إسرائيل تتوسع برياً في مدينة غزة... وتقطع الاتصالات والإنترنت

جيش الاحتلال كثف استخدام العربات المفخخة داخل المناطق المكتظة

الدخان يتصاعد جراء الضربات الإسرائيلية بمدينة غزة يوم الخميس (رويترز)
الدخان يتصاعد جراء الضربات الإسرائيلية بمدينة غزة يوم الخميس (رويترز)
TT

إسرائيل تتوسع برياً في مدينة غزة... وتقطع الاتصالات والإنترنت

الدخان يتصاعد جراء الضربات الإسرائيلية بمدينة غزة يوم الخميس (رويترز)
الدخان يتصاعد جراء الضربات الإسرائيلية بمدينة غزة يوم الخميس (رويترز)

قصفت الدبابات والطائرات الإسرائيلية مدينة غزة بشكل كثيف، الخميس، حيث يشن الجيش هجوماً واسعاً يتسبب بـ«موجات جديدة من النزوح»، حسب الأمم المتحدة التي شددت على أن المستشفيات باتت على شفير الانهيار.

وارتفعت سحب من الدخان الكثيف في سماء المدينة، فيما نزحت أعداد كبيرة من الفلسطينيين؛ إما سيراً وإما مستخدمةً المركبات أو العربات التي تجرّها الحمير، محمَّلةً بما تيسّر من المتاع القليل المتبقي.

فلسطينيون ينزحون عن مدينة غزة سيراً وعلى العربات باتجاه جنوب القطاع يوم الخميس (أ.ب)

وشهدت العمليات العسكرية الإسرائيلية توسعاً برياً داخل المدينة، إذ تقدمت القوات عبر بعض المحاور، وتباطأت في أخرى بسبب تكدس السكان داخل المدينة التي يقدَّر أن نصف مليون شخص نزحوا منها، فيما لا يزال نحو 600 ألف آخرين.

وأفاد نازحون بتقدم للآليات الإسرائيلية في محيط منطقة الكرامة غرب جباليا، وهي المنطقة الواقعة شمال غربي مدينة غزة والمكتظة بالنازحين بشكل كبير، وتزامن ذلك مع تقدم آليات أخرى من جهة بئر النعجة شمال القطاع وصولاً إلى منطقة الصفطاوي مع نهاية شارع الجلاء، أو ما يُعرف باسم «دوار الصاروخ».

عربات مفخخة وقطع اتصالات

وكثفت القوات الإسرائيلية استخدام العربات العسكرية المفخخة، في المناطق المكتظة، إلى جانب المناطق الجنوبية الغربية بالقرب من حي تل الهوى، خصوصاً على امتداد شارع 8 الرئيسي، وسط تكثيف كبير للغارات الجوية، وهي الأخرى مناطق مزدحمة، وقُصف فيها كثير من العمارات والأبراج السكنية والمكتبية.

ومع فشل القصف الجوي والمدفعي في دفع سكان تلك المناطق إلى النزوح، قصفت إسرائيل خطوط الاتصالات والإنترنت مما تسبب بانقطاعها بشكل كبير جداً داخل المدينة منذ يومين، الأمر الذي أثّر من جانب آخر على السكان ودفع بعضهم إلى النزوح، خشية توسع الهجوم بشكل أكبر.

نازحون يفرّون من العملية العسكرية في مدينة غزة يوم الخميس (رويترز)

وعانت المدينة ومناطق شمال القطاع من قطع مماثل للاتصالات في ذروة العملية العسكرية البرية وتحديداً ما بين شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، حتى شهر فبراير (شباط) 2024.

وباتت أخبار الغارات المكثفة وكذلك عمليات تفجير الروبوتات تواجه شحاً في إيصالها من المواطنين وشهود العيان لوسائل الإعلام والصحافيين، الأمر الذي يثير مخاوف من ارتكاب مجازر جديدة بحق المدنيين دون القدرة على التواصل مع أي من وسيلة إعلامية للإبلاغ عمّا يجري والكشف عن تلك المجازر، أو حتى التواصل مع مركبات الإسعاف وطواقم الطوارئ التي ما زالت تخدم بالمدينة.

