وسط الحرب... مدرسة تتحول إلى مستشفى ميداني صغير في الخرطوم

TT

وسط الحرب... مدرسة تتحول إلى مستشفى ميداني صغير في الخرطوم

متطوع سوداني يعمل في غرفة طوارئ ضمن مبنى مدرسة تحول إلى مستشفى في أم درمان (أ.ف.ب)
متطوع سوداني يعمل في غرفة طوارئ ضمن مبنى مدرسة تحول إلى مستشفى في أم درمان (أ.ف.ب)

أمام لوح أسود، تتلقى مريضة محاليل وهي ممددة على طاولة تلميذ، بينما كيس المصل معلق إلى نافذة في الخرطوم، بينما تحاول مجموعة من المتطوعين بما توافر من أدوات، أن تحلّ محلّ المستشفيات المغلقة، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

في مدرسة صغيرة بحي الراشدين في أم درمان، الضاحية الشمالية للعاصمة السودانية، يستقبل الطبيب محمد الطاهر مع شابين من الحي تحولا إلى ممرضين، المرضى لمعالجتهم باستخدام بضعة صناديق من الأدوية قام الجيران بجمعها.

ويقول الطبيب، الذي يرتدي قميصاً أزرق اللون وسروالاً من الجينز، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نعالج الأطفال والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل المصابين بالسكري وارتفاع الضغط».

ويؤكد الطبيب أنه مع خروج ثلاثة أرباع المستشفيات من الخدمة في الخرطوم، وفق نقابة الأطباء، «بات معدل الوفيات بسبب هذه الأمراض المزمنة أكبر عشر مرات من ضحايا الحرب» في الوقت الراهن.

وبحسب نقابة الأطباء، فإن «12 ألف مريض» مهددون بالموت لعدم قدرتهم على إجراء غسل الكلى في المستشفيات، حيث نفد مخزون الأدوية، وصارت المولدات لا تعمل لعدم توافر الوقود.

الدخان يتصاعد وسط القتال في أم درمان بالسودان (رويترز)

مجاناً

منذ اندلعت الحرب في أبريل (نيسان)، بين الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات «الدعم السريع»، التي يقودها محمد حمدان دقلو، غيّرت «لجان المقاومة»، وهي مجموعات شعبية كانت تنظم الاحتجاجات للمطالبة بحكم مدني ديمقراطي، نشاطها.

من قبل، كان الشبان أعضاء تلك اللجان ينظمون المظاهرات ضد الحكم العسكري. اليوم باتوا يجمعون المياه والمواد الغذائية أو يقيمون مستوصفات بما تيسر في الأحياء يمكن الوصول إليها بسهولة أكبر من المستشفيات القليلة التي لا تزال تعمل ولا يستطيع الجرحى والمرضى الوصول إليها في معظم الأحوال بسبب القتال.

يعاني النظام الصحي في السودان، الذي فُرض عليه حظر دولي مدة عقدين، من مشكلات كثيرة في الأصل. غير أن منظمة الصحة العالمية لاحظت كذلك «هجرة الأدمغة والعاملين المدربين في مجال الصحة» مع بداية الحرب.

واستجابت مها محمد، على الفور، للنداء الذي أطلقته لجان المقاومة. وتتولى السودانية الشابة التي ترتدي عباءة وغطاء رأس أسودين، إدارة صيدلية المستشفى الميداني الصغير الذي يوفر للمرضى «بين التاسعة صباحاً والثالثة بعد الظهر، خدمات طبية عامة، كما يجري جراحات صغيرة»، وفق اللافتة المكتوبة بخط اليد، المعلقة عند المدخل.

وتقدم هذه الخدمات مجاناً في بلد يعيش فيه 65 في المائة من السكان تحت خط الفقر.

أمام أرفف وُضعت عليها محاليل وأدوية، تدعو هذه المتطوعة إلى «مزيد من التبرعات» بينما تم نهب مخزون المساعدات الإنسانية والطبية الموجودة وسط مناطق المعارك.

متطوعون سودانيون يديرون غرفة طوارئ مؤقتة أقاموها في مبنى مدرسة في أم درمان (أ.ف.ب)

فلتجلبوا أدويتكم

يقول العاملون في مجال الإغاثة الإنسانية إنهم لا يرون أي ممر آمن متاح لكي يرسلوا المساعدات، على الرغم من هدنة أُعلنت رسمياً ولم يتم الالتزام بها على الأرض. أما الحاويات التي جاءت عن طريق الجو فلا يزال معظمها محتجزاً في الجمارك.

وتقول مها محمد علي: «ينبغي أن نكون متضامنين فيما بيننا قبل أن ننتظر مساعدات من الخارج، وأقول للناس الذين لديهم أدوية في منازلهم: فلتجلبوها إلينا هنا».

في ساحة المدرسة، يصل مريضان لتسجيل اسميهما لدى سيدتين تجلسان خلف طاولة وُضع عليها صندوق للتبرعات.

