«الصحة العالمية» لـ«الشرق الأوسط»: احتياجات السودان ضخمة وعاجلة

المدير الإقليمي حذر من «تحالف الصراع مع تغير المناخ»

أحمد المنظري (منظمة الصحة العالمية)
أحمد المنظري (منظمة الصحة العالمية)
TT

«الصحة العالمية» لـ«الشرق الأوسط»: احتياجات السودان ضخمة وعاجلة

أحمد المنظري (منظمة الصحة العالمية)
أحمد المنظري (منظمة الصحة العالمية)

قال المدير الإقليمي لشرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية أحمد المنظري، إن «الاحتياجات الإنسانية في السودان ضخمة وعاجلة، ولا تحتمل انتظاراً وتتطلب مزيداً من الدعم والمساندة»، محذراً من «زيادة فاتورة الغذاء والصحة في السودان بسبب تحالف التغيرات المناخية مع الصراع» الدائر هناك حالياً.

وفي مقابلة خاصة مع «الشرق الأوسط»، على خلفية إرسال المنظمة قبل أيام أول شحنة جوية من المستلزمات الطبية إلى السودان، وإنهاء المنظمة حالة الطوارئ الصحية بشأن «كوفيد - 19»، بعد نحو 3 سنوات من إعلانها، قال المنظري إن «تنسيق إجراءات وصول تلك الشحنة من حيث الحصول على تصاريح هبوط الطائرات، وكذلك الانتهاء من التخليص الجمركي للشحنات، تم بالتعاون مع السلطات الاتحادية ووزارة الصحة في الخرطوم، لكن المرور الآمن للإمدادات ونقلها إلى الداخل لتوزيعها على المرافق الصحية، تطلب تعاوناً من طرفي النزاع واتفاقاً على تأمين عملية التوزيع».

ورغم التفاؤل بإمكانية التقدم في الملف الإنساني بعد إرسال تلك الشحنة، فإن المنظري استبعد إمكانية البناء على ذلك لتنفيذ المرحلة الثانية من حملة التطعيم ضد فيروس شلل الأطفال المتحور (cVDPV2)، والتي كان من المقرر بدايتها الاثنين (8 مايو/ أيار)، وقال: «تنفيذ حملات تطعيم موسعة يتطلب توقف أعمال العنف، ونأمل أن يحدث ذلك سريعاً أو أن يتم التوصل إلى هدنة يحترمها الطرفان، ليصبح بالإمكان تنظيم حملات تطعيم ضد شلل الأطفال وضد سائر الأمراض التي يمكن توقيها بالتطعيمات».

وتابع: «ما نراه على الأرض يجعل من المتعذر تنفيذ هذه الحملات في الوقت الراهن، وهذه إحدى العواقب الوخيمة على الصحة العامة للسكان، لا سيما الأطفال، التي تكون نتيجة لأي صراع في أي بلد».

وعن إمكانية تنفيذ حملات التطعيم في المناطق الحدودية بين السودان والدول المجاورة، التي يلجأ لها المواطنون الفارون من العنف، يقول: «فرق المنظمة لها وجود حالياً على المناطق الحدودية بين السودان وأكثر من بلد حدودي، حيث تقدم الدعم العاجل والرعاية الصحية للفارين من العنف، بما في ذلك الدعم النفسي، ونأمل أن نتوصل إلى صيغة تمكننا والبلدان المضيفة من توفير خدمة التطعيمات، إن لم يكن في المناطق الحدودية، فربما في إطار الخدمات الطبية المقدمة للمجتمعات المضيفة».

وأرسل المنظري رسائل طمأنة بشأن احتلال مقاتلين لـ«المعمل القومي للصحة العامة» في العاصمة الخرطوم، وقال: «أجرينا تقييماً متعمقاً للمخاطر في ضوء المعلومات الأكثر تفصيلاً التي أصبحت متاحة فيما بعد، واستناداً إلى هذه المعلومات، حددنا أن المخاطر الصحية العمومية لهذا الحدث متوسطة».

