التفسيرات المتضاربة لقرار وقف النار تطلق يد إسرائيل في لبنان

تلّ أبيب تتخطّى «الميكانيزم» بذريعة «الدفاع عن النفس»

عناصر من الجيش اللبناني قرب الجدار الفاصل مع إسرائيل في منطقة علما الشعب بجنوب لبنان (أ.ف.ب)
عناصر من الجيش اللبناني قرب الجدار الفاصل مع إسرائيل في منطقة علما الشعب بجنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

التفسيرات المتضاربة لقرار وقف النار تطلق يد إسرائيل في لبنان

عناصر من الجيش اللبناني قرب الجدار الفاصل مع إسرائيل في منطقة علما الشعب بجنوب لبنان (أ.ف.ب)
عناصر من الجيش اللبناني قرب الجدار الفاصل مع إسرائيل في منطقة علما الشعب بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

بعد عام كامل على سريان «اتفاق وقف الأعمال العدائية» بين إسرائيل و«حزب الله»، لا تزال بنوده محاصرة بسلسلة من التعقيدات التي تُبقي الجنوب، ومعه كلّ لبنان، عرضة للاستهداف الإسرائيلي، وتُنذر بأن أي خطأ في الحسابات قد يشعل جولة جديدة من المواجهة.

ويتركز أعمق أوجه الخلاف على تفسير بند «حق الدفاع عن النفس»... فإسرائيل تتمسّك به مدخلاً يمنحها حرية التدخل العسكري في كلّ الأراضي اللبنانية، سواء عبر ضربات جوية وعمليات اغتيال؛ تحت ذريعة «إزالة التهديد». أما الدولة اللبنانية، فترى في هذا التفسير ثغرة خطيرة تتيح لإسرائيل تجاوز وقف النار وخرق السيادة متى شاءت؛ مما يجعل هذا البند نقطة اشتعال دائمة.

آليتان للجيش اللبناني في منطقة علما الشعب الحدودية مع إسرائيل (أ.ف.ب)

يتداخل الملف الأمني مع خلاف آخر لا يقل تعقيداً، هو الانسحاب الإسرائيلي من المناطق التي ما زالت تحتلها في الجنوب وانتشار الجيش اللبناني. وتصرّ تل أبيب على الاحتفاظ بـ5 نقاط حدودية استراتيجية، فيما لم يكتمل انتشار الجيش اللبناني كما تتوقع إسرائيل والجهات الدولية؛ مما أبقى على تداخل الأدوار بين الدولة و«حزب الله» في الجنوب.

أما العقدة الأعلى حساسية، فتتمثل في بند نزع سلاح «حزب الله» بدءاً من جنوب الليطاني، فـ«الحزب»، الذي يتماشى مع الضغوط ويظهر تعاوناً في تنفيذ القرار «1701» جنوب الليطاني فقط، يرفض بالمطلق البحث في تسليم سلاحه في شمال الليطاني أو الانسحاب من مواقعه العسكرية بالمنطقة، متذرعاً بالتهديدات الإسرائيلية التي تجعل من سلاحه «ضرورة دفاعية»... فيما ترى إسرائيلُ وجهاتٌ دولية أن استمرار السلاح «ينسف جوهر أي تهدئة ويمنع تثبيت الاستقرار».

تعثر تنفيذ الاتفاق

ورغم محاولة الدولة اللبنانية الإمساك بزمام المبادرة، فإن هشاشتها ظهرت بوضوح بعد تعثّر تنفيذ قرار حكومة نواف سلام في 5 أغسطس (آب) 2025، القاضي بحصر السلاح بيد الدولة قبل نهاية العام. القرار أثار اعتراضاً حاداً من «حزب الله» وأدى إلى انسحاب وزراء الثنائي الشيعي من جلسة الحكومة؛ مما زاد المشهد تعقيداً.

