«منتدى أصيلة» المغربي: دعوات لأسس جديدة للشراكة بين أفريقيا والغرب

تأكيد على الحجم الديمغرافي للقارة السمراء... واستحضار تاريخها المثقل بالتهميش

جانب من نقاشات ندوة منتدى أصيلة الثانية (رضا التدلاوي)
جانب من نقاشات ندوة منتدى أصيلة الثانية (رضا التدلاوي)
TT

«منتدى أصيلة» المغربي: دعوات لأسس جديدة للشراكة بين أفريقيا والغرب

جانب من نقاشات ندوة منتدى أصيلة الثانية (رضا التدلاوي)
جانب من نقاشات ندوة منتدى أصيلة الثانية (رضا التدلاوي)

أكد مشاركون في الجلسة الثانية والختامية لندوة «منتدى أصيلة» الـ44 حول «أفريقيا والغرب: الموروث والمأمول»، أمس (الثلاثاء)، أن الشراكة الاقتصادية والتجارية بين الجانبين لا بد أن تراعي سريان اتفاقية السوق الأفريقية المشتركة، وتنامي حركة الاندماج الإقليمي في أفريقيا، ودخول شركاء دوليين جدد في الساحة، مع تركز الاهتمام الاقتصادي فيها على الثروات النفطية والمعدنية ومسالك التجارة الجديدة، من موانئ وطرق وبنى تحتية؛ بينما يتعين على شراكتهما الأمنية في مواجهة الخطر الثلاثي، الذي تمثله حركية الإرهاب والتطرف، وتنامي الجماعات الانفصالية، وازدياد الهجرة غير الشرعية، أن تراعي حاجيات ومتطلبات التنمية في أفريقيا.

بعض المشاركين في نقاشات ندوة منتدى أصيلة الثانية (رضا التدلاوي)

وكان المحور الأول من جلسة اليوم الأول، الذي تناول موضوع «أفريقيا والغرب واتجاهات النظام الدولي الجديد: آفاق ومطامح الشراكة الاستراتيجية»، قد انتهى إلى أن الشراكة بين الجانبين لا يمكن أن تقوم إلا على التكافؤ والندية والاحترام المتبادل والواقعية المرنة من منظور الحقائق والمعطيات الموضوعية والمصالح المتبادلة، بينما ركزت مداخلات المشاركين في جلستي اليوم الثاني على الآفاق الاقتصادية والتجارية المستقبلية للشراكة بين أفريقيا والغرب، والشراكة الأمنية بين الجانبين.

وسعت الندوة، على مدى جلساتها الثلاث، إلى دراسة طبيعة وآفاق الشراكة المستقبلية بين أفريقيا والغرب، بتقويم الموروث واستشراف المأمول، من خلال 3 معطيات أساسية، تهم التنسيق السياسي والاستراتيجي إزاء الملفات الدولية الكبرى، مع اعتبار واقع الصراع الدولي الجديد، ومحددات المصالح الإقليمية الأفريقية، التي أصبحت هي المعايير الضابطة لمواقف وسياسات بلدان القارة؛ والشراكة الاقتصادية والتجارية، وهي اهتمامات ذات أولوية بالنسبة للأطراف الأوروبية.

وفي معرض مداخلته، خلال أشغال جلسة الآفاق الاقتصادية والتجارية للشراكة في المستقبل، تحدث أبو بكر عيسى عبد الرحمن، المستشار ومدير «نيجر داتا لاب» بالنيجر، عن العلاقات التجارية والاقتصادية بين أفريقيا والغرب، بالتركيز على نقطتين، مشدداً في الأولى على أن أفريقيا والغرب مدعوان للتعاون كما كانت عليه الحال في السابق، وهو تعاون كان ضمن شروط ثقافية معروفة.

