إسرائيل تثبّت استراتيجية الفصل بين التفاوض وقصف «حزب الله»

مصدر نيابي لبناني لـ«الشرق الأوسط»: المحادثات أقرب إلى «إدارة أزمة»

الدخان يتصاعد جراء غارة إسرائيلية استهدفت منطقة إقليم التفاح في جنوب لبنان (د.ب.أ)
الدخان يتصاعد جراء غارة إسرائيلية استهدفت منطقة إقليم التفاح في جنوب لبنان (د.ب.أ)
TT

إسرائيل تثبّت استراتيجية الفصل بين التفاوض وقصف «حزب الله»

الدخان يتصاعد جراء غارة إسرائيلية استهدفت منطقة إقليم التفاح في جنوب لبنان (د.ب.أ)
الدخان يتصاعد جراء غارة إسرائيلية استهدفت منطقة إقليم التفاح في جنوب لبنان (د.ب.أ)

رفعت إسرائيل، الجمعة، وتيرة التصعيد العسكري في لبنان، إذ استهدفت مناطق في شمال الليطاني، جنوب لبنان، من ضمنها قضاء الزهراني الذي يبعد نحو 40 كيلومتراً عن الحدود، للمرة الأولى منذ إطلاق المفاوضات المدنية قبل أسبوعين، وذلك على وقع تهديدات إسرائيلية بشن حرب واسعة في لبنان ضد «حزب الله».

وأعادت سلسلة غارات جوية عنيفة طالت مناطق متفرقة في أربعة أقضية هي النبطية وجزين والزهراني والبقاع الغربي، تثبيت معادلة الضغط بالنار بوصفها الإطار الحاكم للمسار التفاوضي القائم، في وقت تتكثف فيه الحركة الدبلوماسية لتجنيب لبنان حرباً واسعة.

غارات جوية

فيما سجل غياب أي ملاحقة لعناصر «حزب الله» في الجنوب منذ مطلع الشهر الحالي، استهدفت الغارات الإسرائيلية، صباح الجمعة، جبل الرفيع ومحيط بلدة سجد في منطقة إقليم التفاح وجبل صافي وجباع (النبطية)، ووادي زلايا في البقاع الغربي (شرق البلاد)، إضافة إلى أطراف بلدات وعرمتى والريحان والجرمق والمحمودية (جزين)، ووادي بنعفول وتبنا والزرارية (الزهراني). وترافق ذلك مع تحليق مكثف للطيران الحربي الإسرائيلي على علو منخفض فوق البقاع وبعلبك، فيما ألقت مسيّرة إسرائيلية قنبلة صوتية عند أطراف منطقة اللبونة.

في المقابل، أعلن الجيش الإسرائيلي أنّ سلاح الجو «أغار على مجمع تدريب وتأهيل استخدمته وحدة (قوة الرضوان) التابعة لـ(حزب الله) بغية تدريب وتأهيل عناصرها»، مشيراً إلى أنّ الغارات شملت أيضاً «بنى تحتية عسكرية إضافية لـ(حزب الله) في مناطق عدة بجنوب لبنان».

غارات إسرائيلية استهدفت منطقة تبنا في الزهراني بجنوب الليطاني (متداول)

تأتي الغارات في موازاة حراك دبلوماسي غربي وعربي يسعى للفصل بين المسار الدبلوماسي والتطورات الميدانية، لكن إسرائيل لم تقدم أي ضمانات فعلية بوقف القصف. فواشنطن، وإن كانت تؤكد دعمها منع الانزلاق إلى حرب شاملة وتفعيل «الميكانيزم»، تتعامل مع الضربات الإسرائيلية ضمن إطار الفصل بين الدولة اللبنانية و«حزب الله»، وتضغط في المقابل على لبنان للإسراع في تنفيذ التزاماته بحصر السلاح بيد الدولة.

