الأمم المتحدة تناشد طرفي الحرب في السودان وقف العنف «العبثي»

أكثر من 300 ألف فرّوا من البلاد للدول المجاورة

مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك (رويترز)
مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك (رويترز)
TT

الأمم المتحدة تناشد طرفي الحرب في السودان وقف العنف «العبثي»

مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك (رويترز)
مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك (رويترز)

وصف مفوض «الأمم المتحدة» السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، اليوم الأربعاء، ما يحدث في السودان بأنه «مُفجع»، ووجّه مناشدة مباشرة لطرفي القتال، لوقف العنف وحماية المدنيين، وفقاً لوكالة «رويترز».

وأسفر القتال، الذي اندلع في السودان، قبل أكثر من شهر، عن مقتل مئات المدنيين، وأجبر أكثر من مليون شخص على الفرار من العنف.

وأوضح تورك، الذي التقى الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، والفريق أول محمد حمدان دقلو، في نوفمبر (تشرين الثاني)، أن مكتبه تلقّى تقارير عن استخدام طائرات مقاتلة، واشتباكات في العاصمة الخرطوم، الليلة الماضية، رغم وقف إطلاق النار.

وقال تورك، في إفادة صحفية في جنيف، حيث تناول الأزمات من أنحاء العالم: «كثير من المدنيين محاصَرون فعلياً في مناطق تشهد قتالاً بلا هوادة».

وأضاف: «الجنرال عبد الفتاح البرهان، الجنرال محمد حمدان دقلو، عليكما أن تصدرا تعليمات واضحة لا لَبْس فيها لكل من يأتمرون بأمركما، تفيد بعدم التسامح على الإطلاق مع العنف الجنسي... يجب حماية أرواح المدنيين، ويتعيّن عليكما وقف هذا العنف العبثي على الفور».

وأردف قائلاً إن مكتبه وثّق ما لا يقل عن 25 حالة عنف جنسي حتى الآن، وإن العدد الحقيقي من المرجح أن يكون أعلى من ذلك بكثير.

من جهته، قال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، اليوم، إن أكثر من 300 ألف شخص فرُّوا من السودان إلى البلدان المجاورة، حتى الآن.

لاجئون سودانيون يحملون أمتعتهم بعد عبورهم إلى مصر (إ.ب.أ)

وذكر غراندي، في حسابه على «تويتر»، أن كثيراً من اللاجئين الفارّين من الصراع في السودان عبَروا حدود تشاد ومصر، في الأيام القليلة الماضية، وفق ما نقلته «وكالة أنباء العالم العربي».

وأضاف: «مساهمات المانحين في خطة الاستجابة للاجئين ما زالت شحيحة، نحتاج إلى المزيد من الموارد بشكل عاجل؛ لدعم البلدان المستضيفة للاجئين».

وقال سكان، أمس الثلاثاء، إنه أمكن سماع دويّ نيران مدفعية في مناطق بالعاصمة السودانية، كما حلّقت طائرات حربية في سماء المدينة، لكن وقف إطلاق النار، الخاضع لمراقبة دولية، أحدث هدوءاً نسبياً، على ما يبدو، بعد معارك ضارية في الخرطوم، وفقاً لوكالة «رويترز».

وجرى الاتفاق على الهدنة، خلال محادثات استضافتها مدينة جدة السعودية، يوم السبت، بعد معارك ضارية استمرت 5 أسابيع بين الجيش وقوات «الدعم السريع» شبه العسكرية.


مقالات ذات صلة

قصف كثيف وتوغل بري... هل اقترب سقوط الفاشر؟

تحليل إخباري نازحون من الفاشر ومعسكر زمزم (المنسقية العامة للنازحين واللاجئين بدارفور)

قصف كثيف وتوغل بري... هل اقترب سقوط الفاشر؟

تعرضت الفاشر لأكثر من 200 هجوم على مدى عام لمحاولات من «الدعم السريع» لاقتحامها والسيطرة عليها، أحبطتها قوات الجيش السوداني والفصائل الدارفورية المتحالفة.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
العالم العربي حمدوك يتوسط قيادات مدنية خلال مؤتمر سابق في لندن (الشرق الأوسط)

محامي دفاع حمدوك يواجه تهماً تصل إلى السجن المؤبد

يواجه منتصر عبد الله، محامي هيئة الدفاع عن رئيس وزراء السودان السابق عبد الله حمدوك، تهماً جنائية تصل إلى حد السجن المؤبد، فيما انبرت جهات حقوقية للدفاع عنه