وذكّر أبو بكر عيسى بأن هذا التعاون استند إلى معطى مركزية الدولة، ما دام أن كل شيء كان ينطلق منها ويعود إليها. أما فيما يخص النقطة الثانية، فقد تحدث عن معطى أننا نوجد في فترة تحول على مستوى الإنتاجية ووسائل الإنتاج، ضمن صيرورة تتميز بعامل إنتاج جديد، يتمثل في المعلوميات المرتبطة بالاقتصاد الرقمي، الشيء الذي غيّر بشكل جذري من وضعية الاقتصاد والتجارة، مشيراً إلى أن المنافسة التي صارت تبرز أكثر تتعلق بالتحكم في المعلومة.

وذهب عيسى إلى أن القيم المجتمعية تبقى مهمة من وجهة نظر سياسية، مع تشديده على أن الوضع الجديد لا بد أن يؤثر على طريقة التدبير السياسي للمجتمعات، مع دعوته إلى التفكير في الكيفية، التي يمكن الدول والمؤسسات في أفريقيا من الموقع ضمن هذا الواقع الجديد.

من جهته، تطرق أليون بدرة ديوب، أستاذ العلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والسياسية بجامعة الشيخ أنتا ديوب في السنغال، إلى وزن أفريقيا في المعاملات التجارية الدولية، منتقداً الطريقة السلبية، التي كان عدد من قادة الدول المتقدمة، كالولايات المتحدة وفرنسا، يتحدثون بها عن الإسهامات التجارية والاقتصادية في التجارة والاقتصاد العالميين.

وبسط ديوب 3 عناصر للشراكة المستقبلية بين أفريقيا والغرب، تشمل التعاون المتنوع، والتأكيد على أهمية العلاقات الاقتصادية والتجارية، التي يتعين معها الحديث عن مسؤولية الأفارقة، بدل تركيز النقاش فقط على المسؤولية التاريخية للغرب فيما حدث ويحدث، وإبراز تأثير التحولات الجارية على طبيعة العلاقة بين الجانبين.

من جانبه، تطرّق الحاجي غوركي واد ندوي، الصحافي السنغالي، والمراسل في الأمم المتحدة، في الجلسة الثالثة والأخيرة، التي تناولت الشراكة الأمنية بين أفريقيا والغرب، إلى أهمية العمل الصحافي، منطلقاً من جملة «المعلومة سلاح».

واستحضر ندوي تاريخ علاقة الغرب بأفريقيا؛ خصوصاً أوروبا، بحديثه عن خطاب يعكسه المتخيل الأوروبي، يرى أن أفريقيا هي «أرض الذهب» التي يتعين غزوها للهيمنة عليها. ورأى أن أهداف الهيمنة على الآخر دفعت أوروبا إلى تبرير ما اقترفته.

كما شدد ندوي على دور وسائل الإعلام في محاربة الأحكام المسبقة، ومحو الصورة السلبية التي يقدمها الإعلام الغربي حول أفريقيا والأفارقة، قبل أن يخلص إلى أن دور الإعلام مؤثر بخصوص نظرتنا ورؤيتنا للقارة الأفريقية؛ خصوصاً في ظل التحولات الجارية على مستوى وسائل التواصل الجديدة، وما تقترحه من مستجدات تقنية وتواصلية.

في سياق ذلك، تناولت نياغالي باكايوكو، الباحثة المالية في العلوم السياسية، موضوع الشراكة الأمنية بين الغرب وأفريقيا، انطلاقاً من 6 توجهات؛ أولها الأولويات الاستراتيجية على مستوى حل الأزمات، وثانيها التحديات التي تواجه أشكال التدخل العملياتي والوسائل الموظفة على الأرض، وثالثها نماذج التدخلات الغربية أو متعددة الأطراف، ورابعها الانتقادات ذات الطبيعة الأخلاقية التي ترافق محاولات تنزيل النظم الديمقراطية والليبرالية، وخامسها عدم الأخذ بعين الاعتبار تعقيدات السياق المحلي، أما العنصر السادس فهو العناصر المقاومة للنظام العالمي.

