سعيّد يقيل بودن ويعيّن رئيس حكومة جديداً لمواجهة «تحديات كبيرة»

أبرزها فقدان المواد الاستهلاكية الأساسية والبطالة وارتفاع الأسعار

أحمد الحشاني يؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس قيس سعيّد (رويترز)
أحمد الحشاني يؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس قيس سعيّد (رويترز)
TT

سعيّد يقيل بودن ويعيّن رئيس حكومة جديداً لمواجهة «تحديات كبيرة»

أحمد الحشاني يؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس قيس سعيّد (رويترز)
أحمد الحشاني يؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس قيس سعيّد (رويترز)

بات أحمد الحشاني، ثاني رئيس حكومة في تونس، منذ إعلان الرئيس قيس سعيّد التدابير الاستثنائية في البلاد في 25 من يوليو (تموز)2021. وأقال الرئيس سعيّد نجلاء بودن، وهي أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة في تاريخ تونس من منصبها، فجر اليوم (الأربعاء)، في وقت تواجه فيه البلاد وضعاً اقتصادياً معقداً، وأزمة في المالية العامة.

ولم توضح رئاسة الجمهورية أسباب الإقالة، لكنها تأتي في وقت يتزايد فيه السخط الشعبي في الشارع بسبب أزمة فقدان المواد الاستهلاكية الأساسية، والبطالة وارتفاع الأسعار، واستمرار مشاهد الطوابير الطويلة أمام المخابز. كما أن بودن غالباً ما كانت تواجَه بانتقادات من المعارضة؛ بكونها «ظل الرئيس»، وافتقادها إلى الفاعلية الكافية.

وخلال إشرافه على موكب أداء اليمين، أقرّ الرئيس سعيّد بوجود «تحديات كبيرة لا بُدّ أن نرفعها بعزيمة صلبة، وإرادة قوية للحفاظ على وطننا ودولتنا، وعلى السلم الأهلي داخل المجتمع»، مضيفاً: «سنعمل على تحقيق إرادة شعبنا، وتحقيق العدل المنشود والكرامة الوطنية، ولن نعود أبداً إلى الوراء»، وهو ما عدّه مراقبون بمثابة «خريطة طريق» للحكومة خلال الفترة المقبلة.

الرئيس سعيّد خلال حضوره لقاءً بين الرئيس المُعيّن ورئيسة الحكومة المُقَالة على هامش تسليم السلطة (أ.ف.ب)

وكان الرئيس سعيّد قد عبر خلال الأشهر الماضية عن استيائه من تسجيل نقص في عدد من المواد الغذائية الأساسية، كالخبز المدعوم من الدولة، كما أقال وزيرَي التجارة والفلاحة المرتبطين بهذا الملف.

وعدّت أطراف سياسية وحقوقية ونقابية عدة، أن إقالة بودن كانت تعدّ منذ أشهر عدة مطلباً ملحاً لعدد من المتابعين للساحة السياسية، وقد سبق أن ناشدت أحزاب عدة بضرورة رحيل حكومة بودن؛ بسبب ما عدته «فشلاً واضحاً» في إدارة الملفات المعقدة. وقد علقت وجوه سياسية عدة على مغادرتها الحكومة وإنهاء مهامها بأنه «رحيل في صمت»، وأنها كانت «مسؤولة صامتة»، وقالت: إنه «من المؤسف أن تنتهي حقبة أول رئيسة حكومة تونسية بهذا الشكل».

لكن بعض المتابعين للشأن السياسي المحلي أبدوا استغرابهم من تعيين الحشاني على رأس الحكومة الجديدة؛ بحجة أنه لم يكن شخصية معروفة، ولا يملك ماضياً سياسياً، ولم تُعرَف عنه مواقف بعد الثورة أو قبلها، كما أنه لم ينخرط في العمل السياسي مع أي حزب سياسي، سواء كان من اليسار أو اليمين.

وفي سياق ردود الأفعال على هذا التعيين الرئاسي، قال محمد المسليني، القيادي في حركة الشعب الداعمة بتحفظ مسار الرئيس سعيّد: إن «غياب الماضي السياسي لرئيس الحكومة الجديد لا يساعده على رفع التحديات»، وشدد على أنه «كان على رئيس الجمهورية اعتماد معايير واضحة في تعيين الحشاني خلفاً لنجلاء بودن»، متسائلاً عن سبب إقالتها وعن الخيارات المقبلة التي يريد الرئيس سعيّد تطبيقها.

