إسرائيل متّهمة أممياً بارتكاب «إبادة جماعية» في غزة

4 شروط تنطبق عليها... ونتنياهو وهرتسوغ وغالانت «محرضون»

نازحون من شمال غزة يوم الثلاثاء بعد أن أمرت القوات الإسرائيلية سكان مدينة غزة بالتوجه جنوباً (رويترز)
نازحون من شمال غزة يوم الثلاثاء بعد أن أمرت القوات الإسرائيلية سكان مدينة غزة بالتوجه جنوباً (رويترز)
TT

إسرائيل متّهمة أممياً بارتكاب «إبادة جماعية» في غزة

نازحون من شمال غزة يوم الثلاثاء بعد أن أمرت القوات الإسرائيلية سكان مدينة غزة بالتوجه جنوباً (رويترز)
نازحون من شمال غزة يوم الثلاثاء بعد أن أمرت القوات الإسرائيلية سكان مدينة غزة بالتوجه جنوباً (رويترز)

خلصت اللجنة الدولية المستقلة للأمم المتحدة للتحقيق في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومنها القدس الشرقية، إلى أن إسرائيل ارتكبت «إبادة جماعية» بحق الفلسطينيين في غزة، موجهة أصابع الاتهام بالتحريض إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والرئيس إسحاق هرتسوغ، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت؛ مطالبة المجتمع الدولي بوقف هذه الإبادة واتخاذ خطوات لمعاقبة المسؤولين عنها.

ويُعد التقرير الذي أصدرته اللجنة بعد تحليل دقيق للأدلة، أحدث اتهامات بالإبادة ضد حكومة نتنياهو، التي بدأت حملة عسكرية برية سعياً إلى احتلال مدينة غزة، متجاهلة المخاوف المتزايدة عالمياً مما سماه المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك «المذبحة» التي ترتكبها إسرائيل، مطالباً إياها أيضاً بـ«الوقف الفوري» لهجومها البري على مدينة غزة.

وعلى مدار العامين الماضيين، حققت اللجنة الدولية التي تتألف من ثلاثة أعضاء برئاسة المفوضة الأممية السابقة لحقوق الإنسان نافي بيلاي التي عملت قاضيةً في المحكمة الجنائية الدولية لعملية الإبادة في رواندا - في هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 الذي نفذته «حماس» على بلدات وتجمعات إسرائيلية في غلاف غزة والحرب التي بدأتها إسرائيل منذ ذلك الحين.

رئيسة لجنة التحقيق الدولية المستقلة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل نافي بيلاي في مؤتمر صحافي في جنيف (أ.ف.ب)

وخلصت المفوضة الأممية إلى أن السلطات وقوات الأمن الإسرائيلية ارتكبت أربعة من أفعال الإبادة الجماعية الخمسة المحددة في اتفاقية عام 1948 لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها وهي: القتل، والتسبب في الأذى الجسدي أو النفسي الجسيم، وفرض ظروف معيشية متعمدة بهدف تدمير الفلسطينيين كلياً أو جزئياً، وفرض تدابير لمنع الإنجاب.

وعددت بيلاي التصريحات الصادرة عن المسؤولين المدنيين والعسكريين الإسرائيليين، ونمط سلوك قوى الأمن، والتي تشير إلى أن «أعمال إبادة جماعية ارتُكبت بالفعل بقصد تدمير الفلسطينيين في غزة كمجموعة، كلياً أو جزئياً».

ما الدول التي سبقت إسرائيل؟

بذلك تكون إسرائيل قد انضمت إلى دول أخرى متهمة بارتكاب عمليات إبادة لشعوب وأعراق وطوائف محددة في العالم، منها الروهينغا على أيدي الحكام العسكريين في ميانمار منذ عام 2016، والأيزيديين على أيدي تنظيم «داعش» في العراق بين عامي 2014 و2017، وعمليات الإبادة في رواندا عام 1994، والإبادة الصربية ضد مسلمي البوسنة بين عامي 1992 و1995، وفي كمبوديا بين عامي 1975 و1979، والمحارق النازية ضد اليهود في أوروبا.

وقالت بيلاي: «ترى اللجنة أن إسرائيل مسؤولة عن ارتكاب جريمة إبادة جماعية في غزة»، مضيفة أن «هناك نية لتدمير الفلسطينيين في غزة من خلال أعمال تفي بالمعايير المنصوص عليها في اتفاقية الإبادة الجماعية».