إيريك بلانشوت مدير عام منظمة بروميدياسيون من فرنسا (رضا التدلاوي)

أما إيريك بلانشوت، مدير عام منظمة «بروميدياسيون» من فرنسا، فتساءل عن أسباب فشل مقاربات التعاون والشراكة بين الغرب وأفريقيا، قبل أن يتحدث عن غياب التخطيط بالنسبة لهذه الشراكة، داعياً إلى العمل مع الفاعلين المحليين على مستوى الاستفادة من التجارب والتعلم منها؛ مع إطلاق مختبرات بحث، قال إنها تتطلب موارد بقدر حاجتها إلى سنوات من الجهد العلمي.

بدوره، تناول الموريتاني محمدو لمرابط أجيد، رئيس جامعة العلوم الإسلامية، علاقة أفريقيا والغرب، انطلاقاً من مدخلين أساسيين؛ مدخل مفاهيمي يستكنه مفهوم النظام الدولي ومكوناته، وآخر افتراضي يستعرض الشراكة الأفريقية وأسسها.

وقال أجيد، بخصوص المدخل الأول، إنه من المهم التنبه إلى أن تطور مصطلح النظام الدولي تنقل في سيرورته من تعدد الأقطاب بعد الحرب العالمية إلى القطبية الأحادية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. ورأى أن هذا النظام أصبح محكوماً بـ4 سمات أساسية، تتمثل في «القطبية الأحادية»، و«حتمية التعدد»، و«القيم السائلة» و«تعدد مداخل ووسائل النفوذ».

وعن المدخل الثاني، قال أجيد إن النظام العالمي الجديد صيغ وفق رؤية تجعل من أفريقيا ساحة للصراع والنفوذ. ولاحظ أن الأمر يستلزم وضع شراكة على أسس جديدة، وهو ما يضع على عاتق أفريقيا رهانات كثيرة، حتى تتبوأ المكانة التي تستحقها، وذلك أخذاً بعين الاعتبار حجمها الديمغرافي وتاريخها المثقل بالتهميش.


مقالات ذات صلة

سبعة قتلى بانفجار في مسجد شمال شرقي نيجيريا

أفريقيا انفجار يهز مسجداً أثناء صلاة في مايدوجوري (إ.ب.أ)

سبعة قتلى بانفجار في مسجد شمال شرقي نيجيريا

قُتل 7 مصلّين، الأربعاء، بانفجار داخل مسجد في مدينة مايدوغوري، شمال شرقي نيجيريا، حسب ما أفاد قائد في ميليشيا محلية مناهضة للجهاديين لوكالة الصحافة الفرنسية.

«الشرق الأوسط» (مايدوجوري (نيجيريا))
أفريقيا مجلس الأمن (أ.ف.ب)

مجلس الأمن يمدد تفويض بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال حتى 2026

اعتمد مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء، قراراً يمدد تفويض القوة التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال حتى عام 2026.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أفريقيا وزير الإعلام النيجيري محمد إدريس (رويترز)

نيجيريا تعلن حل الخلاف الدبلوماسي مع واشنطن

أعلنت الحكومة النيجيرية أن الخلاف الدبلوماسي مع الولايات المتحدة الذي هدد فيه دونالد ترمب بالتدخل العسكري قد تم حلّه إلى حد كبير.

«الشرق الأوسط» (أبوجا)
شمال افريقيا جندي من «بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية» يصطحب امرأة كونغولية نازحة داخلياً (رويترز)

تجديد ولاية بعثة «مونوسكو» دفعة لجهود السلام في شرق الكونغو

جدد مجلس الأمن الدولي ولاية «بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)» حتى 20 ديسمبر (كانون الأول) 2026.

محمد محمود (القاهرة)
أفريقيا الرئيس الانتقالي في غينيا بيساو الجنرال هورتا نتام خلال مؤتمر صحافي في بيساو (رويترز) play-circle

الرئيس الانتقالي لغينيا بيساو: نفذنا انقلاباً «لتفادي إراقة الدماء»

قال العسكريون الذين استولوا على الحكم قبل شهر في غينيا بيساو إنهم نفذوا انقلابهم «لتفادي إراقة الدماء»، فيما كانت البلاد تنتظر نتائج الانتخابات.