وأكد مصدر أمني لبناني لـ«الشرق الأوسط» أن رفض إسرائيل الانسحاب من النقاط الـ5 «يعرقل انتشار الجيش كاملاً جنوب الليطاني»، مشيراً إلى أن استمرار الغارات الإسرائيلية «يشكل انتهاكاً واضحاً لوقف النار، ويعطي الحزب مبرراً للتمسّك بسلاحه». وكشف عن أن «(الحزب) يرفض تسليم خرائط مخازنه ومواقعه العسكرية (جنوب الليطاني)؛ مما يؤخر إنجاز انتشار الجيش في هذه المنطقة، لكنه (الحزب) يسلّم النقاط عند وصول الجيش إليها، فيما تواصل إسرائيل استهداف مواقع جنوب الليطاني وشماله من دون إبلاغ آلية (الميكانيزم) بالإحداثيات».

خروقات

يتبادل الطرفان اللبناني والإسرائيلي الاتهامات بخرق قرار وقف النار، ودخلت الأمم المتحدة على الخطّ؛ إذ تحدثت عن 7500 خرق إسرائيلي منذ دخول قرار وقف النار حيّز التنفيذ، وأعلنت وزارة الصحة اللبنانية مقتل 325 لبنانياً منذ 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 بعمليات إسرائيلية، فيما تتهم إسرائيل لبنان بالالتفاف على الاتفاق وعجز الدولة عن نزع سلاح «حزب الله» وغيره من التنظيمات.

وأوضح الخبير الأمني والعسكري، العميد سعيد القزح، أن الاتفاق «ينص على وقف الأعمال العدائية الهجومية من كلا الجانبين؛ أي أن تمتنع إسرائيل عن تنفيذ عمليات عسكرية هجومية ضد أهداف لبنانية، ويمنع لبنان الجماعات المسلحة من القيام بأي عمليات هجومية ضد إسرائيل، كما ينص على إنشاء آلية للإشراف والمساعدة في التنفيذ».

وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إسرائيل «تفسّر الاتفاق على نحو يمنحها هامشاً للتدخل العسكري المباشر دون الرجوع إلى (لجنة الاشراف على اتفاق وقف إطلاق النار - الميكانيزم) وتبرر ذلك بـ(الدفاع عن النفس) أو عدم قدرة الجيش اللبناني على التعامل مع الانتهاكات خارج منطقة جنوب الليطاني أو في حال خرق الاتفاق في الجنوب».

نفق لـ«حزب الله» صادره الجيش اللبناني في وادي زبقين بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

ولفت القزح إلى أن «المقاربة اللبنانية ترى أن الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة منذ توقيع الاتفاق، دليل قاطع على تجاوزها بنود الاتفاق وعدم احترامها (آلية المراقبة المشتركة)، وتطالب بالالتزام الكامل بوقف الأعمال العدائية والانسحاب من التلال والأراضي التي ما زالت تحتلها حتى الآن في خرق فاضح لنص الاتفاقية».

مخاطر تجدد القتال

التباين اللبناني - الإسرائيلي بشأن تفسيريهما قرار وقف الأعمال العدائية، يُبقي الجبهة عرضة للاشتعال في أي لحظة. ولا يُخفي العميد سعيد القزح أن المشكلة تكمن في «البند الرابع» من الاتفاق الذي ينصّ صراحة على أن إسرائيل ولبنان «لهما الحق في ممارسة الدفاع عن النفس، وهنا يكمن التباين في تفسير هذا الحق؛ إذ ترى إسرائيل أن وجود قوى مسلحة غير شرعية على الأراضي اللبنانية، يمثل تهديداً لها، وبالتالي تحق لها إزالة هذا التهديد، فيما يعدّ لبنان ذلك اعتداء على سيادته وأرضه وأمنه».

وقال القزح إن الاتفاق «لم ينص صراحة على ما اصطلح على تسميتها (حرية الحركة لإسرائيل) ومعالجة أي تهديد لأمنها داخل الأراضي اللبنانية، بل راجت أخبار إعلامية، لم تُنفَ قبل التوقيع على الاتفاق، بأن هناك ضمانات أميركية أُعطيت لإسرائيل تنص على (حرية الحركة) في لبنان بعد إبلاغ (الميكانيزم) بالخطر وعدم معالجته من قبل الجيش اللبناني».


