مجزرة جديدة جنوب الخرطوم و«الدعم» يعلن إسقاط طائرة حربية

مالك عقار محذراً: أي انتكاسة للجيش ستؤدي إلى انهيار القرن الأفريقي

TT

مجزرة جديدة جنوب الخرطوم و«الدعم» يعلن إسقاط طائرة حربية

حرائق جراء الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم (أ.ف.ب)
حرائق جراء الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم (أ.ف.ب)

شهدت الخرطوم، صباح اليوم (السبت)، قتالاً دامياً واشتباكات بمختلف أنواع الأسلحة. وأعلنت وزارة الصحة السودانية مقتل 17 شخصاً في مجزرة جديدة وقعت داخل سوق شعبية، جنوب الخرطوم، إثر قصف جوي، بينما قالت قوات «الدعم السريع» إنها أسقطت طائرة حربية تابعة للجيش السوداني.

وقالت الوزارة، في بيان، إن «التقديرات الأولية لمجزرة اليرموك (جنوب الخرطوم) تشير إلى سقوط 17 قتيلاً، من بينهم 5 أطفال ونساء ومسنّون، كذلك تم تدمير 25 منزلاً»، وتدمير سوق شعبية.

سودانيون وأجانب هاربون من المعارك في العاصمة الخرطوم (أ.ف.ب)

وتشهد الخرطوم ومناطق سودانية عدة معارك بين الجيش، بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان وقوّات «الدعم السريع»، بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، فشلت في إيقافها كل مساعي الحلّ والغالبية العظمى من اتفاقات وقف إطلاق النار. وزاد النزاع من حدة الأزمات التي يعانيها السودان، ما أثّر على مجمل مناحي حياة السكان الذين يقدّر عددهم بأكثر من 45 مليون نسمة.

قصف جوي على اليرموك

وأفاد شهود و«لجان المقاومة» في جنوب الخرطوم عن تعرّض منطقة اليرموك لقصف جوي، سقط على إثره عدد من الضحايا المدنيين. وأكد الشهود وقوع «اشتباكات بكل أنواع الأسلحة» في جنوب العاصمة، و«قصف صاروخي، وبالمدفعية الثقيلة» مصدره ضاحية أم درمان، بشمال الخرطوم. وتأتي أعمال العنف هذه غداة تأكيد شهود عن تعرض وسط أم درمان لقصف جوي من سلاح الطيران التابع للجيش، طال خصوصاً حي «بيت المال». وتحدثت «لجان المقاومة» المحلية، الجمعة، عن وقوع 3 قتلى وأضرار في عدة منازل بالحي جراء القصف. من جهتها، اتهمت قوات «الدعم السريع» الجيش باستخدام الطيران لقصف «عدد من الأحياء المأهولة بالسكان»، منها «حي بيت المال الذي استشهد فيه أكثر من 20 مدنياً، بعضهم داخل مسجد».

تجمهر للناس بعد قصف إحدى الأسواق بمنطقة مايو، جنوب الخرطوم، 1 يونيو (أ.ف.ب)

ومنذ أكثر من شهرين، تتواصل أعمال العنف بشكل شبه يومي في الخرطوم، التي كان عدد سكانها يتجاوز 5 ملايين نسمة، إلا أن مئات الآلاف غادروها منذ بدء النزاع، في ظل نقص المواد الغذائية وتراجع الخدمات الأساسية، وخصوصاً الكهرباء والعناية الصحية. وتسبب النزاع في مقتل أكثر من 2000 شخص، وفق آخر أرقام «مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح» (أكليد). إلا أن الأعداد الفعليّة قد تكون أعلى بكثير، حسب وكالات إغاثة ومنظمات دولية. كذلك، تسببت المعارك في نزوح أكثر من 2.2 مليون شخص، لجأ أكثر من 528 ألفاً منهم إلى دول الجوار، وفق أحدث بيانات «المنظمة الدولية للهجرة». وعبر أكثر من 149 ألف شخص نحو تشاد المحاذية لإقليم دارفور، حيث تتخوف الأمم المتحدة من وقوع انتهاكات قد ترقى إلى «جرائم ضد الإنسانية»، خصوصاً في مدينة «الجنينة»، مركز ولاية غرب دارفور، إحدى الولايات الخمس للإقليم.

