الحرب تحرم السودانيين من خروف العيد

الشرطة السودانية تقوم بدوريات في السوق الرئيسية في ود مدني (أ.ف.ب)
الشرطة السودانية تقوم بدوريات في السوق الرئيسية في ود مدني (أ.ف.ب)
TT

الحرب تحرم السودانيين من خروف العيد

الشرطة السودانية تقوم بدوريات في السوق الرئيسية في ود مدني (أ.ف.ب)
الشرطة السودانية تقوم بدوريات في السوق الرئيسية في ود مدني (أ.ف.ب)

خلافاً لكل عام، لن يتمكن كثير من السودانيين من الاحتفال بعيد الأضحى الذي سيكون برأيهم «بائساً وحزيناً» بسبب الحرب المستعرة منذ أكثر من شهرين بين الجيش وقوات الدعم السريع.

حنان آدم التي هجرت منزلها في حي الأزهري بجنوب الخرطوم، وتعيش في مركز إيواء بمدينة الحصاحيصا (120 كيلومتراً جنوب العاصمة)، تقول: «سيكون يوم العيد حزيناً فنحن نعيش في هذه الظروف» الصعبة.

رجال وأطفال سودانيون نازحون يملأون أوعية بالمياه في ود مدني (أ.ف.ب)

وتتابع هذه الأم لـ6 أبناء أكبرهم عمره 15 عاماً، والأصغر في عامه الثاني: «الأطفال يسألوننا كل لحظة: هل سنعود إلى منزلنا؟».

مواهب عمر فضلت من جانبها البقاء مع أبنائها في الخرطوم رغم الحرب. وتقول إن العيد سيكون «بائساً ولا طعم له». وتضيف: «لا نستطيع حتى شراء خروف».

«مجرد حلم»

أما عمر إبراهيم، الذي يسكن في حي شمبات بالخرطوم مع أطفاله الثلاثة، فيتساءل: «هل ستسكت المدافع يوم العيد؟».

لكن إبراهيم يدرك أن الحرب المستمرة بين قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو «تجعل الطقوس التي اعتدنا كل عيد ممارستها مجرد حلم».

وإذا كانت الحرب بدأت في الخرطوم، فإنها امتدت الآن إلى الولايات الرئيسية التي توفر الماشية في دارفور وكردفان غرب وجنوب السودان، الذي كان أصلاً قبل الحرب واحداً من أفقر بلدان العالم.

الشرطة السودانية تقوم بدوريات في السوق الرئيسية في ود مدني (أ.ف.ب)

أما عثمان مبارك الذي يعمل في تجارة المواشي واعتاد أن يقضي الأيام قبل العيد في بيع الخراف بشوارع الخرطوم التي يجلبها من كردفان، فقال: «لا تجارة لنا هذا العام وعيد الأضحى كان موسماً للربح لنا، والآن أنا والذين يعملون معي نعاني من البطالة».

يجلس محمد بابكر تاجر المواشي وسط خرافه في شارع رئيسي بمدينة ود مدني، ويقول: «أسعار الخراف أقل مقارنة بالعام الماضي بسبب قلة الإقبال على الشراء، وذلك لأن أغلب الناس يعملون في وظائف ولم يتقاضوا مرتباتهم منذ عدة أشهر».

ويتابع: «لكن المعروض من الخراف قليل كذلك؛ إذ لم يستطع تجار كردفان ودارفور الوصول إلى هنا».

بلا رواتب منذ 3 شهور

في سوق ود حامد، على بعد 150 كيلومتراً شمال الخرطوم، في المنطقة التي لم تصل إليها الحرب، نجح عبد الله النمر في تجميع قطيع من الخراف يعرضه للبيع.

ويقول: «لدينا خراف، لكن الناس لا تشتري لأنهم ليست لديهم الأموال الكافية بسبب الحرب».

فتاة تعد الطعام في الخارج بمخيم للنازحين بالصوار (أ.ف.ب)

والنازحون الذين جاءوا بأعداد كبيرة من الخرطوم لم يتقاضوا أي راتب منذ أبريل (نيسان). فالمصارف متوقفة والدولة منحت إجازات للعاملين حتى إشعار آخر.

