سعيّد يقيل بودن ويعيّن رئيس حكومة جديداً لمواجهة «تحديات كبيرة»

أبرزها فقدان المواد الاستهلاكية الأساسية والبطالة وارتفاع الأسعار

أحمد الحشاني يؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس قيس سعيّد (رويترز)
أحمد الحشاني يؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس قيس سعيّد (رويترز)
TT

سعيّد يقيل بودن ويعيّن رئيس حكومة جديداً لمواجهة «تحديات كبيرة»

أحمد الحشاني يؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس قيس سعيّد (رويترز)
أحمد الحشاني يؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس قيس سعيّد (رويترز)

بات أحمد الحشاني، ثاني رئيس حكومة في تونس، منذ إعلان الرئيس قيس سعيّد التدابير الاستثنائية في البلاد في 25 من يوليو (تموز)2021. وأقال الرئيس سعيّد نجلاء بودن، وهي أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة في تاريخ تونس من منصبها، فجر اليوم (الأربعاء)، في وقت تواجه فيه البلاد وضعاً اقتصادياً معقداً، وأزمة في المالية العامة.

ولم توضح رئاسة الجمهورية أسباب الإقالة، لكنها تأتي في وقت يتزايد فيه السخط الشعبي في الشارع بسبب أزمة فقدان المواد الاستهلاكية الأساسية، والبطالة وارتفاع الأسعار، واستمرار مشاهد الطوابير الطويلة أمام المخابز. كما أن بودن غالباً ما كانت تواجَه بانتقادات من المعارضة؛ بكونها «ظل الرئيس»، وافتقادها إلى الفاعلية الكافية.

وخلال إشرافه على موكب أداء اليمين، أقرّ الرئيس سعيّد بوجود «تحديات كبيرة لا بُدّ أن نرفعها بعزيمة صلبة، وإرادة قوية للحفاظ على وطننا ودولتنا، وعلى السلم الأهلي داخل المجتمع»، مضيفاً: «سنعمل على تحقيق إرادة شعبنا، وتحقيق العدل المنشود والكرامة الوطنية، ولن نعود أبداً إلى الوراء»، وهو ما عدّه مراقبون بمثابة «خريطة طريق» للحكومة خلال الفترة المقبلة.

الرئيس سعيّد خلال حضوره لقاءً بين الرئيس المُعيّن ورئيسة الحكومة المُقَالة على هامش تسليم السلطة (أ.ف.ب)

وكان الرئيس سعيّد قد عبر خلال الأشهر الماضية عن استيائه من تسجيل نقص في عدد من المواد الغذائية الأساسية، كالخبز المدعوم من الدولة، كما أقال وزيرَي التجارة والفلاحة المرتبطين بهذا الملف.

وعدّت أطراف سياسية وحقوقية ونقابية عدة، أن إقالة بودن كانت تعدّ منذ أشهر عدة مطلباً ملحاً لعدد من المتابعين للساحة السياسية، وقد سبق أن ناشدت أحزاب عدة بضرورة رحيل حكومة بودن؛ بسبب ما عدته «فشلاً واضحاً» في إدارة الملفات المعقدة. وقد علقت وجوه سياسية عدة على مغادرتها الحكومة وإنهاء مهامها بأنه «رحيل في صمت»، وأنها كانت «مسؤولة صامتة»، وقالت: إنه «من المؤسف أن تنتهي حقبة أول رئيسة حكومة تونسية بهذا الشكل».

لكن بعض المتابعين للشأن السياسي المحلي أبدوا استغرابهم من تعيين الحشاني على رأس الحكومة الجديدة؛ بحجة أنه لم يكن شخصية معروفة، ولا يملك ماضياً سياسياً، ولم تُعرَف عنه مواقف بعد الثورة أو قبلها، كما أنه لم ينخرط في العمل السياسي مع أي حزب سياسي، سواء كان من اليسار أو اليمين.