مقالات ذات صلة

إسرائيل تقابل الانفتاح الدبلوماسي اللبناني بغارات على الجنوب

المشرق العربي الدخان يتصاعد جراء غارات إسرائيلية استهدفت منطقة النبطية في مايو 2025 (أرشيفية - إ.ب.أ)

إسرائيل تقابل الانفتاح الدبلوماسي اللبناني بغارات على الجنوب

حسمت إسرائيل الخميس التضارب في مواقف مسؤوليها حول «الجو الإيجابي» جراء المفاوضات المدنية مع لبنان، أو عزلها عن المسار العسكري.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون (رويترز)

عون: المحادثات مع إسرائيل كانت «إيجابية»... والهدف تجنُّب «حرب ثانية»

قال الرئيس اللبناني جوزيف عون، الخميس، إن المحادثات مع إسرائيل كانت «إيجابية»، وهدفها هو تجنب «حرب ثانية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد جانب من اجتماع مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة الرئيس جوزيف عون (إكس)

وزير المالية اللبناني: الظرف الصعب لا يسمح بفرض ضرائب بناءً على طلب «صندوق النقد»

قال وزير المالية اللبناني، ياسين جابر، إن «صندوق النقد الدولي» طلب من لبنان تحقيق فائض في الموازنة العامة وفرض ضرائب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة نواف سلام مستقبلاً السفير سيمون كرم (رئاسة الحكومة)

ترحيب لبناني ودولي بتعيين كرم رئيساً للجنة الـ«ميكانيزم»

أكد رئيس الحكومة نواف سلام أن ترؤس السفير سيمون كرم الوفد اللبناني في لجنة الـ«ميكانيزم» «يشكّل خطوة مهمة في دفع عملها».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (أ.ب)

إيران تدعو وزير خارجية لبنان لزيارتها ومناقشة العلاقات الثنائية

قالت وزارة الخارجية الإيرانية، اليوم الخميس، إن الوزير عباس عراقجي دعا نظيره اللبناني يوسف رجي لزيارة طهران قريباً لمناقشة العلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (طهران)

«حماس» تتوقع محاولة اغتيال لقادتها في الخارج

المبنى المتضرر من الهجوم الإسرائيلي على قادة «حماس» في الدوحة (رويترز)
المبنى المتضرر من الهجوم الإسرائيلي على قادة «حماس» في الدوحة (رويترز)
TT

«حماس» تتوقع محاولة اغتيال لقادتها في الخارج

المبنى المتضرر من الهجوم الإسرائيلي على قادة «حماس» في الدوحة (رويترز)
المبنى المتضرر من الهجوم الإسرائيلي على قادة «حماس» في الدوحة (رويترز)

تسود توقعات في حركة «حماس» بحدوث عملية اغتيال إسرائيلية جديدة لبعض قياداتها خارج الأراضي الفلسطينية.

وتحدثت مصادر كبيرة في الحركة إلى «الشرق الأوسط» عن تزايد في معدلات القلق من استهداف المستوى القيادي، خصوصاً بعد اغتيال المسؤول البارز في «حزب الله» اللبناني، هيثم الطبطبائي.

وتحدث أحد المصادر عن أن «هناك تقديرات باستهداف قيادات الحركة في دولة غير عربية»، رافضاً تحديدها بدقة.

واطلعت «الشرق الأوسط»، على ورقة تعليمات داخلية تم توزيعها على قيادات «حماس» في الخارج، تتعلق بالأمن الشخصي والإجراءات الاحتياطية لتلافي أي اغتيالات محتملة، أو على الأقل التقليل من أضرارها.

وجاء في الورقة أنه يجب «إلغاء أي اجتماعات ثابتة في مكان واحد، واللجوء إلى الاجتماعات غير الدورية في مواقع متغيرة».

وتدعو التعليمات القيادات إلى «عزل الهواتف النقالة تماماً عن مكان الاجتماع، بما لا يقل عن 70 متراً، ومنع إدخال أي أجهزة طبية أو إلكترونية أخرى، بما في ذلك الساعات، إلى أماكن الاجتماعات».

