كان مدير مستشفى الشفاء في غزة محمد أبو سلمية يمارس عمله، اليوم (السبت)، كالمعتاد، محاولاً تنظيم التعامل مع تدفق القتلى والمصابين في القصف الإسرائيلي، عندما فُجع بالتعرّف على هوية اثنين من القتلى؛ شقيقه وزوجة شقيقه.
وروى أبو سلمية، لوكالة الصحافة الفرنسية عبر الهاتف: «صُدمت وفوجئت بجثتي شقيقي وزوجته. كان أمراً مفجعاً ومرعباً. كل شيء متوقع إلا أن تستقبل أعزّ الناس شهداء ومصابين».
وأضاف أنه كان في قسم الاستقبال والطوارئ في مستشفى الشفاء عندما نقلت الجثتان إلى المكان. وأضاف: «جرائم الاحتلال مستمرة، والشهداء يتزايدون».

وغالباً ما يتحدّث أبو سلمية عبر الإعلام للمطالبة بوقف الحرب المدمّرة في قطاع غزة، التي بدأت بعد هجوم غير مسبوق لحركة «حماس» على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وليتحدث عن تردّي الوضع الصحي في القطاع ونقص الأدوية والعلاجات.
ويستقبل مستشفى الشفاء، أحد المستشفيات النادرة التي لا تزال تعمل في غزة، يومياً منذ بدء الحرب قتلى ومصابين. وقد ارتفع عددهم منذ توسيع إسرائيل عملياتها البرية في مدينة غزة في 16 سبتمبر (أيلول).

صباح السبت، كانت سيارة إسعاف تدخل بسرعة باحة المستشفى، وقد أطلقت صافراتها. وتمّ إنزال 4 جثث ملفوفة بأكفان بيضاء، عمد مسعفون بمساعدة مواطنين إلى نقلها من الداخل وتمديدها تحت شجرة قريبة. بينما وصلت سيارة إسعاف أخرى تقلّ مصابين، بينهم فتى.
وقال الخمسيني محمد نصار: «كانت الليلة صعبة جداً، قصف وتفجيرات». ونزح نصّار قبل شهر تقريباً من حي الصبرة في جنوب مدينة غزة إلى تل الهوى إلى الغرب منه.
وأضاف: «الاحتلال يريد تهجير كل الناس حتى يدمّر مدينة غزة وتصبح مثل بيت حانون (شمال) ورفح (جنوب)، لا تصلح للحياة لـ100 عام، لا أمل لدينا بوقف الحرب».

ويوضح أن اثنين من أبنائه نزحا مشياً على الأقدام من غزة إلى منطقة المواصي في خان يونس جنوباً، «لكنهما لم يجدا مكاناً، ولا خيمة».
أما هو وزوجته و3 من بناتهما فلا يمكنهم تحمّل تكلفة النزوح، وفق قوله. وتابع: «لا يوجد معي مال للنزوح، ولا أستطيع المشي 30 كيلومتراً... الموت أرحم».
20 قتيلاً
وأعلن المتحدث باسم الدفاع المدني في قطاع غزة، محمود بصل، مقتل 20 شخصاً منذ فجر السبت في مدينة غزة وحدها، نتيجة القصف الإسرائيلي.

وأعلن الجيش الإسرائيلي، الجمعة، استعداده لضرب مدينة غزة «بقوة غير مسبوقة». ونزح نحو نصف مليون شخص هرباً من الهجوم الإسرائيلي من المدينة، وهي كبرى مدن القطاع وأكثرها اكتظاظاً بالسكان. وكانت الأمم المتحدة قدّرت في أغسطس (آب) عدد سكانها ومحيطها بأكثر من مليون نسمة.
وألقى الجيش الإسرائيلي، السبت، مناشير جديدة فوق المدينة، طالباً من السكان النزوح. وكتب فيها: «بقاؤكم في الشمال يعرضكم ويعرّض عائلاتكم للخطر».
ويتواصل نزوح آلاف الفلسطينيين من مدينة غزة في اتجاه مخيمات وبلدات في وسط القطاع وخان يونس في جنوبه. إلا أن الآلاف الآخرين لا يزالون يتردّدون.

وقالت ديما الأشقر: «أفقنا اليوم على المناشير. أين نذهب؟ أين ننزح؟ الناس ليس معهم مال. وضعنا تحت الصفر. يكفي. نحن تعبنا. هذا ظلم، هذا حرام».
وقالت رائدة العمارين (32 عاماً) التي تقيم مع زوجها وأطفالها ووالدتها في خيمة في غرب غزة: «نريد النزوح، لكن لا يوجد معنا مال. النقل بالتوك توك بسعر 4000 شيكل (قرابة 1196 دولاراً)، وفي شاحنة صغيرة يصل السعر إلى 7000 شيكل».

وتضيف العمارين، التي تعيش مع والدتها المقعدة، وقد نزحت قبل أيام فقط من منطقة الشيخ رضوان، شمال غربي مدينة غزة: «لا نملك 10 شيكلات لنشتري خبزاً. ماذا نفعل؟ سنبقى. إما نموت وإما يجدون لنا حلاً».