وفي سياق ردود الأفعال على هذا التعيين الرئاسي، قال محمد المسليني، القيادي في حركة الشعب الداعمة بتحفظ مسار الرئيس سعيّد: إن «غياب الماضي السياسي لرئيس الحكومة الجديد لا يساعده على رفع التحديات»، وشدد على أنه «كان على رئيس الجمهورية اعتماد معايير واضحة في تعيين الحشاني خلفاً لنجلاء بودن»، متسائلاً عن سبب إقالتها وعن الخيارات المقبلة التي يريد الرئيس سعيّد تطبيقها.

صورة تذكارية تجمع بين رئيس الجمهورية والرئيس الجديد ورئيسة الحكومة المُقَالة (أ.ب)

وعدّ المسليني أن تغيير الأشخاص «دون رؤية واضحة لمواجهة تحديات المرحلة لن يجدي نفعاً»، على حد تعبيره. وقال: إن حركته «طالبت منذ البداية قيس سعيّد بتشكيل حكومة سياسية، لكنه سيواصل العمل بأسلوبه القديم، وهو عدّ السياسة من مشمولات القصر، بينما البقية تطبق رؤيته فقط».

في غضون ذلك، تنتظر ساحة الحقوقية كيفية تعامل رئيس الحكومة الجديدة مع عدد من الملفات الشائكة، ومن بينها ملف المعتقلين السياسيين بتهمة «التآمر على أمن الدولة»، وسجنهم منذ أشهر، دون محاكمة ودون توجيه تهم واضحة، وهل سيكون للرئيس الجديد رأي مختلف عن الرئيس سعيّد، في حين تتساءل القيادات السياسية عن مصير مبادرة «إنقاذ تونس»، التي يتزعمها الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال)، وهل سيتواصل تجاهلها ما دام أن الرئيس سعيّد لم يتفاعل معها طوال الأشهر الماضية؟

في المقابل، قالت فاطمة المسدي، النائبة بالبرلمان الجديد: إن رئيسة الحكومة المقالة «نجحت في الانتقال إلى الجمهورية الجديدة بمحطاتها الانتخابية، ونجحت في إعادة الأمن لتونس. لكنها فشلت اقتصادياً، فكان خيار الرئيس في هذه المرحلة أن يكون رئيس الحكومة الجديد رجل اقتصاد»، مضيفة أن تونس «في انتظار النجاح الاقتصادي المرتقب».

من جهتها، قالت مصادر مقرّبة من حركة «النهضة»: إن رئيس الحكومة الجديد «لن يغير الكثير على مستوى الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تونس؛ نظراً إلى صلاحياته الدستورية المحدودة، ومن المرجح أن يواصل تنفيذ الخيارات السياسية للرئيس التونسي:.

من ناحيته، قال صلاح الدين الداودي، عضو مبادرة «لينتصر الشعب» (مبادرة داعمة لخيارات سعيّد): إن الفترة الأخيرة شهدت نوعاً من «عدم الانسجام داخل الحكومة نفسها، وبين الحكومة ورئاسة الجمهورية على مستوى النجاعة التنفيذية، خاصة فيما يتعلق بأزمة الخبز. وعدّ أن الإقالة «تأتي بسبب وجود خلل عميق، بات واضحاً في تسيير دواليب الدولة». مؤكداً أنه من السابق لأوانه تقييم الوافد الجديد على رأس الحكومة التونسية.


مقالات ذات صلة

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

شمال افريقيا رئيسة «الحزب الدستوري الحر» عبير موسي (أرشيفية - الإعلام التونسي)

تونس: توجيه تهمة «تبديل هيئة الدولة» إلى رئيسة «الحزب الدستوري الحر»

هيئة الدفاع عن موسي: «التحقيقات في مرحلة أولى كانت قد انتهت إلى عدم وجود جريمة... وقرار القضاة كان مفاجئاً».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مظاهرة نظمها حقوقيون تونسيون ضد التضييق على الحريات (أرشيفية - إ.ب.أ)