نقل جرحى إلى تشاد

وأشارت منظمة «أطباء بلا حدود» إلى أن زهاء 6 آلاف شخص فرّوا من «الجنينة» خلال الأيام القليلة الماضية فقط، مع تصاعد أعمال العنف في دارفور. وأوضحت المنظمة، في بيان، السبت، أن «ما لا يقل عن 622 جريحاً» أدخلوا مستشفى مدينة «أدري» التشادية الحدودية مع السودان خلال الأيام الثلاثة الماضية. وأشارت إلى أن 430 من هؤلاء يحتاجون إلى «عناية جراحية»، وأن غالبية الإصابات كانت «جراء إطلاق النار».

لاجئون سودانيون في كفرون بدولة تشاد بالقرب من الحدود (رويترز)

وتثير الأوضاع في دارفور قلقاً متزايداً، إذ حذّرت الأمم المتحدة هذا الأسبوع من أن ما يشهده الإقليم قد يرقى إلى «جرائم ضد الإنسانية».

 

«الدعم» يعلن إسقاط طائرة

من جانب آخر، أعلنت قوات «الدعم السريع»، في بيان، إسقاط طائرة حربية من طراز «ميغ» تابعة للجيش السوداني في جنوب العاصمة. ولم يذكر بيان «الدعم السريع» تفاصيل بشأن مصير طاقم الطائرة، لكنه اتهم طيران الجيش باستهداف أحياء سكنية. وقالت قوات «الدعم السريع»، على صفحتها بموقع «تويتر» اليوم: «هاجم طيران الانقلابيين صباح اليوم عدداً من الأحياء السكنية في جنوب الخرطوم (أحياء مايو، اليرموك، مانديلا) ما تسبب في مقتل وإصابة العشرات وسط المدنيين». ولم يتسنَ الحصول على تعليق من المتحدث باسم الجيش السوداني حول هذا الأمر.

أحد عناصر قوات الدعم السريع في موقع قيادة قوات الدفاع الجوي المدمر بالخرطوم (رويترز)

وقالت غرفة طوارئ منطقة «جنوب الحزام»، اليوم (السبت)، إنها ستواصل تحديث حصيلة ضحايا قصف اليرموك، الذين يعالج بعضهم حالياً في «مستشفى بشائر». وأضاف بيان غرفة طوارئ «جنوب الحزام»: «الفواجع والمآسي تتكرر على إنسان منطقة جنوب الحزام بنفس الملامح والمشاهد، إذ أدى القصف الجوي صباح اليوم إلى سقوط قذائف بمنطقة أنقولا غرب، إلى جوار منطقة حيوية وجنوب حي اليرموك».

«الدعم»: جاهزون لكل الاحتمالات

واتهم إبراهيم مخير، مستشار قوات «الدعم السريع»، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان «ومن معه» بالسعي إلى إثارة فوضى في الخرطوم. وقال لـ«وكالة أنباء العالم العربي» إنهم يعملون على تمرير عمليات عسكرية «نحن مستعدون لها، ولأي أجندة أخرى خطيرة».

وأضاف: «هناك مجموعات للاغتيال تسربت إلى الخرطوم، وفي عمليات القتل التي تمت لجنودنا في غير أرض المعركة، تم ذبح جريح من (الدعم السريع)... ما يوضح أن ممارسات (داعش) بدأت تظهر للعيان». ودعا مخير السودانيين إلى إبلاغ قوات «الدعم السريع» أو فرق الطوارئ في حال الاشتباه «حتى أناس يلبسون ملابسنا أو غير ذلك، ونحن سنقوم بالواجب»، مضيفاً أن «هؤلاء أناس لا قلب لهم ولا يراعون الإنسانية». وأكد مخير أن المناطق التي تعرضت للقصف صباح السبت، لا يوجد فيها انتشار لقوات «الدعم السريع». إلى ذلك، دعا الجيش السوداني المواطنين إلى مغادرة منازلهم القريبة من مواقع تمركز قوات «الدعم السريع».

مالك عقار: الوضع كارثي

من جهته، وصف نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، اليوم (السبت)، الوضع في السودان بأنه «كارثي»، قائلاً إن العاصمة الخرطوم تشهد «دماراً كاملاً». وقال عقار، في مؤتمر صحافي خلال زيارته الحالية إلى القاهرة، إن هناك مواقع في الخرطوم تحت سيطرة «الدعم السريع»، فيما يسيطر الجيش على مواقع أخرى. وأضاف أن العاصمة السودانية تشهد «دماراً كاملاً»، متهماً «الدعم السريع» بأنه «يحتل» المناطق السكنية. وتابع قائلاً: «ما تبقى في السودان ليس كثيراً... البنوك نهبت، كل البيوت نهبت، والمواطنون قتلوا، وهناك عنف غير مبرر».

مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة (رويترز)

وحذّر عقار من أن «أي انتكاسة في السودان ستؤدي إلى انهيار القرن الأفريقي». وأضاف أن الجيش السوداني «سينتصر في هذه المعركة»، مؤكداً أن «الدعم السريع» لن يستطيع ذلك «مهما كانت قوته». وفيما يتعلق بمبادرات تسوية الأزمة السودانية، قال نائب رئيس مجلس السيادة إن الهدف من هذه المبادرات «احتلال السودان»، وإن «هناك مبادرات كثيرة، مثل مبادرة الاتحاد الأفريقي، لم يكن السودان طرفاً فيها... والسودان عضويته معلقة... وقلنا هذا غير مقبول... وفي جدة هناك مبادرة أميركية سعودية توقفت، ولا أرى هناك أي فرصة للنجاح فيها أو في مبادرة إيقاد. وهناك مشكلات وصراعات كثيرة داخل هذه المبادرات، والهدف هو احتلال السودان، والسودانيون لن يقبلوا بأي احتلال».


مقالات ذات صلة

أزمة بيع مواد الإغاثة تتفاقم في السودان... وتبرؤ حكومي

شمال افريقيا أطفال يحملون حزماً من المساعدات الإنسانية في مدرسة للنازحين بمدينة القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)

أزمة بيع مواد الإغاثة تتفاقم في السودان... وتبرؤ حكومي

تفاقمت أزمة بيع المواد الإغاثية في أسواق سودانية، فيما تبرَّأت المفوضية الإنسانية التابعة للحكومة من المسؤولية عن تسريبها.

محمد أمين ياسين (نيروبي) وجدان طلحة (بورتسودان)
المشرق العربي الحرب في السودان والقيود المفروضة على توصيل المساعدات تسببتا في مجاعة في شمال دارفور (رويترز)

الأمم المتحدة: أكثر من 30 مليون شخص في السودان بحاجة إلى المساعدة

قالت الأمم المتحدة الاثنين إن أكثر من 30 مليون شخص، أكثر من نصفهم من الأطفال، يحتاجون إلى المساعدة في السودان بعد عشرين شهرا من الحرب المدمرة.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)
العالم العربي مواطنون في بورتسودان 30 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

10 قتلى في غارة جنوب الخرطوم

أفاد مُسعفون متطوعون أن عشرة مدنيين سودانيين قُتلوا، وأصيب أكثر من 30، في غارة جوية جنوب الخرطوم.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان (السودان))
شمال افريقيا البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران في بورتسودان السبت (مجلس السيادة السوداني - فيسبوك)

السودانيون يعلقون آمالهم على المبادرة التركية لإنهاء الحرب

رغم المواقف المتناقضة التي تصدر من تنظيم الإسلاميين السودانيين المؤيد لاستمرار الحرب، فإن السودانيين يعلقون آمالاً عريضة على المبادرة التركية لإنهاء معاناتهم.

أحمد يونس (كمبالا) محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا شاحنة تحمل مسلحين تابعين للجيش السوداني في أحد شوارع مدينة القضارف (شرق) في نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

توسع أحكام الإعدام في السودان بمزاعم التعاون مع «الدعم السريع»

قالت هيئة حقوقية سودانية إن الأجهزة الأمنية المُوالية للحكومة في العاصمة المؤقتة بورتسودان، تحتجز مئات الأشخاص تعسفياً، بمزاعم التعاون مع قوات «الدعم السريع».

أحمد يونس (السودان)

المنقوش: لقاء كوهين كان بتنسيق بين إسرائيل وحكومة الدبيبة

المنقوش في لقائها مع «منصة 360» التابعة لقناة «الجزيرة» القطرية
المنقوش في لقائها مع «منصة 360» التابعة لقناة «الجزيرة» القطرية
TT

المنقوش: لقاء كوهين كان بتنسيق بين إسرائيل وحكومة الدبيبة

المنقوش في لقائها مع «منصة 360» التابعة لقناة «الجزيرة» القطرية
المنقوش في لقائها مع «منصة 360» التابعة لقناة «الجزيرة» القطرية

كشفت وزيرة الخارجية المقالة بحكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، نجلاء المنقوش، عن أن لقاءها مع نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين الذي تمّ قبل أكثر من عام في روما، كان بتنسيق بين إسرائيل والحكومة، وقالت إنها ناقشت معه عدداً من القضايا «الأمنية الحساسة التي تهم استقرار ليبيا وفقاً لما كُلفت به».

