رئيس مفوضية حقوق الإنسان في السودان: قتلى الحرب لا يقلون عن 2500

أكد أن النظام السابق عاد بأشخاصه وأدواته ونهجه

تصاعد القتال في مناطق جنوب الخرطوم - الثلاثاء (أ.ف.ب)
تصاعد القتال في مناطق جنوب الخرطوم - الثلاثاء (أ.ف.ب)
TT

رئيس مفوضية حقوق الإنسان في السودان: قتلى الحرب لا يقلون عن 2500

تصاعد القتال في مناطق جنوب الخرطوم - الثلاثاء (أ.ف.ب)
تصاعد القتال في مناطق جنوب الخرطوم - الثلاثاء (أ.ف.ب)

توقّع رئيس المفوضية القومية لحقوق الإنسان في السودان، رفعت ميرغني، ألاّ يقل عدد القتلى في الحرب بين الجيش و«الدعم السريع» عن 2500 شخص حتى الآن، وقال إن المفوضية تعمل على إعداد رصد دقيق لأعداد الضحايا سيصدر قريباً.

ودعا ميرغني إلى إجراء تحقيق مستقل لمعرفة من أطلق الرصاصة الأولى في الحرب بين الجيش و«الدعم السريع»، بقوله «من أشعل الحرب يفكر بعقلية النظام السابق الذي عاد بكامل أدواته، بل بالأشخاص ذاتهم الذين كانوا يديرون ملفات حقوق الإنسان، ويديرون ملفات التعامل مع المؤسسات الدولية، وبالنهج ذاته».

تدمير مستشفى شرق النيل في الخرطوم (رويترز)

مقبلون على مجاعة

وقال ميرغني إن تكريم مفوضيته قائد قوات «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، واعتباره شخصية العام 2022، جاء بصفته مسؤولاً في الدولة، وليس لأنه شخصية راعية حقوق الإنسان. وأكد أن «الوضع في الخرطوم كارثي، ونحن مقبلون على خطر المجاعة».

وأضاف ميرغني أن إجراء تحقيق مستقل لمعرفة من أطلق الرصاصة الأولى خطوة مهمة جداً؛ لأن «كل طرف يتهم الآخر بأنه من أطلق النار، لكن من المهم معرفة من عرض حياة الناس وسلامتهم وأمنهم وأملاكهم للمخاطر الجسيمة التي يعانونها»، وتابع «من أطلق الرصاصة الأولى شخص لا تهمه حياة الناس، ولا تهمه سلامتهم، وأعتقد جازماً أنه يُفكر بعقلية نظام الرئيس السابق عمر البشير، الذي كان لا يقيم وزناً للإنسان ولا يحترم التزامات الدولة في مجال حقوق الإنسان».

وقال «لدينا مؤشرات وقرائن كثيرة تؤكد ذلك، أَمتنعُ عن ذكرها باعتبار أن هذا الحديث سابق لأوانه، والأولوية هي الحرص على إيقاف الحرب وعلى محاصرة آثارها».

انتهاكات خطيرة

سكان الخرطوم ينزحون خارجها كلما وجدوا فرصة لذلك (أ.ف.ب)

وأوضح ميرغني أن مفوضيته ظلت تسعى منذ اليوم لحمل طرفي القتال على «أنسنة» نزاعهم المسلح، وتابع «حتى الآن نرصد انتهاكات خطيرة وجسيمة لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني».

وحذّر ميرغني من خطورة هذه الأوضاع على السودان والمنطقة برمتها، مشدداً على أن «هذه الحرب يجب أن تتوقف، وندعو طرفيها إلى أن يحكّموا صوت العقل ويوقفوها دون شرط».

وتعليقاً على تكريم المفوضية قائد قوات «الدعم السريع» باعتباره شخصية العام 2022، قال ميرغني إن تكريم الفريق أول محمد حمدان دقلو من قِبل المفوضية القومية لحقوق الإنسان؛ جاء لأنه كان «أكثر المسؤولين اهتماماً بعمل المفوضية» خلال الفترة التي أعقبت التدابير العسكرية في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، عندما صار عملنا يواجَه بصعوبات وتحديات وانتهاكات كبيرة. وأضاف «كرّمنا الفريق أول دقلو بصفته نائباً لرئيس مجلس السيادة، ولأنه ظل أكثر المسؤولين اهتماماً بالمفوضية، سواء من خلال دعمه مبادرات ومشاريع المؤسسة أو من خلال استجابته لعدد من التوصيات والنصائح التي تقدمنا بها». تابع «كرّمناه باعتباره مسؤولاً في الدولة وليس باعتباره شخصية حقوق الإنسان أو رجل حقوق الإنسان كما يحلو للبعض القول»، موضحاً أن «التكريم لا يعني أننا سنغض الطرف عن أي انتهاكات يمكن أن ترتكب في المستقبل، والدليل على ذلك أننا أدنا انتهاكات قوات الدعم السريع خلال هذا النزاع المسلح».