وأضاف: «الشاغل الرئيسي أن المختبر لا يستطيع أداء دوره الحيوي في تشخيص المرض بسبب نقص الموظفين واحتلال المرفق ونقص الكهرباء لتشغيل معداته، وللأسف ليست لنا ولاية تمكننا من تغيير الوضع، لكننا نحذر من تعامل الأيدي غير المدربة مع العينات الموجودة في المختبر».

وعن مدى التجاوب مع نداء الدعم المادي لاستجابة المنظمة في هذه الأزمة الإنسانية، الذي تم إطلاقه في مؤتمر صحافي قبل أيام، قال إن «الاحتياجات في السودان ضخمة وعاجلة، ولا تحتمل انتظاراً وتتطلب مزيداً من الدعم والمساندة».

وأضاف: «أطلقنا خطة الاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2023 قبل الأحداث، التي نسعى من خلالها للحصول على 1.7 مليار دولار لمساعدة 12.5 مليون شخص، لكن لم يتم تمويل إلا 14 في المائة فقط من الخطة».

وحذر المنظري من «زيادة فاتورة الغذاء والصحة في السودان بسبب تحالف التغيرات المناخية مع الصراع»، وقال إن «تغير المناخ هو أحد التحديات الكبرى الناجمة عن سوء السلوك البشري في التعامل مع الطبيعة والإهمال في الحفاظ عليها، وهو تحدٍ لا بد أن يؤخذ في الاعتبار في كل الحالات، بما في ذلك أثناء الصراعات وتصاعد العنف».

وتابع: «كما نعلم، يعد اضطراب النظم الغذائية وزيادة حالات الأمراض المنقولة بالغذاء وبالمياه والأمراض المنقولة بالنواقل من المشكلات الكبرى التي تنجم عن الظواهر الجوية المتطرفة، لكنها أيضاً تتفاقم خلال الصراعات وأعمال العنف، وتعد من الأسباب الرئيسية للوفاة والعجز في إقليمنا، فالصراع يعني توقف برامج الرعاية الصحية والتنموية وصعوبة توافر الموارد الأساسية من غذاء ومياه نظيفة ودواء، ولا بد من توقفه حتى يتمكن كل الشركاء من القيام بأدوارهم في توفير هذه الموارد الحيوية».

إدارة طويلة الأجل للجائحة

ومن الصراع في السودان، إلى قرار بدا مضيئاً خلال الأيام الماضية، وهو إلغاء منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ الصحية بشأن «كوفيد - 19»، بعد 3 سنوات من إعلانها، شدد المنظري على أن «نهاية الطارئة الصحية العامة التي سببت قلقاً دولياً، لا تعني أن (كوفيد - 19) انتهى بوصفه تهديداً صحياً عالمياً».

وقال: «القرار يعني انتهاء حالة الطوارئ، وهو أمر إيجابي ونبأ سار للغاية، لكنه لا يعني أن (كوفيد - 19) انتهى، فلا يزال ثمة تهديد صحي قائم للصحة العامة، وكلنا نرى ذلك يومياً ونلاحظه من حيث التطور المستمر لهذا الفيروس، وحضوره العالمي، ومواطن الضعف المستمرة في مجتمعاتنا، ونتوقع بشكل جازم استمرار انتقال هذا الفيروس لفترة طويلة جداً، الأمر الذي يُعبر عن تاريخ الجوائح».

وأضاف: «هذا يعني أن (كوفيد - 19)، صار الآن مشكلة صحية مستمرة قائمة، وأنه حان الوقت للانتقال إلى إدارة طويلة الأجل للجائحة، وتحتاج البلدان إلى إدماج أنشطة ترصُّده والتصدي له في البرامج الصحية الروتينية».