صورة أرشيفية لنجلاء المنقوش (الوحدة)

وأضافت المنقوش لـ«منصة 360»، التابعة لقناة «الجزيرة» القطرية، مساء يوم الاثنين، في أول حديث لها منذ مغادرتها ليبيا، أن اللقاء مع كوهين كان سرياً لأغراض أمنية واستراتيجية، لكنها أوضحت أنه كان يتعلّق «بالبحر المتوسط، والمحافظة على الموارد الليبية النفطية والمائية بالإضافة إلى الطاقة».

وأشارت إلى أنها «لم تكن طرفاً في الترتيب لأجندة الاجتماع مع كوهين... الحكومة هي التي رتبت، وأنا دوري كان إيصال الرسائل إلى الجانب الإسرائيلي»، واصفة تنصل «الوحدة» من اللقاء بأنه «عدم حكمة أو فقد القدرة على معالجة الأزمة بعد تسريب خبر اللقاء».

وأبدت المنقوش استغرابها من تسريب الجانب الإسرائيلي اللقاء، بالنظر إلى أن «الاتفاق كان عدم إعلانه وإبقاءه سرياً... المشكلة بالنسبة لي لم تكن في تسريب الخبر؛ بل كانت في طريقة معالجته، لأن ما قمت به هو من صميم عملي الدبلوماسي، كنت أقود الدبلوماسية الليبية؛ وعملي مقابلة كل وزراء الخارجية».

وقالت إن لقاءها كوهين «لم يكن خطأ من ناحية المبدأ»، مشددة على أن مقابلة الطرف الإسرائيلي كانت محددة في موضوعات وإطار معين، وكما يقولون «رب ضارة نافعة»، فبداية حديثي مع الوفد الإسرائيلي أكدت لهم أن موقف الليبيين الشرفاء والعرب الشرفاء هو الاعتراض على السياسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته.

احتجاجات سابقة في طرابلس على اللقاء بين المنقوش ونظيرها الإسرائيلي (أ.ب)

وسبق أن أثار اجتماع المنقوش - كوهين، الذي احتضنته إيطاليا في أغسطس (آب) الماضي، حالةً من الغضب في ليبيا تسببت في مغادرتها البلاد، في حين نفى عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة علمه بلقائها كوهين.

ولُوحظ خروج الكثير من المواطنين في مصراتة (غرب ليبيا)، سعياً للتظاهر ضد الدبيبة الذي قالت تقارير إنه وجّه وزير الداخلية بتشديدات أمنية على طرابلس لمواجهة أي احتجاجات.

وصعّد رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حمّاد، يوم الاثنين، أمام مجلس النواب، من هجومه ضد غريمه الدبيبة، وعدّ لقاء مسؤولين في «الوحدة» مع «العدو الصهيوني» سقوطاً أخلاقياً وقانونياً، يجرّمه القانون بشأن مقاطعة إسرائيل.

والمنقوش المولودة في بنغازي (54 عاماً) خرجت من ليبيا سراً، عقب حالة غضب عارمة ومظاهرات في بعض المدن، إثر وقوعها تحت طائلة القانون الليبي، الصادر في عام 1957 بشأن «مقاطعة إسرائيل».

ويقضي القانون بـ«الحبس لمدة لا تقل عن 3 سنوات، ولا تزيد على 10 سنوات، وبغرامة لا تتجاوز 5 آلاف دينار، عقاباً لكل مَن يعقد اتفاقاً مع أي نوع من هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل، أو منتمين إليها بجنسيتهم، أو يعملون لحسابها».

وأبدت المنقوش احترامها للقانون الليبي، وقالت إنها مستعدة للمثول أمام جهات التحقيق، لإثبات الحقيقة لليبيين الذين قالت «إنها تحبهم، وليس لديها ما تخفيه عنهم». وكان النائب العام أحالها إلى التحقيق منذ أغسطس 2023، لكنها تقول: «لم يتم استدعائي حتى اليوم».