كيف يُسهم القمح الهندي في توفير الاحتياجات المصرية؟

وسط تأكيدات رسمية عن اتفاق مرتقب بين القاهرة ونيودلهي

محصول القمح يحظى بأولوية لدى الحكومة المصرية لرفع نسبة الاكتفاء الذاتي منه (صفحة وزارة التموين المصرية على «فيسوك»)
محصول القمح يحظى بأولوية لدى الحكومة المصرية لرفع نسبة الاكتفاء الذاتي منه (صفحة وزارة التموين المصرية على «فيسوك»)
TT

كيف يُسهم القمح الهندي في توفير الاحتياجات المصرية؟

محصول القمح يحظى بأولوية لدى الحكومة المصرية لرفع نسبة الاكتفاء الذاتي منه (صفحة وزارة التموين المصرية على «فيسوك»)
محصول القمح يحظى بأولوية لدى الحكومة المصرية لرفع نسبة الاكتفاء الذاتي منه (صفحة وزارة التموين المصرية على «فيسوك»)

تستعد مصر والهند لبدء مرحلة جديدة من التعاون في المجال الزراعي و«الأمن الغذائي»، مع اقتراب إبرام اتفاق يقضي بحصول مصر على احتياجاتها من القمح الهندي، مقابل تصديرها كميات من الأسمدة يحتاج إليها القطاع الزراعي في الهند، وفق تقارير إعلامية هندية نقلاً عن مسؤولين حكوميين.

وتأتي تلك الخطوة بعد أيام من إعلان تجمع «بريكس» التي تضم الهند إلى جانب الصين وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا، توجيه الدعوة إلى مصر للانضمام إلى التجمع إلى جانب 5 دول أخرى في مقدمتهم المملكة العربية السعودية.

ويرى خبراء اقتصاديون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أن إتمام هذا النوع من الاتفاقات لا يوفر لمصر فقط فرصة لتوفير احتياجاتها من القمح الذي تعد البلاد أحد أكبر مستورديه على المستوى العالمي، لكنه «يُسهم كذلك في تخفيف الطلب على الدولار، الذي تواجه البلاد ضغوطاً متزايدة من أجل توفيره».

ونقلت صحيفة «هندوستان تايمز» عن مصادر حكومية هندية مطلعة أن «مصر والهند تناقشان إجراء مباحثات هامة بشأن صفقة تبادل للقمح والأسمدة، بحيث تورد القاهرة الأسمدة إلى نيودلهي مقابل حصولها على احتياجاتها من القمح». وأشارت الصحيفة إلى أن المناقشات حول صفقة القمح مقابل الأسمدة بدأت خلال مباحثات للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي.

وكان مودي قد زار مصر خلال يونيو (حزيران) الماضي، وهي الزيارة الأولى لرئيس وزراء هندي إلى مصر منذ 26 عاماً، حيث وقع البلدان خلالها إعلاناً مشتركاً لترفيع العلاقات بينهما إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»، وفق بيان للرئاسة المصرية. وتعاقدت مصر على شراء 180 ألف طن قمح من الهند في يونيو 2022، ورغم قرار الهند حظر التصدير، فإنها استثنت مصر لأسباب تتعلق باحتياجات «الأمن الغذائي».

وأشار الدكتور مصطفى أبو زيد، الخبير الاقتصادي المصري، إلى أهمية تنويع وجهات توفير احتياجات مصر من القمح، لافتاً إلى أن الهند تعد ثاني أكبر مُصدّر للقمح عالمياً، إلا أنها لأسباب تتعلق بتوفير الأمن الغذائي لديها اتخذت قراراً بتعليق الصادرات، لكنه لم يستبعد أن تستأنف السلطات الهندية التصدير إذا تعلق الأمر بتبادل الاحتياجات، وهو ما عده «مكسباً للطرفين المصري والهندي». وأضاف أبو زيد لـ«الشرق الأوسط» أن مساعي مصر لتنويع وارداتها من القمح «سابق على اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، لكنه أثبت جدواه خلال الأزمة»، مشيراً إلى أن تبادل السلع «يمكن أن يوفر فرصة أفضل للحكومة المصرية لتخفيف الضغوط على العملات الأجنبية المطلوبة لتوفير الواردات»، كما يُسهم كذلك في تعزيز الصناعات التي تتمتع فيها مصر بمزايا تنافسية مثل صناعة الأسمدة وغيرها من الصناعات التي تحظى بفرص أفضل للتصدير.

شاحنات تستعد لتوريد محصول القمح المحلي في مصر (صفحة وزارة التموين المصرية على «فيسبوك»)

وتعمل مصر على تنويع مصادرها من القمح المستورد لمواجهة ارتفاع أسعار القمح عالمياً، حيث يوجد 15 منشأ لتوريد القمح، وفقاً لتقرير تنويع مصادر الواردات للقمح الصادر عن الهيئة العامة للسلع التموينية في مصر. وفي مطلع أغسطس (آب) الماضي، قالت الهيئة، إنها «اشترت 235 ألف طن من القمح الروسي في ممارسة دولية»، بينما أكدت وزارة التموين المصرية أن «الاحتياطي الاستراتيجي للبلاد من القمح يكفي لـ6 أشهر».