صورة تذكارية تجمع بين رئيس الجمهورية والرئيس الجديد ورئيسة الحكومة المُقَالة (أ.ب)

وعدّ المسليني أن تغيير الأشخاص «دون رؤية واضحة لمواجهة تحديات المرحلة لن يجدي نفعاً»، على حد تعبيره. وقال: إن حركته «طالبت منذ البداية قيس سعيّد بتشكيل حكومة سياسية، لكنه سيواصل العمل بأسلوبه القديم، وهو عدّ السياسة من مشمولات القصر، بينما البقية تطبق رؤيته فقط».

في غضون ذلك، تنتظر ساحة الحقوقية كيفية تعامل رئيس الحكومة الجديدة مع عدد من الملفات الشائكة، ومن بينها ملف المعتقلين السياسيين بتهمة «التآمر على أمن الدولة»، وسجنهم منذ أشهر، دون محاكمة ودون توجيه تهم واضحة، وهل سيكون للرئيس الجديد رأي مختلف عن الرئيس سعيّد، في حين تتساءل القيادات السياسية عن مصير مبادرة «إنقاذ تونس»، التي يتزعمها الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال)، وهل سيتواصل تجاهلها ما دام أن الرئيس سعيّد لم يتفاعل معها طوال الأشهر الماضية؟

في المقابل، قالت فاطمة المسدي، النائبة بالبرلمان الجديد: إن رئيسة الحكومة المقالة «نجحت في الانتقال إلى الجمهورية الجديدة بمحطاتها الانتخابية، ونجحت في إعادة الأمن لتونس. لكنها فشلت اقتصادياً، فكان خيار الرئيس في هذه المرحلة أن يكون رئيس الحكومة الجديد رجل اقتصاد»، مضيفة أن تونس «في انتظار النجاح الاقتصادي المرتقب».

من جهتها، قالت مصادر مقرّبة من حركة «النهضة»: إن رئيس الحكومة الجديد «لن يغير الكثير على مستوى الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تونس؛ نظراً إلى صلاحياته الدستورية المحدودة، ومن المرجح أن يواصل تنفيذ الخيارات السياسية للرئيس التونسي:.

من ناحيته، قال صلاح الدين الداودي، عضو مبادرة «لينتصر الشعب» (مبادرة داعمة لخيارات سعيّد): إن الفترة الأخيرة شهدت نوعاً من «عدم الانسجام داخل الحكومة نفسها، وبين الحكومة ورئاسة الجمهورية على مستوى النجاعة التنفيذية، خاصة فيما يتعلق بأزمة الخبز. وعدّ أن الإقالة «تأتي بسبب وجود خلل عميق، بات واضحاً في تسيير دواليب الدولة». مؤكداً أنه من السابق لأوانه تقييم الوافد الجديد على رأس الحكومة التونسية.


مقالات ذات صلة

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

شمال افريقيا جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يحظى بتأثير قوي، عن إضراب وطني في 21 يناير المقبل، احتجاجاً على ما عده «قيوداً على الحقوق والحريات».

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا جانب من مظاهرة نظمها حقوقيون للمطالبة بإطلاق سراح المعارضين (أ.ب)

تونس: أحكام بالسجن حتى 45 عاماً لمعارضين في قضية «التآمر»

أصدرت محكمة استئناف في تونس أحكاماً بالسجن تصل إلى 45 عاماً في قضية «التآمر ضد الدولة»، التي يُحاكم فيها نحو 40 شخصاً.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مظاهرة نظمها حقوقيون للمطالبة بإطلاق سراح المتهمين بالتآمر ضد أمن الدولة (إ.ب.أ)

استئناف محاكمة عشرات المعارضين بتهمة «التآمر على أمن تونس»

استؤنفت في تونس، الخميس، محاكمة عشرات الشخصيات أمام محكمة الاستئناف، بينهم معارضون بارزون للرئيس قيس سعيد.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا من مظاهرة سابقة نظمها اتحاد الشغل بمناسبة عيد العمال في العاصمة التونسية (أ.ف.ب)

تصعيد جديد بين «اتحاد الشغل» والحكومة التونسية

طالب الاتحاد العام التونسي للشغل الحكومة بسحب الفصل 15 من قانون المالية الجديد، الذي يقر زيادات في الأجور بالقطاعين العام والخاص خارج المفاوضات الاجتماعية.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا من تحرك الصحافيين في العاصمة التونسية الخميس (وكالة أنباء تونس أفريقيا)

الصحافيون في تونس يحتجون ضد القيود وتدهور أوضاع الصحافة

جاء إضراب الأطباء، بعد يوم واحد من إضراب آلاف العمال في القطاع الخاص بمدينة صفاقس، العاصمة الاقتصادية للبلاد، وبعد أسابيع قليلة من إضراب قطاع البنوك...