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا النزوح من مخيمات النزوح ظاهرة جديدة في مدينة الفاشر المحاصرة منذ عدة أشهر(الشرق الأوسط) play-circle 00:35

الفاشر: مدينة تئن تحت النار والجوع وانسداد الأفق

بين سندان الموت تحت القصف والجوع والمرض، ومطرقة النزوح إلى المجهول، يواجه مئات الآلاف من سكان مدينة الفاشر بدارفور، والمخيمات حولها، واقعاً إنسانياً مؤلماً.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» (الشرق الأوسط)

بدء محاكمة «حميدتي» وشقيقه غيابياً في السودان

بدأت محكمة سودانية، أمس، أولى جلسات محاكمة غيابية لقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» وشقيقه عبد الرحيم، بالإضافة إلى 14 من قادة «الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)
شمال افريقيا قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» (الشرق الأوسط)

بدء محاكمة حميدتي وشقيقه غيابياً في السودان

بدأت محكمة سودانية، يوم الأحد، أولى جلسات محاكمة غيابية لقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» وشقيقه عبد الرحيم، بتهمة قتل والي ولاية غرب دارفور.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)

انقسام حول «مبادرة» لإعادة النازحين إلى ديارهم بشرق ليبيا

جلسة سابقة لمجلس النواب الليبي في بنغازي (الصفحة الرسمية للمجلس)
جلسة سابقة لمجلس النواب الليبي في بنغازي (الصفحة الرسمية للمجلس)
TT

انقسام حول «مبادرة» لإعادة النازحين إلى ديارهم بشرق ليبيا

جلسة سابقة لمجلس النواب الليبي في بنغازي (الصفحة الرسمية للمجلس)
جلسة سابقة لمجلس النواب الليبي في بنغازي (الصفحة الرسمية للمجلس)

تباينت آراء ليبيين نازحين من شرق البلاد عام 2014 بين مؤيد ومعارض لمبادرة برلمانية، تروم إعادتهم إلى ديارهم؛ حيث عدَّها البعض بادرة «حسن نية» تفتح باب الأمل لعائلات تغربت عن ديارها، في حين عدّها معارضون «صفقة سياسية دعائية غير مأمونة العواقب».

وتواصلت لجنة المصالحة في مجلس النواب، في وقت سابق من الشهر الحالي، مع نازحين من مدن بنغازي وأجدابيا ودرنة، وطلبت منهم تقديم طلبات لتسوية أوضاعهم، بما يشمل إمكانية عودتهم إلى منازلهم بعد أكثر من عقد على نزوحهم.

وأطلقت القيادة العامة لـ«الجيش الوطني»، بقيادة المشير خلفية حفتر «عملية الكرامة» في 16 مايو (أيار) 2014 بمدينة بنغازي (شرق)، استهدفت «جماعات إرهابية».

وبدأ الجدل حول «المبادرة» المقترحة، عقب لقاء بين عدد من المتضررين ورئيس «لجنة العدل والمصالحة» بالبرلمان ميلود الأسود، والنائب عبد الهادي الصغير للاتفاق على مبادرة يقودها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، حسبما أكد الأسود لـ«الشرق الأوسط».

عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي (المكتب الإعلامي لصالح)

ويقول عادل الزوي، وهو أحد النازحين الذين شاركوا في الاجتماع لـ«الشرق الأوسط» إنه قدَّم للأسود 7 مطالب، من بينها «إصدار تشريعات تضمن سلامة النازحين بعد عودتهم، وحقهم في جبر الضرر والتعويضات، تمهيداً لاجتماع آخر بين رئيس مجلس النواب وفريق من النازحين يعقد خارج ليبيا».

لكن برز على مدى أيام تيار رافض لهذه المبادرة، قام مؤخراً بوقفة احتجاجية في طرابلس، وصف منظموها مبادرة البرلمان بـ«صفقة لإزهاق أرواح جديدة»، حسب تعبيرهم، وطالبوا ببادرة حسن نية، تتمثل في الإفراج عن كل الذين اعتقلوا إثر انطلاق «عملية الكرامة» عام 2014، بالإضافة إلى «وقف الخطاب التحريضي؛ وأن تكون العودة بضمانة دولية من قبل البعثة الأممية».