وأكدت أن «مسؤولية هذه الجرائم الفظيعة تقع على عاتق السلطات الإسرائيلية على أعلى المستويات»؛ لأنها «دبرت حملة إبادة جماعية لقرابة عامين بقصد محدد هو تدمير المجتمع الفلسطيني في غزة»، مشددة أيضاً على أن إسرائيل لم تمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، ولم تعاقب مرتكبيها «من خلال تقاعسها عن التحقيق في أعمال الإبادة الجماعية ومقاضاة الجناة المشتبه بهم».

«نيَّة مبيَّتة»

ويستند التقرير إلى كل التحقيقات السابقة التي أجرتها اللجنة، بالإضافة إلى النتائج الواقعية والقانونية المتعلقة بالهجمات التي شنتها القوات الإسرائيلية في غزة، وسلوك السلطات الإسرائيلية وتصريحاتها منذ السابع من أكتوبر 2023 حتى 31 يوليو (تموز) 2025.

كما استندت النتائج إلى فحص شامل «لأفعال الإبادة الجماعية الأساسية (الفعل الجرمي) ونية الإبادة الجماعية (القصد الخاص)».

مظاهرة تحت شعار «أوقفوا الإبادة الجماعية في غزة» بالعاصمة الألمانية برلين في 13 سبتمبر 2025 (د.ب.أ)

ولإثبات أعمال الإبادة الجماعية، درست اللجنة العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، بما تضمنته من قتل عدد لا سابق له من الفلسطينيين، وإلحاق أضرار جسيمة بهم، وفرض حصار شامل، بما في ذلك منع المساعدات الإنسانية مما أدى إلى المجاعة.

كما استشهدت اللجنة بأعمال «التدمير المنهجي لنظامي الرعاية الصحية والتعليم في غزة، وارتكاب أعمال عنف جنسي وعنف قائم على النوع الاجتماعي بشكل منهجي، واستهداف الأطفال بشكل مباشر، وتنفيذ هجمات منهجية واسعة النطاق على المواقع الدينية والثقافية، وتجاهل أوامر محكمة العدل الدولية».

ولإثبات نية الإبادة الجماعية، طبقت اللجنة معيار «الاستنتاج المعقول الوحيد» الذي وضعته محكمة العدل الدولية في قضية البوسنة ضد صربيا. وحللت اللجنة تصريحات السلطات الإسرائيلية، وخلصت إلى أنها دليل مباشر على نية الإبادة الجماعية.

كما حللت نمط سلوك السلطات الإسرائيلية وقوات الجيش في غزة، بما في ذلك تجويع الفلسطينيين، وفرض ظروف معيشية غير إنسانية عليهم، ووجدت أن نية الإبادة الجماعية هي الاستنتاج المنطقي الوحيد الذي يمكن استخلاصه من طبيعة هذه الأعمال.

مواطنون من الجبل الأسود يرفعون لافتة كُتب عليها «أوقفوا الإبادة الجماعية وجرائم الحرب» في غزة خلال مسيرة بالعاصمة بودغوريتسا في 14 سبتمبر 2025 (أ.ف.ب)

وقالت بيلاي: «إسرائيل تجاهلت بشكل صارخ أوامر التدابير الموقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية، والتحذيرات الصادرة عن الدول الأعضاء، ومكاتب الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني، وواصلت استراتيجية تدمير الفلسطينيين في غزة».

ولفتت إلى أن «السلطات الإسرائيلية لم تكن لديها أي نية لتغيير مسار أفعالها. بل على العكس، واصلت حملتها للإبادة الجماعية في غزة لنحو عامين».

وأضافت: «يجب على إسرائيل أن تُنهي الإبادة الجماعية في غزة فوراً، وأن تمتثل بشكل كامل لأوامر التدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية».

نتنياهو وهرتسوغ وغالانت

وحمَّل التقرير دولة إسرائيل «مسؤولية الفشل في منع الإبادة الجماعية، وارتكابها، وعدم معاقبة مرتكبيها ضد الفلسطينيين في غزة».

وخص بالذكر كلاً من هرتسوغ ونتنياهو وغالانت باعتبارهم «حرضوا على ارتكاب إبادة جماعية»، مضيفة أنه ينبغي تقييم بقية تصريحات القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين «لتحديد ما إذا كانت تشكل تحريضاً على ارتكاب إبادة جماعية».