وذكرت وزارة الصحة في غزة أنه وصل إلى مستشفيات قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية (من ظهيرة الأربعاء إلى منتصف نهار الخميس) 98 قتيلاً و385 إصابة جديدة، مما يرفع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 65.062 ألف قتيل و165.697 ألف إصابة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

دخول مفاجئ

لكنّ القوات الإسرائيلية، أوقفت التقدم البري في مناطق شرق مدينة غزة، وتحديداً في منطقتي النفق والصحابة بحي الدرج، بسبب اكتظاظ السكان في هذه المناطق التي لم تدخلها أي قوات إسرائيلية سابقاً إلا في أجزاء منها، كممر باتجاه مناطق أخرى، لكنها لم تتوقف عن القصف الجوي والمدفعي في تلك المناطق.

وكان يعتقد أن العملية التي بدأت منذ أكثر من شهر في المنطقتين الجنوبية والشمالية لمدينة غزة، ستتضمن دخول الجيش الإسرائيلي من الشمال إلى الجنوب لقطع الطريق ما بين شرق وغرب مدينة غزة؛ إلا أنه دخل بشكل مفاجئ من المنطقة الشمالية الغربية (الكرامة)، والجنوبية الغربية بالقرب من الكلية الجامعية بين حيَّي تل الهوى والزيتون.

فلسطينيون يحملون جثث أطفال مُكفنين قُتلوا في غارات إسرائيلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)

كما أغلقت إسرائيل معبر «زيكيم» الذي كانت قد خصصته لفترة من الفترات لإدخال المساعدات الإنسانية، بهدف إجبار السكان على النزوح.

فيما لا تزال عملية النزوح من مدينة غزة تسير بشكل بطيء جداً بسبب حالة الازدحام على شارع الرشيد، الأمر الذي دفع الجيش الإسرائيلي إلى الإعلان عن تحديد مسارات معينة على شارع صلاح الدين الرئيس بالقرب من محور نتساريم للوصول إلى جنوب وادي غزة، ضمن مدة محددة تنتهي الجمعة.

ويعاني سكان مدينة غزة، من أزمات عدة تواجههم بسبب النزوح بفعل عدم توفر المواصلات، وفي حال توفرت فإنها باهظة الثمن وتحتاج إلى ساعات طويلة للوصول بهم إلى وسط وجنوب القطاع، بسبب الازدحام الشديد.


مقالات ذات صلة

لأول مرة... عصابة مسلحة في غزة تجبر سكاناً على النزوح

خاص فلسطينية تتلقى طعاماً من مطبخ خيري في دير البلح وسط غزة يوم الخميس (أ.ب) play-circle

لأول مرة... عصابة مسلحة في غزة تجبر سكاناً على النزوح

للمرة الأولى؛ أجبرت مجموعة مسلحة تنشط شرق مدينة غزة قاطني مربع سكني في حي التفاح على النزوح، على إخلائه بالكامل، تحت تهديد السلاح، وبدعم إسرائيلي.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي أطفال ينتظرون الحصول على نصيبهم من الطعام بمخيم النصيرات في غزة (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: ندعو لدخول الإمدادات والمعدات الطبية الأساسية لغزة

رحب مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الأحد، بالتقدم الذي أُحْرِزَ بشأن المجاعة في غزة، لكنه أوضح أن هذا التقدم لا يزال هشاً للغاية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي أفراد من الدفاع المدني الفلسطيني يبحثون عن جثامين عائلة سالم في أنقاض مبنى دُمر عام 2023 في حي الرمال بمدينة غزة 15 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

انتشال 14 جثماناً من أنقاض منزل في مدينة غزة

تمكّنت طواقم الدفاع المدني في مدينة غزة من انتشال 14 جثماناً من تحت أنقاض منزل دمرته القوات الإسرائيلية خلال قصفها المدينة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي حنين المبحوح فقدت ساقها في غارة إسرائيلية على منزلها أسفرت أيضاً عن مقتل بناتها الأربع جميعاً بغزة (أ.ب)

مبتورو الأطراف في غزة يكافحون لإعادة بناء حياتهم وسط نقص الأجهزة التعويضية

تجلس حنين المبحوح على كرسيها المتحرك، تحلم بإعادة بناء أسرتها، وحمل طفل رضيع. تحلم بالمشي مجدداً. لكن حياتها في غزة متوقفة.

