معركة المدرعات مستمرة... واتهامات للجيش بالإساءة للأسرى

«قوى التغيير»: وسطاء «جدة» لحل القضايا العالقة في التفاوض

TT

معركة المدرعات مستمرة... واتهامات للجيش بالإساءة للأسرى

معركة المدرعات مستمرة... واتهامات للجيش بالإساءة للأسرى

مع استمرار المعارك، لليوم الرابع على التوالي، في معسكر «المدرعات» جنوب العاصمة الخرطوم، لا يزال المشهد الميداني ضبابياً، والتصريحات متضاربة بين طرفي الصراع، الجيش وقوات «الدعم السريع»؛ إذ يدعي كل طرف السيطرة على المعسكر، لكن ما بدا واضحاً حتى الآن هو أن المعركة لم تحسم كلياً لصالح أي من الطرفين.

وفي حين جددت قوات «الدعم السريع»، الثلاثاء، تأكيد سيطرتها على أجزاء واسعة من المعسكر، عدا بعض الجيوب التي يجري التعامل معها، قال الجيش السوداني إن قواته تبسط حالياً كامل سيطرتها على مقر سلاح المدرعات، وهي جاهزة للتصدي لأي محاولات جديدة.

وتجددت الاشتباكات، الأربعاء، بين الجيش و«الدعم السريع» في اتجاهات عدة حول سلاح المدرعات، وسمع دوي انفجارات قوية جراء القصف الجوي والمدفعي المتبادل بين الطرفين. ونشر كلا الطرفين تسجيلات مصورة على مواقع التواصل لتأكيد سيطرته على المعسكر.

عنصران من «الدعم السريع» داخل مقر «المدرعات» في الخرطوم (نقلاً عن فيديو لـ«الدعم السريع»)

وقال شهود عيان: إن طيران الجيش السوداني شنّ ضربات جوية ضد أماكن تمركزت فيها قوات «الدعم السريع» في المناطق السكنية بالقرب من سلاح المدرعات، وشوهدت ألسنة الدخان تتصاعد بكثافة حول المنطقة العسكرية. وقال شهود: إنه على الرغم من استمرار المواجهات بين الطرفين في معسكر المدرعات، فإنها كانت اليوم أقل حدة مما كانت عليه في الأيام الماضية.

اتهامات متبادلة

في سياق ثانٍ، تبادل طرفا القتال في السودان، الجيش وقوات «الدعم السريع»، الاتهامات بانتهاك حقوق الإنسان، لا سيما الأسرى والأطفال. فبينما يقول الجيش السوداني إنه عثر على أعداد كبيرة من صغار السن والقُصَّر في صفوف قوات «الدعم السريع» أثناء هجومها على مقر سلاح المدرعات ومصنع الذخيرة في جنوب الخرطوم، يقول «الدعم السريع» إنه عثر على «أسرى» مدنيين كانوا محتجزين داخل مقر سلاح المدرعات، تعرضوا للتجويع والتعذيب طوال فترة بلغت أربعة أشهر بالنسبة لبعضهم، وبثت منصاته على وسائط التواصل الاجتماعي «فيديوهات» وإفادات لهؤلاء الأسرى.

جنود من الجيش السوداني (أ.ف.ب)

وأشار الجيش في بيان أصدره يوم الإثنين إلى أن هذا الأمر يأتي ليضاف إلى انتهاكات مستمرة للقانون الدولي الإنساني ارتكبتها قوات «الدعم السريع»، واصفاً هذه القوات بـ«المتمردة»، مؤكداً أنها تكبدت خسائر ضخمة في تلك المعركة.

وأكدت مصادر عسكرية لـ«الشرق الأوسط»، أن الجيش أسر مئات الأطفال الذين كانوا يقاتلون في صفوف «الدعم السريع» في معركة المدرعات، بينما قُتل آخرون في الاشتباكات العنيفة، مشيرة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الزج بالأطفال في الحرب، لكن معركة المدرعات شارك فيها أطفال بأعداد كبيرة جداً. ولفتت المصادر إلى أن استمرار المعارك أخر عملية الحصر الدقيق لأعداد الأطفال المشاركين.

أسرى الجيش

من جهتها، وزعت قوات «الدعم السريع» على نطاق واسع «فيديوهات» لعشرات المدنيين الذين بدا عليها الهزال بسبب الجوع، وعلى أجسادهم آثار تعذيب واضحة، قالت إنها حررتهم أثناء دخولها مقر قيادة سلاح المدرعات. وقال أحد هؤلاء وقد بدت أضلعه نافرة تحت جلده، إنه تعرض لتعذيب قاسٍ وتجويع امتد لنحو أربعة أشهر، لمجرد أنه كان يسكن بالقرب من منزل مَنْ أسماه «القائد»، في حين قال آخر إنه اتهم بأنه يعمل في «استخبارات» قوات «الدعم السريع».

