الأزمة الصحية في السودان تصل إلى «مستويات خطيرة للغاية»

تقرير أممي يؤكد وقوع 51 هجوماً على مرافق صحية... وأكثر من ثلثي المستشفيات خارج الخدمة

TT

الأزمة الصحية في السودان تصل إلى «مستويات خطيرة للغاية»

الأزمة الصحية في السودان تصل إلى «مستويات خطيرة للغاية»

أعلنت منظمة الصحة العالمية أن النزاع في السودان قد تسبب في أزمة صحية لنحو 3.4 مليون مواطن أجبروا على الفرار إلى بر الأمان، سواء داخل البلاد أو عبر حدودها، مؤكدة وجود بلاغات عن حالات من الأمراض المعدية وسواها من الأمراض الأخرى بين السكان النازحين الذين التمسوا المأوى في مواقع يصعب الوصول إليها، حيث الخدمات الصحية محدودة.

وقال الدكتور نعمة سعيد عابد، ممثل منظمة الصحة العالمية بالسودان، في مؤتمر صحافي افتراضي: «إن حجم الأزمة الصحية هائل. ونحن نعمل جاهدين على زيادة استجابتنا، وتقديم الإمدادات الطبية الحيوية، وغيرها من الإمدادات الصحية الطارئة».

الأزمة قد تتفاقم

وتعد منظمة الصحة العالمية واحدة من كثير من وكالات الأمم المتحدة التي تستجيب للاحتياجات الهائلة منذ اندلاع الحرب في منتصف نيسان (أبريل)، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع المناوئة. وأصدرت الوكالة، الشهر الماضي، نداء طارئاً لتأمين 145 مليون دولار لدعم عملياتها، التي تم تمويل نسبة 10 في المائة منها فقط. مع تأثير الأزمة الصحية على المنطقة بأسرها، وتضاؤل الآمال في تحقيق السلام، يُخشى من تفاقم الأمور.

متطوعون يعدون طعاماً لنازحين من السودان إلى تشاد الأربعاء (رويترز)

مهاجمة المرافق الصحية

وأفادت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها على موقعها، بأن الأوضاع الصحية في السودان نفسه «قد بلغت مستويات خطيرة للغاية»، مشيرة إلى أن أكثر من ثلثي المستشفيات لا يزال خارج الخدمة وسط ازدياد التقارير عن وقوع هجمات على المرافق الصحية.

وأشارت المنظمة إلى أنها تحققت حتى الآن، من وقوع 51 هجوماً على المرافق الصحية، مما أسفر عن 10 حالات وفاة و 24 إصابة - وقطع سُبل الحصول على الرعاية التي تشتد الحاجة إليها.

تشاد تستقبل ما معدله 2500 نازح يوميا... وتم رصد أكثر من 1400 حالة إصابة بالصدمات تم معالجتها هناك، بما في ذلك أكثر من 60 عملية جراحية كبرى.


منظمة الصحة العالمية

وقال الدكتور نعمة: «رغم أن الهجمات على المرافق الصحية وانتشار انعدام الأمن يزيدان من تفاقم التحديات، فإننا مصممون على الوصول إلى من هم في أمس الحاجة إلى المساعدة، ونحث على زيادة دعم الجهات المانحة لضمان تقديم المساعدات على النحو المناسب».

دعم دول الجوار

وفر ما يقرب من 760 ألف شخص ممن هجروا ديارهم بسبب القتال إلى 5 بلدان مجاورة - هي جمهورية أفريقيا الوسطى، وتشاد، ومصر، وإثيوبيا، وجنوب السودان - وتقوم منظمة الصحة العالمية مع شركائها من السلطات الوطنية في توفير المساعدة الصحية الطارئة لهم.

وتوجه معظم اللاجئين إلى تشاد، التي تستقبل ما معدله 2500 نازح يومياً. وقد حددت المنظمة وشركاؤها أكثر من 1400 حالة إصابة بالصدمات وعالجوها هناك، بما في ذلك أكثر من 60 عملية جراحية كبرى.