وحضت اللجنة الحكومة الإسرائيلية على «الامتثال الفوري لالتزاماتها القانونية الدولية، بما في ذلك إنهاء الإبادة الجماعية في غزة، والتنفيذ الكامل لأوامر التدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية».

احتجاج تحت شعار «ارسموا خطاً أحمر لغزة»، في العاصمة البلجيكية بروكسل في 7 سبتمبر 2025 (إ.ب.أ)

وطالبت اللجنة إسرائيل بـ«إنهاء سياسة التجويع، ورفع الحصار، وتسهيل وضمان وصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق على نطاق واسع، ووصول جميع موظفي الأمم المتحدة بلا عوائق، وبينهم موظفو (الأونروا) والمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وكل الوكالات الإنسانية الدولية المعترف بها التي تُقدم المساعدات وتُنسقها».

وأوصت اللجنة الدول الأعضاء بـ«وقف نقل الأسلحة والمعدات الأخرى التي قد تُستخدم في ارتكاب أعمال إبادة جماعية إلى إسرائيل، وضمان عدم تورط الأفراد والشركات في أراضيها وضمن ولايتها القضائية في المساعدة على ارتكاب جريمة إبادة جماعية أو التحريض عليها، واتخاذ إجراءات للمساءلة من خلال التحقيقات والإجراءات القانونية ضد الأفراد أو الشركات المتورطين في الإبادة الجماعية بشكل مباشر أو غير مباشر».

وعبَّرت بيلاي عن أملها في أن يقرأ المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، التقرير، وأن «يسترشدا بالحقائق» الواردة فيه.

«يجب أن تتوقف المذبحة»

وفي اجتماع طارئ لمجلس حقوق الإنسان في جنيف للنظر في الهجوم الذي شنته إسرائيل على العاصمة القطرية الدوحة، الأسبوع الماضي، مستهدفة قادة حركة «حماس»، قال المفوض السامي تورك إن استهداف أطراف مشاركة في الوساطة المدعومة دولياً على أراضيها يُقوض الدور الرئيسي لقطر كـ«وسيط ومُيسّر للسلام».

ولاحظ أن الهجوم الإسرائيلي على الدوحة تزامن مع إجراءات أخرى «تُدمر أي أمل في حل الدولتين». وأضاف أنه بعد مضي عامين على الحرب في غزة «يجب أن تتوقف هذه المذبحة».


مقالات ذات صلة

بابا الفاتيكان يتحدث عن معاناة مواطني غزة في أول قداس عيد ميلاد له

أوروبا بابا الفاتيكان ليو الرابع عشر في أول قداس عيد ميلاد له اليوم (رويترز)

بابا الفاتيكان يتحدث عن معاناة مواطني غزة في أول قداس عيد ميلاد له

تحدث بابا الفاتيكان ليو الرابع عشر في أول قداس عيد ميلاد له اليوم الخميس عن مواطني غزة «الذين يتعرضون للأمطار والرياح والبرد منذ أسابيع».

«الشرق الأوسط» (الفاتيكان)
شؤون إقليمية 
جانب من احتفالات ليلة عيد الميلاد خارج «كنيسة المهد» في بيت لحم بالضفة الغربية أمس (أ.ف.ب)

نتنياهو يتهم «حماس» بخرق الاتفاق قبل لقائه ترمب

سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، إلى تحميل حركة «حماس» المسؤولية عن إصابة ضابط بالجيش الإسرائيلي في ‌انفجار عبوة ناسفة ‍في رفح.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب - غزة)
العالم العربي احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

احتفالات عيد الميلاد تعود إلى بيت لحم بعد عامين من الحرب على غزة

تجوب فرق الكشافة شوارع بيت لحم الأربعاء، مع بدء الاحتفالات بعيد الميلاد في المدينة الواقعة في الضفة الغربية المحتلّة بعد عامين خيّمت عليهما حرب غزة.

«الشرق الأوسط» (بيت لحم)
خاص فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب) play-circle

خاص التفاهم المصري - الأميركي على «إعمار غزة» يكتنفه الغموض وغياب التفاصيل

رغم اتفاق القاهرة وواشنطن على ضرورة تفعيل خطة لإعادة إعمار غزة، فإن النهج الذي ستتبعه هذه الخطة ما زال غامضاً، فضلاً عن عدم تحديد موعد لعقد مؤتمر في هذا الشأن.