وحملت الفيديوهات صوراً لأشخاص لا يستطيعون الجلوس بسبب الجوع حسب قول بعضهم، أو بسبب التعذيب المفرط الذي تعرضوا له لإجبارهم على الاعتراف بأنهم تابعون لقوات «الدعم السريع»، في حين بدت على آخرين آثار إصابات بالغة، وهو ما وصفته قوات «الدعم السريع» بأنه «انتهاك لحقوق الأسرى».

ويواجه الكثير من المدنيين اتهامات بأنهم يتبعون لهذا الطرف أو ذاك من دون إثباتات، ويتعرضون للتعذيب للحصول على اعترافهم بما يوجه لهم من اتهامات، وسجلت مرات عدة مشاهد لمواطنين ينزلون من حافلات للجيش بوصفهم «تابعين للدعم السريع»، ويتم الإعلان بأنهم متسللون، كما شوهد رجال من قوات «الدعم السريع» وهم يقبضون على مدنيين بوصفهم عسكريين تابعين للجيش، ولا يُعرف مصير من يتم اعتقالهم.

وأصدرت هيئة محامي دارفور بياناً أشارت فيه إلى وجود أطفال يرتدون زي «الدعم السريع»، قالت إنهم شاركوا في القتال أثناء الهجوم المتواصل على مقر سلاح المدرعات منذ أيام عدة. وقال البيان: «إن تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة من العمر للعمل بوصفهم جنوداً أمر محظور بموجب القانون الدولي الإنساني ووفقاً للمعاهدات والأعراف الدولية».

أطفال مستنفرون

ولا تعد اتهامات تجنيد الأطفال مقتصرة على «الدعم السريع» وحده؛ إذ تذكر تقارير مراقبين أن عمليات الاستنفار التي دعا إليها قائد الجيش التحق بها الآلاف، ضمت «أطفالاً مستنفرين»، وهو انتهاك آخر لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني الذي يحرّم استخدام الأطفال دون الثامنة عشرة في الأعمال الحربية.

بيد أن مدير إدارة حقوق الإنسان ومدير وحدة حقوق الطفل في الجيش، العميد معتز فضل، نفى وجود أطفال يقاتلون في صفوف الجيش، وأكد أن القوات المسلحة تضع شروطاً صارمة للتجنيد. وقال فضل لـ«الشرق الأوسط»: إن «المادة (13) من قانون القوات المسلحة المتعلق بالشروط العامة للتجنيد أو التعيين، والمادة 7 من المبادئ العامة، والمادة (175) من القانون ذاته، تمنع تجنيد وتسجيل الأطفال، ويعاقب من يخالفها بالطرد من الخدمة والسجن 3 سنوات».

وأكد العميد فضل التزام الجيش بقانون الطفل السوداني لسنة 2010 والمعاهدات الدولية المعنية، إلى جانب وجود وحدة لحقوق الإنسان داخله، تتعاون مع آليات حماية الطفل على المستوى الوطني كالمجلس القومي لرعاية الطفولة، وعلى المستوى الدولي مثل منظمة «يونيسيف» ومنظمة رعاية الطفولة العالمية.

ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش و«الدعم السريع» منتصف أبريل (نيسان) الماضي، يواجه ملايين السودانيين انتهاكات كثيرة لحقوق الإنسان. فبينما تحتمي قوات «الدعم السريع» في الأحياء والمنازل المدنية، وتستخدم سكانها دروعاً بشرية، فإن الجيش دأب على قصف تلك الأحياء، وألحقت عملياته تلك خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، وهو أمر أعلنه صراحة مساعد القائد العام، الفريق أول ياسر العطا، في تصريحات طالب فيها المدنيين بالابتعاد عن مساكنهم؛ لأن قوات «الدعم السريع» تحتمي فيها.

وتتداول منظمات حقوقية وإنسانية تقارير عن عمليات قتل واعتقال تتم حسب الهوية، بينها قتل حاكم ولاية غرب دارفور، واعتقالات طالت عدداً من المنقبين عن الذهب في عدد من ولايات البلاد، تحت مزاعم أنهم من «الدعم السريع»، كما تواجه قوات «الدعم السريع» اتهامات بممارسة انتهاكات جنسية واغتصابات على مستوى واسع. وينفي كلا الطرفين الاتهامات الموجهة له من قِبل النشطاء ومنظمات حقوق الإنسان، بما فيها الأمم المتحدة.