«الشرق الأوسط» (بيساو)

«الدعم السريع» تتقدم غرباً وحاكم إقليم دارفور يتوعد

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)
TT

«الدعم السريع» تتقدم غرباً وحاكم إقليم دارفور يتوعد

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)

في الوقت الذي تتقدم فيه «قوات الدعم السريع» حثيثاً تجاه بلدة «الطينة»، عند الحدود التشادية - السودانية، بعد أن أعلنت إكمال سيطرتها على بلدة «كرنوي» صباح الخميس، وانسحاب «القوة المشتركة» التابعة للجيش، تعهد رئيس «حركة تحرير السودان»، (حاكم إقليم دارفور)، مني أركو مناوي، بعدم الاستسلام، ومحاربة ما أسماه «الفوضى والبربرية».

وقال مناوي، الذي يشغل أيضاً منصب حاكم إقليم دارفور، في تغريدة على حسابه بمنصة «إكس»، مساء الأربعاء: «لن نسلّم أرواحنا ولا تاريخنا ولا هويتنا للفوضى والبربرية.. الليلة سمر، وغداً أمر»، بعد أن كان قد ذكر في وقت سابق أن قواته «انسحبت».

حاكم إقليم دارفور وقائد «حركة جيش تحرير السودان»، مني أركو مناوي، يزور مخيم نازحين بشمال السودان يوم 26 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

وتعد بلدة «الطينة» آخر جيوب القوات الموالية للجيش المعروفة بـ«القوة المشتركة»، وتقع على الحدود السودانية التشادية مباشرة، وتنقسم إلى بلدتين باسم «الطينة السودانية، الطينة التشادية»، وتعرف بأنها عاصمة دار قبيلة «زغاوة» المشتركة بين البلدين.

وبثت منصات موالية لـ«قوات الدعم السريع»، مقاطع فيديو ذكرت فيها أنها حققت انتصاراً كاسحاً في بلدة «كرنوي»، فيما ذكرت صحيفة «دارفور 24» أن «قوات الدعم السريع» دخلت منطقة كرنوي الواقعة في الشمال الغربي لولاية شمال دارفور، وأن القوة المشتركة انسحبت نحو بلدة «الطينة» على الحدود مع دولة تشاد.

وقال شاهد لـ«الشرق الأوسط»، إن «قوات الدعم السريع» المدعومة بقوات «تحالف السودان التأسيسي»، (تأسيس)، اقتربت من بلدة الطينة، التي انسحبت إليها «القوة المشتركة» الحليفة للجيش، وينتظر أن تشهد معاركاً طاحنة بين القوتين.

قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو يلقي كلمة أمام قواته (أرشيفية - قناته على «تلغرام»)

وحضّ مناوي في حسابه على «فيس بوك»، مواطني المنطقة ومن أسماهم بـ«أهلي» للدفاع عن «أنفسهم»، بقوله: «نرفض الذل، والدفاع عن الوطن ليس خياراً، بل واجباً، ولا نبحث عن الدم، لكننا نحمي الأرض والعرض والتاريخ»، وتابع: «حين يستباح الوطن، يصبح الصمت خيانة».

لكن دعوات مناوي للمواطنين لم تلقَ استجابة، بل ردت عليه مجموعة من سكان المنطقة ببيان حمل توقيع «أبناء قبيلة الزغاوة» التي يتحدر منها، دعته إلى «عدم الزج باسم القبيلة في الحرب»، وإبعادها عن «الاستقطابات السياسية والعسكرية المتواصلة».

وقالت في البيان إن القبيلة «ليست كياناً سياسياً أو عسكرياً، أو أداة في الصراع على السلطة»، وتابع: «نرفض رفضاً قاطعاً التحدث باسم القبيلة أو توظيفها كتلة سياسية موحدة، أو الادعاء بتمثيلها في أي صراع سياسي أو عسكري».

ويأتي هذا التطور العسكري بعد استيلاء «قوات الدعم»، الأربعاء، على بلدات «أبو قمرة، أم برو، بير سبيل»، وسيطرتها الخميس على «كرنوي»، ولم يتبقَ على الحدود المشتركة بين تشاد والسودان سوى بلدة «الطينة».

