واشنطن تضاعف مساعداتها العسكرية لـ«البيشمركة» وتخفضها للقوات العراقية

في مؤشر على تحول بوصلة اهتمامها إلى إقليم كردستان

استعراض سابق لعناصر «البيشمركة» (موقع كردستان24)
استعراض سابق لعناصر «البيشمركة» (موقع كردستان24)
TT

واشنطن تضاعف مساعداتها العسكرية لـ«البيشمركة» وتخفضها للقوات العراقية

استعراض سابق لعناصر «البيشمركة» (موقع كردستان24)
استعراض سابق لعناصر «البيشمركة» (موقع كردستان24)

أظهرت موازنة وزارة الحرب الأميركية للعام 2026 تقدماً واضحاً في مجال المساعدات المالية المقدمة لقوات «البيشمركة» الكردية (قوات حماية الإقليم)، في مقابل تراجع تلك المساعدات للقوات العراقية الاتحادية، في مؤشر ربما على تحول «بوصلة» اهتمام واشنطن وحساباتها العسكرية لصالح الإقليم على حساب الحكومة في بغداد، طبقاً لمراقبين.

وليس بعيداً عن هذه التحول قيام واشنطن خلال الفترة الماضية بتحريك جزء من قواتها في قاعدتي «عين الأسد» و«فيكتوريا» العسكريتين في بغداد ومحافظة الأنبار غرب العراق، باتجاه قاعدة «حرير» ضمن حدود محافظة أربيل عاصمة إقليم كردستان. وليس بعيداً إنشاء الولايات المتحدة أكبر قنصلية لها في العالم في أربيل أيضاً.

استعراض لقوات «البيشمركة» (إعلام كردي)

وبحسب الموازنة الأميركية الجديدة، فقد رُصد مبلغ 61.014 مليون دولار لدعم وتجهيز قوات «البيشمركة» في عام 2026، بزيادة قدرها 4.7 مليون دولار عن موازنة عام 2025.

وتقول مصادر كردية موثوقة إن تلك الأموال تتوزع على 11.8 مليون دولار للتسليح، و5.3 مليون للذخيرة، و27.5 مليون للآليات العسكرية، وهناك 17 مليوناً أخرى لتجهيز الملابس، ومعدات أخرى.

في موازاة ذلك، تتحدث مصادر أميركية عن أن الدعم المالي لوزارة الدفاع العراقية سيتم تقليصه من 189.1 مليون دولار في موازنة عام 2025، إلى 48.2 مليون دولار فقط في موازنة عام 2026.

وكانت وزارة الحرب (الدفاع سابقاً) الأميركية زودت قوات «البيشمركة» مطلع أغسطس (آب) 2024 بـ24 مدفعاً من النوع الثقيل، وبموافقة الحكومة الاتحادية في بغداد، لكن قوى سياسية عربية أبدت اعتراضها الشديد، وقتذاك، على تزويد «البيشمركة» بمدافع ثقيلة يصل مداها إلى 45 كيلومتراً، بذريعة أنها قد تستخدم في النزاعات الداخلية.

الجيش العراقي خلال عملياته ضد «داعش» (وزارة الدفاع)

وتعكس زيادة المساعدات لقوات «البيشمركة»، بحسب مراقبين، «ثقة واشنطن والتحالف الدولي بإقليم كردستان، وقدرة قواته الأمنية على مجابهة التحديات الأمنية»... وتتحدث بعض المصادر عن «رغبة أميركية في تحويل الإقليم إلى مركز رئيس من مراكز محاربة الإرهاب في المنطقة».

التخوف من بغداد

ويعتقد كفاح محمود، الباحث والمستشار الإعلامي لزعيم الحزب «الديمقراطي الكردستاني» مسعود بارزاني، أن التركيز الأميركي على تطوير ومساعدة القوات الكردية ربما يعود في جزء منه إلى «عدم ثقة واشنطن وتخوفها من بغداد نتيجة التشرذم الأمني، وتعدد مراكز القرار داخل القوات الأمنية، وسطوة الفصائل المسلحة».

قوة من الجيش العراقي (أرشيفية - إعلام وزارة الدفاع)

وتحدث المستشار محمود لـ«الشرق الأوسط» عن عمل الولايات المتحدة والتحالف الدولي، منذ سنوات، وبالتعاون مع الحكومة الإقليمية في كردستان على «توحيد القوة 80 التابعة للحزب (الديمقراطي) والقوة 70 التابعة لحزب (الاتحاد الوطني)». وأشار إلى أنه ومنذ «بداية عمليه الإصلاح داخل الأجهزة الأمنية الكردية منذ سنوات، ساعدت الولايات المتحدة والتحالف الدولي على توحيد القوتين، وشكلا على هذا الأساس أكثر من ثلاث فرق من القوتين، وقاما بتغطية كافة الأمور اللوجستية، وما يتعلق بالتسليح والتدريب، وأيضاً ساهما بدفع نسبة عالية من المرتبات».