أما باريس، التي تواصل دورها كحلقة وصل سياسية وعسكرية عبر قنوات الجيش واليونيفيل، فتركّز على منع انهيار الوضع في لبنان، لكنها تصطدم بواقع ميداني يتجاوز قدرتها على الضبط، وبعجز لبناني عن تحويل الرعاية الدولية إلى مظلة حماية سياسية أو ميدانية، حسبما تقول مصادر لبنانية مواكبة للاتصالات.

مفاوضات تحت النار

قال مصدر نيابي لبناني مواكب لحركة المبعوثين الدوليين لـ«الشرق الأوسط»، إنّ «موقف رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري يعكس رفضاً واضحاً للمفاوضات تحت النار، إذ يضع وقف النار وتثبيته شرطاً مسبقاً لأي مسار تفاوضي، ويرفض تحويل لجنة (الميكانيزم) إلى قناة حوار تعمل تحت القصف»، مشيراً إلى أنّ هذا الموقف، على وضوحه، «لم يُترجم بعد إلى استراتيجية تفاوضية لبنانية متكاملة».

وأضاف المصدر أنّ «التصعيد العسكري المتواصل يعكس عملياً فشل المسار التفاوضي القائم حتى الآن»، لافتاً إلى أنّ «لبنان يجد نفسه اليوم في موقع المفاوضات تحت النار، وهي معادلة غير منطقية ولا يمكن البناء عليها».

وأوضح أنّ «اللافت هو إجراء مفاوضات في ظل استمرار القصف الإسرائيلي، من دون أن يمتلك الجانب اللبناني أوراق ضغط فعلية أو تصوراً تفاوضياً واضحاً»، متسائلاً: «ما الذي يحمله لبنان إلى طاولة التفاوض؟ هل هناك استراتيجية محددة؟ وهل الحديث يدور عن تفعيل (الميكانيزم)، أم عن وقف إطلاق النار، أم عن وقف الطلعات الجوية؟».

وشدّد المصدر على أنّ «غياب الهدف التفاوضي الواضح يجعل من هذا المسار أقرب إلى إدارة أزمة، لا إلى مفاوضات حقيقية»، مؤكداً أنّ «أي تفاوض جدي يحتاج إلى رؤية، وإلى عناصر قوة متبادلة، وهو ما لا يبدو متوافراً حتى الآن».

غارات إسرائيلية استهدفت الجبل الرفيع في إقليم التفاح بجنوب لبنان (متداول)

ولفت المصدر إلى أنّ «(حزب الله) يعتمد في هذه المرحلة سياسة الصمت والتكتم، ولا يعلّق إلا في أطره الرسمية»، مذكّراً بأنّ «آخر موقف معلن له، أبدى فيه قبولاً بالترتيبات جنوب الليطاني، مقابل حساسية عالية لأي طرح يتعلق بشمال الليطاني». ورأى أنّ «ما يجري هو شكل من أشكال الحرب المستمرة بوتيرة مضبوطة»، مضيفاً أنّ «إسرائيل تفصل شكلياً بين التفاوض والتصعيد، لكنها عملياً تستخدم الضغط العسكري لتحسين شروطها السياسية، فيما تبقى المعضلة الأساسية في غياب رؤية لبنانية موحّدة وواضحة».

«حزب الله»

يطالب «حزب الله»، الدولة اللبنانية، بالضغط على الخارج لإلزام إسرائيل بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وقال النائب حسن فضل الله، بعد لقائه وزميله أمين شري رئيس الحكومة نواف سلام: «لا نزال نشهد هذا العدوان الإسرائيلي المتمادي على بلدنا، كما حصل اليوم، وكما يحصل في أغلب الأيام، وفي الوقت الذي يلتزم فيه لبنان بالكامل باتفاق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر 2024، فإن العدو يواصل هذه الخروق لذلك الاتفاق والاعتداء على السيادة اللبنانية». وأكد «ضرورة بذل كل جهد ممكن في سبيل وقف هذا العدوان الإسرائيلي، وإلزام العدو بتطبيق ذلك الاتفاق الذي يبقى هو الإطار الوحيد الآن بيننا وبين هذا العدو الإسرائيلي، بمعزل عن كل التفاصيل الأخرى أو كل الطروحات الأخرى».