من جانبه، عبَّر «مجلس حكماء بنغازي» في المنطقة الغربية، في بيان له، عن الاستغراب من «طرح مجلس النواب للمصالحة، في ظل الانقسام السياسي والاجتماعي ووجود حكومتين»، داعياً البرلمان إلى «تحمل المسؤولية القانونية في حال عودة النازحين دون ضمانات قانونية واجتماعية، تحفظ لهم سلامتهم وحقوقهم». وذهب البعض إلى المطالبة بمحاكمات تطول «منتهكي حقوق النازحين»، حسب صفحات تواصل ليبية.

المشير خليفة حفتر (الجيش الوطني)

من جهته، شكَّك نائب رئيس «منظمة مهجّري بنغازي»، عمر المغربي، في نجاح هذه «المبادرة»، بحجة أنها «تهدف إلى التفريق والاستعراض الإعلامي».

وأوضح المغربي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن المبادرة يجب الإعلان عنها من طرف المشير خليفة حفتر، أو عقيلة صالح من دون وسطاء، وتقديم بادرة حسن نية ملموسة، مثل الإفراج عن المعتقلين.

في مقابل هذا التيار الرافض، قال رئيس «لجنة العدل والمصالحة» إن المبادرة «لا تزال قائمة، ونحن نتفهم كل المطالب ووجهات النظر حول مسار المصالحة»، مبرزاً أن «الباب ليس مغلقاً أمام أحد، ومجلس النواب مؤسسة تُمثل كل الليبيين، ومبادرته التي يقودها رئيسه شخصياً تأتي في إطار دوره ومسؤولياته».

ودافع الزوي، وهو أحد النازحين، بقوة عن حضوره اللقاء مع عضوي البرلمان بصفته الشخصية ودون تمثيل لأحد، ورأى أن ما تتمسك به شريحة من النازحين «مطالب تعجيزية». وقال موضحاً: «لقد انقسمت آراء النازحين بين معارضين يطالبون بالعدالة الانتقالية ومحاكمات لمنتهكي حقوقهم، ومؤيدين يرغبون في العدالة التصالحية، وطي صفحة الماضي، وتعويض المجني عليهم».

ويضيف الزوي موضحاً أنه «لا يمكن معاقبة الجاني، سواء في الشرق أو الغرب، ولا بد من التنازلات لصالح الوطن من جانب النازحين، الذين أنهكوا خلال السنوات الماضية».

وفي معسكر المؤيدين أيضاً كان «حراك شباب بنغازي المهجّرين»، الذي قال: «تعبنا من الغربة ومن ضنك العيش، ومن أراد البقاء في المهجر فله مطلق الحرية».

ولا تتوفر أرقام رسمية موثقة لأعداد الأسر النازحة، في حين تذهب تقديرات منظمات حقوقية، ومطلعين على القضية، إلى تقديرها بين 4 آلاف و6 آلاف نازح من مدن بنغازي وأجدابيا، والمرج والبيضاء، ودرنة، فيما وصفتها «المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين» بأنها «حالة من النزوح المعقد».

وسبق أن أشار تقرير البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في عام 2023 إلى تمكن بعض النازحين (أكثرهم من بنغازي) من العودة إلى مدنهم، في حين «لا يزال البعض الآخر يواجه تحديات في العودة بسبب خطر الاضطهاد أو الانتقام».

ومن منظور الناشط السياسي، خالد السكران، فإن الحل الوحيد هو «إفساح الطريق أمام المصالحة»، وقال بهذا الخصوص: «لا ينصلح حال البلدان إلا بالتسامح»، ضارباً المثل «بتجارب جنوب أفريقيا والجزائر ولبنان ورواندا، التي توفرت فيها الإرادة وحسن النية والابتعاد عن المصالح الشخصية، وإنهاء خطاب الكراهية».

ويفسر مراقبون وحقوقيون هذا الجدل بأنه ترجمة لأزمة «عدم ثقة» بمفهوم المصالحة في ليبيا، وهو ما يفسره ناصر الهواري رئيس المنظمة الليبية «ضحايا لحقوق الإنسان»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأنه نتيجة «تعدد القوانين والجهات واللجان المنوطة بالمصالحة، دون أثر ملموس على المتضررين، إلى جانب انتهاكات حقوقية واسعة من قبل السلطات في شرق البلاد وغربها».