عائلاتٌ مُعذبة تبحث عن ذويها... آلاف المفقودين في غزة بعد عامين من الحرب

محمد النجار وزوجته يحملان جوالاً يظهر صورة ابنهما المفقود أحمد (أ.ب)
محمد النجار وزوجته يحملان جوالاً يظهر صورة ابنهما المفقود أحمد (أ.ب)
TT

عائلاتٌ مُعذبة تبحث عن ذويها... آلاف المفقودين في غزة بعد عامين من الحرب

محمد النجار وزوجته يحملان جوالاً يظهر صورة ابنهما المفقود أحمد (أ.ب)
محمد النجار وزوجته يحملان جوالاً يظهر صورة ابنهما المفقود أحمد (أ.ب)

يبحث الآلاف في غزة عن أقاربهم الذين فُقدوا بسبب واحدة من أكثر الحروب تدميراً خلال العقود الماضية.

وبحسب وكالة أنباء «أسوشييتد برس»، فقد دُفن بعض أولئك المفقودين تحت مبانٍ مدمرة، فيما اختفى آخرون دون معرفة مصيرهم خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية.

وفي حربٍ لا يُعرف فيها العدد الحقيقي للقتلى، قالت كاثرين بومبرغر، المديرة العامة للجنة الدولية لشؤون المفقودين: «لا أحد يعلم العدد الدقيق للمفقودين».

ومن ضمن أولئك المفقودين شاب يدعى أحمد النجار، يبلغ من العمر 23 عاماً، اختفى في ديسمبر (كانون الأول) 2023، ولم يتم العثور عليه بعدُ.

وقال والده محمد النجار إنه عندما بدأت القنابل الإسرائيلية بالتساقط على منزله في جنوب غزة، ركض هو وزوجته وأبناؤه الستة، ومن بينهم أحمد في جوف الليل، وتفرقوا في رعب إلى جانب مئات آخرين من حيهم.

وعندما هدأت الأمور، لم يتم العثور على أحمد، حيث بحثت العائلة في المستشفيات القريبة وسألت الجيران إن كانوا قد رأوه، كما بحثت بين أنقاض منزلها المُدمر، وفي المشرحة وسألت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لكن دون جدوى.

وما زالت العائلة تبحث عنه بعد مرور ما يقرب من عامين على اختفائه.

وقال محمد النجار، الذي يقيم مع عائلته في خيمة بالمواصي، على طول الساحل الجنوبي لغزة، وهو مخيم النزوح التاسع لهم منذ تلك الليلة: «كأن الأرض ابتلعته. لا نعرف، هل هو أسير في إسرائيل؟ هل مات؟ نحن تائهون. أفكارنا تعذبنا».

وصرّح كل من مصلحة السجون الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي لـ«أسوشييتد برس» بعدم تمكنهما من الكشف عن تفاصيل محددة بشأن السجناء، ورفضا التعليق على حالة النجار.

«هناك نار في قلبي»

ومن بين المفقودين الآخرين، شاب يُدعى مصعب (27 عاماً) انقطعت أخباره عن والدته فدوى الغلبان منذ يوليو (تموز) الماضي، حين ذهب لإحضار الطعام من منزل عائلته، معتقداً أن القوات الإسرائيلية قد غادرت المنطقة التي يقطن بها في جنوب غزة.

ورأى أبناء عمومته القريبون مصعب ملقى على الأرض. ونادوا باسمه، لكنه لم يُجب، ومع وجود القوات الإسرائيلية بالقرب منه، أصبح الاقتراب منه غير آمن، فانصرفوا. وظنّوا أنه قد مات.

وعند عودتهم لاحقاً، لم يعثر أفراد العائلة سوى على نعاله بالمكان.

ونشرت عائلته إعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي، آملةً أن يكون أحدهم قد رأى مصعب في المعتقل الإسرائيلي أو دفنه بعد العثور على جثته، لكنها لم تتلق أي رد.

وتعيش فدوى على أمل أن يكون نجلها حياً. فقد كان قريب آخر لها قد عُدّ ميتاً، ثم بعد أربعة أيام من استقبال العائلة رسمياً للمعزين، علموا أنه في سجن إسرائيلي.