ويرى محمود، أن «هناك تطوراً واضحاً في عملية دعم قوات (البيشمركة)، وهو يعني ثقة واشنطن بها، وبأدائها، في مقابل التخوف من بغداد بسبب التشرذم والتعدد في القوات المسلحة... حيث الفصائل والحشد الشعبي، في سياق موازٍ للقوات الأمنية، ويعرف الجميع أن واشنطن لا تدعم مثل هذا التشتت، وتريد قوة مسلحة وطنية واحدة». وقال: «إن وجود فصائل مسلحة نافذة داخل الحشد الشعبي وخارجه هو ما دفع واشنطن إلى تقليص مساعداتها لوزارة الدفاع العراقية، وبقية الأجهزة الأمنية».

الجيش العراقي خلال استعراض بمناسبة تأسيسه (رئاسة الوزراء العراقية)

ويعتقد المستشار الإعلامي أن التطورات الإقليمية الأخيرة، والضربة العسكرية التي وجهتها إسرائيل وأميركا إلى إيران، إلى جانب تطورات الوضع السوري، كلها عوامل «دفعت صانع القرار الأميركي إلى الاهتمام بأوضاع قواته في العراق، وحالة الأمن في هذا البلد، وكذلك الاهتمام بأوضاع حلفائه الموثوقين».

ولفت إلى أن «واشنطن غير مطمئنة على ما يبدو لشراكتها العسكرية مع بغداد في ظل وجود تحدي الفصائل المسلحة التي تناصبتها العداء، وقد شهدنا كيف عارضت بشدة إقرار قانون الحشد الشعبي في البرلمان الاتحادي».

من هذا المنطلق، والكلام للمستشار محمود، «يبدو أن واشنطن لا تريد الحضور في منطقة عالية المخاطر، وفيها ازدواجية شديدة في صناعة القرار العسكري، وخاصة مع وجود قوى تطالب واشنطن منذ سنوات بالانسحاب من العراق».

ضباط وعناصر من الجيش العراقي و«البيشمركة» (إعلام حكومي)

ورغم عدم سحب الولايات المتحدة معظم قواتها إلى كردستان، فإن ما جرى «يعد مؤشراً على حالة عدم الثقة السائدة مع بغداد، ويجب ألا ننسى أيضاً الحديث عن جدولة الانسحاب الشامل، بحيث قد يقتصر عمل هذه القوات لاحقاً على العمل الاستشاري».

ويعتقد محمود أن انسحاب بعض القوات الأميركية إلى إقليم كردستان ربما يمثل أيضاً «رسالة واضحة جداً من الولايات المتحدة إلى الحكومة الاتحادية العراقية والإيرانيين، مفادها بأن الانسحاب من بغداد ليس عادياً، وإنما هو مخطط، تحسباً لحصول صدام عسكري جديد مع طهران».

وفي مقابل إصرار الجهات الرسمية والفصائل المسلحة على خروج قوات التحالف الدولي من العراق، يعلن القادة والزعماء الكرد بشكل مستمر عن «حاجة العراق وإقليم كردستان إلى بقاء تلك القوات لمواجهة التحديات التي ما زالت تمثلها التنظيمات الإرهابية».

عرض عسكري في ذكرى تأسيس الجيش العراقي (أرشيفية-أ.ف.ب)

ويفترض أن تنسحب قوات التحالف من العراق بحلول نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الجاري. وسبق أن أعلنت واشنطن تسريع العملية، لكنها عادت لتتحدث عن «تهديدات أمنية ما زال يشكلها تنظيم (داعش)» الإرهابي، الأمر الذي يبقي الانسحاب الأميركي محل شك المراقبين، والمهتمين بالشأن الأمني.


