أعلنت حركات مسلحة وكيانات جهوية انضمامها إلى أحد طرفي النزاع في السودان، وهي خطوة فاجأت البعض، الذين عدّوا أن معارضة هذه الحركات والكيانات للنظام السابق طوال عقود، كانت لمصالح ذاتية وليس من أجل تحقيق السلام أو الاستقرار في المناطق التي كانت تحارب باسمها.
فقد استنفر الجيش مجموعات من المدنيين للقتال إلى جانيه، قال عنهم «الدعم السريع»: إنهم «مخدوعون ومؤيدون للنظام السابق بقيادة الرئيس عمر البشير والإسلاميين الموالين له».
ووفقاً لمراقبين، فإن إعلان تلك الجماعات المسلحة انضمامها إلى أحد طرفي القتال، سيؤدي إلى إطالة أمد الحرب وتمددها في مناطق جديدة، وفقاً للجهة التي أتوا منها؛ إذ لم تعد الحرب بين الجيش و«الدعم السريع» وحسب؛ لأن الجيش يرى أنها حرب وطنية يجب أن يقاتل فيها الجميع إلى جانبه، ومثله يقول «الدعم السريع» إنها «حرب ضد النظام السابق وفلوله»، لاستعادة الانتقال المدني الديموقراطي.
ودفع تطاول الحرب وتمددها جغرافياً وارتفاع أعداد ضحاياها من المدنيين، منظمات حقوقية ودولية إلى التنبيه لخطورة استمرار الحرب، وحذّروا من تحولها حرباً أهلية شاملة، قد تؤثر على الإقليم بأكمله ولا تقتصر على السودان وحده.
تركيبة قبلية هشة
وقال الخبير العسكري صلاح عبد الله لـ«الشرق الأوسط»: إن تركيبة المجتمع السوداني القبلية الهشة، باختلاف تقاليدها وثقافاتها ولهجاتها، تجعل التحكم في المجتمعات المحلية من نصيب الإدارات الأهلية والقبلية. وتابع: «إذا اتسعت دائرة الحرب أكثر، سيتحول كل زعيم قبيلة رئيساً لدولة مصغرة، وستكون لكل قبيلة مليشيات خاصة تدافع عنها؛ نظراً لغياب وعدم قدرة قوات الحكومة على حماية المواطن».
ويحذر كثيرون من شرور الحرب الأهلية، ويقولون إنها إذا اندلعت لا يمكن السيطرة عليها أو التنبؤ بعدد ضحايا، وقد تتحول حرباً عرقية شبيهة بما حدث في رواندا، وقد تؤدي إلى تقسيم البلاد إلى كانتونات قبلية.
والحركات المسلحة والكيانات المجتمعية والأهلية التي أعلنت الانضمام لأحد طرفي القتال، هي في الأصل إما حركات منقسمة عن حركات مسلحة، أو أنشئت حديثاً بدعم وتشجيع من أحد طرفي القتال، وجاء أوان توظيفها في الحرب التي وصفوها بـ«العبثية».
ويرى مراقبون أن إعلان «حركة تمازج»، وهي حركة موقّعة على اتفاق سلام السودان في جوبا، وحركة «درع السودان» في البطانة، تأييدها قوات «الدعم السريع» بعدما كانت موالية للجيش، يؤكد أنها أصبحت باروداً احتياطياً للقتال من شأنه أن يطيل أمد الحرب ويسهم في ارتفاع أعداد الضحايا والخسائر المادية والعينية.
ويؤكد كثير من المحليين أن مشاركة هذه الجماعات المسلحة في الحرب، وانتقالها إلى تأييد طرف فيها، يدعم المطالب التي نادت بها ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، بإنهاء ظاهرة تعدد الجيوش، بوصفه هدفاً وطنياً عاجلاً، وبناء جيش وطني حديث يلبي مطلب الدفاع عن السيادة والدستور ودعم الانتقال الديموقراطي المدني.