واستبعد المدير الإقليمي تأثير انهاء حالة الطوارئ على الدعم الذي تقدمه المنظمة للدول في اتجاه توفير أدوية ولقاحات «كوفيد - 19»، وقال: «على العكس، المنظمة وكل الشركاء حريصون على استمرار البلدان على النهج الذي بدأ منذ 3 سنوات في إطار الاستجابة للجائحة، وستوفر كل أنواع الدعم لضمان هذه الاستمرارية»، مشيراً إلى أن «المنظمة أصدرت خطة استراتيجية للمساعدة في الانتقال من وضع الطارئة الصحية للإدارة طويلة الأمد تستمر بين عامي 2023 و2025».

وأضاف: «لجنة الطوارئ نوهت في توصياتها التي تأسس عليها القرار الأخير بإلغاء حالة الطوارئ الصحية، بأنه من المهم جداً معالجة الثغرات التي جرى الوقوف عليها في أثناء الجائحة وتخصيص اهتمام وموارد مستمرين للتأهب لمواجهة التهديدات الناشئة والقدرة على تحملها».

ورفض المنظري اتهامات للمنظمة بالتدخل في شؤون الدول عبر معاهدة «مكافحة الأوبئة» التي يجري التفاوض بشأنها حالياً، والتي توصف موادها المقترحة بأنها تعالج سلبيات ظهرت أثناء التعامل مع جائحة «كوفيد - 19»، وقال: «هذه الاتفاقية يتم التفاوض عليها بين البلدان وبعضها، ودور المنظمة فيها تنسيقي في الأساس».


مقالات ذات صلة

15 ظاهرة تجسّد واقع التغيرات المناخية في السعودية

ظواهر جوية حادة أثّرت على مناطق السعودية خلال عام 2024 (الأرصاد)

15 ظاهرة تجسّد واقع التغيرات المناخية في السعودية

كشف المركز السعودي للأرصاد عن 15 ظاهرة جوية حادة أثّرت على مناطق المملكة خلال عام 2024 وتجسّد بوضوح تأثير التغيرات المناخية التي تشهدها البلاد.

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق الفيضانات المدمرة في البرازيل تسببت في مقتل أكثر من 80 شخصاً خلال مايو 2024 (رويترز)

تهجير 40 مليون شخص بسبب كوارث مناخية في 2024

أفادت دراسة دولية بأن عام 2024 شهد درجات حرارة قياسية تسببت في تغييرات جذرية بدورة المياه العالمية، مما أدى إلى فيضانات مدمرة وجفاف شديد في العديد من المناطق.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث خلال فعالية في فينيكس بولاية أريزونا الأميركية... 22 ديسمبر 2024 (رويترز)

لماذا يطالب ترمب بجزيرة غرينلاند وقناة بنما؟

يسعى ترمب من خلال مطالبته بالسيطرة على جزيرة غرينلاند وقناة بنما، لتحقيق مصالح اقتصادية وأمنية كبيرة للولايات المتحدة، لا سيما على حساب الصين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم 5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

دعاوى مشروعة للدول الفقيرة وأخرى ارتدادية من الشركات والسياسيين

جيسيكا هولينغر (واشنطن)
بيئة منطقة سكنية غارقة بالمياه جرّاء فيضان في بتروبافل بكازاخستان 13 أبريل (رويترز)

الأمم المتحدة: التغير المناخي تسبّب في ظواهر مناخية قصوى عام 2024

أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن التغير المناخي تسبّب في أحوال جوية قصوى وحرارة قياسية خلال عام 2024، داعيةً العالم إلى التخلي عن «المسار نحو الهلاك».

«الشرق الأوسط» (جنيف)

«المساعدات المالية» و«الهجرة» يتصدران محادثات رئيسة البرلمان الأوروبي في القاهرة

مقر تابع لوزارة الخارجية المصرية في القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مقر تابع لوزارة الخارجية المصرية في القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

«المساعدات المالية» و«الهجرة» يتصدران محادثات رئيسة البرلمان الأوروبي في القاهرة

مقر تابع لوزارة الخارجية المصرية في القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مقر تابع لوزارة الخارجية المصرية في القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

يتصدر ملفا «المساعدات المالية» و«الهجرة» محادثات رئيسة البرلمان الأوروبي، روبرتا ميتسولا، خلال زيارتها إلى القاهرة، الأربعاء والخميس.