وأشار ميرغني إلى الاتهامات المتبادلة بين الجيش و«الدعم السريع» حول قصف المدنيين بقوله «نرصد ما يحدث بشكل مستمر ولدينا آليات. وفي أحيان كثيرة تصلنا معلومات مصدرها أحد طرفي النزاع، وفي هذه الحالة نحاول الحصول على تفاصيل من مصادر مستقلة، وما يأتينا من طرفي النزاع أو من الأطراف الداعمة أياً منهما لا نأخذه على محمل الجد، إلاّ إذا تعززت مصداقيته بواسطة مصادر مستقلة».

وأضاف «تحدثنا مراراً وتكراراً عن ضرورة إبعاد سلاح الطيران والأسلحة الثقيلة من محيط سُكنى المدنيين، فهذه الأسلحة لا يمكن استخدامها في الأحياء والمجمعات السكنية، ولقد رصدنا مقتل المئات من الأبرياء نتيجة هذا القصف في ظل غياب مبدأ التمييز، وواضح لدينا أن الطرفين في حاجة إلى اتخاذ احتياطات أكثر حتى لا تتفاقم أضرار السكان».

الوضع فوق الكارثي بكثير

وأكد المفوض ميرغني أن الوضع الإنساني في الخرطوم «فوق الكارثي بكثير»، وتابع «نحن أمام وضع إنساني في غاية الخطورة، ومقبلون على خطر المجاعة والموت عطشاً، ومهددون بالشلل الوشيك للنظام الصحي، بما في ذلك نقص الأدوية وانقطاع التيار الكهربائي».

وفي ما يتعلق بالخسائر البشرية، قطع ميرغني بعدم وجود إحصائيات دقيقة عن أعداد ضحايا الحرب بين الجيش و«الدعم السريع»، وقال «نحن نعتقد أن عدد القتلى لا يقل عن 2500 شخص حتى الآن، ونعمل على رصد دقيق سنصدره قريباً».

وأشار إلى ما أسماه إشكالية دفن أشخاص دون تسجيل بياناتهم، ووجود جثث لا تزال في الشوارع وتحت الأنقاض، إلى جانب وجود جرحى لم يتمكنوا من الحصول على الرعاية الصحية. إضافة إلى وجود أشخاص يموتون نتيجة نقص الأغذية والدواء والمياه، وأشخاص ماتوا نتيجة تفاقم حالتهم الصحية جراء النزاع، معتبراً أن «جميع هؤلاء ماتوا متأثرين بالنزاع المسلح».

وكشف ميرغني عن أن المفوضية تتسلم يومياً ما لا يقل عن 15 شكوى من مواطنين تعرضوا للانتهاكات، وقال «نأسف كثيراً لأن أغلب الشكاوى مرتبطة بإطلاق النار بجوار مساكنهم، وتضرر تلك المساكن من القصف».

وبشأن الصعوبات المرتبطة بالحصول على الغذاء والمياه والرعاية الصحية، قال ميرغني «نحن أيضاً نقوم بعمليات رصد للانتهاكات من خلال مصادر متعددة، والوضع الحالي لا يسمح للمفوضية بفتح أبوابها، وحتى إذا فُتِحَت فإن الأشخاص لا يستطيعون الوصول إليها، ولكننا نتواصل عبر (الواتساب)، وعبر أرقام الهاتف الجوال، وعبر (الماسنجر)، وعبر صفحة المفوضية القومية لحقوق الإنسان على (فيسبوك)، وجميع الشكاوى مؤخراً نتلقاها بهذه الطريقة».