وتُعزى نسبة 70 في المائة من حالات الإصابة الجسدية إلى إصابات ناجمة عن طلقات نارية، في حين يُبلغ عن حالات إصابة بالملاريا وسوء التغذية والكوليرا بين النازحين.

«ضغوط هائلة» في تشاد

وتستضيف تشاد وحدها الآن أكثر من ربع مليون شخص، ومن المتوقع أن يصل عدد مماثل بحلول نهاية العام، وفقاً لما ذكره الدكتور جان بوسكو نديهوكوبوايو، ممثل المنظمة في البلاد.

وأضاف: «من شأن ذلك أن يزيد بشكل كبير من الاحتياجات الصحية، ويفرض ضغوطاً هائلة على المرافق الصحية المتاحة».

وذكر تقرير منظمة الصحة العالمية أنه تم أيضاً تحديد حالات الملاريا بين الأطفال دون سن الخامسة، فضلاً عن الحالات المشتبه في إصابتها بالحمى الصفراء، من بين ما يقرب من 17 ألف شخص نزحوا إلى جمهورية أفريقيا الوسطى.

عند نقطة الانهيار في جنوب السودان

وحسب التقرير الأممي، فقد جرى الإبلاغ عن تفشي مرض الكوليرا في مواقع بشمال إثيوبيا، حيث تستقبل أعداداً كبيرة من النازحين. في الأثناء ذاتها، أدى تدفق أكثر من 176 ألف شخص إلى جنوب السودان إلى استنزاف المرافق في منطقة الرنك، حيث يؤدي الارتفاع الحاد في حالات الإسهال المائي الحاد بين الأطفال دون الخامسة من العمر إلى ارتفاع معدل الوفيات. كما جرى الإبلاغ عن ارتفاع كبير في حالات سوء التغذية الحادة الشديدة والحصبة بين هؤلاء الأطفال.


مقالات ذات صلة

بوارج إريترية في سواحل السودان... رسائل في بريد إثيوبيا

شمال افريقيا رئيس إريتريا آسياس أفورقي مستقبِلاً الفريق عبد الفتاح البرهان في أسمرا سبتمبر 2023 (مجلس السيادة السوداني «فيسبوك»)

بوارج إريترية في سواحل السودان... رسائل في بريد إثيوبيا

رست الجمعة بوارج إريترية في السواحل السودانية، أثارت جدلاً كبيراً بشأن دواعيها في هذا التوقيت الذي تشهد فيه البلاد قتالاً بين الجيش و«قوات الدعم السريع»

محمد أمين ياسين (ودمدني السودان)
شمال افريقيا إيمان وأيمن التوأمان داخل وحدة سوء التغذية بمستشفى الأطفال بأم درمان (نيويورك تايمز)

«فسيفساء جبهات القتال المتغيرة» في السودان

ديكلان والش، كبير مراسلي صحيفة «نيويورك تايمز» في أفريقيا، يكتب من السودان... بلد لم يتمكن سوى عدد قليل من الصحافيين من الدخول إليه وسط حرب أهلية.

ديكلان والش (نيروبي)
شمال افريقيا رجل يحمل سوطاً يحاول السيطرة على حشد من اللاجئين السودانيين يتدافعون للحصول على الطعام بمخيم أدري (نيويورك تايمز)

السودان في مواجهة إحدى أسوأ المجاعات في العالم

في الوقت الذي يتجه فيه السودان صوب المجاعة، يمنع جيشه شاحنات الأمم المتحدة من جلب كميات هائلة من الغذاء إلى البلاد عبر معبر «أدري» الحدودي الحيوي مع تشاد.