ويؤكد معاوية محمد وهو تاجر يعاني كذلك من قلة الطلب: «الحرب أثرت على الناس، لم يتقاضوا مرتباتهم ولن يتقاضوها قبل فترة... الوضع صعب والقوة الشرائية ضعيفة».

يمر عماد محيي الدين في سوق ود مدني من دون أن يلتفت إلى الخراف. ويقول: «بالصدفة جئت إلى هنا ولكنني لن أشتري خروفاً هذا العام، لأنني بلا راتب منذ 3 أشهر».


مقالات ذات صلة

بعد خطاب «حميدتي»... هل بدأت الموجة الثانية من الحرب السودانية؟

تحليل إخباري محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

بعد خطاب «حميدتي»... هل بدأت الموجة الثانية من الحرب السودانية؟

العنوان الأبرز لخطاب قائد «قوات الدعم السريع»، هو «الانتقال للحرب الشاملة، على عكس ما ذهب البعض لتفسيره بأنه إقرار بالهزيمة».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا مقر الأمم المتحدة في جنيف (متداولة)

«مجلس حقوق الإنسان» يمدد مهمة بعثة تقصي الحقائق في السودان

صوّت «مجلس حقوق الإنسان»، التابع للأمم المتحدة، الأربعاء الماضي، لصالح تمديد مهمة بعثة تقصي الحقائق بشأن الوضع في السودان، في ظل الحرب المتواصلة فيه.

شمال افريقيا أرشيفية لحميدتي (رويترز)

مصر تنفي اتهامات حميدتي بشن غارات على قواته

نفت مصر اتهامات قائد «قوات الدعم السريع» في السودان محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لها بشن ضربات جوية على قوات مجموعته.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا جنود سودانيون من وحدة «قوات الدعم السريع» (أ.ب)

الجيش السوداني يعلن «تطهير ولاية النيل الأزرق من التمرد»

أعلنت القوات المسلحة السودانية استعادة السيطرة على منطقة جريوة بولاية النيل الأزرق، التي كانت خاضعة لـ«قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا 
مشهد من المعارك التي تجددت قبل أيام في أحد أحياء الخرطوم (رويترز)

500 قتيل خلال 4 أيام في السودان

أدانت أحزابٌ وقوى سياسية سودانية، أبرزها «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم)، القصف الجوي والمدفعي الذي سُجّل خلال الأيام الأربعة الماضية، وأدى إلى مقتل.

أحمد يونس (كمبالا)

بعد خطاب «حميدتي»... هل بدأت الموجة الثانية من الحرب السودانية؟

محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»
محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»
TT

بعد خطاب «حميدتي»... هل بدأت الموجة الثانية من الحرب السودانية؟

محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»
محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

رأى محللون سياسيون في خطاب قائد «قوات الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ليل الأربعاء - الخميس، الذي دعا فيه قواته إلى تنظيم وترتيب صفوفها استعداداً لمعارك قد تستمر لسنوات، بمثابة إعلان عن موجة جديدة من الحرب ستكون أكثر «شراسة وعنفاً»، يسعى من خلالها إلى نقل القتال إلى ولايات شمال البلاد.

وأمر «حميدتي» في تسجيل مصور جميع قواته من الضباط وضباط الصف والجنود في الاحتياط و«الأذونات» بالتبليغ فوراً إلى وحداتهم العسكرية، مشدداً على منع التصوير خلال المعارك. وتعهد بحشد مليون جندي لـ«تحقيق الانتصار» على الجيش السوداني. وبارك انتصارات قواته في مناطق شمال دارفور (غرب البلاد)، داعياً إياها إلى القضاء على «مرتزقة الحركات المسلحة» التي تقاتل في صفوف الجيش.

مسلّحون من «قوات الدعم السريع» في ولاية سنار بوسط السودان (مواقع التواصل)

وأشار إلى أن الجيش السوداني والمجموعات الإسلامية التي تقاتل في صفوفه انتقلوا إلى الخطة «ج»، مؤكداً أنه انتقل إلى الخطة «ب».

