النظام المصرفي السوداني مشلول... والرواتب للجنود فقط

للشهر الرابع على التوالي... الحكومة عاجزة عن تقديم الخدمات... والفقر يدق الأبواب

البنك المركزي السوداني متوقف عن العمل منذ اندلاع الحرب في أبريل الماضي
البنك المركزي السوداني متوقف عن العمل منذ اندلاع الحرب في أبريل الماضي
TT

النظام المصرفي السوداني مشلول... والرواتب للجنود فقط

البنك المركزي السوداني متوقف عن العمل منذ اندلاع الحرب في أبريل الماضي
البنك المركزي السوداني متوقف عن العمل منذ اندلاع الحرب في أبريل الماضي

تُتداول على نطاق واسع دعوات لأصحاب محلات البقالة في الأحياء للسماح لزبائنهم بالاستدانة، على حساب رواتبهم التي لم يقبضوها طوال ثلاثة أشهر، أي منذ اندلاع الحرب في البلاد، فيما ازدحمت وسائط التواصل الاجتماعي باستغاثات عاملين محتاجين، لأن رواتبهم لم تُصرف، ويجدون أنفسهم عاجزين عن البقاء في منازلهم بسبب القتال، أو مغادرتها إلى حيث يتوفر لهم الأمان وربما الغذاء، فيما لا يزال النظام المصرفي متعثراً، ما حال ويحول دون وصول حتى القادرين إلى أرصدتهم لتسيير شؤون حياتهم.

وقال أحد تجار البقالة، في صفحته على «فيسبوك»، إن متجره خلا من السلع، ونشر صورة للمحل ورفوفه خالية، ما عدا بعض كراريس المدارس وأكياس ملح الطعام. وأضاف: «كل السلع التي كانت في المحل قبل الحرب استدانها زبائني على أمل تسديد قيمتها بعد تسلم رواتبهم، لكنّ الرواتب لم تأتِ»، مؤكداً أنه غير نادم، لأنه فعل ذلك لوجه الله.

وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم وزارته عاجزة (رويترز)

ويشكو الكثير من ذوي المداخيل المحدودة من سوء أوضاعهم، كما يشكو مَن استطاع منهم الفرار بعيداً عن الحرب، من العجز عن توفير مسكن لأسرته بسبب الإيجارات الباهظة التي يطلبها ملاك المنازل في مدن النزوح أو حتى القرى، والتي تراوحت بين ما يعادل ألف دولار وألفي دولار. وشوهد كثيرون منهم وهم يبيعون كل ما يمكن أن يباع، لتوفير لقمة طعام لطفل صغير يصرخ من الجوع

الموظفون بلا رواتب

ولم يقبض كل موظفي الدولة رواتبهم منذ اندلاع حرب الجنرالين في السودان في 15 أبريل (نيسان) الماضي. ومرت حتى الآن ثلاثة أشهر ودخل الشهر الرابع، ولا تزال الرواتب في رحم الغيب، وبدا واضحاً عجز الدولة عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه العاملين في أجهزتها.

كما أسهم تعطل وشلل النظام البنكي والمصرفي، بما فيه «بنك السودان المركزي»، في تعقيد الأوضاع بالنسبة للمواطنين كافة، وتأثر به حتى من يملكون مدخرات في حساباتهم في البنوك، فأصبحوا هم الآخرون معوزين رغم ثرائهم.

وقال مصدر في بنك السودان لـ«الشرق الأوسط» إن العاملين في البنك المركزي نفسه لم يقبضوا رواتب الأشهر الثلاثة الماضية، وإن كل ضغوطهم لم تثمر سوى دفع إدارة البنك ما أطلقت عليه «حافز العيد»، وهو أقل من راتب شهر واحد.

الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم عطلت تقديم الخدمات (أ.ف.ب)

وأوضح المصدر أن البنك لم يصرف أي مرتبات سوى مرتبات ضباط وجنود الجيش، وأموال تسيير بعض المنشآت الحساسة. وقال: «رئاسة بنك السودان وفروعه في الخرطوم معطلة بشكل كامل، ولا يعمل سوى بعض فروعه خارج الخرطوم».

أسباب الشلل

وعزا المصدر شلل الجهاز المصرفي، الذي رافقه شلل المتعاملين معه، إلى توقف النظم الإلكترونية في البنوك، وقال: «عادت البنوك وبنك السودان إلى أسلوب العمل اليدوي عن طريق الدفاتر والمستندات الورقية، بعد أن تعطلت كل نظمها الإلكترونية»، مؤكداً أن النظام الإلكتروني لبنك السودان المعروف بـ«سراج»، تعطل كلياً. وقال: «نظام سراج يربط المصارف بعضها ببعض وببنك السودان، على مستوى حسابات رئاساتها. كذلك تعطل نظام التسويات بين البنوك، والمقاصة الإلكترونية، وتوقف محول القيود القومي، وتبعاً له تعطلت الصرافات الآلية وبطاقات الصرف الآلي ونقاط البيع الإلكترونية».