محمد محمود (القاهرة)
العالم العربي «حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)

وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

قالت حركة «حماس» إن وفداً بقيادة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية التقى مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أنقرة اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (قطاع غزة)

جدل في العراق بعد كلمة لساكو تضمنت مصطلح «التطبيع»

السوداني قال خلال قداس الميلاد إن التطبيع أمر مرفوض في العراق (رويترز)
السوداني قال خلال قداس الميلاد إن التطبيع أمر مرفوض في العراق (رويترز)
TT

جدل في العراق بعد كلمة لساكو تضمنت مصطلح «التطبيع»

السوداني قال خلال قداس الميلاد إن التطبيع أمر مرفوض في العراق (رويترز)
السوداني قال خلال قداس الميلاد إن التطبيع أمر مرفوض في العراق (رويترز)

أثارت كلمة لبطريرك الكلدان الكاثوليك في العراق لويس روفائيل ساكو، خلال قداس عيد الميلاد في بغداد، جدلاً سياسياً واسعاً، بعد استخدامه مفردة «التطبيع»، في بلد يحظر قانونه أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل.

ودفعت ردود الفعل المتباينة مؤسسات دينية وسياسية إلى إصدار توضيحات متتالية، في محاولة لاحتواء الجدل الذي تصاعد على وسائل التواصل الاجتماعي ووصل إلى مطالبات بمحاسبة البطريرك، رغم أنه لم يربط مصطلح «التطبيع» مع إسرائيل أو أي دولة أخرى.

وقالت البطريركية الكلدانية، في بيان صحافي، إن تصريحات ساكو «أُخرجت من سياقها»، موضحةً أن المقصود بـ«التطبيع» هو أن «يطبِّع العالم مع العراق»، بوصفه «بلد الأنبياء ومهد الحضارات»، وليس الدعوة إلى تطبيع العراق مع أي دولة.

كان ساكو قد قال خلال القداس الذي أُقيم في كنيسة مار يوسف للكلدان الكاثوليك في بغداد، بحضور رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وعدد من المسؤولين: «هناك كلام عن التطبيع، وأتمنى من الحكومة الجديدة أن يكون التطبيع في العراق ومع العراق بلد الأنبياء»، مضيفاً أن «العالم يجب أن يأتي إلى العراق وليس إلى مكان آخر»، في إشارة إلى أهمية العراق الدينية والحضارية.

مسيحيون عراقيون في قداس ليلة الميلاد بكنيسة «سيدة النجاة» وسط بغداد الأربعاء (أ.ب)

رد السوداني

وردَّ السوداني في كلمة ألقاها خلال القداس نفسه قائلاً إن «كلمة التطبيع غير موجودة في قاموس العراق»، لأنها «ارتبطت بكيان محتل استباح الأرض والإنسان»، مؤكداً أن العراق «لا يحتاج إلى تطبيع بل إلى الأخوة والمحبة والتعايش»، والالتزام «بالواجب الشرعي والقانوني والدستوري».

وفي وقت لاحق، دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى «محاسبة من يدعو إلى التطبيع كائناً من كان»، دون أن يذكر ساكو بالاسم، ما أسهم في تصاعد الجدل السياسي حول التصريحات.

من جهتها، أصدرت رئاسة التحالف المسيحي، الخميس، بياناً مطولاً أكدت فيه أن خطاب البطريرك «كان دينياً ثقافياً خالصاً» ولم يكن سياسياً، معتبرةً أن تفسيره على أنه دعوة إلى التطبيع مع إسرائيل «قراءة مسيَّسة» لا تعكس المقصود الحقيقي من الكلمة.

وأضاف البيان أن مصطلح «التطبيع» استُخدم بمعناه اللغوي والدستوري، أي «إعادة الشيء إلى طبيعته»، في إشارة إلى دعوة العالم للتعامل مع العراق بما يليق بتاريخه وعمقه الحضاري والديني، ورفض التحالف ما وصفه بـ«الاستثمار السياسي والإعلامي» للجدل أو الزج بالمكون المسيحي في صراعات سياسية.

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال قداس عيد الميلاد بكنيسة «مار يوسف» للكلدان في بغداد الأربعاء (رويترز)

واصدرت البطريركية الكلدانية فجر الخميس، توضيحاً جديداً شددت فيه على أن ساكو «يرفض الصهيونية»، وأن حديثه كان عن «تطبيع علاقة العالم مع العراق»، مرفقةً مقطع فيديو سابقاً يؤكد فيه الموقف ذاته.