ويشرح أشرف، وهو متطوع آخر، «أن قتالاً يجري في حيّنا، وبالتالي معظم المستشفيات أغلقت أبوابها، وصار الناس يأتون هنا لتلقي الرعاية المجانية من الأطباء».

وقد يزداد عدد المرضى بشكل كبير قريباً، إذ يبدأ في يونيو (حزيران) موسم الأمطار التي تنتشر خلاله الأوبئة: الملاريا تجتاح البلاد عادة كل عام في هذا الموسم، ويمكن أن تنتشر الكوليرا كذلك بسبب نقص مياه الشرب.

غير أن أشرف يفضل أن يظل متفائلاً في بلد توالت عليه الانقلابات والحكومات العسكرية لفترات طويلة منذ استقلاله عام 1956.

ويقول أشرف: «ستمر هذه الحرب». ويضيف: «سبق أن رأينا أزمات كثيرة في السودان وفي كل مرة نظن أنها الأخيرة. هذه الحرب ستنتهي كذلك».


مقالات ذات صلة

الخريجي يؤكد للبرهان: السعودية حريصة على استقرار السودان

شمال افريقيا البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي السبت (مجلس السيادة السوداني/إكس)

الخريجي يؤكد للبرهان: السعودية حريصة على استقرار السودان

تشهد مدينة بورتسودان حراكاً دبلوماسياً مطرداً لإنهاء الاقتتال بوصل المبعوث الأممي، رمطان لعمامرة، ومباحثات خاطفة أجراها نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا من داخل أحد الصفوف بمدرسة «الوحدة» في بورتسودان (أ.ف.ب)

الحرب تحرم آلاف الطلاب السودانيين من امتحانات «الثانوية»

أعلنت الحكومة السودانية في بورتسودان عن عزمها عقد امتحانات الشهادة الثانوية، السبت المقبل، في مناطق سيطرة الجيش وفي مصر، لأول مرة منذ اندلاع الحرب.

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا لقاء حاكم اقليم دارفور و نائب وزير الخارجية الروسي في موسكو (فيسبوك)

مناوي: أجندتنا المحافظة على السودان وليس الانتصار في الحرب

قال حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة «جيش تحرير السودان»، مني أركو مناوي، إن أجندة الحركة «تتمثل في كيفية المحافظة على السودان، وليس الانتصار في الحرب».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا «مجموعة أ 3 بلس» تُعبر عن «صدمتها» من الانتهاكات ضد نساء السودان

«مجموعة أ 3 بلس» تُعبر عن «صدمتها» من الانتهاكات ضد نساء السودان

استنكرت الجزائر باسم «مجموعة أ 3 بلس» بمجلس الأمن الدولي، التقارير الحديثة عن عمليات القتل الجماعي والاختطاف والاغتصاب في السودان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يلقي كلمة أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن السودان الخميس 19 ديسمبر 2024 (أ.ب)

واشنطن تعلن تقديم 200 مليون دولار مساعدات إنسانية للسودان

أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، اليوم (الخميس)، تقديم نحو 200 مليون دولار إضافية من المساعدات الغذائية والمأوى والرعاية الصحية للسودان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

ماكرون يدعو إلى «إلقاء السلاح ووقف إطلاق النار» في السودان

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)
TT

ماكرون يدعو إلى «إلقاء السلاح ووقف إطلاق النار» في السودان

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، السبت، طرفي النزاع في السودان إلى «إلقاء السلاح» بعد عام ونصف العام من الحرب التي تعصف بالبلاد، عادّاً أن المسار الوحيد الممكن هو «وقف إطلاق النار والتفاوض».

وقال ماكرون خلال جولة في القرن الأفريقي، عقب اجتماع مع رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد: «ندعو طرفي النزاع إلى إلقاء السلاح، وكل الجهات الفاعلة الإقليمية التي يمكنها أن تلعب دوراً إلى القيام بذلك بطريقة إيجابية، لصالح الشعب الذي عانى كثيراً».

وأضاف وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «العملية الوحيدة الممكنة في السودان هي وقف إطلاق النار والتفاوض، وأن يستعيد المجتمع المدني الذي كان مثيراً للإعجاب خلال الثورة، مكانته» في إشارة إلى التحرك الشعبي الذي أطاح بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019، وأثار تفاؤلاً كبيراً.

ومنذ أبريل (نيسان) 2023 اندلعت حرب بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو؛ وأدى القتال إلى مقتل عشرات الآلاف، ونزوح أكثر من 11 مليون شخص.

ويواجه نحو 26 مليون شخص انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، وفقاً للأمم المتحدة التي دقت ناقوس الخطر مجدداً، الخميس، بشأن الوضع في البلاد التي قد تواجه أخطر أزمة غذائية في التاريخ المعاصر.

وهناك حاجة إلى مساعدات بقيمة 4.2 مليار دولار لتلبية حاجات السودانيين عام 2025، بحسب إيديم ووسورنو، رئيسة مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.