على الرغم من انخفاض المبادلات التجارية بين الجزائر ومدريد بسبب قضية الصحراء إلى أدنى مستوى لها منذ 2021، شهدت إمدادات الغاز الجزائري إلى إسبانيا انتعاشاً ملموساً الشهر الماضي، بعد تراجع في بداية العام. علماً أن الجزائر برزت منذ انقطاع الغاز الروسي عن أوروبا، على أثر اندلاع الحرب في أوكرانيا، كبديل قوي للطاقة بالنسبة لأعضاء الاتحاد الأوروبي، وبالخصوص تلك التي يجمعها بها فضاء المتوسط.
ووفق تقرير للمنصة الإخبارية المتخصصة «الطاقة»، وصلت واردات إسبانيا من الغاز الجزائري عبر خطوط الأنابيب إلى ذروتها في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي (2022)، عند 28.1 مليون متر مكعب يومياً، ثم تراجعت في بداية عام 2023. مشيرة إلى أن البيانات الخاصة بصادرات الغاز الجزائري إلى إسبانيا تراجعت أكثر في أواخر مارس (آذار) الماضي؛ إذ انخفضت إلى 15.9مليون متر مكعب يومياً، ثم ارتفعت لتصل إلى 24.7 مليون متر مكعب في 2 مايو (أيار) الماضي، وهو أعلى مستوى منذ منتصف فبراير (شباط) المنصرم، حسب المنصة العربية، التي أشارت إلى أن شركة الطاقة الإسبانية «ناتورجي» ، تعد مشترياً رئيسياً للغاز الجزائري.
وكانت الشركة ذاتها قد أعلنت مطلع العام أنها تجري مفاوضات مع «سوناطراك» الجزائرية للطاقة المملوكة للدولة؛ قصد الاتفاق على سعر أحجام عام 2023، بعد أن اتفقت في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 على تطبيق سعر جديد بأثر رجعي لعام 2022.
والمعروف أن الجزائر أوقفت منذ يونيو (حزيران) 2022، كل تعاملاتها التجارية مع إسبانيا كرد فعل على إعلان دعمها خطة الحكم الذاتي المغربية بخصوص الصحراء. وقبلها في مارس علّقت «معاهدة الصداقة»، التي تجمع البلدين منذ 2002؛ تعبيراً عن سخطها الشديد من تبدل الموقف من الوضع في الإقليم الذي استعمره الإسبان سابقاً. وخلفت حالة القطيعة خسائر بـ800 مليون يورو تكبّدتها نحو 600 مؤسسة إسبانية، تضع منتجاتها بالسوق الجزائرية، وفق ما جاء في لائحة لـ«الحزب الشعبي» الإسباني المعارض، الذي رفعها إلى مجلس الشيوخ، ويرتقب مناقشتها في 30 من الشهر الحالي؛ بغرض إيجاد لحل هذه المشكلة.
وصرّح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في أبريل (نيسان) الماضي لقناة تلفزيونية بأن بلاده «لن توقف مد إسبانيا بالغاز»، على الرغم من انتقاده الشديد حكومة بيدرو سانشيز بشأن نزاع الصحراء. وأشار إلى أن «مشكلة الجزائر مع رئيس حكومة إسبانيا، وليست مع الشعب الإسباني الصديق».
وتعدّ الجزائر أكبر مصدر للغاز في شمال إفريقيا، بنحو 100 مليار متر مكعب سنوياً، يُصدر نصف هذا الحجم ويُستهلك الباقي محلياً. وبناءً على تقارير لشركة «سوناطراك»، فبإمكان الدولة توفير 110 مليارات متر مكعب سنوياً من الغاز للتصدير والاستعمال محلياً، على مدى السنوات الـخمس المقبلة.
غير أن بعض المتخصصين طرحوا في ضوء تفاؤل الحكومة بشأن الطاقة شكوكاً حول مدى قدرة الإنتاج على تلبية الحاجيات المتزايدة لزبائن الجزائر الأوروبيين من الطاقة، وكذلك الطلب الداخلي المرتفع في ضوء تسليم آلاف المساكن الجديدة التي ستكون في حاجة إلى ربطها بالطاقة.
ويحتوي خط أنابيب إمدادات الغاز الجزائري إلى أوروبا على نقطتي دخول رئيسيتين؛ هما خط أنابيب «ميدغاز» إلى إسبانيا، وخط أنابيب «ترانسميد»، الذي يشهد تدفق الغاز إلى إيطاليا عبر تونس وصقلية، ويصل حتى سلوفينيا. علماً أن الجزائر أوقفت في 2021 إمداد المغرب بالغاز عبر «ترانسميد»، وذلك في سياق تصعيد خطير شهدته العلاقات بينهما، أدى إلى قطعها في العام نفسه.
وأظهرت الجزائر في سياق تدهور علاقتها مع مدريد، مرونة لافتة في التعاطي مع طلبات إضافية لإيطاليا للغاز. ففي مايو الماضي بلغ إجمالي صادرات الغاز الجزائري إلى إيطاليا لعام 2023 نحو 8.36 مليار متر مكعب، مسجلاً بذلك ارتفاعاً مقارنةً بالمدّة نفسها من العام (8.33 مليار متر مكعب). وعلى العكس من ذلك، أبلغت الجزائر فرنسا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 بتأجيل لآجال غير محددة، مباحثات حول صفقة الغاز الجزائري، كانت باريس تترقبها لتعويض الإمدادات الروسية.