مقالات ذات صلة

فوز السوداني بانتخابات العراق «غير ضامن»... والحلبوسي «عاد من بعيد»

تحليل إخباري جمهور الأحزاب المتنافسة تفاعل مع النتائج الأولية للانتخابات في شوارع بغداد (أ.ب)

فوز السوداني بانتخابات العراق «غير ضامن»... والحلبوسي «عاد من بعيد»

أظهرت النتائج غير النهائية للانتخابات في العراق أن ائتلاف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، تصدَّر السباق، لكنه فوز قد يتحول إلى خسارة مع مواجهة معركة سياسية.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي موظفو الانتخابات يقومون بفرز الأصوات بعد إغلاق مركز اقتراع في بغداد (أ.ب) play-circle

المفوضية العراقية تتسلم 101 شكوى بشأن الانتخابات

أعلنت الناطقة الرسمية باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق جمانة الغلاي اليوم الخميس أنه تم تقديم 101 شكوى إلى الآن بشأن الانتخابات التشريعية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بعد الإدلاء بصوته في الانتخابات التشريعية أمس (أ.ب)

الأحزاب تخوض سباق «الكتلة الأكبر» في العراق

فور إعلان النتائج الأولية للانتخابات العامة في العراق، بدأت الأحزاب الشيعية سباقاً ماراثونياً لتشكيل «الكتلة الأكبر» في البرلمان الجديد، على وقع فوز وازن لرئيس.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي شاشة تحمل ملصقاً انتخابياً لرئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني (رويترز)

فوز السوداني بانتخابات العراق يشعل سباق «الكتلة الأكبر»

أظهرت نتائج أولية في العراق أن كتلة رئيس الوزراء محمد السوداني حققت انتصاراً ملحوظاً في الانتخابات العراقية.

فاضل النشمي
تحليل إخباري ناخبون في طابور داخل أحد مراكز الاقتراع في مدينة عقرة شمال أربيل في إقليم كردستان العراق (أ.ف.ب)

تحليل إخباري هل يكفي فوز السوداني لولاية ثانية في العراق؟

أظهرت نتائج شبه أولية جمعتها أحزاب من وكلائها في مراكز الاقتراع للانتخابات العامة في العراق أن كتلة رئيس الوزراء محمد السوداني حققت انتصاراً ملحوظاً.

فاضل النشمي (بغداد)

«قسد» و«الإدارة الذاتية» تؤكدان التمسك بالحوار لتحقيق الاستقرار في سوريا

«قسد» و«الإدارة الذاتية» تؤكدان التمسك بالحوار لتحقيق الاستقرار في سوريا
TT

«قسد» و«الإدارة الذاتية» تؤكدان التمسك بالحوار لتحقيق الاستقرار في سوريا

«قسد» و«الإدارة الذاتية» تؤكدان التمسك بالحوار لتحقيق الاستقرار في سوريا

أفاد المركز الإعلامي لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، الخميس، بأن اجتماعاً لقادة «قوات سوريا الديمقراطية» و«الإدارة الذاتية» لشمال وشرق سوريا، أكد تمسك «قسد» بالحوار لتحقيق الاستقرار في سوريا. وأوضح المركز أن الاجتماع ركز على المفاوضات مع الحكومة السورية وسبل تنفيذ الاتفاق الموقع في العاشر من مارس (آذار). وأكد المجتمعون على تمسّك قوات «قسد» بالحوار الوطني باعتباره «السبيل الأنجح لتحقيق السلام والاستقرار على الأراضي السورية».

لقطة وزعتها وكالة «سانا» السورية تظهر الشرع جالساً قبالة ترمب بحضور كبار المسؤولين الأميركيين والسوريين (أ.ب)

كما رحّبوا بنتائج اجتماع واشنطن بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والرئيس السوري أحمد الشرع، واعتبروا أن تعليق العقوبات وفتح قنوات التنسيق الدبلوماسي يعكسان تحولاً إيجابياً نحو دعم الحل السياسي الشامل بمشاركة جميع السوريين. وأشاد بيان المركز بضم سوريا إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، مؤكداً أن «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) «كانت ولا تزال الركيزة الأساسية لهذا». وكانت وزارة الخارجية السورية قد ذكرت في وقت سابق أن الشرع وترمب اتفقا خلال المباحثات على «المضي في اتفاق العاشر من (مارس)، بما يشمل دمج (قوات سوريا الديمقراطية) ضمن صفوف الجيش العربي السوري في إطار عملية توحيد المؤسسات وتعزيز الأمن الوطني». وأضافت أن الرئيس الأميركي أشاد خلال لقائه مع الشرع بجهود سوريا في قيادة المرحلة السابقة بنجاح، وبما تحقق من إنجازات على صعيد إعادة الاستقرار إلى ربوع البلاد، وأكد استعداد الولايات المتحدة لتقديم الدعم اللازم الذي تحتاجه القيادة السورية لإنجاح مسيرة البناء والتنمية.

الشرع وعبدي وقّعا اتفاقاً لدمج «قسد» في الجيش والمؤسسات الأمنية السورية في 10 مارس الماضي (إ.ب.أ)

وفي مارس الماضي، أعلنت الرئاسة السورية توقيع «قسد» على اتفاق وافقت بموجبه على دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن مؤسسات الدولة، بما في ذلك المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز.