مقالات ذات صلة

خاص رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبلاً السفير الأميركي ميشال عيسى (رئاسة البرلمان)

خاص لبنان: الانتخابات النيابية هل تتقدم على نزع سلاح «حزب الله»؟

يقف لبنان على بُعد خمسة أشهر من إجراء الانتخابات النيابية في موعدها في ربيع 2026، من دون أن تلوح في الأفق بوادر إيجابية تدعو للتفاؤل بأن إنجازها سيتم في موعده

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي جندي إسرائيلي يقف عند نقطة مراقبة في مرتفعات الجولان المحتلة والمطلة على جنوب سوريا في 25 مارس (أ.ف.ب)

إسرائيل تخطط لشن هجوم واسع النطاق على أهداف «حزب الله» في لبنان

يخطِّط الجيش الإسرائيلي لشنِّ هجوم واسع النطاق على أهداف «حزب الله» في جميع أنحاء لبنان، في حال فشلت جهود الحكومة اللبنانية وجيشها في نزع سلاح الحزب.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي عنصر في «الدفاع المدني» يقف على ركام منزل استهدفته غارة إسرائيلية ببلدة جباع بجنوب لبنان (رويترز)

الدولة اللبنانية تنخرط رسمياً في عملية إعادة الإعمار بتمويل حكومي زهيد

قالت مصادر اللجنة إنه تم نقل 90 مليون دولار من الاحتياطي؛ 67 مليون دولار لمجلس الجنوب و24 مليون دولار للهيئة العليا للإغاثة.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون (رويترز)

الرئيس اللبناني: الاتصالات مستمرة لإطلاق سراح الأسرى المعتقلين في إسرائيل

أفادت الرئاسة اللبنانية اليوم الجمعة بأن الرئيس جوزاف عون شدد خلال لقاء مع وفد من الجمعية اللبنانية للأسرى والمحررين على أن الاتصالات جارية مع الجانب الإسرائيلي

«الشرق الأوسط» (بيروت)

مصر تستكمل مساعيها بزيارة رئيس وزرائها بيروت الأسبوع المقبل

الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل السفير المصري علاء موسى (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل السفير المصري علاء موسى (الرئاسة اللبنانية)
TT

مصر تستكمل مساعيها بزيارة رئيس وزرائها بيروت الأسبوع المقبل

الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل السفير المصري علاء موسى (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون يستقبل السفير المصري علاء موسى (الرئاسة اللبنانية)

تعمل مصر على محاولة تخفيف حدة التوتر، وتجنيب لبنان أي تطور عسكري إسرائيلي، ضمن مبادرة متواصلة، بدأها وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي قبل أسبوعين في بيروت، وتُستكمل في زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى بيروت في الأسبوع المقبل.

وبحث السفير المصري لدى لبنان علاء موسى، مع الرئيس اللبناني جوزيف عون الأوضاع الإقليمية والدولية، وانعكاساتها على لبنان والمنطقة، والدور الذي تلعبه مصر في سياق الجهود المبذولة لتخفيف التوتر. وأشار موسى إلى أنه «يتم الإعداد لزيارة مدبولي التي ستتم، الأسبوع المقبل»، لافتاً إلى أن «الترتيبات متواصلة مع الدولة اللبنانية، على أمل أن تكون الزيارة موفقة، وهي تهدف إلى مواصلة إرسال رسائل الدعم إلى لبنان».