«الشرق الأوسط» (غزة)

إسرائيل تحاصر مناطق بالضفة عقب هجمات جديدة

جنديان إسرائيليان خلال عملية في بلدة قباطية جنوب جنين السبت (أ.ب)
جنديان إسرائيليان خلال عملية في بلدة قباطية جنوب جنين السبت (أ.ب)
TT

إسرائيل تحاصر مناطق بالضفة عقب هجمات جديدة

جنديان إسرائيليان خلال عملية في بلدة قباطية جنوب جنين السبت (أ.ب)
جنديان إسرائيليان خلال عملية في بلدة قباطية جنوب جنين السبت (أ.ب)

فرضت القوات الإسرائيلية، حصاراً خانقاً على قرى وبلدات في مدن عدة من الضفة الغربية، بعد هجوم نفَّذه فلسطيني شمال إسرائيل، وآخر وقع قرب رام الله، وسط استمرار لحملات الاعتقال اليومية والاعتداءات من قبل المستوطنين في مناطق مختلفة.

وقبيل الهجمات الأخيرة، التي نُفِّذت من قبل فلسطينيين، لم تتوقف الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية؛ ما تسبب بمقتل كثير من الفلسطينيين في ظروف مختلفة مع استمرار الاقتحامات والمداهمات وغيرها.

وفي أعقاب الهجوم الذي وقع في مدينة بيسان قرب العفولة شمال إسرائيل، ظهر الجمعة، والذي أدى لمقتل إسرائيليين، فرضت القوات الإسرائيلية حصاراً مشدداً على بلدة قباطية جنوب جنين، التي خرج منها منفذ العملية.

عوائق تسد طريقاً خلال عملية عسكرية إسرائيلية في بلدة قباطية جنوب جنين السبت (أ.ب)

وداهمت القوات الإسرائيلية عشرات المنازل في البلدة ومحيطها، واعتقلت كثيراً من الفلسطينيين، وأخضعتهم لتحقيق ميداني، في حين نقلت آخرين لمراكز احتجاز قريبة، وكان من بين المعتقلين عائلة مُنفِّذ الهجوم أحمد أبو الرب، وأصدقاؤه، ومَن يشتبه في علاقة له بالهجوم. وحولت منازل لثكنات عسكرية بعد أن احتجزت سكانها في بعض غرفها، بينما أجبرت آخرين على مغادرتها بالكامل والنزوح منها إلى أطراف البلدة، وسط عمليات تجريف واسعة للشوارع والبنية التحتية، وإغلاق معظم المداخل الفرعية للبلدة بالسواتر الترابية.

وتزامن ذلك مع فرض حصار مشدد آخر على نحو 10 قرى وبلدات تقع شمال غربي رام الله وسط الضفة الغربية، وذلك بدعوى إطلاق نار من قبل مسلح فلسطيني اتجاه السياج الأمني قرب حاجز حشمونائيم على بعد 700 متر من مستوطنة موديعين عيليت، دون أن تقع إصابات.

وأغلقت تلك القوات، البوابة الرئيسية لمدخل قرية نعلين، ومنعت المواطنين والمركبات من الدخول أو الخروج، كما تم إغلاق البوابة المؤدية إلى قرية خربثا بني حارث، واتخذت إجراءات مشددة خلال تحركات المواطنين، بينما أغلقت حاجز عطارة العسكري، الأمر الذي تسبب بأزمة مرورية خانقة، حرمت الفلسطينيين من الوصول إلى قرى وبلدات عدة واقعة شمال غربي وغرب رام الله.

وفقاً لتقرير صادر عن «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان» في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فإن العدد الإجمالي للحواجز الدائمة والمؤقتة التي تقسِّم الأراضي الفلسطينية بلغ ما مجموعه 916 ما بين حاجز عسكري وبوابة، منها 243 بوابة حديدية نصبت بعد السابع من أكتوبر 2023.

قوة إسرائيلية خلال عملية في بلدة قباطية جنوب جنين السبت (أ.ب)

ورغم أنه تبين لاحقاً، كما ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن ما جرى قرب رام الله، ليس هجوماً على خلفية قومية، وإنما كان «عملية صيد» للطيور بالمنطقة من قبل فلسطيني، فإن القوات الإسرائيلية واصلت فرض حصارها على المنطقة؛ للبحث عن «الصياد»؛ بهدف مصادرة سلاحه والتحقيق معه، وهو ما أعلنه الجيش الإسرائيلي في وقت لاحق.