وأفادت قناة «تلفزيون سوريا»، الخميس، بأن واشنطن تعمل على التحضير لاجتماع بين الحكومة السورية و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في دمشق خلال الأيام المقبلة، بمشاركة المبعوث الأميركي توم برّاك وقائد القيادة المركزية الأميركية براد كوبر.

قوات أميركية تتجول في بلدات ريف دير الزور الشرقي (أرشيفية)

ونقلت القناة عن مصدر مطلع لم تسمّه، القول إن الاجتماع «سيناقش ملفات حساسة أبرزها آلية دمج (قوات سوريا الديمقراطية) في الجيش، إضافة إلى ملف النفط، ومؤسسات الدولة، ووضع المعابر، ومطار القامشلي الدولي». وكان القائد العام لـ«قسد» مظلوم عبدي قد قال يوم الثلاثاء الماضي، إنه بحث في اتصال هاتفي مع برّاك نتائج اجتماع الرئيس السوري أحمد الشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض. وأضاف على منصة «إكس» أن الاتصال تناول أيضاً «التزامنا بتسريع دمج (قوات سوريا الديمقراطية) في الدولة السورية».


فوز السوداني بانتخابات العراق «غير ضامن»... والحلبوسي «عاد من بعيد»

جمهور الأحزاب المتنافسة تفاعل مع النتائج الأولية للانتخابات في شوارع بغداد (أ.ب)
جمهور الأحزاب المتنافسة تفاعل مع النتائج الأولية للانتخابات في شوارع بغداد (أ.ب)
TT

فوز السوداني بانتخابات العراق «غير ضامن»... والحلبوسي «عاد من بعيد»

جمهور الأحزاب المتنافسة تفاعل مع النتائج الأولية للانتخابات في شوارع بغداد (أ.ب)
جمهور الأحزاب المتنافسة تفاعل مع النتائج الأولية للانتخابات في شوارع بغداد (أ.ب)

أظهرت النتائج غير النهائية للانتخابات البرلمانية في العراق أن ائتلاف «الإعمار والتنمية» بزعامة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، تصدر السباق، لكنه فوز قد يتحول إلى خسارة مع مواجهة معركة سياسية معقدة لتجديد ولايته، وسط تحركات داخل تحالف «الإطار التنسيقي» لتشكيل «الكتلة الأكبر»، وتباين المواقف حول شكل الحكومة المقبلة وهوية رئيسها.

نتائج أولية

وفقاً لبيانات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، فقد حصد ائتلاف السوداني نحو 1.3 مليون صوت في 12 محافظة من أصل 18، ليحصل على نحو 46 مقعداً، متقدماً على تحالف «تقدم» بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، وائتلاف «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي.

وتصدر السوداني نتائج ثماني محافظات رئيسية بينها بغداد، والنجف، وكربلاء، وذي قار، وميسان، وبابل. كما شكل فوز الحلبوسي في الأنبار وصلاح الدين وديالى، فضلاً عن مقاعد في مدن جنوب العراق، علامة فارقة على عودة سياسيٍّ سنيٍّ من بعيد، كان قد أُقيل من منصبه عام 2023 رئيساً للبرلمان.

وأعلن السوداني، مساء الأربعاء، أن تحالفه «منفتح على الجميع دون استثناء لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة».

وقال في خطاب متلفز بعد إعلان النتائج الأولية: «سنعمل على تحقيق إرادة ومصلحة كل الشعب، ومنهم المقاطعون، لأن العراق للجميع»، في إشارة إلى التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر.

من جهته، أشاد المبعوث الأميركي الخاص إلى العراق مارك سافايا، بـ«نجاح» الانتخابات، قائلاً: «أهنئ الشعب العراقي على نجاح انتخاباته البرلمانية... الشعب العراقي أثبت مرة ثانية التزامه بالحرية وسيادة القانون وبناء مؤسسات دولة قوية». وأكد أن الولايات المتحدة «تبقى ملتزمة بشكل قوي بدعم العراق وسيادته وجهوده في الإصلاح بالحد من التدخلات والمجاميع المسلحة».