وقال المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ لـ«الشرق الأوسط»، إن العنوان الأبرز لخطاب قائد «قوات الدعم السريع»، هو «الانتقال للحرب الشاملة، على عكس ما ذهب البعض لتفسيره بأنه إقرار بالهزيمة».

وأضاف: «الجزء المهم من تصريحاته هو أنه يحاول ممارسة أقصى ضغوط على الأطراف السياسية المدنية، واستمالتها إلى جانبه في المعركة التي يخوضها ضد (النظام الإسلاموي) المعزول الذي أشعل الحرب في البلاد للعودة إلى السلطة مرة أخرى».

وذكر أن «(حميدتي) سعى من خلال إرسال اتهامات مباشرة إلى بعض الدول في الإقليم بالتدخل في الحرب إلى جانب الجيش السوداني، إلى تحجيم دورها، وتنبيه المجتمع الدولي إلى أن هذه التدخلات قد تحول السودان إلى ساحة صراع إقليمي ودولي».

وقال أبو الجوخ: «يبدو واضحاً أن (حميدتي) يمضي في اتجاه استنفار وحشد المكونات الاجتماعية التي تتحدر منها الغالبية العظمى من مقاتلي (الدعم السريع) في غرب البلاد، لخوض موجة جديدة من القتال قد تكون الأكثر شراسة».

وأضاف: «يبدو أن الطرفين قررا المضي نحو حرب عنيفة، وبلا سقوفات؛ الكل ضد الكل، والخطورة فيها أن يسعى كل طرف إلى إيقاع أكبر ضرر بالآخر بغض النظر عن الأضرار الكبيرة التي سترتب على المدنيين».

قائدا الجيش عبد الفتاح البرهان (يسار) و«الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) عام 2019 (أ.ف.ب)

ورأى أبو الجوخ أن «الموجة الثانية من الحرب مع تصاعد الخطاب الإثني والجهوي، قد تؤدي إلى حرب أهلية طاحنة، وتعزز من سيناريو تقسيم البلاد».

وتذهب التوقعات إلى أن قائد «الدعم السريع» ألمح بشكل واضح، إلى أنه سيتجه إلى نقل الحرب إلى ولايات شمال البلاد، بدعوى أنها «تمثل الحواضن الاجتماعية لمركز ثقل الجيش السوداني وحلفائه من المجموعات الإسلامية».

بدوره، قال المتحدث باسم «تحالف القوى المدنية بشرق السودان»، صالح عمار، إن «خروج (حميدتي) للحديث في هذا التوقيت كان متوقعاً بعد الهجوم العسكري الذي شنه الجيش السوداني في عدة محاور».

وأضاف أن «مجمل الخطاب مؤشر نحو تصعيد الحرب واشتداد أوارها من جديد، خصوصاً انتهاء موسم الخريف الذي حد من قدرات (قوات الدعم السريع) على التوغل إلى بعض المناطق».

أرشيفية لـ«قوات الدعم السريع» في الخرطوم (رويترز)

وأشار إلى أن «التصعيد ضربة بداية لموجة جديدة للحرب؛ إذ حاول قائد (الدعم السريع) تقديم مبررات للشعب السوداني والعالم، بأن قادة الإسلاميين المتحالفين مع الجيش هم وراء إشعال وإطالة أمد الحرب، وأن قواته تدافع عن نفسها».

وذكر عمار أن «البلاد في حاجة قصوى إلى وقف لإطلاق النار وعملية سياسية، وليس تصعيداً جديداً يتضرر منه ملايين السودانيين، وهو ما حتم على السودانيين جميعاً التوحد ضد الحرب، في مقابل أن يتحرك المجتمع الدولي بشكل عاجل وسريع لوقف الموجة الجديدة من القتال التي قد تؤدي إلى المزيد من الانتهاكات وتفاقم الأوضاع الإنسانية خلال المرحلة المقبلة».