فدوى الغلبان تحمل صورة ابنها مصعب (أ.ب)

وقالت فدوى: «هناك نار في قلبي. أظلّ أتخيل نجلي آتياً، يمشي نحوي في الخيمة. أشعر بأنه لم يمت».

أعداد المفقودين

وأفادت وزارة الصحة في غزة بأن حوالي 6 آلاف شخص ما زالوا تحت الأنقاض حسبما أفاد به أقاربهم.

ومن المحتمل أن يكون العدد الفعلي أعلى بآلاف الأشخاص، لأن هناك حالات قُتل فيها أفراد أسر كاملة في قصف واحد، ما يعني أنه لم يتبق أي شخص ليبلّغ عن المفقودين، وفقاً لزهير الوحيدي، المسؤول في الوزارة.

من جهة أخرى، قال الوحيدي إن الوزارة تلقت تقارير من عائلات حول نحو 3600 شخص مفقودين، مصيرهم مجهول. وحتى الآن، تم التحقيق في نحو 200 حالة فقط. ومن بينها، تم العثور على 7 منهم محتجزين لدى إسرائيل. أما البقية فلم يعرف مصيرهم بعد.

والوزارة هي جزء من حكومة «حماس». وتعد الأمم المتحدة وكثير من الخبراء المستقلين أرقامها موثوقة.

ولدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر قائمة منفصلة بالمفقودين - ما لا يقل عن 7 آلاف حالة لا تزال عالقة ومصيرها غير معروف. ولا يشمل ذلك تلك الحالات التي يُعتقد أنها تحت الأنقاض، وفقاً للمتحدث الرئيسي كريستيان كاردون.

طرق اختفاء متعددة

تعددّت طرق الاختفاء خلال فوضى الهجمات، والقصف على المباني، والنزوح الجماعي لسكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة تقريباً.

فقد اعتُقل المئات عند نقاط التفتيش الإسرائيلية، أو أُلقي القبض عليهم في مداهمات دون إخطار عائلاتهم.

وخلال الهجمات البرية الإسرائيلية، تُركت الجثث في الشوارع. وأُطلق النار على فلسطينيين عندما اقتربوا من المناطق العسكرية الإسرائيلية، وعُثر على جثثهم بعد أسابيع أو أشهر متحللة.

واستولى الجيش الإسرائيلي على عدد غير معروف من الجثث، قائلاً إنه يبحث فيها عن رهائن إسرائيليين أو مقاتلين فلسطينيين. وقد أعاد مئات الجثث التي لم تُحدد هويتها إلى غزة، حيث دُفنت في مقابر جماعية مجهولة.

وقالت بومبرغر إن التحقيق في قضية المفقودين يتطلب تقنية متقدمة للحمض النووي، وعينات من العائلات والجثث مجهولة الهوية، وصوراً جوية لتحديد مواقع الدفن والمقابر الجماعية. وأضافت: «إنها مهمة ضخمة للغاية».

لكنّ إسرائيل فرضت قيوداً على دخول إمدادات فحص الحمض النووي إلى غزة، وفقاً لبومبرغر ووزارة الصحة في غزة.

وأكدت بومبرغر أن مسؤولية العثور على المفقودين تقع على عاتق إسرائيل، بصفتها القوة المحتلة.

وأضافت: «لذا، يعتمد الأمر على الإرادة السياسية للسلطات الإسرائيلية في اتخاذ إجراء حيال ذلك».

وتقول جماعات حقوق الإنسان إن إسرائيل «تُخفي» مئات الفلسطينيين من غزة، وتحتجزهم دون تهم أو محاكمة، وغالباً بمعزل عن العالم الخارجي.

