مصر تعزز حضورها الأفريقي... وتحشد لعضوية «السلم والأمن»

جولة السيسي بالقارة توافقت على «تسوية النزاعات»... وناقشت الأزمة السودانية

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (أ.ف.ب)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (أ.ف.ب)
TT

مصر تعزز حضورها الأفريقي... وتحشد لعضوية «السلم والأمن»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (أ.ف.ب)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (أ.ف.ب)

اختتم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مساء الجمعة، جولة أفريقية زار خلالها 3 دول جنوب القارة، وبينما هيمن التعاون الاقتصادي على الملفات المعلنة للجولة، فإن مراقبين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» عن «مكاسب سياسية» حققتها القاهرة، من بينها حشد مزيد من الدعم للرؤية المصرية في قضية «سد النهضة» الإثيوبي، وتهيئة الأجواء لمساندة ترشح مصر لـ«مجلس السلم والأمن» الأفريقي، في دورته المقبلة.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (أ.ف.ب)

وبدأ الرئيس المصري، (الثلاثاء الماضي) جولته الأفريقية، التي شملت أنغولا وزامبيا وموزمبيق، في زيارات هي الأولى من نوعها لرئيس مصري لكل من أنغولا وموزمبيق، كما تضمنت نقل الرئاسة المصرية «منظمة السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (الكوميسا)» إلى زامبيا (دولة المقر)، وأجرى السيسي مباحثات ثنائية مع نظرائه في تلك الدول، بهدف «تدعيم التعاون المتبادل على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وفي إطار الأولوية المتقدمة التي تحظى بها القضايا الأفريقية في السياسة الخارجية المصرية»، بحسب بيان للمستشار أحمد فهمي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية.

خطوات عملية

وشهدت الجولة توافقاً مصرياً مع زعماء الدول الثلاث التي زارها السيسي، وكذا مع زعيمي كينيا ومالاوي اللذين التقاهما على هامش قمة «الكوميسا»، على العمل المكثف خلال المرحلة المقبلة، لـ«ترجمة علاقات التآخي والمودة التاريخية بين مصر وأشقائها إلى خطوات عملية مدروسة لزيادة التعاون الاقتصادي، والاستثمارات المشتركة، والتبادل التجاري، ونقل الخبرات التنموية في مجالات عدة، تشمل مشروعات البنية التحتية، والطاقة، والتصنيع الدوائي، والزراعي، والاستزراع السمكي، والثروة الحيوانية، والصحة، والتدريب، وبناء القدرات» بحسب بيان للرئاسة المصرية.

السيسي خلال مشاركته في اجتماعات «الكوميسا» (الرئاسة المصرية)

ووصفت السفيرة سعاد شلبي، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية، وعضو لجنة الحكماء في «الكوميسا»، الجولة الأفريقية للرئيس المصري بأنها «نقلة نوعية» في مجال تطوير علاقات مصر مع دول القارة.

وأوضحت لـ«الشرق الأوسط»، أن جولة السيسي استهدفت دولاً أعضاء بمنظمة «سادك» (مجتمع تنمية أفريقيا الجنوبية SADC)، وهي منظمة دولية مقرها بوتسوانا، وتضم 14 دولة، وهي منطقة «لم تكن تحظى بتركيز الأنشطة السياسية المصرية على مدى عقود ماضية».

وأضافت المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، التي سبق لها أن عملت سفيرة لمصر لدى موزمبيق خلال الفترة بين 1996 و2000 أن ترفيع مستوى الزيارات إلى القمم الرئاسية «يوفر أطراً أفضل للتعاون»، مشيرة إلى أنها خلال فترة عملها الدبلوماسي في موزمبيق كانت تحث، في تقاريرها، المؤسسات المصرية على الاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة هناك، خصوصاً في ظل الثروات الطبيعية التي تمتلكها موزمبيق، التي اجتذبت إليها قوى كبرى مثل الصين وروسيا.

أهمية البعد السياسي

وأبدى الدكتور خالد فهمي، مستشار «مركز الدراسات الاستراتيجية»، التابع للقوات المسلحة المصرية، والخبير المتخصص في الشؤون الأفريقية اتفاقاً مع الرأي السابق بشأن أهمية جولة الرئيس المصري في منطقة الجنوب الأفريقي، التي قال إنها «كانت أقل حظاً في التحركات المصرية من مناطق أخرى مثل حوض النيل».