وتعد «الطينة» أحد أهم النقاط التجارية والأمنية في شمال دارفور. وتقع إلى الشرق منها، بلدة «كرنوي» المركز الإداري يربط المناطق الحدودية بالداخل، بينما تقع بلدة «أم برو» إلى الشرق من «الطينة» وكرنوي، وتتميز بطبيعة جبلية تجعل منها منطقة استراتيجية عسكرياً.

آلاف اللاجئين من دارفور يعيشون حالياً بمخيم أدري الحدودي في تشاد هرباً من الحرب (رويترز)

وتكون هذه البلدات مثلثاً حدودياً يربط السودان بدولة تشاد، وتسعى الأطراف المتصارعة للسيطرة عليه لتأمين خطوط الإمداد أو إغلاقها بوجه الخصم.

وتعرف المنطقة التي تدور فيها المعارك إدارياً بـ«دار زغاوة»، وهم المجموعة الإثنية التي تنتشر على طرفي الحدود بين الدولتين، وينحدر منها معظم قوات حاكم دارفور، مني أركو مناوي، ووزير المالية، جبريل إبراهيم، اللذين يديران الحرب هناك من بورتسودان.

وبسيطرة «قوات الدعم السريع» على بلدة «الطينة»، تكون قد سيطرت على كامل إقليم دارفور، وعلى الحدود المشتركة مع دولة تشاد، باستثناء جيب صغير عند سفوح «جبل مرة» بوسط دارفور، تسيطر عليه قوات «حركة تحرير السودان»، بقيادة عبد الواحد محمد النور، الذي اختار الحياد في الصراع لكن ومواقفه أقرب لـ«قوات الدعم السريع».

وبإكمال عملية «الطينة»، لن يكون هناك خيار أمام القوة المشتركة الموالية للجيش الموجودة هناك، سوى «الانسحاب» لداخل دولة تشاد.


السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
TT

السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)

مع مرور عام على تولي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقاليد السلطة، تتآكل الآمال العريضة باختراق أميركي في الملف الليبي المعقّد، إذ اتسم نهج إدارته بـ«الحذر، والانتقائية»، مع إعادة تموضع محدودة، دون استراتيجية شاملة لمعالجة الانقسام الليبي.

وينظر مراقبون إلى أداء إدارة ترمب في الملف الليبي خلال العام الماضي على أنه انتهج مقاربة تقوم على «تسويات على نار هادئة»، تعتمد تفاهمات سياسية وعسكرية محدودة، و«مصافحات شكلية»، تزامناً مع تصاعد أولوية «الصفقات الاقتصادية»، ولا سيما في قطاع النفط.

في المقابل غابت المقاربة المتكاملة التي تمزج الدبلوماسية بالأمن، وبناء المؤسسات، فاعتمدت واشنطن أدوات سياسية واقتصادية مرنة، وزادت من الحضور الدبلوماسي، مع التركيز على اتصالات مباشرة عبر مسعد بولس مستشار ترمب، وصهره المخوّل بملف الشؤون الأفريقية.

الدبيبة مع قائد قوات «أفريكوم» في لقاء بطرابلس (حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة)

مؤشرات تعيين بولس

في مطلع ولاية إدارة ترمب، أثار تكليف بولس بمتابعة الملف الليبي آمالاً باختراق محتمل، باعتباره مؤشراً على اقتراب ليبيا من دائرة اهتمامه، غير أن حالة من الحذر ظلت قائمة، وهو ما أكدت عليه تطورات العام لاحقاً.

ويعتبر هاني شنيب، رئيس المجلس الوطني للعلاقات الأميركية-الليبية، أن «تعيين بولس شكّل مؤشراً مبكراً على محدودية الزخم الأميركي تجاه هذا الملف»، لافتاً إلى أن «مقاربة واشنطن لقضايا شمال وجنوب الصحراء ما زالت تتعامل معها بوصفها ملفات شديدة التعقيد، لكنها ليست في صدارة الأولويات».