ووفق إفادة لوفد الاتحاد الأوروبي إلى مصر، الأربعاء، فإن الزيارة تأتي في إطار تعزيز العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومصر، و«المناقشات الجارية حول مساعدات الاتحاد الأوروبي المالية الكلية، والوضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط والمنطقة المجاورة».

وفي مارس (آذار) الماضي، توافقت مصر والاتحاد الأوروبي على ترفيع العلاقات إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية الشاملة». ووقع الاتحاد الأوروبي ومصر في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، اتفاقية تمويل استثماري بوصفها جزءاً من حزمة أكبر بقيمة 7.4 مليار يورو تهدف لتعزيز التعاون الاقتصادي ودعم استقرار مصر في ظل التحديات الإقليمية والدولية.

وأكد بيان وفد الاتحاد الأوروبي أن اجتماعات ميتسولا في القاهرة «تعد فرصة لمناقشة العلاقات البرلمانية، بما في ذلك تنظيم الاجتماع البرلماني المقبل بين الاتحاد الأوروبي ومصر في القاهرة، والمساعدة المالية الكلية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لمصر التي تجري مناقشتها حالياً في البرلمان الأوروبي، وتدفقات الهجرة واللجوء».

صورة للبرلمان الأوروبي بستراسبورغ (د.ب.أ)

وأشار الوفد إلى أنه من المقرر أن تجتمع ميتسولا، الخميس، مع وزير الخارجية المصري، الدكتور بدر عبد العاطي، حيث تتركز المناقشات على عدد من الموضوعات، من بينها «الشراكة الاستراتيجية والشاملة بين الاتحاد الأوروبي ومصر، والمساعدات المالية الكلية للاتحاد الأوروبي، والوضع الجيوسياسي في المنطقة، بما في ذلك الحاجة إلى إعادة تنشيط عملية السلام في الشرق الأوسط والوضع في غزة والتطورات الأخيرة في سوريا».

وعلاقات مصر بالاتحاد الأوروبي الوثيقة، ويعد «الأوروبي» أيضاً المستثمر الرائد في مصر، حيث يبلغ رصيد الاستثمار المتراكم نحو 38.8 مليار يورو، يمثل نحو 39 في المائة من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر. وتظل مصر ثاني أكبر متلقٍ للاستثمار الأجنبي المباشر من الاتحاد الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحسب معلومات بعثة الاتحاد الأوروبي إلى مصر عبر موقعها الإلكتروني.

وكان وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي المصري، محمود فوزي، قد أكد، الثلاثاء، حرص بلاده على تعزيز العلاقات مع البرلمان الأوروبي ومواصلة التشاور بين النواب البرلمانيين المصريين والأوروبيين، «بما يخدم المصالح المشتركة ويدعم الحوار البنَّاء، وتوطيد أواصر التعاون البرلماني بين الجانبين».

وأشاد الوزير المصري خلال استقباله في القاهرة سفيرة الاتحاد الأوروبي ورئيسة بعثة الاتحاد إلى مصر، أنجلينا إيخهورست، «بالتطورات الإيجابية التي تشهدها العلاقات المصرية مع الاتحاد الأوروبي منذ صدور الإعلان المشترك حول الشراكة الاستراتيجية والشاملة في مارس الماضي، خلال زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية للقاهرة»، مؤكداً «اعتزاز مصر بالعلاقات الوثيقة التي تجمعها بالاتحاد الأوروبي، خصوصاً بعد الارتقاء بهذه العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، والتطورات الإيجابية التي يشهدها التعاون بين الجانبين في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، إلى جانب التنسيق في العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك».