أطل قائد «قوات الدعم السريع» في السودان محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في تسجيل صوتي يوم الثلاثاء، بعد بضع أسابيع من الغياب سرت خلالها إشاعات بأنه مصاب أو قُتل. وقال حميدتي، في التسجيل الذي نشره على حسابه في «تويتر»، إن الحرب التي اندلعت منذ 15 أبريل (نيسان) ستكون «جسراً للوصول إلى تأسيس دولة مدنية ديمقراطية»، مضيفاً أنه «لا مجال لابتلاع السلطة بالانقلابات العسكرية، وأن معالجة أسباب وجذور الحرب التي نخوضها تكون عبر إيجاد حل شامل للأزمة الوطنية التي يواجهها السودان منذ الاستقلال».
وأوضح أن هناك اتصالات مكثفة جارية لتهدئة الوضع في مدينة الجنينة في ولاية غرب دارفور ومعرفة ملابسات حادث اغتيال الوالي خميس أبكر، متهماً الجيش بالعمل على «إشعال حرب قبلية» في الإقليم. وقال: «شكلنا لجنة تحقيق داخلية ستذهب فوراً لمدينة الجنينة للتقصي حول حادثة مقتل والي غرب دارفور ومستعدون للتعاون مع أي لجنة تحقيق مستقلة»، في الحادث الذي وقع الأسبوع الماضي.
واتهم حميدتي الجيش بالعمل على تأجيج الصراع في الولاية قائلاً: «حذرنا كثيراً من الصراع في الجنينة ولدينا معلومات عن تسليح مخابرات الجيش لأطراف في الولاية لإشعال الفتنة». «لدينا أدلة كافية حول عمليات تجنيد من قبل الجيش لأبناء القبائل في دارفور من أجل إشعال حرب قبلية في دارفور والجنينة كانت هي البداية»، مضيفاً: «أمرنا قواتنا بالالتزام بمواقعها وعدم التدخل في الصراع القبلي في الجنينة، لكن الجيش شارك بالدبابات والأسلحة الثقيلة».
اتصال بن فرحان
من جهة أخرى، أجرى الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي، اتصالاً هاتفياً، برئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني الفريق الأول الركن عبد الفتاح البرهان، وبقائد الدعم السريع في السودان «حميدتي».
وجرى خلال الاتصال، بحث مستجدات الأوضاع في جمهورية السودان، حيث أكد وزير الخارجية أهمية التزام جميع الأطراف السودانية، من أجل استعادة مجريات العمل الإنساني، وحماية المدنيين والعاملين في مجال الإغاثة، وسلامة الممرات الإنسانية لوصول المساعدات الأساسية. وجدد وزير الخارجية دعوة المملكة للتهدئة وتغليب المصلحة الوطنية، ووقف كل أشكال التصعيد العسكري، واللجوء إلى حلٍ سياسي يضمن عودة الأمن والاستقرار للسودان وشعبه الشقيق.
اشتباكات رغم الهدنة
ميدانياً، أفاد شهود عيان بأن اشتباكات عنيفة دارت، صباح يوم الثلاثاء، بين الجيش وقوات الدعم السريع بالقرب من المنطقة الصناعية في مدينة الخرطوم بحري، بينما سُمع دوي إطلاق نار متقطع جنوب الخرطوم. كما أبلغ سكان وكالة «أنباء العالم العربي» بسماع أصوات إطلاق نار متقطع جنوب الخرطوم، وذلك رغم عدم انتهاء سريان وقف إطلاق النار بين الطرفين.
ويعاني المدنيون في السودان ظروفاً معيشية صعبة، حيث تحوّلت مناطق سكنية في الخرطوم وأنحاء أخرى من البلاد إلى ساحات للمعارك العسكرية، مع انقطاع الكهرباء وخدمات الاتصال والإنترنت والمياه لساعات طويلة، وخروج العديد من المستشفيات عن الخدمة.
وأعلنت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، في بيان مشترك مساء السبت الماضي، توصل الجيش وقوات الدعم السريع إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد لمدة 72 ساعة، اعتباراً من الساعة السادسة من صباح يوم الأحد بتوقيت الخرطوم.
وذكر البيان أن الطرفين اتفقا على الامتناع خلال فترة وقف إطلاق النار عن «التحركات والهجمات واستخدام الطائرات الحربية أو الطائرات المسيرة أو القصف المدفعي أو تعزيز المواقع أو إعادة إمداد القوات أو محاولة تحقيق مكاسب عسكرية أثناء وقف إطلاق النار». كما اتفق الطرفان على السماح بحرية الحركة وإيصال المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء السودان. وفي حالة عدم التزام الطرفين، سيعاد النظر في تأجيل محادثات جدة.
شوارع ملأى بالجثث
وشرّدت الحرب المستعرة منذ شهرين أكثر من 2.5 مليون سوداني، بين نازح ولاجئ، ولا سيما في دارفور حيث الشوارع ملأى بالجثث، بحسب ما قالت الأمم المتّحدة يوم الثلاثاء.
وأوقعت المعارك أكثر من 3 آلاف قتيل، وفقاً لتقديرات يرى خبراء أنّها أقلّ بكثير من الواقع. وإذا كان الهدوء يخيّم حالياً على العاصمة الخرطوم، فإنّه في الجنينة، المدينة الأكثر تضرراً من الحرب والواقعة في إقليم دارفور حيث تدور أعنف المعارك، الشوارع المهجورة ملأى بالجثث والمتاجر تعرّضت للنهب.
ومنذ أيّام يفرّ سكّان الجنينة سيراً على القدمين في طوابير طويلة، حاملين معهم ما تيسّر، على أمل الوصول إلى تشاد الواقعة على بُعد 20 كيلومتراً إلى الغرب. ويقول هؤلاء الفارّون من أتون المعارك إنّهم يتعرّضون لإطلاق نار ويتمّ تفتيشهم مرّات عدّة على الطريق.
وحذّرت الأمم المتّحدة والاتّحاد الأفريقي ومنظمة «إيغاد» من أنّ النزاع «اكتسب الآن بُعداً عرقياً» مع «هجمات على الهوية».
كذلك، فإنّ الأمم المتّحدة تتحدّث عن احتمال وقوع «جرائم ضدّ الإنسانية». وكان المجتمع الدولي تعهد خلال اجتماع عقد في جنيف يوم الاثنين بتقديم 1.5 مليار دولار من المساعدات، وهو نصف ما تحتاجه المنظمات الإنسانية وفقاً لتقديراتها الميدانية.