جهود مصر

وقال موسى بعد اللقاء: «أَطْلَعْتُ الرئيس عون على الجهود التي تقوم بها مصر من أجل تهدئة حدة التوتر في جنوب لبنان، ومحاولة البحث عن مخرج ملائم يجعلنا نبتعد عن شبح تصاعد الأزمة وتطورها إلى ما أبعد مما هي عليه». وأضاف: «في الفترة السابقة، وبعد زيارة وزير الخارجية المصري للبنان، عدنا إلى القاهرة، وبناءً على توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، واصل وزير الخارجية اتصالاته مع مختلف الأطراف في الإقليم وخارجه ومع الولايات المتحدة، وأطلعهم على نتائج زيارته، وتم التشاور في ما هو آتٍ، وتَلَمَّسْنَا بعض الردود التي تبدو مشجعة، ونحن نعمل وفقاً لها»، مشيراً إلى «بوادر جيدة ولو أن الطريق لا يزال طويلاً، ونحاول التمسك بها؛ لأنه ليس أمامنا سوى العمل من أجل تجنيب لبنان أي تطور في الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيه».

وقال موسى: «الأمور تسير بشكل جيد، ونسعى إلى تطويرها في الفترة المقبلة، ولكن علينا الاستمرار في العمل مع الشركاء في الإقليم وخارجه، وأعتقد أن الفترة المقبلة ستشهد مزيداً من التطور الذي نأمل أن يكون إيجابياً».

ولفت إلى أن «المؤشرات تفيد بأننا نسير في الطريق الصحيح، ولا بد من مواصلة العمل؛ لأنه لا يمكن ضمان أي شيء، ولكن ما يتم العمل عليه هو محاولة تخفيف حدة التوتر، وتجنيب لبنان أي تطور في حدة الاعتداءات، وهذا هو الهدف الأساسي، والمسألة يجب أن تتم خطوة تلو أخرى لخلق حالة من الزخم للاستفادة منها في حل الكثير من المعوقات».

وفي ظل التصعيد الإسرائيلي، قال موسى: «لا بديل سوى مواصلة هذه الجهود، وعندما تحدثت عن الإيجابية قصدت بها فرصاً للحوار ومحاولة للأطراف، ومصر، لإيجاد أرضية مشتركة للبناء عليها في المستقبل، وليس أمامنا سوى العمل والمحاولة؛ لأن البديل هو انتظار ما سيأتي، وهذا ما يجب تجنبه قدر الإمكان».

ملف الأسرى

كان عون قد استقبل وفداً من «الجمعية اللبنانية للأسرى والمحررين»، وأبلغهم بأن قضية الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية هي أولوية بالنسبة إليه، وقال: «هذه القضية ستبقى حاضرة، وأنا حريص على جميع اللبنانيين، وآمل أن نصل إلى نتيجة وفق أي طريقة ممكنة للضغط على إسرائيل للتجاوب مع المطالب».

وقال عون لعائلات الأسرى: «أولادكم هم أولادنا، وكما قلت في خطاب القسم وفي كل لقاءاتي ومقابلاتي، إن هذا الملف مهم جداً وأولوية بالنسبة إليَّ، وتتم إثارته أيضاً في لجنة (الميكانيزم) لجهة اعتباره في سلم الأولويات. كما أثرت الموضوع خلال لقائي برئيس اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر» خلال زيارتي إلى نيويورك، وطلبت منه زيارة الأسرى والاطمئنان إلى صحتهم وأوضاعهم، لكن الإسرائيليين لم يتجاوبوا، وأثرت الموضوع أيضاً مع الجانب الأميركي على أمل أن نصل إلى نتيجة».

وتسلم عون مذكرة من الوفد تضمنت أسماء الأسرى والمواقع اللبنانية التي تم أسرهم فيها، إضافة إلى تاريخ الأسر، «حيث إن 10 من أصل الأسرى الـ20، تم اختطافهم بعد وقف الأعمال العدائية، وهم يقومون بأعمالهم اليومية في بلداتهم وقراهم»، كما أفادت المذكرة.


«الجهاد الإسلامي» تنفي الامتناع عن تسليم المختطف الأخير

مقاتل من «الجهاد الإسلامي» يراقب عمالاً مصريين يحفرون بآلية ثقيلة بحثاً عن جثث المختطفين في النصيرات شمال قطاع غزة (أرشيفية - أ.ب)
مقاتل من «الجهاد الإسلامي» يراقب عمالاً مصريين يحفرون بآلية ثقيلة بحثاً عن جثث المختطفين في النصيرات شمال قطاع غزة (أرشيفية - أ.ب)
TT

«الجهاد الإسلامي» تنفي الامتناع عن تسليم المختطف الأخير

مقاتل من «الجهاد الإسلامي» يراقب عمالاً مصريين يحفرون بآلية ثقيلة بحثاً عن جثث المختطفين في النصيرات شمال قطاع غزة (أرشيفية - أ.ب)
مقاتل من «الجهاد الإسلامي» يراقب عمالاً مصريين يحفرون بآلية ثقيلة بحثاً عن جثث المختطفين في النصيرات شمال قطاع غزة (أرشيفية - أ.ب)

نفت مصادر فلسطينية ما تروجه إسرائيل منذ يومين، عن أن حركة «الجهاد الإسلامي»، ترفض التعاون مع حركة «حماس»، وتسليمها إياها آخر جثة مختطف إسرائيلي في قطاع غزة، قبل الانتقال إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار.

وحسب ما نشرت صحيفة «معاريف» العبرية، الجمعة، نقلاً عن مصادر أمنية إسرائيلية، فإن هناك حالة من التوتر في العلاقات ما بين «حماس» و«الجهاد الإسلامي» بشأن امتناع الأخيرة عن تسليم جثة المختطف الأخير، ران غفيلي.

وتعتقد إسرائيل أن عناصر من «الجهاد الإسلامي» متورطون بشكل مباشر في أسر غفيلي، واحتجازه في غزة.

وقالت «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي»، منذ أيام إنها سلمت كل ما لديها من مختطفين، وإنها التزمت بشكل كامل باتفاق وقف إطلاق النار. وهو ما أكدته مصادر من الحركة لـ«الشرق الأوسط».

مقاتلون من «الجهاد الإسلامي» وعمال مصريون يبحثون عن جثث رهائن إسرائيليين شمال النصيرات بقطاع غزة (أرشيفية - أ.ب)

وحسب المصادر، فإن جثة غفيلي لم تكن لدى المختطفين الإسرائيليين الموجودين لدى الحركة، وأنها كانت بحوزة «حماس»، مؤكدةً أن التنسيق مع الأخيرة بحالة ممتازة ولا يوجد أي خلافات أو توتر كما تدعي التقارير الإسرائيلية.

وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن الجثة يشتبه بوجودها في 3 أو 4 مواقع داخل حيي الشجاعية والزيتون شرق مدينة غزة، وتمت عمليات البحث في تلك المواقع ولم يعثر عليها، مبينةً أن جميع المسؤولين الميدانيين وكذلك النشطاء الذين شاركوا بعملية الأسر والاحتفاظ بالجثة قُتلوا في سلسلة غارات وعمليات مختلفة؛ ولذلك هناك صعوبة في تحديد المكان بشكل نهائي وأكيد.

وبيَّنت أن الصعوبات في إيجاد الجثة تعود أيضاً لأسباب تتعلق بقصف تلك المناطق وتدميرها بالكامل وتجريفها خلال عمليات التوغل الإسرائيلية.

ووفقاً لصحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، فإن إسرائيل قدمت لـ«حماس» عبر الوسطاء، معلومات عن الأشخاص الذين يمكن أن يسهموا في تحديد مكان الجثة، وكذلك نقلت معلومات عن المكان المحتمل لوجودها فيه مرفقةً بصور جوية.

وتقول مصادر «حماس» لـ«الشرق الأوسط» إن هناك تواصلاً مستمراً مع الوسطاء بشأن هذه القضية وقضايا أخرى.

فيديو جديد يحمل شكوكاً

تأتي هذه التطورات، تزامناً مع أخرى تتعلق بنشر هيئة عوائل المختطفين الإسرائيلية، مقاطع فيديو لستة مختطفين داخل قطاع غزة، تم العثور على جثامينهم داخل نفق في رفح، في أغسطس (آب) 2024، وهم يتشاركون حياتهم سوياً، من خلال الاحتفال بـ«عيد الأنوار/ الحانوكاه» اليهودي، وإحياء رأس السنة الجديدة عام 2024، وكذلك الحديث فيما بينهم، وحلاقة شعرهم، وتنقلهم من مكان إلى آخر داخل النفق.