ديكلان والش (نيويورك)
شمال افريقيا صورة أرشيفية تُظهر دخاناً يتصاعد فوق الخرطوم مع اشتباك الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» (رويترز)

«الخارجية السودانية»: ندرس المبادرة الأميركية لوقف إطلاق النار

تقتصر المحادثات بين طرفي القتال في السودان؛ الجيش و«الدعم السريع»، على بحث وقف إطلاق النار والعنف في جميع أنحاء البلاد، لتمكين وصول المساعدات.

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا مسلّحون من «الدعم السريع» في سنار (مواقع التواصل)

«الدعم السريع» يعلن الاستيلاء على السوكي وإحكام الحصار على سنار

تعد مدنية السوكي واحدة من مدن ولاية سنار الاستراتيجية وتقع على الضفة الشرقية لنهر النيل الأزرق وتبعد عن العاصمة الخرطوم بنحو 300 كيلومتر.

أحمد يونس (كمبالا)

بوارج إريترية في سواحل السودان... رسائل في بريد إثيوبيا

رئيس إريتريا آسياس أفورقي مستقبِلاً الفريق عبد الفتاح البرهان في أسمرا سبتمبر 2023 (مجلس السيادة السوداني «فيسبوك»)
رئيس إريتريا آسياس أفورقي مستقبِلاً الفريق عبد الفتاح البرهان في أسمرا سبتمبر 2023 (مجلس السيادة السوداني «فيسبوك»)
TT

بوارج إريترية في سواحل السودان... رسائل في بريد إثيوبيا

رئيس إريتريا آسياس أفورقي مستقبِلاً الفريق عبد الفتاح البرهان في أسمرا سبتمبر 2023 (مجلس السيادة السوداني «فيسبوك»)
رئيس إريتريا آسياس أفورقي مستقبِلاً الفريق عبد الفتاح البرهان في أسمرا سبتمبر 2023 (مجلس السيادة السوداني «فيسبوك»)

في خطوة مفاجئة، رست الجمعة بوارج إريترية في السواحل السودانية، أثارت جدلاً كبيراً بشأن دواعيها في هذا التوقيت الذي تشهد فيه البلاد قتالاً بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، وبعد قرار أسمرا المفاجئ طرد دبلوماسي سوداني، وهي خطوة عدّها محللون سياسيون تعبيراً عن العلاقات القوية بين البلدين، ورسائل لدول إقليمية بوقوف إريتريا إلى جانب الجيش السوداني.

وفي سياق آخر، علمت «الشرق الأوسط»، من مصادر عليمة، أن رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، أوفد مسؤولاً رفيع المستوى إلى القاهرة، يحمل رسالة إلى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي لزيارة بورتسودان، وشملت الدعوات أيضاً الرئيس الإريتري آسياس أفورقي والأوغندي يوري موسيفيني.

واستقبلت القوات البحرية السودانية القطع الإريترية التي جاءت بتوجيهات من الرئيس أفورقي، للتأكيد على «وقوفه مع الشعب السوداني الشقيق في هذه الظروف التي تمر بها البلاد»، وتوطيداً للعلاقات الراسخة بين الشعبين، وفق مسؤولين عسكريين سودانيين. وكان في استقبال الوفد الإريتري كبار قادة القوات البحرية السودانية.

وتأتي هذه الخطوة بعد أن أعلنت الحكومة الإريترية أن القائم بالأعمال السوداني، خالد حسن، شخصاً غير مرغوب فيه، وأمهلته 3 أيام للمغادرة، انتهت بالتزامن مع وصول بوارجها إلى بورتسودان.

وقال وكيل وزارة الخارجية السودانية، حسين الأمين، في مؤتمر صحافي الخميس الماضي بمدينة بورتسودان العاصمة المؤقتة، إن بلاده تنتظر توضيحاً من أسمرا على قرار طرد سفيرها.

ويتمتع الجيش السوداني بعلاقات جيدة مع أفورقي، وسبق وأشاد بمواقفه مساعد القائد العام للجيش، الفريق ياسر العطا، بعدما هاجم زعماء دول عدد من الجوار السوداني، واتهمها صراحة بدعم ومساندة «قوات الدعم السريع» في الحرب ضد الجيش.