حركات في الحياد
من جهتها، فإن حركات موقّعة على اتفاق سلام السودان في جوبا في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، اختارت الحياد عند اندلاع الحرب، وهي «حركة تحرير السودان» بقيادة حاكم إقليم دارفور الحالي، مني أركو مناوي، و«حركة العدل والمساواة» السودانية بقيادة وزير المالية الحالي، جبريل إبراهيم، وعدد آخر من الحركات.
ولم يعجب قرار الحياد الذي اتخذته هذه الحركات ودعوتها لوقف الحرب، مؤيدي الحرب وأنصار نظام الرئيس السابق عمر البشير، الذين اتهموها بـ«إمساك العصا من المنتصف»، بينما عدّه آخرون إيجابياً؛ لأن الحرب هي أسوأ خيار يمكن أن يختاره أشخاص تهمهم البلاد ومستقبلها، وقالوا: إن الحروب لم تحقق أي فائدة للسودان، لكنها ألحقت به ضرراً بائناً وأحدثت فيه جرحاً غائراً تمثل بانفصال جنوب السودان وتكوين دولته المستقلة. ويقول هؤلاء: إن التزام الحياد يساعد في احتواء الحرب وفرص إيقافها.
من الجهة الأخرى، أعلنت حركة مسلحة موقّعة على اتفاقية السلام، وهي «حركة تحرير السودان» بقيادة مصطفي تمبور، انضمامها إلى الجيش. وقال رئيسها مصطفى تمبور لـ«الشرق الأوسط» أمس (الثلاثاء): إن الحرب ضد «الدعم السريع» تتطلب موقفاً واضحاً وليس موقفاً محايداً من الجرائم التي ارتكبتها قوات «الدعم السريع» ضد المدنيين. وأضاف: «لذلك؛ أعلنت منذ بداية الحرب القتال وقوفنا بجانب الجيش»، وتابع: «كل المؤشرات الآن تدلل على انتصار كاسح للقوات المسلحة السودانية».
واتهم تمبور قوات «الدعم السريع» بأنها غدرت بالجيش لحظة اندلاع القتال في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، ووصفها بأنها «مليشيات تمتلك ترسانة عسكرية كبيرة جداً، وموارد مالية تفوق موارد الدولة، وتربطها علاقات وامتدادات خارجية، وجهات ممولة». واستطرد قائلاً: «لكن كل هذه الامتيازات لن تجعلها قادرة على الصمود أمام جيشنا الوطني، وقد تم تفكيكها وتحويلها عصابات نهب مسلح في أقل من أربعة أشهر». وتابع: «المعركة الأساسية انتهت، وتبقت فقط جيوب يجري تنظيفها».
فلول النظام السابق من أشعل الحرب
ومثلما اختارت حركات مسلحة القتال إلى جانب أحد الطرفين، فإن «لجان المقاومة»، وهي التنظيمات الشبابية التي قادت المقاومة ضد نظام البشير وانقلاب أكتوبر 2021، اختار بعضها الوقوف مع الجيش، بينما اختار بعضها الآخر الوقوف على الحياد. وقال بعض رموز هذه اللجان الذين شاركوا في القتال إلى جانب الجيش، إنهم رغم اختلافهم مع قيادة القوات المسلحة، لن يتوقفوا عن مناصرة الجيش، وهو الموقف ذاته الذي يقفه أنصار النظام السابق من الإسلاميين والإخوان المتهمين بإشعال فتيل الحرب.
من جهته، أعلن الناطق باسم «حزب البعث العربي الاشتراكي»، عادل خلف الله، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: إن عناصر نظام الرئيس السابق عمر البشير هم الذين أوقدوا الحرب، وإن هناك أدلة ملموسة تؤكد هذا الزعم، وتتمثل في الخطاب التعبوي الذي وجهوه خلال شهر رمضان. وأضاف: «كانت هناك جهود كبيرة لمنع الصِدام بين الجيش و(الدعم السريع)، لكن تدخل الإسلاميين أشعل شرارة الحرب».
لكن خلف الله قلل من أهمية انضمام الحركات إلى أحد طرفي القتال، وقال: «انضمامها لم يحدِث أثراً ملموساً على ميزان القوى بين الطرفين، وهذا يعكس حجمها الطبيعي».