مسلحون من «حماس» يحملون أحد التوابيت في أثناء تسليم جثث رهائن إسرائيليين إلى الصليب الأحمر في خان يونس 20 فبراير 2025 (د.ب.أ)

وأثارت مقاطع الفيديو تساؤلات حول حقيقة إعلان الجيش الإسرائيلي أنهم قُتلوا قبل يومين من الوصول إليهم داخل النفق، برصاص عناصر «حماس»، في حين كانت الحركة نفت ذلك وأكدت أنهم قُتلوا في قصف إسرائيلي طال المكان.

وقالت الصحافية الإسرائيلية ميكي ليفين في تقرير لها بموقع صحيفة «معاريف»: «كان بإمكان هؤلاء الستة العودة إلى ديارهم أحياء لو تم التوصل إلى اتفاق في وقت سابق، في أبريل (نيسان) الماضي، كما أفاد كبار أعضاء فريق التفاوض»، مشيرةً إلى أن إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والوزيرين بتسلئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير، على فكرة «النصر الكامل» وهو مفهوم فارغ أثبت الواقع استحالة تحقيقه، لكان هؤلاء قد أُفرج عنهم ضمن صفقة رفضتها الحكومة الإسرائيلية، والتي تجاهلت التحذيرات من أن دخول رفح سيؤدي إلى مقتل المختطفين.

ووفقاً لهيئة البث الإسرائيلية، فإنه قبل أيام من مقلتهم، كانت المفاوضات مع الوسطاء مهددة بالانهيار بسبب إصرار الحكومة الإسرائيلية على السيطرة على محور فيلادلفيا، حيث كان من المقرر الإفراج عن 5 منهم لو تم توقيع الاتفاق حينها.

ويبدو أن هذه الظروف هي ما دفعت إسرائيل إلى الإعلان بأنهم قُتلوا بفعل رصاص عناصر «حماس». وعاودت مصادر من الحركة تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، نفي تلك الرواية، مؤكدةً أنهم قُتلوا إثر قصف مدفعي وجوي طال المنطقة، وتسبب حينها بمقتل عدد من الآسرين. لافتةً إلى أنه كان في تلك الفترة تعليمات لدى الآسرين بأنه في حال اقتربت القوات الإسرائيلية منهم فلديها مهمة بقتل أي أسير في حال كان هناك خطراً عليهم.

ويقع النفق في منطقة حي تل السلطان غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة، واعترف لاحقاً الجيش الإسرائيلي بأن التحقيقات تشير إلى أنهم قُتلوا نتيجة الضغط العسكري الذي مورس في المنطقة.

وقتلت إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي السابق لحركة «حماس»، في منزل قريب من مكان النفق برفح بحي تل السلطان، بشكل مفاجئ أثناء وجوده مع مجموعة مسلحة تم رصدها تتحرك بالمنزل.

وكشفت «الشرق الأوسط» على لسان مصادر من «حماس»، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، عن أن إبراهيم السنوار، نجل القيادي في «كتائب القسام»، محمد السنوار، والذي قُتل لاحقاً في غارة إسرائيلية، قد قُتل نجله مع عمه في أحد الأنفاق برفح.

وأوضحت المصادر أن إبراهيم محمد السنوار قُتل في غارة إسرائيلية استهدفته عندما خرج من فتحة نفق لكشف تحركات الاحتلال، حين كان برفقة عمه، وكان ذلك في أغسطس من ذلك العام، بمدينة رفح جنوب القطاع.

وتشير تقديرات تتبعتها «الشرق الأوسط» إلى أن الحديث يدور عن النفق نفسه الذي كان به المختطفون الستة، حيث أشارت تحقيقات إسرائيلية لاحقة إلى أنه عثر على أدلة حمض نووي تشير إلى وجود السنوار فيه.