الرئيس السيسي خلال اجتماع تجمع «الكوميسا» (الرئاسة المصرية)

وأوضح فهمي لـ«الشرق الأوسط» أن التعاون الاقتصادي «احتل أولوية كبيرة»، إلا أنه شدد في الوقت ذاته على أهمية البعد السياسي في الجولة، خصوصاً في ظل «التحركات المصرية النشطة» على الساحة الأفريقية، وفي ملفات تشهد أزمات ساخنة مثل الموقف في السودان وفي ليبيا، وكذلك قضايا مثل مكافحة الإرهاب، التي باتت «تمثل أولوية في سياسات مصر الخارجية، وأداة فعالة لتعزيز التعاون الأمني والسياسي مع عديد من دول القارة، التي لا تزال تعاني تمدداً لجماعات وتنظيمات إرهابية تؤدي إلى تراجع معدلات الاستقرار بتلك الدول، ومن ثم تتسبب في ضرر بالغ بفرص التنمية الشاملة بالقارة».

السفيرة سعاد شلبي رأت أيضاً، في حشد التأييد لوجهة نظر مصر في قضية «سد النهضة» الإثيوبي، «وجهاً آخر من مكاسب الجولة الرئاسية في الجنوب الأفريقي»، لافتة إلى أن الأحداث التي يشهدها السودان حالياً «أفقدت القاهرة دعم الخرطوم في هذا الملف مع استمرار أديس أبابا في نهج استهلاك الوقت»، وأشارت إلى أهمية أن تسعى مصر لتعويض الدعم السوداني، عبر توضيح وجهة نظرها وكسب تأييد أكبر عدد من الدول الأفريقية.

واعتبر الدكتور خالد فهمي أيضاً وضع مصر قضية «سد النهضة» بوصفها «أولوية» على أجندة المباحثات التي تجريها القيادة المصرية سواء في القاهرة أو خارجها «أداة فعالة» لتوضيح الرؤية المصرية لدول القارة وكسب تفهم أكبر لمتطلباتها.

مجلس السلم والأمن

وخلال مشاركته في اجتماعات «الكوميسا»، أعلن السيسي ترشح مصر لعضوية «مجلس السلم والأمن» الأفريقي في الفترة 2024 وحتى 2026، مؤكداً في كلمة له أن ذلك الترشح يأتي «إيماناً بمسؤوليات مصر نحو دعم جهد السلم والأمن في قارتنا».

وأشارت المساعد السابق لوزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية إلى أن ترشح مصر لعضوية «مجلس السلم والأمن» الأفريقي في دورته المقبلة سيكون بمثابة «خطوة جديدة لتعزيز الحضور المصري في القارة».

الرئيس الأنغولي لدى استقباله نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في لواندا (الرئاسة المصرية)

وأوضحت أن «هناك ترحيباً من دول القارة بالدور المصري في هذا الملف بالنظر إلى تراكم الخبرات المصرية خلال رئاستها المجلس والاتحاد الأفريقي خلال السنوات الماضية»، ولفتت إلى أن التنسيق مع موزمبيق التي ستكون عضواً غير دائم في مجلس الأمن خلال العامين المقبلين «كان مهماً في هذا الصدد».

ونوه مستشار «مركز الدراسات الاستراتيجية»، التابع للقوات المسلحة المصرية، إلى أهمية الدور الذي يمكن لمصر أن تلعبه في دعم الاستقرار الأمني ومكافحة الإرهاب في القارة، مشيراً إلى أن ما قدمته مصر من تعاون مع عديد من دول القارة، خصوصاً في منطقة الساحل والصحراء، «يزيد من قدرتها على الوفاء بمسؤولياتها في ملف السلم والأمن الأفريقي».

وفازت مصر، في 2016، بعضوية «مجلس السلم والأمن» بالاتحاد الأفريقي لثلاثة أعوام عن إقليم الشمال، وذلك بتأييد 47 دولة من دول الاتحاد الأفريقي، وكانت هذه المرة الأولى التي تتقدم فيها لعضوية «مجلس السلم والأمن» على مقعد الثلاثة أعوام، حيث سبق أن شغلت المقعد عن فترة العامين خلال السنوات من 2006 إلى 2008، ومن 2012 إلى 2013.

وتزامنت عضوية مصر في «مجلس السلم والأمن» بالاتحاد الأفريقي مع عضويتها غير الدائمة بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، خلال العامين 2016 و2017، مما أسهم في لعب دور في التنسيق بين أجندتي الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في مجال حفظ السلم والأمن الدوليَين.