ولا تُعلن إسرائيل عن عدد المعتقلين، إلا من خلال طلبات قانون حرية المعلومات. وبموجب تعديلٍ أُجري بعد اندلاع الحرب على القانون الإسرائيلي، يُمكن احتجاز المعتقلين من غزة دون أي مراجعة قضائية لمدة 75 يوماً، وحرمانهم من المحامين لفترة أطول. وعادةً ما تُعقد جلسات المحاكمة أمام القاضي سراً عبر الفيديو.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تستهدف آسري رهائن «7 أكتوبر»... وعائلاتهم

المشرق العربي نازحون فلسطينيون فاقمت الأمطار معاناتهم في مخيمهم وسط الخراب بميناء غزة أمس (إ.ب .أ)

إسرائيل تستهدف آسري رهائن «7 أكتوبر»... وعائلاتهم

في مساء 2 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، اغتال مسلحان مجهولان على دراجة نارية، داعية إسلامياً يدعى محمد أبو مصطفى، في منطقة مواصي خان يونس جنوب قطاع غزة، وفرّا…

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (رويترز) play-circle

روبيو: خطة ترمب لإنهاء حرب غزة أفضل سبيل للسلام بالشرق الأوسط

قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الجمعة، إن خطة الرئيس دونالد ترمب لإنهاء الحرب في قطاع غزة هي «أفضل سبيل لإرساء السلام في الشرق الأوسط».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف (رويترز) play-circle

تقرير: ويتكوف يعتزم الاجتماع بخليل الحية قريباً

ذكر إعلام أميركي، الجمعة، أن المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف يعتزم لقاء خليل الحية، كبير المفاوضين في حركة «حماس» الفلسطينية، قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي فلسطينيون يحملون جثثاً انتشلوها من بين أنقاض منزل دمر في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

«معركة قرارات» في مجلس الأمن بشأن «قوات الاستقرار»تهدد «اتفاق غزة»

يدخل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة مرحلة من التجاذبات الدولية، بعد تقديم موسكو مشروع قرار مضاد لنظيره الأميركي بشأن نشر قوات استقرار في القطاع في مجلس الأمن.

محمد محمود (القاهرة )
المشرق العربي أطفال فلسطينيون يمشون بين الخيام بعد هطول الأمطار على قطاع غزة (أ.ب) play-circle

«حماس» تدعو ضامني اتفاق غزة إلى التحرك العاجل لإيصال المساعدات

قالت حركة «حماس»، الجمعة، إن الأوضاع الإنسانية في غزة تفاقمت بعد غرق خيام للنازحين جراء الأمطار، ودعت الضامنين لاتفاق وقف النار إلى التحرك لإيصال الإمدادات.

«الشرق الأوسط» (غزة)

إسرائيل تستهدف آسري رهائن «7 أكتوبر»... وعائلاتهم

نازحون فلسطينيون فاقمت الأمطار معاناتهم في مخيمهم وسط الخراب بميناء غزة أمس (إ.ب .أ)
نازحون فلسطينيون فاقمت الأمطار معاناتهم في مخيمهم وسط الخراب بميناء غزة أمس (إ.ب .أ)
TT

إسرائيل تستهدف آسري رهائن «7 أكتوبر»... وعائلاتهم

نازحون فلسطينيون فاقمت الأمطار معاناتهم في مخيمهم وسط الخراب بميناء غزة أمس (إ.ب .أ)
نازحون فلسطينيون فاقمت الأمطار معاناتهم في مخيمهم وسط الخراب بميناء غزة أمس (إ.ب .أ)

في مساء 2 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، اغتال مسلحان مجهولان على دراجة نارية، داعية إسلامياً يدعى محمد أبو مصطفى، في منطقة مواصي خان يونس جنوب قطاع غزة، وفرّا باتجاه المناطق التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية جنوب المدينة، الأمر الذي أثار شكوكاً إزاء هذه العملية التي تأتي بعد حوادث مماثلة قام بها مجهولون، وأقدموا خلالها على أسر طبيب ثم ابنته بعد نحو شهر.

وتبين أن أبو مصطفى ينشط في «كتائب المجاهدين»؛ وهو فصيل فلسطيني ينشط بشكل أساسي في قطاع غزة، وأن ما جرى معه هو عملية اغتيال مقصودة، بعدما تم إطلاق عدة رصاصات من مسدس كان يحمله أحد المسلحين فيما كان الآخر يقود الدراجة النارية.