وقد يكون فعلياً قُتل أولئك المختطفون في الضربة نفسها التي قُتل فيها إبراهيم السنوار، نجل محمد، والذي كان يرافق عمه يحيى طوال الحرب، وذلك إلى جانب عناصر مسلحة أخرى.

وتؤكد مصادر من الحركة لـ«الشرق الأوسط»، أن التعليمات كانت مشددة بشأن التعامل مع المختطفين الإسرائيليين وتوفير كل الإمكانات اللازمة لإبقائهم على قيد الحياة والحفاظ على حياتهم.


لبنان: الانتخابات النيابية هل تتقدم على نزع سلاح «حزب الله»؟

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبلاً السفير الأميركي ميشال عيسى (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبلاً السفير الأميركي ميشال عيسى (رئاسة البرلمان)
TT

لبنان: الانتخابات النيابية هل تتقدم على نزع سلاح «حزب الله»؟

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبلاً السفير الأميركي ميشال عيسى (رئاسة البرلمان)
رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبلاً السفير الأميركي ميشال عيسى (رئاسة البرلمان)

يقف لبنان على بُعد خمسة أشهر من إجراء الانتخابات النيابية في موعدها في ربيع 2026، من دون أن تلوح في الأفق بوادر إيجابية تدعو للتفاؤل بأن إنجازها سيتم في موعده رغم إجماع القيادات اللبنانية، على الأقل في العلن، على ضرورة إتمامها، وهي تتلاقى مع الدعوات الدولية من خلال تعدد زيارات الموفدين المعنيين بالحفاظ على الاستقرار في لبنان احتراماً للتقيد بالاستحقاقات الدستورية، وأولها إجراء الانتخابات باعتبارها تشكل محطة لإحداث تغيير في لبنان يأخذ بالتحولات في المنطقة مع تراجع محور الممانعة في الإقليم، وافتقاد «حزب الله» لحلفائه الذين تخلوا عنه بعد الحرب الأخيرة.

وتتصرف القوى السياسية المعنية بإجراء الانتخابات النيابية على أن تأجيلها إلى يوليو (تموز) 2026 بات مرجحاً، إن لم يكن مؤكداً بموجب المساعي الرامية للتوصل إلى تسوية لإخراج قانون الانتخاب من التأزم، تقضي بأن يصرف رئيس المجلس النيابي نبيه بري النظر عن استحداث الدائرة الانتخابية السادسة عشرة لتمثيل الاغتراب بـ6 مقاعد نيابية، في مقابل موافقة خصومه على سحب تمسكهم بمشروع القانون الذي تقدمت به حكومة الرئيس نواف سلام من البرلمان وينص على شطب المادتين 112 و122 من القانون، اللتين تنصان على السماح للمغتربين بالاقتراع من خارج لبنان، وبحسب قيودهم في لوائح الشطب لـ128 نائباً، فإن هذا لا يكفي في حال إصرار المجتمع الدولي على أن تتقدم حصرية السلاح على إنجاز الانتخابات.

أولوية واشنطن لـ«حصرية السلاح»

وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية بأن قوى محلية معنية بالانتخابات النيابية أخذت تروّج بأن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، يعطي الأولوية، حتى إشعار آخر، لتطبيق حصرية السلاح بيد الدولة، بذريعة أنه من غير الجائز إجراء الانتخابات تحت سلطة سلاح «حزب الله».

آليات لقوات «اليونيفيل» خلال دورية في بلدة القليعة بجنوب لبنان (أرشيفية - د.ب.أ)

وفي المقابل، تؤكد مصادر نيابية أنه يكثر الآن الحديث عن أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب تقدم حصرية السلاح على إجراء الانتخابات، لكننا لم نتبلغ رسمياً، كما تقول لـ«الشرق الأوسط»، إنها تصر على إعطاء الأولوية لنزع سلاح «حزب الله»، وإن كان بعض أعضاء الفريق الأميركي المولج بالملف اللبناني يبدي تشدداً بضرورة سحبه اليوم قبل الغد، بذريعة أن الحزب بلا سلاحه سيتراجع أمام بيئته بخلاف احتفاظه به، وهذا ينعكس على وضعه الانتخابي، وإن كان ينظر إلى الانتخابات على أنها محطة لتجديد شعبيته بداخل الطائفة الشيعية.