ويحظر القانون العراقي أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل، في قضية تحظى بحساسية سياسية وشعبية عالية، مما يجعل استخدام المصطلح مثار جدل واسع في الخطاب العام، حتى عندما يُستخدم في سياقات دينية أو ثقافية.


الانتخابات النيابية اللبنانية قائمة... وتأجيلها تقني «إن حصل»

ناخبة تدلي بصوتها في منطقة الشوف في الانتخابات المحلية الأخيرة في مايو 2024 (أرشيفية - إ.ب.أ)
ناخبة تدلي بصوتها في منطقة الشوف في الانتخابات المحلية الأخيرة في مايو 2024 (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

الانتخابات النيابية اللبنانية قائمة... وتأجيلها تقني «إن حصل»

ناخبة تدلي بصوتها في منطقة الشوف في الانتخابات المحلية الأخيرة في مايو 2024 (أرشيفية - إ.ب.أ)
ناخبة تدلي بصوتها في منطقة الشوف في الانتخابات المحلية الأخيرة في مايو 2024 (أرشيفية - إ.ب.أ)

السجال الدائر في لبنان حول مصير الانتخابات النيابية المقررة في مايو (أيار) المقبل، مع ارتفاع منسوب الترويج للتمديد للبرلمان لسنتين، يصطدم بحائط مسدود يتمثل في إصرار رؤساء الجمهورية العماد جوزيف عون، والمجلس النيابي نبيه بري، والحكومة نواف سلام على إنجازها في موعدها، احتراماً للاستحقاقات الدستورية، وتأجيل إنجازها، في حال حصوله، يعود لأسباب تقنية، وبحدود شهرين، أو ثلاثة أشهر على الأكثر، لتفادي انقضاء المهل.

رئيس البرلمان نبيه بري يترأس اجتماعاً لكتلته «التنمية والتحرير» (أرشيفية - رئاسة البرلمان)

فالترويج للتمديد بدأ يأخذ طريقه إلى العلن، بتبادل الاتهامات بين بري وخصومه، مع أن مصادر نيابية محسوبة على «الثنائي الشيعي» تستغرب إلصاق تهمة التمديد برئيس البرلمان.

وتؤكد المصادر لـ«الشرق الأوسط» أنه لا جدال في موقف بري من إجراء الانتخابات في موعدها، وأن من يريد التمديد فليتحمل مسؤوليته أمام اللبنانيين، والمجتمع الدولي.

ونقلت عن رئيس البرلمان قوله، في لقاء مسائي جمعه بعدد من النواب، إن ما يُنسب إليه أو للمنتمين إلى كتلته النيابية «ليس صحيحاً»، وأنه يسمع بالتمديد عبر بعض وسائل الإعلام وهو «يتيم الوالدين»، بالمفهوم السياسي للكلمة، و«نحن من جانبنا أوعزنا للمسؤولين عن الملف الانتخابي في حركة (أمل) بتشغيل الماكينة الانتخابية تحضيراً لخوض الانتخابات، وهذا ما حصل».

عون ليس في وارد التمديد

وفي المقابل، فإن ما يُنقل عن بري ينسحب على عون باعتباره الخاسر الأكبر من التمديد للبرلمان مع انقضاء عام ونيف على انتخابه رئيساً للجمهورية، كونه يراهن على دور الشباب لإحداث تغيير لملاقاته في منتصف الطريق لإنقاذ لبنان. وبالتالي فإن عون، كما تقول مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط»، ليس في وارد تمرير التمديد، وأنن لا شيء يمنع إجراء الانتخابات في موعدها، وليتحمل النواب مسؤوليتهم بالتوصل لتسوية حول قانون الانتخاب تعبّد الطريق أمام إنجازها.

سلام أيضاً

كما ينسحب موقف عون-بري على سلام الذي يراهن على توصُّل النواب لتسوية لإخراج قانون الانتخاب من السجال، مستغرباً، كما ينقل عنه زواره، اتهامه بتأييده الضمني للتمديد الذي يسمح ببقائه على رأس الحكومة بدلاً من اعتبارها مستقيلة حكماً بولادة مجلس نيابي جديد.

الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام خلال اجتماع ثنائي يوم الثلاثاء الماضي (الرئاسة اللبنانية)

وفي هذا السياق، يُنقل عن المصادر الوزارية قولها إنه لا عائق أمام الحكومة لإجراء الانتخابات بعد أن أشرفت في أحلك الظروف وأشدها، في ظل الاحتلال الإسرائيلي لعدد من التلال الواقعة في البلدات الحدودية، على إنجاز استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية بعد التمديد لأكثر من ولاية لمجالسها.

الدور الأميركي

وتؤكد المصادر أن الفترة الفاصلة عن إجراء الانتخابات في موعدها قد تكون كافية لتبدّل المشهد العسكري الذي تفرضه إسرائيل بالنار على الجنوب امتداداً إلى البقاع على نحو يعيد الاستقرار بالكامل للبنان من بوابته الجنوبية، وهذا يتوقف على مدى استعداد الولايات المتحدة الأميركية للضغط عليها لإلزامها بوقف الأعمال العدائية، مع استعداد لبنان للمضي بتطبيق حصرية السلاح بالانتقال للمرحلة الثانية من الخطة التي أعدتها قيادة الجيش وتبنّتها الحكومة، وتشمل المنطقة الممتدة من شمال نهر الليطاني حتى الأوليّ، بعد التأكد من سيطرة الوحدات العسكرية على المنطقة المحررة في جنوب الليطاني بشهادة لجنة الـ«ميكانيزم» المشرفة على تطبيق الاتفاق، ومعها قيادة قوات الطوارئ الدولية «يونيفيل».

المرحلة الثانية من حصرية السلاح

ولفتت إلى أن تأكيد سلام بالتحضير للمرحلة الثانية كان في محله، وقالت إنها تستغرب اتهامه من قبل كتلة «الوفاء للمقاومة» (حزب الله) من دون أن تسمّيه، بأنه يتبرّع مسبقاً للإسراع بتنفيذ ما يرتاح له العدو من خطوات بدلاً من قيام حكومته بإجراء حازم يدفعه لتنفيذ ما عليه، رغم أن حديثه عن التحضير لهذه المرحلة يأتي انسجاماً مع تبنيها للخطة التي أعدتها قيادة الجيش وتقوم بتطبيق حصرية السلاح على 4 مراحل، ولم يحدد موعداً لبدء تنفيذها لأن تحديده يعود لمجلس الوزراء في ضوء التقرير الذي سيطلعه عليه قائد الجيش العماد رودولف هيكل حول ما أُنجز في المرحلة الأولى الخاصة بجنوب النهر، وموقف الـ«ميكانيزم» منه.

الحلقة الأضعف؟

وسألت المصادر «حزب الله»، هل من فارق بين ما صرّح به سلام في هذا الخصوص لـ«الشرق الأوسط»، وما قاله ويقوله عون بأن قرار حصرية السلاح اتُّخذ والتطبيق وفقاً للظروف؟ وهل يتعاطى الحزب مع سلام على أنه الحلقة الأضعف؟ وإلا لماذا يتجنّب الرد على رئيس الجمهورية بتكراره لموقفه، وآخره كان في أعقاب الخلوة التي عقدها مع البطريرك الماروني بشارة الراعي لمناسبة حلول عيد الميلاد؟

كما سألت الحزب ما إذا كان يحتفظ لنفسه بعدم الرد على عون، لئلا يرتد سلباً على حواره المتقطع معه، والذي لم يحقق التقدم المطلوب لانخراطه في تطبيق حصرية السلاح في ظل تمسكه به، مع أن ما أعلنه سلام لا ينطوي على خلاف مع رئيس الجمهورية، وأنه اختار التوقيت المناسب لتمرير رسالة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهو يستعد للقاء رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في 29 الجاري؟

رهانات على ترمب

وأكدت المصادر أنه أحسن باختياره التوقيت ليؤكد لترمب أن الحكومة ماضية بتعهّدها بتطبيق حصرية السلاح تنفيذاً للقرار 1701، وأن إسرائيل ما زالت العائق دون انتشار الجيش حتى الحدود الدولية للبنان قبالة المستوطنات.

ورأت أن الحكومة تتطلع لقيام ترمب بالضغط على نتنياهو، ليس لمنعه من توسعة الحرب، وإنما لإحداث تغيير في المشهد العسكري المفروض إسرائيلياً على لبنان، ما يسمح بعودة الاستقرار للجنوب، وهذا ما يحتّم على «حزب الله» التجاوب مع حصريته التزاماً منه بخطاب القسم، وبالبيان الوزاري للحكومة، ومشاركته فيها بوزيرين.