إعلان جدة خطوة مهمة

واعتبر ميرغني إعلان جدة الإنساني بين الجيش و«الدعم السريع» خطوة مهمة لمعالجة المسائل الإنسانية، ولتذكير طرفي النزاع بالتزاماتهما بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وقال «نأمل أن يكون لنا دور في المراحل القادمة، سواء في ما يتعلق بالمشاركة في المفاوضات بصفة مراقب، أو المشاركة في عمليات الرصد والتقييم».

وأشار ميرغني إلى تأثير الجرائم التي ترتكب في السودان على العالم؛ ما قد يدفع مجلس الأمن الدولي إلى التدخل بموجب الفصل السابع لفرض تدابير لحماية المدنيين، مثلما حدث في ليبيا وفي أماكن أخرى من العالم، وبموجب مبدأ مسؤولية الحماية يُمكن أن تتخذ تدابير عديدة، بما في ذلك تدابير من خارج مجلس الأمن». وقال «ننصح طرفي النزاع بالتوقف عن القتال، وننصح كذلك بعض المؤسسات التي عادت لخطاب نظام الرئيس السابق عمر البشير في التعامل مع العالم. فتجربة الفصل السابع دفع ثمنها الشعب في السابق، ويجب ألا نعيد الزمن للوراء وألا نفكر بالعقل ذاته، وألا نتحدث بالطريقة ذاتها التي وضعتنا في أسوأ قوائم العالم في مجال حقوق الإنسان».


مقالات ذات صلة

الجيش السوداني يعلن مقتل قائد لـ«الدعم السريع» في الفاشر

شمال افريقيا قصف مدفعي يدمر منازل بمخيم زمزم (متداولة)

الجيش السوداني يعلن مقتل قائد لـ«الدعم السريع» في الفاشر

أعلن الجيش السوداني، السبت، مقتل القائد العسكري في «قوات الدعم السريع» العميد جمعة إدريس، خلال قصف بالمدفعية الثقيلة استهدف تحركات قواته.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا أشخاص يسيرون بجوار مركبة مدمَّرة بعد قصف لقوات «الدعم السريع» على أم درمان (رويترز)

مقتل 9 بعد هجوم لـ«الدعم السريع» على المستشفى الرئيسي في الفاشر

قالت مصادر سودانية إن قوات «الدعم السريع» هاجمت المستشفى الرئيسي الذي ما زال يعمل في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، الجمعة، مما أسفر عن مقتل 9 وإصابة 20.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أفريقيا إردوغان مستقبلاً البرهان في أنقرة 12 أغسطس 2021 (رويترز)

إردوغان يعرض وساطة لحل الخلاف بين السودان والإمارات

عرض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وساطة بلاده لحل الخلاف بين السودان والإمارات على غرار ما قامت به لتسوية الأزمة بين الصومال وإثيوبيا في أرض الصومال

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شمال افريقيا صورة من المحكمة الجنائية الدولية تظهر القائد السابق في ميليشيا «الجنجويد» السودانية، علي كوشيب، خلال جلسة استماع لتأكيد التهم المتعلقة بجرائم الحرب (أ.ف.ب)

قائد «الجنجويد» في دارفور ينفي أمام الجنائية الدولية ارتكابه جرائم حرب

نفى زعيم ميليشيا سوداني، اليوم (الجمعة)، أمام المحكمة الجنائية الدولية الاتهامات الموجّهة إليه بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم دارفور (موقع الجنائية الدولية)

مدعي «الجنائية الدولية»: غالبية الأدلة تثبت التهم ضد «كوشيب»

أبلغ مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية القضاة أن علي عبد الرحمن (كوشيب)، المتهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور، كان زعيم ميليشيا مرهوب الجانب وأمر بارتكاب فظائع.


الجيش السوداني يعلن مقتل قائد لـ«الدعم السريع» في الفاشر

قصف مدفعي يدمر منازل بمخيم زمزم (متداولة)
قصف مدفعي يدمر منازل بمخيم زمزم (متداولة)
TT

الجيش السوداني يعلن مقتل قائد لـ«الدعم السريع» في الفاشر

قصف مدفعي يدمر منازل بمخيم زمزم (متداولة)
قصف مدفعي يدمر منازل بمخيم زمزم (متداولة)

أعلن الجيش السوداني، السبت، مقتل القائد العسكري في «قوات الدعم السريع» العميد جمعة إدريس، خلال قصف بالمدفعية الثقيلة استهدف تحركات قواته في المحور الجنوبي لمدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور (غرب البلاد).