ومع ذلك، أولى مراقبون اهتماماً بزيارة بولس إلى طرابلس وبنغازي، ولقاءاته مع قادة عسكريين في شرق ليبيا، وغربها، في يوليو (تموز) 2025، حين ناقش معهم «دعم الشراكة الأميركية–الليبية، والتعاون الاقتصادي، خصوصاً في قطاع الطاقة، وتعزيز توحيد المؤسسات الليبية، والمصالحة الوطنية».

ما ذهب إليه شنيب أكد عليه العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي، بن فيشمان، وعزا ذلك جزئياً –في حديثه لـ«الشرق الأوسط»– إلى «انشغال مستشار ترمب على نحو أكبر بملفات أخرى، مثل الحرب الأهلية في السودان».

ويلحظ شنيب أن تركيز الإدارة انصب أيضاً على الأزمة الأوكرانية، ما جعل السياسة الأميركية في ليبيا «تنضج على نار هادئة» بانتظار إنجاز ملفات أكثر أولوية من وجهة نظر واشنطن.

جانب من جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول الأزمة السياسية في ليبيا (المجلس)

برغماتية على نار هادئة

وفق هذا التقدير، تعاملت الإدارة الأميركية مع الأفرقاء الليبيين شرقاً وغرباً ببرغماتية، وعلى «نار هادئة» وفق متابعين من دون انحياز معلن، مع تركيز واضح على «إدارة التوازن» بين القوى القائمة، أكثر من السعي إلى إحداث تغيير جذري في بنية السلطة.

كان المثال العملي على هذه المقاربة هو رعاية بولس للقاء مستشار رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة لشؤون الأمن القومي إبراهيم الدبيبة، ونائب قائد «الجيش الوطني» صدام حفتر، في روما، في سبتمبر (أيلول) 2025، إذ اقتصر على رعاية «مصافحات»، ومناقشة ملفات أمنية، وسياسية، وعسكرية، وطاقية، بما في ذلك مساعي تشكيل حكومة موحدة، من دون ترجمة ذلك إلى مسار سياسي فعّال.

وبحسب فيشمان، فإن «نهج ترمب في صنع السلام يقوم على المصافحة أكثر من الجوهر»، وهو –من وجهة نظره– «نمط يتكرر في أكثر من ساحة دولية، ويتوقع أن يستمر في ليبيا».

هذا «النهج البرغماتي» الأميركي، ومن منظور الباحثة الفرنسية فيرجيني كولومبييه لـ«الشرق الأوسط»: «يدفع الصراع من دون حسم، ويعزز النفوذ داخل الكتلتين المتنافستين شرقاً وغرباً، بما يفاقم توترات التحالفات المحلية، خصوصاً غرب ليبيا»، فعادة أن «أي تسوية مستدامة تتطلب مقاربة شاملة، وضمانات موثوقة، لا صفقات ضيقة بين الزعماء».

وامتدت التحركات الأميركية الحذرة إلى الملف العسكري في ليبيا، حيث تتنازع السلطة حكومتان: إحداهما في الغرب برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والأخرى تسيطر على الشرق والجنوب بقيادة أسامة حماد، وبدعم من «الجيش الوطني» تحت قيادة المشير خليفة حفتر.

وشملت الجهود الأميركية تعزيز التنسيق الأمني عبر زيارات «أفريكوم» بقيادة داغفين أندرسون ونائبه جون برينان، ودعم مساعي توحيد المؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى التحضير لمناورة مشتركة في سرت.

ويشير بن فيشمان إلى أن «زيارات قادة (أفريكوم) هي امتداد لجهود إدارة بايدن السابقة»، مضيفاً أن «استضافة ليبيا تمريناً أمنياً إقليمياً برعاية أميركية في سرت تعزز هذا المسار العسكري»، لكنه قال: «جوهرياً، لا توجد فوائد سياسية كبيرة من جمع الفصيلين العسكريين معاً».