في غضون ذلك، أفادت مصادر في غزة بأن مقتل زعيم الميليشيا المسلحة المناوئة لـ«حماس»، ياسر أبو شباب، أمس، جاء في سياق اشتباكات قبلية على يد اثنين من أبناء قبيلته الترابين.

وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن شخصين شاركا في قتل أبو شباب، ينتميان إلى عائلتي الدباري وأبو سنيمة؛ إذ إن العائلتين إلى جانب أبو شباب ينتمون جميعاً إلى قبيلة الترابين.


إسرائيل تقابل الانفتاح الدبلوماسي اللبناني بغارات

لبنانيون يشاهدون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)
لبنانيون يشاهدون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تقابل الانفتاح الدبلوماسي اللبناني بغارات

لبنانيون يشاهدون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)
لبنانيون يشاهدون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)

حسمت إسرائيل، أمس، التضارب في مواقف مسؤوليها حول «الجو الإيجابي» الناجم عن المفاوضات المدنية مع لبنان، وأعطت إشارة واضحة إلى أنها ستتعامل معها بمعزل عن المسار العسكري؛ إذ شنت غارات استهدفت أربعة منازل في جنوب لبنان، أحدها شمال الليطاني، بعد أقل من 24 ساعة على اجتماع لجنة تنفيذ مراقبة اتفاق وقف النار «الميكانيزم».

وبدا التصعيد الإسرائيلي رداً على ما سربته وسائل إعلام لبنانية بأن مهمة السفير سيمون كرم، وهو رئيس الوفد التفاوضي مع إسرائيل، تمثلت في بحث وقف الأعمال العدائية، وإعادة الأسرى، والانسحاب من الأراضي المحتلة، وتصحيح النقاط على الخط الأزرق فقط، فيما أفادت قناة «الجديد» المحلية بأن رئيس الجمهورية جوزيف عون «أكد أن لبنان لم يدخل التطبيع، ولا عقد اتفاقية سلام».

وقال الرئيس عون خلال جلسة الحكومة، مساء أمس: «من البديهي ألا تكون أول جلسة كثيرة الإنتاج، ولكنها مهدت الطريق لجلسات مقبلة ستبدأ في 19 من الشهر الحالي»، مشدداً على ضرورة أن «تسود لغة التفاوض بدل لغة الحرب».


العراق «يُصحّح خطأ» تصنيف حلفاء إيران إرهابيين

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)
TT

العراق «يُصحّح خطأ» تصنيف حلفاء إيران إرهابيين

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)

أثار نشر العراق، أمس (الخميس)، معلومات عن تجميد أموال «حزب الله» اللبناني، وجماعة «الحوثي» في اليمن، باعتبارهما مجموعتين «إرهابيتين»، صدمة واسعة، قبل أن تتراجع الحكومة، وتقول إنه «خطأ غير منقّح» سيتم تصحيحه.

وكانت جريدة «الوقائع» الرسمية قد أعلنت قائمة تضم أكثر من 100 كيان وشخص على ارتباط بالإرهاب، في خطوة رأى مراقبون أنها كانت ستُرضي واشنطن، وتزيد الضغط على طهران، قبل سحبها.

وأثار القرار غضب قوى «الإطار التنسيقي» الموالية لإيران؛ إذ وصف قادتها خطوة الحكومة التي يرأسها محمد شياع السوداني بأنها «خيانة»، فيما نفى البنك المركزي وجود موافقة رسمية على إدراج الجماعتين.

وقالت لجنة تجميد الأموال إن القائمة كان يُفترض أن تقتصر على أسماء مرتبطة بتنظيمي «داعش» و«القاعدة» امتثالاً لقرارات دولية، وإن إدراج جماعات أخرى وقع قبل اكتمال المراجعة.

ووجّه السوداني بفتح تحقيق، وسط جدل سياسي متصاعد حول مساعيه لولاية ثانية.

وجاءت التطورات بعد دعوة أميركية إلى بغداد لـ«تقويض الميليشيات الإيرانية»، وفي ذروة مفاوضات صعبة بين الأحزاب الشيعية لاختيار مرشح توافقي لرئاسة الحكومة الجديدة.