وبلغت واردات مصر من القمح نحو 6 ملايين طن في أقل من 8 أشهر، ووصل إجمالي القمح المستورد من روسيا إلى 4.72 مليون طن، بنسبة 79.27 في المائة من الواردات، خلال الفترة من أول يناير (كانون الثاني) 2023 حتى 6 أغسطس الماضي.

بينما بلغ نصيب المنشأ الأوكراني نحو 726 ألف طن قمح بنسبة 12.9 في المائة، وبلغ إجمالي القمح المستورد من رومانيا 269 ألف طن بنسبة 4.51 في المائة، وفق بيانات نشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.

وزاد إنتاج مصر من القمح بنسبة 8 في المائة، ليبلغ 10 ملايين طن عام 2023، مقابل 9.26 مليون طن عام 2014. وتستهدف الحكومة المصرية «زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح والذرة إلى 49 في المائة»، وفقاً لتقرير نشره المركز الإعلامي لمجلس الوزراء المصري في مايو (أيار) الماضي.

ومن جانبه، يرى الدكتور إسلام جمال الدين شوقي، خبير العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي، إمكانية توقيع اتفاق بين مصر والهند لتبادل القمح مقابل الأسمدة من زاوية أخرى تتعلق بتعزيز التعاون في إطار تجمع «بريكس» والذي تعد الهند أحد مؤسسيه. وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أنه ربما يكون الاتفاق المرتقب بين مصر والهند سابقاً على دعوة «بريكس» للقاهرة؛ إلا أنه «يسير في اتجاه تعظيم المصالح المتبادلة لأعضاء التجمع الدولي، ويمكن أن يتحول إلى منهج مستقر في التعامل، خصوصاً في ظل اتجاه دول (بريكس) لتقليل الاعتماد على الدولار، سواء عبر تعزيز أسلوب مبادلة السلع، أو حتى اقتراح إصدار عملة موحدة للتجمع، وهو ما تحتاج إليه مصر لتنويع سلة العملات الأجنبية لها ومواجهة النقص الحاد في النقد الأجنبي».

ويعتقد جمال الدين أن التوسع في مثل هذا النوع من الاتفاقات «يوفر لمصر زيادة إمكانية التبادل التجارى وتقليل الفجوة في الميزان التجاري، خصوصاً في مجال الأمن الغذائي كشراء الحبوب مثل الأقماح والزيوت والسكر، ويُمكن توسيع نطاق التبادل مع دول مثل الصين وروسيا لتشمل الشراكة في مجالات صناعية وتكنولوجية أيضاً».


مقالات ذات صلة

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

الاقتصاد جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

قال الدكتور عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد لمنظمة الفاو، إنه يتوقع مخرجات مهمة من مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر الذي ينعقد في السعودية.

لمياء نبيل (القاهرة)
يوميات الشرق النظام الغذائي النباتي يعتمد بشكل أساسي على الأطعمة النباتية (جامعة كولومبيا)

التحول للنظام النباتي يوفر 650 دولاراً للفرد سنوياً

أظهرت دراسة أميركية أن اتباع نظام غذائي نباتي منخفض الدهون يمكن أن يخفض تكاليف الطعام للفرد بنسبة 19%، أي ما يعادل 1.80 دولار يومياً أو نحو 650 دولاراً سنويا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي نزوح سكان شمال غزة في ظل تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية (أ.ف.ب)

المنسق الأممي للسلام: الوضع في غزة «كارثي» مع بداية الشتاء ونزوح سكان الشمال

قال منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند اليوم الاثنين إن الوضع في قطاع غزة «كارثي» مع بداية فصل الشتاء.

«الشرق الأوسط» (غزة)
أفريقيا لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أن نحو 7.7 مليون شخص في جنوب السودان، معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
أفريقيا أدى العنف والتصحر إلى منافسات عنيفة أحياناً بين المجتمعات الزراعية والرعاة الرُحّل في نيجيريا (أ.ف.ب)

أكثر من 33 مليون نيجيري سيعانون من الجوع العام المقبل

أفاد تقرير بأن أكثر من 33 مليون نيجيري سيعانون من الجوع العام المقبل، وهو رقم يزداد مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتفاقم آثار الحرب والتغير المناخي.

«الشرق الأوسط» (أبوجا )

«النواب» المصري على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات

من جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)
من جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)
TT

«النواب» المصري على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات

من جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)
من جلسة سابقة لمجلس النواب المصري (الحكومة المصرية)

دخل مجلس النواب المصري (البرلمان) على خط أزمة أسعار خدمات الاتصالات في البلاد، وذلك بعد أيام من إعلان «الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات» (جهاز حكومي يتبع وزارة الاتصالات) الموافقة مبدئياً على «رفع أسعار خدمات الاتصالات»، و«قرب تطبيق الزيادة الجديدة».