«الشرق الأوسط» (تونس)

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
TT

هولندا: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الأكثر واقعية لنزاع الصحراء

وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)
وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة مع نظيره الهولندي خلال لقائهما الجمعة في لاهاي (ماب)

في إطار الدينامية الدولية التي أطلقها العاهل المغربي، الملك محمد السادس، دعماً لسيادة المغرب على صحرائه ولمخطط الحكم الذاتي، أكدت هولندا أن «حكماً ذاتياً حقيقياً تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر واقعية لوضع حد نهائي لهذا النزاع الإقليمي».

جرى التعبير عن هذا الموقف في الإعلان المشترك الذي تم اعتماده، اليوم الجمعة في لاهاي، من جانب وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، ووزير الشؤون الخارجية وزير اللجوء والهجرة بالأراضي المنخفضة، ديفيد فان ويل، عقب لقاء بين الجانبين.

سجل الإعلان المشترك أيضاً أن هولندا «ترحب بمصادقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار رقم 2797، وتعرب عن دعمها الكامل لجهود الأمين العام ومبعوثه الشخصي»، الرامية إلى تسهيل وإجراء مفاوضات قائمة على مبادرة الحكم الذاتي المغربية، وذلك بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول من الأطراف، كما أوصت بذلك قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

وأعرب الوزيران عن ارتياحهما للعلاقات الممتازة والعريقة، التي تجمع بين المغرب وهولندا، وجددا التأكيد على الإرادة المشتركة لمواصلة تعزيز التعاون الثنائي، المبني على صداقة عميقة وتفاهم متبادل، ودعم متبادل للمصالح الاستراتيجية للبلدين.

كما رحّبا بالدينامية الإيجابية التي تطبع العلاقات الثنائية في جميع المجالات، واتفقا على العمل من أجل الارتقاء بها إلى مستوى شراكة استراتيجية.

وخلال اللقاء أشادت هولندا بالإصلاحات الطموحة التي جرى تنفيذها تحت قيادة الملك محمد السادس، وبالجهود المبذولة في مجال التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً عبر النموذج التنموي الجديد، وإصلاح مدوّنة الأسرة، ومواصلة تفعيل الجهوية المتقدمة.

كما أشادت هولندا بالجهود المتواصلة التي يبذلها المغرب من أجل الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل.

وإدراكاً لأهمية التعاون الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، أكدت هولندا عزمها على تعزيز الحوار والتعاون مع المغرب في هذا المجال، موضحة أنه سيتم بحث المزيد من الفرص لتعزيز هذه الشراكة خلال الحوار الأمني الثنائي المقبل.

كما أشادت هولندا بالمبادرات الأطلسية، التي أطلقها الملك محمد السادس لفائدة القارة الأفريقية، ولا سيما مبادرة مسار الدول الأفريقية الأطلسية، والمبادرة الملكية الرامية إلى تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، ومشروع خط أنابيب الغاز الأطلسي نيجيريا - المغرب.


محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

محادثات مصرية - روسية تتناول المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فيلاديمير بوتين خلال تدشين تركيب وعاء ضغط المفاعل الأول بمحطة الضبعة النووية الشهر الماضي (الرئاسة المصرية)

تناولت محادثات مصرية - روسية، الجمعة، المستجدات في السودان وسوريا ولبنان وغزة. جاء ذلك خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، وذلك في إطار التنسيق المستمر والتشاور بين البلدين حول العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.

ووفق إفادة لوزارة الخارجية المصرية، تناول الاتصال «العلاقات الوثيقة بين مصر وروسيا، وما تشهده من زخم متزايد في مختلف مسارات التعاون، ولا سيما المجالات الاقتصادية والتجارية». وأعرب عبد العاطي عن اعتزاز مصر بـ«الشراكة الاستراتيجية» التي تربط البلدين، التي تمثل إطاراً حاكماً للتعاون الثنائي في مختلف القطاعات. وأكّد أهمية مواصلة العمل المشترك لدفع مشروعات التعاون الجارية، وفي مقدمتها محطة «الضبعة النووية»، بما يسهم في تعزيز الاستثمارات الروسية في مصر وتوسيع التعاون بين الجانبين.

وشهد الرئيسان؛ المصري عبد الفتاح السيسي، والروسي فلاديمير بوتين، افتراضياً عبر تقنية الفيديو كونفرانس، الشهر الماضي، مراسم وضع «وعاء الضغط» لمفاعل الوحدة الأولى بمحطة «الضبعة النووية»، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي اللازم للمحطة، ما عدّه خبراء «خطوة أولى لإنتاج الطاقة النووية».