لذلك تراهن الحكومة على تبدُّل الظروف الأمنية على نحو يتيح إجراء الانتخابات في أجواء آمنة لا تدعو للقلق، وإنما في موعدها، آخذة بعين الاعتبار التأجيل التقني لوقف النزاع حول القانون الذي ستجرى على أساسه، ولضمان اقتراع المغتربين استناداً للتفاهم على تسوية تستبعد إحداث الدائرة الـ16 لتمثيل الاغتراب بـ6 مقاعد، في مقابل صرف النظر عن السماح لهم بالاقتراع من مقر إقامتهم لـ128 نائباً، على أن يؤدي التأجيل التقني لإنجاز الاستحقاق النيابي في الصيف للسماح لهم بالمجيء للبنان لاختيار ممثليهم إلى الندوة النيابية.

وعليه فبمجيئهم في الصيف سيسهمون بتحريك العجلة الاقتصادية. فهل ستسمح الظروف بإجراء الانتخابات مشروطة بتأجيلها تقنياً، أم أن إسرائيل ستقلب الطاولة بتوسعتها الحرب أبعد مما هي عليه الآن؟

وكيف سيرد ترمب، بإسقاط لبنان ذرائع إسرائيل لمواصلة اعتداءاتها، ومعه المجتمع الدولي الذي يتعامل حيال إنجازها على أنها محطة لإحداث تغيير في ميزان القوى للتأكيد على أن نتائجها ما هي إلا ثمرة للتحولات في المنطقة بتراجع محور الممانعة بقيادة إيران، وتقليص نفوذ «حزب الله» في المعادلة السياسية بافتقاده للعدد الأكبر من حلفائه، وبالتالي فإن عدم لجمها سيؤدي لإحراج المجتمع الدولي وعلى رأسه واشنطن بإصرار موفديها إلى لبنان على إجراء الانتخابات بلا أي تأخير؟


الرئيس اللبناني: شبح الحرب ابتعد... وماضون في استكمال «حصرية السلاح»

الرئيس اللبناني جوزيف عون والبطريرك الماروني بشارة الراعي (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون والبطريرك الماروني بشارة الراعي (الرئاسة اللبنانية)
TT

الرئيس اللبناني: شبح الحرب ابتعد... وماضون في استكمال «حصرية السلاح»

الرئيس اللبناني جوزيف عون والبطريرك الماروني بشارة الراعي (الرئاسة اللبنانية)
الرئيس اللبناني جوزيف عون والبطريرك الماروني بشارة الراعي (الرئاسة اللبنانية)

أعلن الرئيس اللبناني جوزيف عون ابتعاد «شبح الحرب» الإسرائيلية عن لبنان نتيجة «اتصالاتنا الدبلوماسية»، مؤكداً الاستمرار في قرار «حصرية السلاح»، لكن تطبيقه يتم «وفقاً للظروف».

كلام عون جاء خلال مشاركته وزوجته السيدة الأولى نعمت عون، في قداس عيد الميلاد بمقر البطريركية المارونية في بكركي الذي ترأسه البطريرك الماروني بشارة الراعي.

وبعد خلوة جمعته بالبطريرك الراعي، توجّه عون إلى الصحافيين قائلاً: «إن زيارتي اليوم إلى بكركي طبيعية وتقليدية لتقديم التهاني بمناسبة عيد الميلاد إلى غبطة البطريرك. ومن خلالكم، أودّ أن أعايد جميع اللبنانيين، متمنياً أن نشهد في السنة المقبلة ولادة لبنان الجديد: لبنان دولة المؤسسات لا دولة الأحزاب، ولا دولة الطوائف، ولا دولة المذاهب، بل دولة الشفافية والمحاسبة».

وأكد عون أنه «في هذا العيد، هناك جرح نازف في الجنوب، ولم يعد أهلنا إليه بعد، فيما لا يزال أسرانا في السجون الإسرائيلية، ولا تزال هناك اعتداءات آخرها، الخميس، في الجنوب والبقاع. إن شاء الله نشهد ولادة لبنان الجديد، وننتهي من الحروب ونعيش السلام».

تثبيت الاستقرار

وأوضح أن اتصالات لبنان مع الدول المؤثرة لم تتوقف، خصوصاً مع الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والدول العربية، وذلك ضمن الحراك الدبلوماسي لتثبيت الاستقرار، في ظل التوترات والانتهاكات الإسرائيلية لاتفاق وقف إطلاق النار.