20 منظمة حقوقية في تونس تنتقد توقيفات لنشطاء ونقابيين

شملت توقيفات جديدة بتونس نشطاء وصحافيين وعمالاً ونقابيين شاركوا في احتجاجات ضد طرد 28 عاملاً، بينهم نساء، من مصنع للأحذية والجلود لمستثمر أجنبي بمدينة السبيخة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه أوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

السلطات التونسية توقف ناشطاً بارزاً في دعم المهاجرين

إحالة القضية إلى قطب مكافحة الإرهاب «مؤشر خطير لأنها المرة الأولى التي تعْرض فيها السلطات على هذا القطب القضائي جمعيات متخصصة في قضية الهجرة».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي (أ.ف.ب)

تونس: إحالة ملف الرئيس الأسبق المرزوقي إلى الإرهاب بـ20 تهمة

إحالة ملف الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي إلى القضاء المكلف بالإرهاب، في 20 تهمة جديدة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا المرشح لرئاسية تونس العياشي زمال (الشرق الأوسط)

أحكام إضافية بسجن مرشح سابق للانتخابات الرئاسية في تونس

مجموع الأحكام الصادرة في حق الزمال «ارتفعت إلى 35 عاماً» وهو يلاحق في 37 قضية منفصلة في كل المحافظات لأسباب مماثلة.

«الشرق الأوسط» (تونس)

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
TT

كاتب جزائري شهير يواجه السجن بسبب «تحقير الوطن»

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)
الروائي المعتقل بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

يواجه الكاتب الجزائري - الفرنسي الشهير بوعلام صنصال، عقوبة سجن تتراوح بين 12 شهراً و5 سنوات، بسبب تصريحات مستفزة بالنسبة للسلطات، أطلقها في فرنسا، تخص الجزائر والمغرب و«بوليساريو»، والاحتلال الفرنسي لشمال أفريقيا خلال القرنين الـ19 والـ20.

وأكدت وكالة الأنباء الجزائرية، أمس، في مقال شديد اللهجة ضد صنصال وقطاع من الطيف الفرنسي متعاطف معه، أنه موقوف لدى مصالح الأمن، وذلك بعد أيام من اختفائه، حيث وصل من باريس في 16 من الشهر الجاري، وكان يفترض أن يتوجه من مطار العاصمة الجزائرية إلى بيته في بومرداس (50 كم شرقاً)، عندما تعرض للاعتقال.

الروائي المعتقل بوعلام صنصال (متداولة)

وفيما لم تقدم الوكالة الرسمية أي تفاصيل عن مصير مؤلف رواية «قرية الألماني» الشهيرة (2008)، رجح محامون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، أن يتم عرضه على النيابة قبل نهاية الأسبوع الجاري (عمل القضاة يبدأ الأحد من كل أسبوع)، بناء على قرائن تضعه تحت طائلة قانون العقوبات.

وبحسب آراء متوافقة لمختصين في القانون، قد يتعرض صنصال (75 سنة) لتهم تشملها مادتان في قانون العقوبات: الأولى رقم «79» التي تقول إنه «يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات كل من ارتكب فعلاً من شأنه الإضرار بالمصلحة الوطنية، أو أمن الدولة، أو تهديد سيادتها». والمادة «87 مكرر»، التي تفيد بأنه «يعتبر عملاً إرهابياً أو تخريبياً كل فعل يستهدف أمن الدولة، والوحدة الوطنية، واستقرار المؤسسات وسيرها العادي».

وإن كانت الوقائع التي يمكن أن تُبنى عليها هذه التهم غير معروفة لحد الساعة، فإن غالبية الصحافيين والمثقفين متأكدون أن تصريحات صنصال التي أطلقها في الإعلام الفرنسي، هي التي ستجره إلى المحاكم الجزائرية. ففي نظر بوعلام صنصال فقد «أحدث قادة فرنسا مشكلة عندما ألحقوا كل الجزء الشرقي من المغرب بالجزائر»، عند احتلالهم الجزائر عام 1830، مشيراً إلى أن محافظات وهران وتلمسان ومعسكر، في غرب الجزائر، «كانت تابعة للمغرب».