وقدَّم عضو مجلس النواب، النائب عبد السلام خضراوي، طلب إحاطة لرئيس المجلس، ورئيس الوزراء، ووزير الاتصالات حول الزيادة المرتقبة، مطالباً الحكومة بالتدخل لوقف أي زيادات جديدة في أسعار المحمول والإنترنت، في ظل «سوء خدمات شركات المحمول»، على حد قوله.

وجاءت إحاطة خضراوي بالتزامن مع إعلان عدد من النواب، اليوم (السبت)، رفضهم الزيادات المرتقبة، ومنهم النائبة عبلة الهواري، التي قالت لـ«الشرق الأوسط» إنها ترفض قرار الزيادة «في ظل الظروف الاقتصادية الحالية».

وبحسب مصدر برلماني مطلع «يتجه عدد من النواب إلى تقديم طلبات إحاطة برلمانية بشأن زيادة الأسعار المرتقبة على خدمات الاتصالات، حتى لا يتم إقرارها من قبل الحكومة المصرية».

وكان خضراوي قد أكد في إحاطته البرلمانية أنه كان على الحكومة أن تتدخل لإجبار الشركات على تحسين الخدمة، التي «أصبحت سيئة خصوصاً في المناطق الحدودية والقرى»، عادّاً أن الشركات «تحقق أرباحاً كبيرة جداً»، ولا يوجد ما يستدعي رفع الأسعار، سواء في الوقت الحالي أو حتى في المستقبل.

وأعلن الرئيس التنفيذي لـ«الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات»، محمد شمروخ، قبل أيام «الموافقة المبدئية على رفع أسعار خدمات الاتصالات؛ بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل التي تواجه شركات الاتصالات». وقال خلال مشاركته في فعاليات «معرض القاهرة الدولي للاتصالات» أخيراً، إن الجهاز «يدرس حالياً التوقيت المناسب لتطبيق الزيادة».

الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات (مجلس الوزراء المصري)

من جهتها، أكدت وكيلة «لجنة الاتصالات» بمجلس النواب، النائبة مرثا محروس، لـ«الشرق الأوسط» أن قرار الزيادة لم يُتَّخذ بعد، لكنه مطروح منذ تحريك سعر الصرف في مارس (آذار) الماضي لأسباب عدة، مرتبطة بالإنفاق الدولاري للشركات، والرغبة في عدم تأثر الخدمات التي تقدمها «نتيجة تغير سعر الصرف»، عادّة أن الزيادة المتوقعة ستكون «طفيفة».

ويشترط القانون المصري موافقة «الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات» قبل تطبيق شركات الاتصالات أي زيادة في الأسعار، في حين ستكون الزيادة الجديدة، حال تطبيقها، هي الثانية خلال عام 2024 بعدما سمح «الجهاز» برفع أسعار خدمات الجوال للمكالمات والبيانات، بنسب تتراوح ما بين 10 و17 في المائة في فبراير (شباط) الماضي.

وتعمل في مصر 4 شركات لخدمات الاتصالات، منها شركة حكومية هي «المصرية للاتصالات»، التي تمتلك أيضاً حصة 45 في المائة من أسهم شركة «فودافون مصر»، وجميعها طلبت زيادة الأسعار مرات عدة في الأشهر الماضية، بحسب تصريحات رسمية لمسؤولين حكوميين.

وجاء الإعلان عن الزيادة المرتقبة بعد أسابيع قليلة من إنهاء جميع الشركات الاتفاق مع الحكومة المصرية على عقود رخص تشغيل خدمة «الجيل الخامس»، مقابل 150 مليون دولار للرخصة لمدة 15 عاماً، التي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ مطلع العام المقبل، مع انتهاء التجهيزات الفنية اللازمة للتشغيل. (الدولار الأميركي يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية).

احدى شركات الاتصالات تقدم خدماتها للمستخدمين (وزارة الاتصالات)

بدوره، رأى عضو «الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء»، أحمد مدكور، أن الحديث عن زيادة أسعار خدمات الاتصالات في الوقت الحالي «يبدو طبيعياً مع زيادة تكلفة المحروقات على الشركات، والتزامها بزيادات الأجور السنوية، بالإضافة إلى زيادة نفقات التشغيل بشكل عام»، عادّاً أن الزيادة «ستضمن الحفاظ على جودة انتظام الشبكات».

وقال مدكور لـ«الشرق الأوسط» إن نسب الأرباح التي تحققها الشركات، والتي جرى رصد زيادتها في العام الحالي حتى الآن، «لا تعكس النسب نفسها عند احتسابها بالدولار في سنوات سابقة»، متوقعاً «ألا تكون نسب الزيادة كبيرة في ضوء مراجعتها حكومياً قبل الموافقة عليها».

الرأي السابق تدعمه وكيلة «لجنة الاتصالات» بالبرلمان، التي تشير إلى وجود زيادات جرى تطبيقها في قطاعات وخدمات مختلفة، على غرار «الكهرباء»، و«المحروقات»، الأمر الذي يجعل لدى الشركات مبرراً قوياً لتنفيذ زيادات في أسعار الخدمات «لكي تتمكّن من استمرار تنفيذ خططها التوسعية، وتحسين جودة الخدمات، وتطوير الشبكات المستمر».