مقالات ذات صلة

وزير الخارجية السوداني لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل لـ«منبر جدة»

خاص وزير الخارجية السعودي في جدة إلى جانب ممثلين عن طرفي النزاع السوداني خلال توقيع اتفاق وقف النار في مايو 2023 (رويترز)

وزير الخارجية السوداني لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل لـ«منبر جدة»

قال وزير الخارجية السوداني، علي يوسف أحمد، إن حكومته أكدت لنائب وزير الخارجية السعودي، وليد الخريجي، تمسكها بمفاوضات «منبر جدة» لحل الأزمة السودانية.

وجدان طلحة (بورتسودان) محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي السبت (مجلس السيادة السوداني/إكس)

الخريجي يؤكد للبرهان: السعودية حريصة على استقرار السودان

تشهد مدينة بورتسودان حراكاً دبلوماسياً مطرداً لإنهاء الاقتتال بوصل المبعوث الأممي، رمطان لعمامرة، ومباحثات خاطفة أجراها نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا من داخل أحد الصفوف بمدرسة «الوحدة» في بورتسودان (أ.ف.ب)

الحرب تحرم آلاف الطلاب السودانيين من امتحانات «الثانوية»

أعلنت الحكومة السودانية في بورتسودان عن عزمها عقد امتحانات الشهادة الثانوية، السبت المقبل، في مناطق سيطرة الجيش وفي مصر، لأول مرة منذ اندلاع الحرب.

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا لقاء حاكم اقليم دارفور و نائب وزير الخارجية الروسي في موسكو (فيسبوك)

مناوي: أجندتنا المحافظة على السودان وليس الانتصار في الحرب

قال حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة «جيش تحرير السودان»، مني أركو مناوي، إن أجندة الحركة «تتمثل في كيفية المحافظة على السودان، وليس الانتصار في الحرب».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا «مجموعة أ 3 بلس» تُعبر عن «صدمتها» من الانتهاكات ضد نساء السودان

«مجموعة أ 3 بلس» تُعبر عن «صدمتها» من الانتهاكات ضد نساء السودان

استنكرت الجزائر باسم «مجموعة أ 3 بلس» بمجلس الأمن الدولي، التقارير الحديثة عن عمليات القتل الجماعي والاختطاف والاغتصاب في السودان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

مدينة ليبية تنتفض ضد «المرتزقة»... وحكومة الدبيبة

الدبيبة في افتتاح أعمال المؤتمر الأول لقادة الاستخبارات العسكرية لدول جوار ليبيا (حكومة الوحدة)
الدبيبة في افتتاح أعمال المؤتمر الأول لقادة الاستخبارات العسكرية لدول جوار ليبيا (حكومة الوحدة)
TT

مدينة ليبية تنتفض ضد «المرتزقة»... وحكومة الدبيبة

الدبيبة في افتتاح أعمال المؤتمر الأول لقادة الاستخبارات العسكرية لدول جوار ليبيا (حكومة الوحدة)
الدبيبة في افتتاح أعمال المؤتمر الأول لقادة الاستخبارات العسكرية لدول جوار ليبيا (حكومة الوحدة)

عمّت حالة من التوتر بني وليد (شمال غربي ليبيا) إثر منع الأجهزة الأمنية فعالية سياسية تدعو لطرد «المرتزقة» والقوات والقواعد الأجنبية من البلاد، وأعقب ذلك القبض على قيادات قبائلية ونشطاء، ما أدى إلى تسخين الأجواء بالمدينة التي أمضت ليلتها في حالة انتفاضة.

وكان مقرراً أن تستضيف بني وليد، التي لا تزال تدين بالولاء لنظام الرئيس الراحل معمر القذافي، المشاركين في حراك «لا للتدخل الأجنبي» مساء السبت، قبل أن تدهم قوات الأمن الاجتماع المخصص لذلك، وتقتاد بعض قياداته إلى مقار أمنية، ما تسبب في تصعيد حالة الغضب.

ومع الساعات الأولى من ليل السبت، احتشد مئات المتظاهرين، وخاصة أهالي قبيلة ورفلة، وبعضهم موالٍ أيضاً لسيف الإسلام نجل القذافي، أمام ديوان مديرية أمن بني وليد، في ما يشبه انتفاضة، منددين باعتقال بعض قيادات الحراك، ومرددين الهتاف الشهير: «الله ومعمر وليبيا وبس»، لكنهم أيضاً هتفوا ضد عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة.