وتزامن ذلك، مع استمرار حملات الاعتقال اليومية في مناطق متفرقة بالضفة، حيث اعتُقل ما لا يقل عن 14 فلسطينياً، غالبيتهم من الخليل، ومن بينهم سيدة وطفل، ودون أن يتم احتساب المعتقلين من بلدة قباطية التي تتعرَّض لعملية منذ مساء الجمعة بعد الهجوم الذي وقع شمال إسرائيل على يد أحد سكان البلدة.

في حين تواصلت اعتداءات المستوطنين في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، وهاجم مستوطنون، مركبات فلسطينية عند مدخل بلدة بلعين غرب رام الله، ما تسبب بأضرار مادية. بينما أُصيب فلسطيني في اعتداء آخر من قبل المستوطنين في أراضي خربة يانون التابعة لأراضي عقربا جنوب نابلس.

وبحسب «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان»، فقد نفَّذت قوات الاحتلال والمستعمرون 2144 اعتداء خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تركَّزت غالبيتها في محافظات: رام الله والبيرة بـ360 اعتداء، والخليل بـ348، وبيت لحم بـ342، ونابلس بـ334.


العراق يدخل عام 2026 مثقلاً بأزمات متداخلة

صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)
صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)
TT

العراق يدخل عام 2026 مثقلاً بأزمات متداخلة

صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)
صورة جوية لجانب من بغداد (متداولة)

يعيد العراق تدوير أزمات متداخلة مع بداية عام 2026، في مقدمتها تأخر دفع رواتب نحو 8 ملايين موظف ومتقاعد، وتعثر تشكيل حكومة جديدة، وعودة الجدل الحاد حول تحويل محافظة البصرة الغنية بالنفط إلى إقليم، في مشهد يعكس عمق الاختلال السياسي والمالي في البلاد.

ومع اقتراب نهاية عام 2025، لم يتسلم موظفو الدولة رواتبهم للشهر الأخير، في سابقة تُثير قلقاً واسعاً لدى شريحة تعتمد غالبيتها على الدخل الحكومي، في بلد يشكل فيه القطاع العام العمود الفقري للاقتصاد.

وتؤكد وزارة المالية مراراً أن «الرواتب مؤمّنة»، وتنفي وجود أزمة سيولة، إلا أن هذه التصريحات لم تعد كافية لتهدئة مخاوف الموظفين والمتقاعدين والمستفيدين من شبكة الحماية الاجتماعية، في ظل شلل سياسي مستمر.

تتزامن الأزمة المالية مع انسداد سياسي حاد، نتيجة فشل القوى السياسية في التوافق على شاغلي الرئاسات الثلاث: رئاسة البرلمان، ورئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء.

ويقول محللون إن غياب حكومة كاملة الصلاحيات يُقيد قدرة الدولة على اتخاذ قرارات مالية حساسة، بما في ذلك إدارة الإنفاق العام، وضمان انتظام الرواتب، في وقت تتراكم فيه الديون وتتراجع ثقة الشارع بالمؤسسات.

وينظر إلى هذا التعثر باعتباره امتداداً لأزمة بنيوية أعمق؛ حيث لم تنجح الطبقة السياسية، منذ سنوات، في بناء آليات مستقرة للحكم، رغم الموارد النفطية الكبيرة التي يمتلكها العراق.

«إقليم البصرة»

إلى جانب الرواتب والحكومة، برزت في أواخر 2025 أزمة جديدة تمثلت في إعلان مجلس محافظة البصرة عزمه التصويت على بدء إجراءات تحويل المحافظة إلى إقليم فيدرالي.

ورغم أن الدستور العراقي يتيح تشكيل الأقاليم، فإن التجربة بقيت محصورة عملياً في إقليم كردستان، الذي يتمتع بوضع خاص تشكّل قبل سقوط نظام صدام حسين عام 2003.

وعلى مدى العقدين الماضيين، قوبلت دعوات مماثلة في محافظات أخرى برفض سياسي واسع، بدعوى أنها تُمهّد لتقسيم البلاد. وكانت الدعوات لتحويل محافظات غربية، مثل الأنبار، إلى إقليم، قد واجهت حملات تخوين واتهامات بالسعي إلى إنشاء «دولة سنية» أو تنفيذ أجندات إقليمية.