وأسف المصدر المصرفي لفشل النظم الإلكترونية للمصارف السودانية، وعزاه لعدم اهتمامها بتوفير نسخ بديلة (Backup)، وأضاف: «بنك السودان يدير الآن عملياته بواسطة تطبيق التراسل (واتساب)، لأنه لا يملك نظاماً لإدارة عملياته من خارج فرعه الرئيسي الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع». وتابع: «لا يملك بنك السودان مركزاً للمعافاة من الكوارث لاستخدامه في حالة فشل النظام، رغم وجود مقترحات سابقة لم تنفَّذ بعمل نسخة احتياطية بعيداً عن الرئاسة في بورتسودان أو ودمدني».

ولم تتعرض رئاسة البنك المركزي في منطقة المقرن، غربي الخرطوم، لعمليات تخريب، بيد أن المصدر قال: «فُرضت عليها حراسة قوية، ويُمنع أي شخص من دخولها»، مؤكداً توقف عمل فرع الخرطوم الذي تعرض لحريق وتعطلت معه شركة الخدمات المصرفية الإلكترونية، وخدمات المقاصة الإلكترونية ومحول القيود القومي.

وبسبب عدم وجود نسخة احتياطية، فإن انتقال محافظ بنك السودان إلى مدينة بورتسودان (أقصى شرق البلاد) وإدارة عملياته من هناك عبر تطبيق «واتساب»، لن يحل أزمة الرواتب أو يسهم في استفادة المودعين من مدخراتهم.

سودانيون وأجانب هاربون من المعارك في العاصمة الخرطوم (أ.ف.ب)

وكشف المصدر ورود تعليمات من وزير المالية بعدم صرف أي رواتب، وأن وزارته أوقفت تغذية حساباتها، وقال: «لا توجد مرتبات للعاملين في الدولة، والجهة الوحيدة التي تصرف مرتباتها هم ضباط وأفراد الجيش، الذين يتسلمون رواتبهم بشكل سائل (كاش)».

لكنّ المتحدث باسم وزارة المالية، أحمد الشريف، نفى في حديث هاتفي مع «الشرق الأوسط» صدور تعليمات من وزارته بعدم صرف الرواتب، وقال إنه لا يملك في الوقت الحالي معلومات عن متى سيتم صرف الرواتب، لأن الوزارة في إجازة، والوزير والوكيل غير موجودين حالياً.

ونقلت مصادر صحافية في وقت سابق أن وزير المالية، جبريل إبراهيم، وعدداً من كبار مساعديه وطاقمه في الوزارة، غادروا البلاد إلى مصر لقضاء عطلة عيد الأضحى.

وعزا الشريف عدم صرف الرواتب للأشهر الثلاثة الماضية إلى الأوضاع التي تعيشها البلاد بسبب الحرب، وقال: «لا توجد إيرادات كافية لدفع المرتبات بسبب الحرب». لكنه توقع حلاً قريباً لأزمة الرواتب لم يحدد مداه الزمني.

ومع انقضاء شهر يوليو (تموز) الجاري، يكون السودانيون قد قضوا «ثلث عام» من دون رواتب، ولا أحد يعرف كيف يديرون أمورهم، كما قضاه آخرون وهم يتكدسون أمام المصارف والبنوك من أجل الحصول على بعض مدخراتهم، راسمين لوحة فقر تبعث على الأسى.



البرهان يسمح للمنظمات الإغاثية باستخدام 3 مطارات لتخزين مواد الإغاثة

قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يؤدي التحية العسكرية خلال فعالية في بورتسودان 25 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يؤدي التحية العسكرية خلال فعالية في بورتسودان 25 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

البرهان يسمح للمنظمات الإغاثية باستخدام 3 مطارات لتخزين مواد الإغاثة

قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يؤدي التحية العسكرية خلال فعالية في بورتسودان 25 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان يؤدي التحية العسكرية خلال فعالية في بورتسودان 25 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

قال مجلس السيادة السوداني، اليوم (الاثنين)، إن رئيس المجلس الفريق عبد الفتاح البرهان وجّه بالسماح لمنظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة باستخدام 3 مطارات بوصفها مراكز لتخزين مواد الإغاثة الإنسانية.

وأوضح المجلس، في بيان له، أنه تمّ السماح لتلك المنظمات بالاستفادة من مطارات كل من مدينة كادوقلي بولاية جنوب كردفان، ومدينة الأبيض بولاية شمال كردفان، ومطار مدينة الدمازين في إقليم النيل الأزرق بوصفها «مراكز إنسانية لتخزين مواد الإغاثة».

كما سمح رئيس المجلس بتحرّك موظفي وكالات الأمم المتحدة مع القوافل التي تنطلق من تلك المناطق، والإشراف على توزيع المساعدات، والعودة إلى نقطة الانطلاق فور الانتهاء.

وتسبّبت الحرب التي اندلعت بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) من العام الماضي في أكبر أزمة نزوح في العالم.