وقال رئيس وفد البحرية الإريترية في تسجيل مصور: «وصلنا في هذا الظرف الصعب لنؤكد أننا مع قضية السودان العادلة، ونقف دوماً مع قادة الجيش والبحرية والمشاة وسلاح الطيران»، مضيفاً: «نأمل في أن يتعدى السودان هذه المرحلة، وموقفنا ثابت في رفض التدخلات الأجنبية». وأكد المسؤول الإريتري تواصل العلاقات والزيارات بين البلدين التي تؤكد على الحلف الاستراتيجي القوي الذي يصب في مصلحة البلدين.

ويقول المحلل السياسي السوداني، صالح عمار، إن «العلاقة بين الرئيس الإريتري وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان تطورت وقويت بشكل أكبر بعد أشهر قليلة من اندلاع الحرب في السودان بين الجيش والدعم السريع»، مضيفاً أن «هذا الأمر معلن مسبقاً».

رسالة إلى إثيوبيا

وعدّ خطوة إرسال إريتريا قطعاً من سلاح البحرية إلى السواحل السودانية «رسالة في بريد إثيوبيا ودول إقليمية أخرى»، مفادها أن العلاقات بين إريتريا والسودان قوية، و«أنها على استعداد لحمايته». وأرجع صالح الموقف الإريتري إلى ما يتردد من مزاعم عن وجود علاقات وثيقة تربط إثيوبيا ودولاً أخرى بـ«قوات الدعم السريع»، وهو ما تراه يشكل خطراً عليها.

ويوضح المحلل السياسي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن توتر العلاقات بين البلدين، الذي أدى إلى اتخاذ الحكومة الإريترية قراراً مفاجئاً بطرد السفير السوداني، جاء رد فعل على الزيارة التي أجراها رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد إلى بورتسودان، ولقائه قائد الجيش السوداني.

وقال إن «الموانئ السودانية على ساحل البحر الأحمر استقبلت خلال السنوات الماضية سفناً حربية وتجارية من روسيا وإيران وغيرهما من الدول في إطار التعاون المشترك مع السودان، لكن إريتريا ربما قصدت من هذه الزيارة في هذا التوقيت أن تشير إلى قوة تحالفها مع الجيش السوداني».

واستبعد أن يكون التحرك بتنسيق بين إريتريا وروسيا، أو ذا صلة بالصراع الدولي في منطقة البحر الأحمر، منوهاً بأن إريتريا لن تقدم على أي فعل يمكن أن يلحق الضرر بحلفائها الأساسيين في الإقليم.

بدوره، رأى المحلل السياسي، الجميل الفاضل، أن وجود القطع الحربية البحرية الإريترية ببورتسودان، في ھذا التوقيت، يعطي مؤشراً لمؤازرة الجيش معنوياً على الأقل في حربه ضد «الدعم السريع».

وقال: «منذ الطرد المفاجئ للقائم بالأعمال السوداني من أسمرا طرأت تطورات اتخذت طابعاً دراماتيكياً من خلال بث صور للقاء تم بين الرئيس آسياس أفورقي، وزعيم قبائل البجا السودانية، محمد الأمين ترك، وتبع ذلك بالطبع مباشرة زيارة البوارج الإريترية إلى ميناء بورتسودان».

وأضاف أن «ما يربط بين تلك الأحداث أنها جاءت في أعقاب الزيارة الغامضة لرئيس الحكومة الإثيوبية، آبي أحمد لبورتسودان». وأشار إلى أن «أسمرا بدأت تشعر بأنها مبعدة عن مساعي التسوية في السودان، وتحركها الأخير يعبر عن تململ ورفض لإبعادها عن الجهود الإقليمية والدولية الجارية حالياً على قدم وساق لإنجاح المبادرة الأميركية الساعية لإنهاء الحرب في السودان».