لكن مسألة البصرة تختلف، وفق مراقبين، ليس من زاوية الهوية السياسية أو الطائفية، بل بسبب وزنها الاقتصادي، فالمحافظة الجنوبية تنتج أكثر من 80 في المائة من النفط العراقي، ما يجعل أي خطوة نحو إقليم مستقل نسبياً مصدر قلق لبغداد.

حقل «غرب القرنة 2» النفطي جنوب مدينة البصرة في العراق (رويترز)

النفط في قلب الصراع

وتخشى الحكومة الاتحادية من أن يؤدي تحويل البصرة لإقليم إلى تقليص سيطرتها على أهم مورد مالي للدولة، في وقت تعاني أصلاً نزاعات مزمنة مع إقليم كردستان حول عائدات النفط والمنافذ الحدودية.

ويرى خبراء أن فتح «جبهة مالية» جديدة مع إقليم نفطي بحجم البصرة قد يضع الدولة أمام اختبارات قاسية، خصوصاً إذا ترافقت مع استمرار الاضطراب السياسي.

في المقابل، يُحذر آخرون من أن منطق الأقاليم، إذا تمدد، قد يفتح الباب أمام صراعات داخلية على الموارد، بما في ذلك المياه، في بلد يعاني أصلاً شحاً مائياً وتغيرات مناخية متسارعة.

وبين تأخر الرواتب، وانسداد الأفق السياسي، وتصاعد الجدل حول الأقاليم، يبدو العراق مقبلاً على عام جديد من دون حلول جذرية.

ويقول مراقبون إن ما يجري ليس سوى «تدوير للأزمات»؛ حيث ترحل المشكلات من عام إلى آخر من دون معالجات بنيوية، في ظل خلل مركب سياسي واقتصادي بات يُهدد الاستقرار الاجتماعي في بلد يعتمد ملايين من مواطنيه على الدولة مصدراً وحيداً للدخل.


لبنان «يدير المخاطر» وسط تهديدات إسرائيلية وغياب الضمانات

عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)
عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)
TT

لبنان «يدير المخاطر» وسط تهديدات إسرائيلية وغياب الضمانات

عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)
عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)

يقف لبنان على مشارف انتهاء عام 2025 من دون أن يكون قد حسم موقعه بين منطق الحرب ومنطق الاستقرار. فالسنة التي توشك على طيّ صفحاتها لم تشهد توسّعاً شاملاً للمواجهة، لكنها لم تُنتج في المقابل أي معادلة ردع سياسية أو أمنية قابلة للصمود، في ظل رفض «حزب الله» البدء بالمرحلة الثانية من خطة حصرية السلاح في شمال الليطاني، مقابل تهديدات إسرائيلية متواصلة.

ويتحرّك لبنان سياسياً ودبلوماسياً في التعامل مع التهديدات الإسرائيلية، ضمن هامش ضيّق ترسمه توازنات خارجية، وتبرز مقاربة تعتبر أنّ ما يعمل عليه لبنان هو منع الانفجار الكبير، حسبما تقول مصادر نيابية، مشيرة إلى أن ما يجري يبدو كأنه «إدارة مؤقتة للمخاطر، في ظل غياب الضمانات الدولية، وتشابك المسارات الإقليمية، واستمرار العجز الداخلي عن إنتاج قرار سيادي جامع»، في وقت تعمل لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية (الميكانيزم) أداة ضبط، في مقابل بقاء إسرائيل خارج أي التزام سياسي ملزم، ما جعل الالتزام اللبناني أحادي الاتجاه.

تجنّب الحرب سابق لأوانه

يرى عضو «كتلة اللقاء الديمقراطي» (الحزب التقدمي الاشتراكي)، النائب بلال عبد الله، أنّ «الحديث عن تجنيب لبنان الحرب بشكلٍ نهائي لا يزال سابقاً لأوانه»، وأنّ «توصيف المرحلة بترحيل التصعيد وحده لا يكفي لشرح تعقيد المشهد».

ويشير إلى أنّ لبنان «يقوم بما يتوجّب عليه ضمن أقصى طاقته السياسية والدبلوماسية»، لافتاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ آلية المتابعة الدولية «تتطلّب تنفيذاً سياسياً في جزءٍ أساسي منها، وهو ما تعمل عليه الدولة اللبنانية ضمن الإمكانات المتاحة».