ونجح المتظاهرون في الضغط على السلطات في بني وليد لاستعادة المحتجزين، لكنهم ظلوا يصعّدون هتافاتهم ضد الدبيبة وحكومته.

وعبّرت «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان» بليبيا عن «قلقها البالغ» لعملية «الاحتجاز التعسفي لعدد من المواطنين المجتمعين في مدينة بني وليد، المطالبين بإخراج القوات والقواعد الأجنبية الموجودة على الأراضي الليبية»، مشيرة إلى أن مواطنين طاعنين في السنّ كانوا من بين المعتقلين.

وقالت المؤسسة، في بيان، الأحد، إن «أفراد الأمن التابعين للمديرية التابعة لوزارة الداخلية بحكومة (الوحدة) أطلقوا الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين من أمام مقر المديرية».

وأضرم غاضبون من شباب بني وليد النار في الكاوتشوك اعتراضاً على اعتقال 4 مشايخ من قبيلة ورفلة بالمدينة، كما أغلقوا بعض الطرقات، بعد مظاهرة حاشدة في ميدان الجزائر بالمدينة.

ودافعت مديرية أمن بني وليد عن نفسها، وقالت إنها تشدد على منتسبيها «الالتزام بتنفيذ التعليمات واللوائح التي تمنعهم من التدخل في أي عمل سياسي، وتلزمهم بحماية أي تعبير سلمي للمواطنين»، لكنها «لا تتحمل مسؤولية تأمين أنشطة اجتماعية أو سياسية لا تملك بخصوصها أي بيانات أو موافقات رسمية تسمح بها».

وأبدت مديرية الأمن تخوفها من «اختراق أي تجمع لسكان المدينة، عبر أي مشبوهين، لغرض توريط بني وليد في الفوضى خدمة لمصالح شخصية»، وانتهت إلى «التذكير بأن الثوابت الوطنية المرتبطة بوحدة ليبيا، وحماية سيادتها ومواطنيها، هي مسؤولية دائمة بالنسبة لها، وليست موضع تشكيك أو تخوين».

وتصعّد قبائل موالية لنظام القذافي منذ أشهر عدّة ضد وجود «المرتزقة» والقوات والقواعد الأجنبية في البلاد، مطالبة بإخراجهم، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية «في أسرع وقت».

وسبق للعميد العجمي العتيري، آمر كتيبة «أبو بكر الصديق»، التي اعتقلت سيف الإسلام القذافي، أن أعلن أن الاجتماع التحضيري للقبائل، الذي عملت عليه قبيلة المشاشية تحت عنوان «ملتقى لمّ الشمل»، اتفق على اختيار اللجنة التنسيقية للملتقى العام، مجدداً المطالبة بإخراج القواعد الأجنبية من ليبيا وطرد «المرتزقة».

ورأت «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان» أن التظاهر السلمي بالعديد من المدن والمناطق الليبية يُعد «تعبيراً طبيعياً عن التذمّر والاستياء من الوجود الأجنبي للقوات والقواعد الأجنبية والمرتزقة في عموم ليبيا»، محملة وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» ومدير أمن بني وليد «المسؤولية القانونية الكاملة حيال ما قام به أفراد الأمن بالمديرية من قمع للمواطنين المتظاهرين السلميين، واعتقال عدد منهم».

وتحذر المؤسسة من «استمرار محاولة المساس بحياة المتظاهرين وتعريضهم للترويع والإرهاب المسلح وحجز الحرية بالمخالفة للقانون»، وانتهت إلى أنه «في جميع الأحوال لا يجب استخدام الأسلحة النارية، بشكلٍ عشوائي، لتفريق المعتصمين السلميين».

وتستعين جبهتا شرق ليبيا وغربها بآلاف من عناصر «المرتزقة السوريين» المواليين لتركيا، وآخرين مدعومين من روسيا، وذلك منذ وقف الحرب على العاصمة طرابلس في يونيو (حزيران) 2020، إلى جانب 10 قواعد عسكرية أجنبية، بحسب «معهد الولايات المتحدة للسلام».

وسبق أن هتف مواطنون للقذافي، وذلك إثر خروج جمهور كرة القدم الليبية من «استاد طرابلس الدولي» بعد هزيمة المنتخب أمام نظيره البنيني في تصفيات التأهل لـ«أمم أفريقيا».