**



هل تنجح سلطات العاصمة الليبية في تجاوز «فتنة» اغتيال «البيدجا»؟

مواطنون من سكان الزاوية بغرب ليبيا يحذّرون من التصعيد الأمني في مدينتهم (من مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل)
مواطنون من سكان الزاوية بغرب ليبيا يحذّرون من التصعيد الأمني في مدينتهم (من مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل)
TT

هل تنجح سلطات العاصمة الليبية في تجاوز «فتنة» اغتيال «البيدجا»؟

مواطنون من سكان الزاوية بغرب ليبيا يحذّرون من التصعيد الأمني في مدينتهم (من مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل)
مواطنون من سكان الزاوية بغرب ليبيا يحذّرون من التصعيد الأمني في مدينتهم (من مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل)

تُسارع السلطات المختلفة بالعاصمة الليبية، طرابلس، لاحتواء تداعيات عملية اغتيال عبد الرحمن ميلاد، قائد «معسكر الأكاديمية البحرية»، الشهير بـ«البيدجا»، وسط تَواصُل حالة الغضب والتوتر في مدينة الزاوية، غرب ليبيا، مسقط رأسه.

وبينما تُجري النيابة العامة تحقيقات واسعة في عملية الاغتيال التي تثير توترات واسعة بالزاوية، يتساءل البعض حول قدرة السلطات في طرابلس على تجاوز «فتنة» تصفية القيادي الميليشياوي الذي سبق معاقبته دولياً.

صورة أرشيفية للدبيبة مع «البيدجا» مسؤول «الأكاديمية البحرية» في جنزور

ومنذ الإعلان عن مقتل «البيدجا» بعد اعتراض مسلّحين سيارته بمدينة جنزور (الضاحية الغربية لطرابلس)، وإمطاره بوابل من الرصاص، وإردائه قتيلاً، تعيش الزاوية أجواء توتر وتناحُر بين جبهتين مدعومتين بتشكيلات مسلّحة.

ودفعت الاضطرابات في الزاوية التي تضمّنت اشتباكات مسلّحة دموية، سكانها لإبداء رفضهم لـ«إشعال فتيل الحرب والفتنة داخل مدينتهم»، مطالبين «الجهات الضبطية بالاضطلاع بدورها في إحضار المطلوبين من مكتب النائب العام على ذمة اغتيال البيدجا».

وبينما أشاروا في بيان تلاه أحد السكان، مساء الأحد، إلى أن مدينتهم شهدت «عدداً من الجرائم والاغتيالات في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى تهديدات متتالية من البعض بالهجوم ونقل الحرب داخلها»، توعّدوا بـ«التصدي لأي محاولة لترويع المواطنين».

ويرى ليبيون ضرورة ابتعاد السلطات في طرابلس عن اللجوء إلى المسكّنات، «إذا أرادت النجاح في استعادة الاستقرار بالزاوية، ووضع حلول جذرية للأزمة الأمنية تقي المدينة الفتن التي من شأنها تجديد الاشتباكات»، مشيرين إلى أن الزاوية «تعاني من تغوّل المجموعات المسلّحة، ما يؤثر على الحياة العامة».

وكان عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، طالب فور اغتيال «البيدجا» بالتحقيق في ملابسات اغتياله، في محاولة لاحتواء غضب الميليشيات المسلحة التي كانت سارعت إلى حشد عناصرها وآلياتها بالمدينة.

و«البيدجا» الذي كان مقرّباً من الدبيبة والقوات العسكرية التابعة له في العاصمة، عُدَّ من «ضمن أخطر تجار البشر في ليبيا»، بعدما ورد اسمه بالتقرير الصادر عن مجلس الأمن الدولي في يونيو (حزيران) عام 2018، بوصفه «زعيم أخطر عصابة تهريب بشر في ليبيا»، وفق التقرير.

آمِر «فرقة الإسناد الأولى» محمد بحرون الملقب بـ«الفار» (حسابات موثوقة على مواقع التواصل)

وفي إجراء نادر بالعاصمة طرابلس، أمر النائب العام بحبس الزعيم الميليشياوي محمد بحرون، المعروف بـ«الفار» الذي يشغل منصب آمِر «فرقة الإسناد الأولى» بمعسكر «الأكاديمية البحرية»، بالإضافة إلى أحد معاونيه، بعد ظهور مزاعم بشأن دورهما في واقعة مقتل «البيدجا».

و«الفار» و«البيدجا» ينحدران من الزاوية، وسبق أن اندلعت اشتباكات دامية بين أنصارهما، ما أوقع عدداً من القتلى والجرحى، وبرز الاثنان بعد اندلاع «ثورة 17 فبراير (شباط) 2011» التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل معمر القذافي.

وكانت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تابعة لسكان الزاوية أفادت بأن سكاناً موالين لـ«البيدجا» أغلقوا طريق «مثلث إسبان»؛ لمطالبة حكومة الدبيبة بحل «جهاز مكافحة التهديدات الأمنية»، الذي أُسندت رئاسته لـ«الفار»، بزعم وقوفه وراء واقعة الاغتيال.