوجه من مطار العاصمة الجزائرية إلى بيته في بومرداس (50 كم شرقاً)، عندما تعرض للاعتقال.

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (متداولة)

وفيما لم تقدم الوكالة الرسمية أي تفاصيل عن مصير مؤلف رواية «قرية الألماني» الشهيرة (2008)، رجح محامون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، أن يتم عرضه على النيابة قبل نهاية الأسبوع الجاري (عمل القضاة يبدأ الأحد من كل أسبوع)، بناء على قرائن تضعه تحت طائلة قانون العقوبات.

وبحسب آراء متوافقة لمختصين في القانون، قد يتعرض صنصال (75 سنة) لتهم تشملها مادتان في قانون العقوبات: الأولى رقم «79» التي تقول إنه «يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات كل من ارتكب فعلاً من شأنه الإضرار بالمصلحة الوطنية، أو أمن الدولة، أو تهديد سيادتها». والمادة «87 مكرر»، التي تفيد بأنه «يعتبر عملاً إرهابياً أو تخريبياً كل فعل يستهدف أمن الدولة، والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي».

وإن كانت الوقائع التي يمكن أن تُبنى عليها هذه التهم غير معروفة لحد الساعة، فإن غالبية الصحافيين والمثقفين متأكدون أن تصريحات صنصال التي أطلقها في الإعلام الفرنسي، هي التي ستجره إلى المحاكم الجزائرية. ففي نظر بوعلام صنصال فقد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، مشيراً إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

وذهب صنصال إلى أبعد من ذلك، عندما قال إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». كما قال إن فرنسا «لم تمارس استعماراً استيطانياً في المغرب؛ لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، ويقصد بذلك ضمناً الجزائر، وهو موقف من شأنه إثارة سخط كبير على المستويين الشعبي والرسمي.

الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود (أ.ب)

وهاجمت وكالة الأنباء الجزائرية بشدة الكاتب، فيما بدا أنه رد فعل أعلى سلطات البلاد من القضية؛ إذ شددت على أن اليمين الفرنسي المتطرف «يقدّس صنصال»، وأن اعتقاله «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه المعادية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا، وجاك لانغ وزير الثقافة الاشتراكي سابقاً، وكزافييه دريانكور سفير فرنسا بالجزائر سابقاً الذي نشر كتاب «الجزائر اللغز» (2024)، والذي هاجم فيه السلطات الجزائرية. كما ذكرت الوكالة الكاتب الفرنسي - المغربي الطاهر بن جلون.

إيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» اليميني (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

كما تناول مقال الوكالة أيضاً الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود، المتابع قضائياً من طرف امرأة ذكرت أنه «سرق قصتها» في روايته «حور العين» التي نال بها قبل أيام جائزة «غونكور» الأدبية. وقالت الوكالة بشأن داود وصنصال: «لقد اختارت فرنسا في مجال النشر، بعناية، فرسانها الجزائريين في مجال السرقات الأدبية والانحرافات الفكرية».

يشار إلى أن الإعلام الفرنسي نقل عن الرئيس إيمانويل ماكرون «قلقه على مصير صنصال»، وأنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه. ورأى مراقبون في ذلك محاولة من باريس للضغط على الجزائر في سياق قطيعة تامة تمر بها العلاقات الثنائية، منذ أن سحبت الجزائر سفيرها من دولة الاستعمار السابق، في يوليو (تموز) الماضي، احتجاجاً على قرارها دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء. كما طالبت دار النشر الفرنسية «غاليمار» بـ«الإفراج» عن الكاتب الفرنسي - الجزائري صنصال بعد «اعتقاله» على يد «أجهزة الأمن الجزائرية»، غداة إبداء الرئاسة الفرنسية قلقها إزاء «اختفائه». وكتبت دار النشر في بيان: «تُعرب دار غاليمار (...) عن قلقها العميق بعد اعتقال أجهزة الأمن الجزائرية الكاتب، وتدعو إلى الإفراج عنه فوراً».

الرئيس إيمانويل ماكرون أبدى «قلقه على مصير صنصال» وأكد أنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه (الرئاسة الجزائرية)

ويعاب على صنصال الذي كان مسؤولاً بوزارة الصناعة الجزائرية لمدة طويلة، «إدراج الجزائر شعباً وتاريخاً، في أعماله الأدبية، كمادة ضمن سردية ترضي فرنسا الاستعمارية». ومن هذه الأعمال «قرية الألماني» (2008) التي يربط فيها ثورة الجزائر بالنازية، و«قسم البرابرة» (1999) التي تستحضر الإرهاب والتوترات الاجتماعية في الجزائر. و«2084: نهاية العالم» (2015) التي تتناول تقاطع الأنظمة المستبدة مع الدين والسياسة.