وتلفت المصادر إلى أن الموفدين الأميركيين إلى لبنان، أكانوا ينتمون إلى الحزب الديمقراطي أم الجمهوري، فإنهم يشددون على نزع سلاح «حزب الله»، ويدعون لإجراء الانتخابات في موعدها، من دون أن يعطوا الأولوية لنزعه، وهم يلتقون مع ما قاله الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، في هذا الخصوص، في لقاءاته مع الرؤساء الثلاثة والقيادات الحزبية والسياسية، وتؤكد أن قرار نزعه هو بيد إيران التي تصر من خلال الحزب على الإمساك بالورقة اللبنانية لعلها تضغط لتسريع مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، وصولاً لتحسين شروطها بمقايضتها السلاح بحفظ موقع لها في الإقليم.

جدول زمني لحصرية السلاح

وتراهن المصادر على أن تتوصل الاجتماعات المقبلة للجنة الـ«ميكانيزم» إلى تفاهم يفتح الباب أمام وضع جدول زمني لاستكمال تطبيق حصرية السلاح يباشر لبنان بتنفيذه على مراحل أسوة بالاتفاق الذي أنهى الحرب في غزة. وترى أن مجرد تأجيل الانتخابات إلى يوليو يعني حكماً أن أمام الحكومة فرصة لإلزام «حزب الله» بوجوب التقيُّد به بما يتيح لواشنطن بالضغط على إسرائيل لخلق الأجواء الآمنة لتمرير الاستحقاق النيابي.

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبلاً السفير الأميركي ميشال عيسى (رئاسة البرلمان)

لذلك، فإن إجراء الانتخابات النيابية هو بيد واشنطن التي تدرك سلفاً أن تأجيلها ليس لمصلحة رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون الذي يصر على إتمامها التزاماً بما تعهّد به في خطاب القسم، وهو على توافق مع الرئيس سلام، إضافة إلى أنها مضطرة لتسهيل إجراء العملية الانتخابية تأكيداً لمصداقيتها في هذا المجال ورهانها على إحداث تغيير في البرلمان المنتخب، بخلاف الحالي، لمصلحة القوى المناهضة لمحور الممانعة.

برودة انتخابية

وعليه، فإن الحراك الانتخابي يبقى محكوماً بالبرودة، باستثناء مبادرة «حزب الله» وحركة «أمل» إلى تشغيل ماكيناتهم الانتخابية، وهذا ما ينسحب أيضاً على حزب «القوات اللبنانية» لخوض الانتخابات، لكن احتدام المنافسة يبقى عالقاً على توصّل بري وخصومه إلى تسوية حول قانون الانتخاب، على أن تتلازم مع وضوح موقف واشنطن بصورة نهائية وقاطعة بعدم تقديمها نزع سلاح الحزب على الانتخابات، وتبيان الموقف النهائي لرئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، وما إذا كان ماضياً بتعليق العمل السياسي، أو أنه سيوعز إلى تيار «المستقبل» ببدء الاستعداد للانخراط في المعركة الانتخابية ترشحاً واقتراعاً.

وتأكَّد أن الحريري، بخلاف التأويلات المنسوبة إلى تياره السياسي، يستعد لحسم موقفه، لكن مع حلول العام المقبل، وبالتالي فإن مجرد وضوح موقفه سيفتح الباب أمام زحمة المرشحين (تحديداً في دائرة بيروت الثانية والثالثة) التي ستشهد أعنف المعارك الانتخابية؛ نظراً لتعدد اللوائح التي يُفترض أن تتجاوز نصف دزينة، وقد تحمل مفاجآت بالنتائج والترشح لملء 11 مقعداً نيابياً.