اجتماع «لجنة المتابعة الدولية» بشأن ليبيا المنبثقة عن مسار برلين في طرابلس (البعثة الأممية في ليبيا)

البعد الاقتصادي

اقتصادياً، بدّلت «النار الهادئة» مسارها لا شدتها، إذ برز اهتمام أكبر بقطاع الطاقة، وشجّعت إدارة ترمب عودة الشركات الأميركية إلى السوق الليبية عبر مذكرات تفاهم، واتفاقيات لتطوير الحقول، وزيادة الإنتاج، وسط تحذيرات خبراء من هشاشة هذا المسار في ظل الانقسام المالي، وغياب إطار قانوني موحد.

تشير كلوديا غازيني، كبيرة المحللين في مجموعة «الأزمات الدولية»، لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إدارة ترمب زادت انخراطها في ليبيا عبر وساطة مالية، واقتصادية، خاصة في ملفي الميزانية، والنفط، ما يعزز بقاء القوى الحاكمة شرقاً وغرباً. بالمقابل، تحذر كولومبييه من أن الانخراط الانتقائي المبني على مصالح تجارية «لن يحقق استقراراً دائماً، أو سلاماً مستداماً».

أما دبلوماسياً، فتجلّت سياسة «النار الهادئة» بوضوح مع استمرار الغموض في الموقف الأميركي، إذ اكتفت واشنطن بالقائم بالأعمال جيريمي برنت، من دون تعيين سفير جديد، مكرّسة إخفاق الإدارة السابقة في تثبيت جينيفير جافيتو، بما يعكس إدارة حذرة تُبقي الحضور قائماً من دون رفع مستوى الانخراط الرسمي.

النفوذ الروسي

دولياً، حضرت السياسة نفسها في تعاطي واشنطن مع النفوذ الروسي المتزايد في ليبيا، والذي تطور من وجود عناصر شركة «فاغنر» إلى «فيلق أفريقيا»، والحضور بشكل دائم في قواعد عسكرية ليبية.

وفي هذا السياق، فضّل البيت الأبيض –وفق مراقبين– انتهاج «سياسة احتواء ناعم» لحليف موسكو، خليفة حفتر، عبر تعزيز التعاون العسكري، وزيارات القادة الأميركيين إلى بنغازي، وسرت، بحسب رؤية الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيمينوف.

وسط هذه المسارات الأميركية، تتنامى تساؤلات الليبيين حول أهداف تحركات إدارة ترمب، بين دعم الانتخابات، أو الاكتفاء بصفقات مؤقتة. وينقل الباحث السياسي محمد محفوظ مخاوف من أن «تجاهل أميركا للمسار الانتخابي قد يطيل الأزمة»، مكرراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» التحذير من «تكلفة باهظة لصفقات أمنية واقتصادية سابقة على حياة الليبيين».


«الدعم السريع» تسيطر على مناطق حدودية مع تشاد

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
TT

«الدعم السريع» تسيطر على مناطق حدودية مع تشاد

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)

أعلنت «قوات الدعم السريع» إكمال سيطرتها على مناطق حدودية مع تشاد، بينها أم قمرة وأم برو، ونشرت مقاطع مصورة تُظهر انتشار قواتها هناك، في وقت لم يصدر فيه تعليق رسمي من الجيش السوداني.

وقالت «الدعم السريع» إن العملية هدفت إلى إنهاء وجود ما وصفتها بالجيوب المسلحة، ووقف أعمال انتقام وفوضى تتهم الجيش السوداني و«القوة المشتركة» المتحالفة معه بتنفيذها ضد قيادات الإدارة الأهلية ومدنيين. وأكدت نشر قوات لتأمين المدنيين والطرقات والمرافق العامة في تلك المناطق لإعادة الاستقرار.

وفي تطور آخر، تأكد مقتل قائد «الفرقة 22 مشاة» التابعة للجيش السوداني في مدينة بابنوسة، اللواء معاوية حمد عبد الله، خلال هجوم شنته «الدعم السريع» على المدينة مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي. ورغم عدم صدور بيان من الجيش بشأن مقتل قائده، أفاد موقع رسمي تابع لحكومة الولاية الشمالية بأن حاكمها العسكري، عبد الرحمن إبراهيم، قدّم واجب العزاء في الفقيد بمنطقة أنقري التابعة لمحلية البرقيق.