النائب بلال عبد الله (الوكالة الوطنية)

وتبرز إشكالية أساسية، تتمثّل بالتزام لبناني مقابل فراغ في الضمانات، ويشدّد عبد الله على أنّ «كل ما هو مطلوب رسمياً من لبنان يتم الالتزام به، في وقت يتكبّد فيه (حزب الله) خسائر يومية على الأرض»، معتبراً أنّ «الخطاب عالي النبرة مسألة منفصلة عن الوقائع الميدانية والسياسية».

ويرى أنّه «حتى اليوم، لم يأتِ أي موقف غربي أو عربي يحمل ضمانة جدية تمنع إسرائيل من توجيه ضربات إضافية، ما يعني عملياً أنّ الاستقرار المطروح ليس إلا هدنةً مفتوحةً على الاحتمالات». من هنا، يعتبر أنّ «الحديث عن استقرار طويل الأمد غير واقعي في المرحلة الحالية»، وأنّ سقف الممكن يقتصر على وقف الاعتداءات، لا أكثر».

تحولات إقليمية

لا يفصل عبد الله المسار اللبناني عن محيطه، فيؤكد أنّ «الواقعية السياسية تفرض على لبنان الاستمرار في القيام بواجباته كدولة، ضمن (الميكانيزم)، لكن من دون أوهام حيال نتائجه». ويستحضر نموذج غزّة بوصفه دليلاً على هشاشة التفاهمات، مشيراً إلى أنّ «أي قراءة سياسية نهائية تبقى رهينة التطورات الإقليمية والدولية»، معتبراً أنّ «غياب الضوابط الواضحة والضمانات الملزمة للجم إسرائيل، يترك الميدان مفتوحاً أمام احتمالات متعددة، وأنّ لبنان سيظل ساحة متأثرة بالحسابات الإسرائيلية أكثر مما هو محكوم بتفاهمات مستقرة».

فرصة لم تُستثمر

في المقابل، تنطلق مقاربة عضو كتلة «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية)، النائب فادي كرم، من خلفية سياسية مختلفة، ترى في 2025 فرصة إصلاحية لم يُحسن لبنان استثمارها. ويعتبر أنّ «عام 2025 شهد مساراً عاماً يميل إلى الإيجابية، مع نية واضحة لإخراج لبنان من الواقع الذي عاشه طوال الثلاثين سنة الماضية»، لكنه يربط تعثّر النتائج بـ«الإكثار من الحديث عن التريّث والتباطؤ، ما أضرّ بالمسار الإصلاحي، لا سيّما في ما يتصل ببناء الدولة وحصر السلاح».

النائب فادي كرم (الوكالة الوطنية)

ويرى كرم أنّ «الخطوات التي اتُّخذت خلال 2025 كانت بطيئة، وأنّ أي مقاربة تقوم على الاكتفاء بالكلام أو بتأجيل حسم ملف السلاح مع الواقع قد تدفع خطر الحرب إلى الخلف لفترة محدودة، لكنها لا تُلغي احتماليته». ومن هنا، يربط الضمانة الوحيدة للاستقرار بـ«حصر السلاح بشكل كامل وعلى كل الأراضي اللبنانية»، معتبراً أنّ أي تجزئة في هذا المسار تعني عملياً ترحيل أسباب الحرب لا معالجتها».

وإذ ينوّه كرم بعمل الجيش اللبناني، معتبراً أنّه «مؤسسة قادرة»، يشدّد على أنّ فاعليته تبقى مشروطة بـ«القرار السياسي». ويرى أنّ «استمرار وجود السلاح غير الشرعي، مع رفض تسليمه، يفرض على الدولة اتخاذ خطوات أمنية واضحة، تبدأ برفع الغطاء السياسي، من دون أن يعني ذلك الذهاب إلى صدام داخلي»، ويضيف: «عندما تحسم الدولة أمرها، يصبح الطرف غير الشرعي هو من يعيد حساباته، وليس العكس».

ويحذّر كرم من أنّ لبنان في نهاية 2025، لم يخرج بعد من دائرة خطر التصعيد الإسرائيلي، معتبراً أنّ «الحديث المتزايد عن استهداف إيران، يضع (حزب الله) تلقائياً في قلب أي مواجهة مقبلة، ما يجعل لبنان ساحة محتملة لأي تصعيد إقليمي، بصرف النظر عن حساباته الداخلية».