وتكشف تحقيقات تعقبتها «الشرق الأوسط»، مؤخراً، أن إسرائيل قادت عمليات انتقامية ضد قيادات ونشطاء بارزين في فصيل «كتائب المجاهدين»، الذي كان أسر في هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، عائلة بيباس (الأم وطفلاها قتلا لاحقاً)، من كيبوتس نير عوز، في جنوب قطاع غزة.

وطالت الاغتيالات القيادة المركزية لـ«كتائب المجاهدين»، الذي تأسس عام 2003 بعد انشقاقه عن «كتائب الأقصى»، الجناح المسلح لحركة «فتح»، وتلقى لسنوات دعماً كبيراً من إيران و«حزب الله» و«الجهاد الإسلامي».


بيروت تستجيب لمطالب واشنطن بـ«تقييد» تمويل «حزب الله»

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال لقائه وفداً من وزارة الخزانة الأميركية بالقصر الجمهوري في بعبدا (أ.ف.ب)
الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال لقائه وفداً من وزارة الخزانة الأميركية بالقصر الجمهوري في بعبدا (أ.ف.ب)
TT

بيروت تستجيب لمطالب واشنطن بـ«تقييد» تمويل «حزب الله»

الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال لقائه وفداً من وزارة الخزانة الأميركية بالقصر الجمهوري في بعبدا (أ.ف.ب)
الرئيس اللبناني جوزيف عون خلال لقائه وفداً من وزارة الخزانة الأميركية بالقصر الجمهوري في بعبدا (أ.ف.ب)

بدأ لبنان بالاستجابة لمطالب الولايات المتحدة بـ«تقييد» تمويل «حزب الله»، إذ اتخذ مصرف لبنان أمس «الخطوة الأولى ضمن سلسلة من الإجراءات الاحترازية الهادفة إلى تعزيز بيئة الامتثال داخل القطاع المالي».

وتضمنت مبادرة «المركزي» «فرض الإجراءات الوقائية على جميع المؤسسات المالية غير المصرفية المرخّصة من قبل مصرف لبنان، بما في ذلك شركات تحويل الأموال، والصرافة، وغيرها من الجهات التي تقوم بعمليات التداول بالأموال النقدية من العملات الأجنبية، وتحويلها من لبنان وإليه».

وستركز الخطوات التالية للسلطة النقدية على تنشيط المدفوعات في قطاعات التجزئة بالوسائل الإلكترونية؛ سواء عبر البطاقات أو الهواتف الذكية والتحويلات الداخلية والخارجية (أونلاين) المربوطة بشبكات تقنية موثوقة لدى المصارف، والتي تخضع أساساً لمقتضيات معرفة العميل (KWC)، مما يسهم في ضبط الانفلات النقدي عبر التحكم بضخ السيولة من الدولار.

في غضون ذلك، اتهمت قوات «اليونيفيل»، الجيش الإسرائيلي، بقضم نحو 4 آلاف متر مربع من الأراضي اللبنانية، وذلك باستحداث جدار على الحدود، وقالت إنه «تجاوز الخط الأزرق».


روبيو: خطة ترمب لإنهاء حرب غزة أفضل سبيل للسلام بالشرق الأوسط

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (رويترز)
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (رويترز)
TT

روبيو: خطة ترمب لإنهاء حرب غزة أفضل سبيل للسلام بالشرق الأوسط

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (رويترز)
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (رويترز)

قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الجمعة، إن خطة الرئيس دونالد ترمب لإنهاء الحرب في قطاع غزة هي «أفضل سبيل لإرساء السلام في الشرق الأوسط».

وذكر روبيو في منشور على منصة «إكس» أن مشروع القرار الأميركي المطروح في مجلس الأمن بشأن غزة يحظى بدعم دولي وإقليمي واسع، وسيدعم خطة ترمب.

وعبّر وزير الخارجية عن امتنان الولايات المتحدة لكل من السعودية والإمارات ومصر وقطر والأردن وتركيا وإندونيسيا وباكستان على دعمها لمشروع القرار الأميركي.

وتابع بالقول: «لم يسبق للشرق الأوسط أن كان قريباً من تحقيق سلام حقيقي ودائم كما هو الآن».