ومحطة «الضبعة» النووية هي أول محطة للطاقة النووية في مصر، وتقع في مدينة الضبعة بمحافظة مرسى مطروح على ساحل البحر المتوسط. وكانت روسيا ومصر قد وقّعتا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 اتفاقية للتعاون لإنشاء المحطة، ثم دخلت عقودها حيّز التنفيذ في ديسمبر (كانون الأول) 2017.

جانب من محطة «الضبعة النووية» الشهر الماضي (هيئة المحطات النووية)

وأكّد عبد العاطي، خلال الاتصال الهاتفي، الجمعة، على «أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2803 والمضي في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي للسلام في غزة»، لافتاً إلى «ضرورة تمكين قوة الاستقرار الدولية من أداء مهامها لترسيخ وقف إطلاق النار».

وبحسب «الخارجية المصرية»، استعرض عبد العاطي «الجهود التي تبذلها مصر في إطار (الآلية الرباعية) لوقف النزاع والحفاظ على وحدة وسلامة الدولة السودانية»، كما استعرض «ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة وسيادة وأمن واستقرار لبنان». وجدد موقف مصر «الداعي إلى احترام وحدة وسيادة الأراضي السورية، ورفض أي تحركات أو تدخلات من شأنها تقويض استقرار البلاد»، داعياً إلى «تفعيل عملية سياسية شاملة تحقق تطلعات الشعب السوري».

وأعربت مصر، نهاية نوفمبر الماضي، عن أملها في «بدء عملية سياسية بالسودان (دون إقصاء)». وأكّدت «احترام السيادة السودانية».

وتعمل «الآلية الرباعية»، التي تضم المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والولايات المتحدة، من أجل وقف إطلاق للنار في السودان، وسبق أن عقدت اجتماعاً على المستوى الوزاري بواشنطن، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكّدت على «ضرورة بذل كل الجهود لتسوية النزاع المسلح في السودان». كما طرحت في أغسطس (آب) الماضي «خريطة طريق»، دعت فيها إلى «هدنة إنسانية لمدة 3 أشهر، تليها هدنة دائمة لبدء عملية سياسية وتشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال 9 أشهر».

أطفال سودانيون فرّوا مع عائلاتهم جراء المعارك الدامية يجلسون في مخيم قرب الفاشر (رويترز)

وتطرق الاتصال الهاتفي، الجمعة، إلى تطورات الملف النووي الإيراني، حيث أكد عبد العاطي «أهمية مواصلة الجهود الرامية إلى خفض التصعيد، وبناء الثقة وتهيئة الظروف، بما يتيح فرصة حقيقية للحلول الدبلوماسية واستئناف الحوار بهدف التوصل إلى اتفاق شامل للملف النووي، يأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف، ويسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي».

على صعيد آخر، تناول عبد العاطي ولافروف مستجدات الأزمة الأوكرانية، حيث جدّد وزير الخارجية المصري «التأكيد على موقف القاهرة الثابت الداعي إلى ضرورة مواصلة الجهود الرامية إلى التوصل لتسويات سلمية للأزمات، عبر الحوار والوسائل الدبلوماسية، بما يحفظ الأمن والاستقرار».


أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
TT

أزمة شرق الكونغو... «اتفاق سلام» في واشنطن «لا يخلو من عثرات»

الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي يشارك في حفل توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن (أ.ف.ب)

خطوة جديدة نحو إنهاء أزمة شرق الكونغو التي تصاعدت منذ بداية العام، مع توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيسي رواندا بول كاغامي، والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، في واشنطن، الخميس، اتفاقاً يعزز فرص السلام والتعاون الاقتصادي بتلك المنطقة الأفريقية التي تخوض نزاعاً منذ عقود.

ذلك الاتفاق الذي أكد ترمب أنه «وضع حداً للنزاع»، يراه خبير في الشأن الأفريقي تحدث لـ«الشرق الأوسط» خطوة تحمل أملاً كبيراً لشرق الكونغو الديمقراطية، لكن «تحتاج لتطبيق فعلي على أرض الواقع، وآليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، في ظل تكرار المواجهات رغم التفاهمات التي جرت خلال الآونة الأخيرة».

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو 3 عقود. وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتين.

وقال كاغامي عقب توقيع الاتفاق: «ستكون هناك عثرات أمامنا، لا شك في ذلك»، بينما وصف تشيسكيدي الاتفاق بأنه «بداية مسار جديد، مسار يتطلب الكثير من العمل».