وذهب صنصال إلى أبعد من ذلك، عندما قال إن نظام الجزائر «نظام عسكري اخترع (بوليساريو) لضرب استقرار المغرب». كما قال إن فرنسا «لم تمارس استعماراً استيطانياً في المغرب؛ لأنه دولة كبيرة... سهل جداً استعمار أشياء صغيرة لا تاريخ لها»، ويقصد بذلك ضمناً الجزائر، وهو موقف من شأنه إثارة سخط كبير على المستويين الشعبي والرسمي.

الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود (أ.ب)

وهاجمت وكالة الأنباء الجزائرية بشدة الكاتب، فيما بدا أنه رد فعل أعلى سلطات البلاد من القضية؛ إذ شددت على أن اليمين الفرنسي المتطرف «يقدّس صنصال»، وأن اعتقاله «أيقظ محترفي الاحتجاج؛ إذ تحركت جميع الشخصيات المناهضة للجزائر، والتي تدعم بشكل غير مباشر الصهيونية في باريس، كجسد واحد»، وذكرت منهم رمز اليمين المتطرف مارين لوبان، وإيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» المعروف بمواقفه المعادية للمهاجرين الجزائريين في فرنسا، وجاك لانغ وزير الثقافة الاشتراكي سابقاً، وكزافييه دريانكور سفير فرنسا بالجزائر سابقاً الذي نشر كتاب «الجزائر اللغز» (2024)، والذي هاجم فيه السلطات الجزائرية. كما ذكرت الوكالة الكاتب الفرنسي - المغربي الطاهر بن جلون.

إيريك زمور رئيس حزب «الاسترداد» اليميني (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

كما تناول مقال الوكالة أيضاً الروائي الفرنسي - الجزائري كمال داود، المتابع قضائياً من طرف امرأة ذكرت أنه «سرق قصتها» في روايته «حور العين» التي نال بها قبل أيام جائزة «غونكور» الأدبية. وقالت الوكالة بشأن داود وصنصال: «لقد اختارت فرنسا في مجال النشر، بعناية، فرسانها الجزائريين في مجال السرقات الأدبية والانحرافات الفكرية».

يشار إلى أن الإعلام الفرنسي نقل عن الرئيس إيمانويل ماكرون «قلقه على مصير صنصال»، وأنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه. ورأى مراقبون في ذلك محاولة من باريس للضغط على الجزائر في سياق قطيعة تامة تمر بها العلاقات الثنائية، منذ أن سحبت الجزائر سفيرها من دولة الاستعمار السابق، في يوليو (تموز) الماضي، احتجاجاً على قرارها دعم خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء. كما طالبت دار النشر الفرنسية «غاليمار» بـ«الإفراج» عن الكاتب الفرنسي - الجزائري صنصال بعد «اعتقاله» على يد «أجهزة الأمن الجزائرية»، غداة إبداء الرئاسة الفرنسية قلقها إزاء «اختفائه». وكتبت دار النشر في بيان: «تُعرب دار غاليمار (...) عن قلقها العميق بعد اعتقال أجهزة الأمن الجزائرية الكاتب، وتدعو إلى الإفراج عنه فوراً».

الرئيس إيمانويل ماكرون أبدى «قلقه على مصير صنصال» وأكد أنه يعتزم التدخل لدى السلطات الجزائرية لإطلاق سراحه (الرئاسة الجزائرية)

ويعاب على صنصال الذي كان مسؤولاً بوزارة الصناعة الجزائرية لمدة طويلة، «إدراج الجزائر شعباً وتاريخاً، في أعماله الأدبية، كمادة ضمن سردية ترضي فرنسا الاستعمارية». ومن هذه الأعمال «قرية الألماني» (2008) التي يربط فيها ثورة الجزائر بالنازية، و«قسم البرابرة» (1999) التي تستحضر الإرهاب والتوترات الاجتماعية في الجزائر. و«2084: نهاية العالم» (2015) التي تتناول تقاطع الأنظمة المستبدة مع الدين والسياسة.