وقالت الفرقة السادسة مشاة، التابعة للجيش السوداني بالفاشر، في بيان على موقع «فيسبوك»، إن سلاح الطيران نفّذ، الجمعة، غارات جوية دمّرت 45 مركبة قتالية بكامل عتادها العسكري وطواقمها.

ووفقاً للبيان، حشدت «ميليشيا الدعم السريع» قوات كبيرة من الولايات ومناطق أخرى للهجوم على الفاشر وتسلُّم الفرقة السادسة.

وذكر أن القوات المسلحة أسقطت 3 مسيّرات كانت تستهدف دفاعات وارتكازات في المدينة.

«قوات الدعم السريع» تقصف مخيم زمزم (متداولة)

بدورها، قالت المنسقية العامة لمعسكرات النازحين واللاجئين (كيان مدني)، في بيان: «إن (قوات الدعم السريع) قصفت بالمدفعية الثقيلة خلال الأيام الماضية مخيمي زمزم وأبوشوك، ما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى غالبيتهم من النساء والأطفال والعجزة من الجنسين».

ودعا المتحدث باسم المنسقية، آدم رجال، الأطراف المتحاربة إلى الابتعاد عن استهداف مناطق النازحين، وعدم استخدام المدنيين العزّل «دروعاً بشرية» لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية.

وطالب رجال «قوات الدعم السريع» بوقف القصف المدفعي العشوائي، والقصف الجوي من قبل الجيش السوداني، وقال: «ينبغي أن يتم وقف الحرب بشكل فوري وعاجل من خلال وقف إطلاق النار وإنهاء العدائيات مباشرة لإنقاذ حياة النازحين من الأطفال والنساء».

ودعا المتحدث باسم النازحين، آدم رجال، المجتمع الدولي إلى ممارسة المزيد من الضغوط على الأطراف المتصارعة للالتزام بالقوانين الدولية، لوضع حد للقصف العشوائي بالمدافع الثقيلة والبراميل المتفجرة في الأماكن المأهولة بالمدنيين. وقال: «لا يوجد ما يبرر هذه الأعمال الإجرامية، لقد حان الوقت لإنقاذ ما تبقى من أرواح بريئة، فالكارثة لم تعد تحتمل المزيد من التأجيل».

بقايا مقذوف مدفعي استهدف معسكر زمزم للنازحين (متداولة)

وخلال الأسبوع الماضي أفادت تقارير حكومية رسمية بمقتل أكثر من 57 مدنياً وإصابة 376 في الهجمات على الفاشر ومعسكر زمزم.

وتُعد الفاشر من أكثر خطوط المواجهة اشتعالاً بين «قوات الدعم السريع» والجيش السوداني وحلفائه الذين يقاتلون للحفاظ على موطئ قدم أخير في منطقة دارفور.

وتسيطر الدعم السريع على 4 من أصل 5 ولايات في إقليم دارفور، هي: جنوب وشرق ووسط وغرب دارفور بعد أن تمكّنت من إبعاد القوات المسلحة السودانية، فيما تقود معارك ضارية للسيطرة على مدينة الفاشر.

وفي الخرطوم بحري تجددت المعارك العنيفة، فجر السبت، بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في عدة محاور بالمدينة.

وقال سكان لـ«الشرق الأوسط» إنهم سمعوا دوي انفجارات قوية هزت أرجاء المدينة.

ووفقاً لمصادر ميدانية، تدور الاشتباكات على بعد كيلومترات من ضاحية العزبة، بعد تقدم الجيش السوداني وسيطرته على أغلب أحياء منطقة السامراب بمدينة بحري.

وأعلنت غرفة طوارئ جنوب الحزام بولاية الخرطوم عن أن 4 أشخاص قتلوا وأصيب أكثر من 30 آخرين، الجمعة، جراء قصف جوي بالطيران التابع للجيش السوداني على منطقة الشاحنات.

وعلى الرغم من تقدم الجيش السوداني عسكرياً خلال الأشهر الماضية في مدينة بحري، لا تزال «قوات الدعم السريع» على معظم أنحاء العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة في وسط البلاد، ومناطق شاسعة في إقليم دارفور، إضافة إلى جزء كبير من كردفان إلى الجنوب.

اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» منذ أكثر من 18 شهراً، وأدت إلى مقتل أكثر من 188 ألف شخص، وفرار أكثر من 10 ملايين شخص من منازلهم.