وهذه النبرة الأكثر حذراً من الرئيسين الأفريقيين تأتي في ظل تواصل المعارك في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي بيانين متبادلين، الثلاثاء، اتهم جيش الكونغو، ومتمردو «23 مارس» بعضهما بـ«انتهاك اتفاقيات وقف إطلاق النار القائمة التي جرى تجديدها الشهر الماضي». وفي مؤتمر صحافي في واشنطن، الأربعاء، حمّل المسؤول الكونغولي، باتريك مويايا، الحركة «مسؤولية القتال الأخير»، قائلاً إنه «دليل على أن رواندا لا تريد السلام».

وتفاقمت الهجمات التي تهدد المسار السلمي في الأشهر الثلاثة الأخيرة؛ إذ برزت جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة»، الموالية لتنظيم «داعش» الإرهابي منذ عام 2019 تحت اسم «ولاية وسط أفريقيا»، وتواصلت هجمات الجماعة في مناطق شرق الكونغو مع تصاعد عمليات حركة «23 مارس»، وجماعة «مؤتمر الثورة الشعبية» المسلحة التي أسّسها توماس لوبانغا، وذلك خلال أشهر يوليو (تموز) وأغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني).

المحلل السياسي التشادي، الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى، يرى أن «اتفاق واشنطن» بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، خطوة تحمل قدراً من الأمل، لكنه يبقى أملاً هشاً للغاية، موضحاً أنه رغم أن التوقيع الرسمي يمنح الانطباع بأن البلدين دخلا مرحلة جديدة من التهدئة، فإن الواقع في شرق الكونغو يكشف عن أن الطريق إلى السلام ما زال طويلاً وشائكاً.

ولفت إلى أنه رغم التوقيع، عادت الاشتباكات إلى الاشتعال في مناطق كيفو، وهو ما يدل على أن المشكلة أعمق بكثير من اتفاق يعلن من واشنطن، مشدداً على أن «السلام في شرق الكونغو يحتاج أكثر من توقيع، ويحتاج إلى آليات تنفيذ صارمة، وضمانات دولية حقيقية، وتعامل مباشر مع مطالب المجتمعات المحلية التي عاشت سنوات من الإهمال والصراع».

ترمب يحيي حفل توقيع «اتفاق السلام» مع بول كاغامي وفيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)

والاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية، هو الأحدث ضمن سلسلة تفاهمات بإطار سلام في يونيو (حزيران) الماضي بواشنطن، بخلاف إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر الماضي في قطر، استكمالاً لاتفاق في 19 يوليو الماضي.

ووسط ذلك التقدم، رحبت مصر في بيان لـ«الخارجية»، الجمعة، بتوقيع اتفاقات السلام والازدهار في واشنطن بين الكونغو الديمقراطية رواندا، مؤكدة أنه «يمثل خطوة بالغة الأهمية نحو إنهاء حالة التوتر وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى، بما يسهم في دعم جهود إحلال السلام، وترسيخ أسس المصالحة وإفساح المجال للتنمية الشاملة في المنطقة».

وأمام هذا الواقع والتفاؤل المصري، يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أنه يمكن الحفاظ على الاتفاق وتجاوز عثراته عبر خطوات عملية وواضحة، أهمها تنفيذ البنود الأمنية بشكل جدي، خصوصاً انسحاب القوات الرواندية ووقف أي دعم للجماعات المسلحة، وبناء ثقة مع سكان شرق الكونغو عبر تحسين الأمن، وإشراكهم في أي ترتيبات ميدانية، باعتبارهم الأكثر تأثراً، ودون رضاهم سيظل الاتفاق هشاً.

ويعتقد أن الأمل المصري بشأن اعتبار الاتفاق خطوة مهمة لإنهاء التوتر بين البلدين، يعود إلى «احتمال تجاوز حالة الانسداد السياسي التي سادت لسنوات»، مؤكداً أن «هذه الخطوة يُمكن أن تترجم إلى استقرار فعلي إذا بدأ الطرفان بتنفيذ البنود الأكثر حساسية، وهي الانسحاب التدريجي للقوات، ووقف دعم الجماعات المسلحة، والانتقال من منطق المواجهة إلى منطق التعاون».

وشدد على أنه يمكن أن يستمر اتفاق السلام إذا تحول إلى عملية تنفيذ ملزمة تشارك فيها الأطراف الإقليمية والدولية، لكن إن بقي الوضع الميداني على حاله، أو استُخدم الاتفاق غطاءً لإعادة تموضع قوات أو جماعات مسلحة، فسيظل مجرد هدنة مؤقتة معرضة للانهيار في أي وقت.