وعن عمل لجنة «الميكانيزم» والحديث الإسرائيلي عن تجدد الحرب بعد رأس السنة، أكّد عون أن «اتصالاتنا الدبلوماسية لم تتوقف لإبعاد شبح الحرب. وأستطيع أن أقول لكم إن شبح الحرب بَعُدَ. وبطبيعة الحال، في التفاوض، كل واحد يريد رفع سقفه لكنني متفائل، وإن شاء الله الأمور ذاهبة إلى خواتيم إيجابية».

2000 مرسوم

وتوقف عون عند ما حققه حتى اليوم في موضوعي الإصلاح وحصرية السلاح، وقال: «إذا أردنا قياس الأمور مقارنة مع السنوات السابقة، هناك إنجازات بالتأكيد. ليس هذا هدفنا فحسب، هدفنا أبعد من ذلك، لكننا وضعنا الأمور على السكة الصحيحة. وإذا نظرتم إلى ما حققته الحكومة خلال 10 أشهر من إنجازات، فلقد أحصينا بالأمس توقيع 2000 مرسوم، هناك مراسيم تقع على عاتقنا وأخرى تقع على عاتق مجلس النواب، أليس هذه إنجازات؟ انظروا إلى الأرقام الاقتصادية وإلى فترة العيد وإلى فصل الصيف الماضي، بالطبع ليس ذلك هدفنا الأساسي، لكن إن شاء الله تذهب الأمور إلى تحسن، وأنا متفائل بذلك، لكن لا تتوقعوا أن يتم الأمر خلال سنة».

وتعهّد عون بمواصلة العمل لاستكمال تنفيذ قرار حصرية السلاح على كل الأراضي اللبنانية، وقال: «القرار اتخذ، وسنكمل في الأمر»، مشيراً إلى أن «التطبيق وفقاً للظروف».

أطفال يحتفلون بالميلاد في بلدة علما الشعب الحدودية مع إسرائيل جنوب لبنان (أ.ب)

كما أكّد عون تصميمه، وتصميم رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلّام، على إجراء الانتخابات في موعدها. وقال: «إن مجلس النواب، وانطلاقاً من مبدأ احترام فصل السلطات، لديه دور يجب أن يضطلع به؛ فليتوجّهوا إلى المجلس وليناقشوا أي قانون يريدون. أما واجبنا فهو تأمين سلامة الانتخابات وشفافيتها، في حين يقرر مجلس النواب القانون الذي تُجرى على أساسه. ونحن مصممون على إجرائها في موعدها، فالانتخابات استحقاق دستوري يجب أن يُجرى في وقته».

الراعي

وكان الراعي قد قال في عظة الميلاد إن «عيد الميلاد هو يوم البداية الجديدة. يوم نقول فيه: كفى حروباً، كفى انقسامات، كفى خوفاً على المستقبل»، وتابع: «هو يوم نرفع فيه رؤوسنا ونقول: نعم، يمكن للبنان أن يقوم، يمكنه أن يشفى، ويمكنه أن يكون وطن السلام».

وأشار الراعي إلى أنه «في هذا العيد، وبحضور فخامة رئيس الجمهورية، نرفع صلاة صادقة من أجل لبنان، أن يكون هذا الميلاد بداية مرحلة جديدة، مرحلة تُرمَّم فيها الثقة، وتُستعاد فيها هيبة الدولة، وتُصان فيها المؤسسات، ويُعاد فيها الاعتبار للدستور، وللقانون، وللقيم التي قام عليها هذا الوطن».

وشدد الراعي على أن «لبنان لا يُبنى بالكلمات وحدها، بل بالأفعال الشجاعة، والقرارات الحكيمة، والإرادة الصادقة في خدمة الخير العام».

وتابع أن ميلاد المسيح «يذكّرنا بأن القوة الحقيقية ليست في الصراع، بل في المصالحة؛ ليست في الغلبة، بل في اللقاء؛ ليست في الانقسام، بل في الوحدة. هذا الوطن، بتنوّعه وغناه الإنساني، مدعوّ اليوم أكثر من أي وقت مضى ليكون وطن العيش معاً، لا العيش ضدّ بعضنا، وطن الشراكة لا الإقصاء، وطن الرجاء لا الإحباط».