فوز السوداني بنحو 46 مقعداً قد لا يكفيه لتشكيل تحالف «الكتلة الأكبر»... (أ.ف.ب)

صدارة بلا ضمان

رغم تصدره النتائج، يرى محللون أن السوداني لا يملك ضمانات كافية للبقاء في رئاسة الحكومة. وقال غالب الدعمي، أستاذ الإعلام في جامعة الكوفة، لـ«الشرق الأوسط» إن «التكهن بالسيناريوهات المقبلة يبدو صعباً حتى الآن، لكن مع ذلك يمكن القول إن السوداني لا يزال هو الأكثر ترجيحاً لو تمكن من إقناع بعض أطراف الإطار التنسيقي، لأنه ليس عليه فيتو دولي بعكس منافسين آخرين قد يكونون مقبولين من الخارج لكن عليهم اعتراضات كبيرة من بعض قوى الداخل».

وأضاف الدعمي أن «هناك منافسين آخرين محتملين للمنصب من بينهم رئيسا الوزراء السابقان حيدر العبادي ومصطفى الكاظمي، ولا يُستبعد أن يُطرَح أحد قادة الأجهزة الأمنية أيضاً كخيار لتولي رئاسة الحكومة، خصوصاً أن المتغيرات الإقليمية والدولية يمكن أن تكون حاكمة في هذا السياق».

ورغم أن هوية رئيس الحكومة شأن داخلي توافقي، فإن اللاعبين الأساسيين يراعون توازنات داخلية تتعلق بموقف المرجعية الدينية في النجف، وإجماع عواصم مؤثرة في المسرح العراقي أبرزها واشنطن وطهران.

«التنسيقي» يتحرك لـ«الكتلة الأكبر»

في المقابل، دعا مجلس القضاء الأعلى في العراق، الخميس، الأحزاب السياسية الفائزة في نتائج الانتخابات التشريعية إلى سرعة إجراء الحوارات والتفاهمات من أجل سرعة تشكيل السلطتين التشريعية (مجلس النواب) والتنفيذية (الحكومة) الجديدة ضمن السقوف الزمنية الدستورية.

من جهتها، بدأت قوى «الإطار التنسيقي» الذي يضم أبرز القوى الشيعية في البلاد، تحركات لتشكيل «الكتلة النيابية الأكبر» بعد المصادقة على نتائج الانتخابات، في مسعى لاحتواء نفوذ السوداني داخل البرلمان وربما الدفع باتجاه اختيار بديل له.

وقال مختار الموسوي، القيادي في منظمة «بدر»، وهي من مكونات الإطار، في تصريح صحافي، إن «قوى (التنسيقي) ستعلن تشكيلها (الكتلة النيابية الأكبر) بعد المصادقة على النتائج الرسمية للانتخابات»، مضيفاً أن «قوائم التحالف حصلت على أصوات ومقاعد تُمكِّنها من المضيّ بـ(الكتلة الأكبر)، التي يقع على عاتقها دستورياً تسمية رئيس الحكومة الجديدة، وليس بالضرورة أن تكون هذه الكتلة مع ائتلاف الإعمار والتنمية».

وحسب مصادر سياسية مطلعة، عقدت قوى الإطار اجتماعاً مغلقاً بعد إعلان النتائج مساء الأربعاء، في بغداد، لمناقشة توزيع المناصب وتحديد هوية المرشح لرئاسة الحكومة المقبلة. ووفقاً للمصادر، فإن المجتمعين ناقشوا أيضاً ملف العلاقة مع التيار الصدري المقاطع للانتخابات، وإمكانية إشراكه في التسوية السياسية لتجنب أي توتر في الشارع.

مؤيدون لرئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني يحتفلون وسط بغداد (د.ب.أ)

خريطة متشابكة

تُظهر نتائج الاقتراع توازنات دقيقة داخل البيت الشيعي، إذ حصل ائتلاف دولة القانون على نحو 28 مقعداً، وكتلة «صادقون» التابعة لـ«عصائب أهل الحق» على 27 مقعداً، فيما نالت «منظمة بدر» بزعامة هادي العامري، وتيار «قوى الدولة» بزعامة عمار الحكيم، 18 مقعداً، لكل منهما.

وتعزز هذه النتائج من موقع «الإطار التنسيقي» كمحور أساسي لتشكيل الحكومة المقبلة، لكنها في الوقت ذاته تزيد من صعوبة التوافق الداخلي بسبب تضارب الطموحات بين مكوناته.

ويرى صلاح العرباوي، رئيس حركة «وعي» الوطنية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الانتخابات لم تأتِ بأي جديد، حيث كان التنافس محصوراً داخل قوى الإطار التنسيقي»، مشيراً إلى أن «الملمح الأبرز فيها هو الغياب شبه التام للقوى المدنية والليبرالية والحركات المنبثقة من (احتجاجات تشرين)».

ويضيف العرباوي أن «قوى الإطار التنسيقي ستجتمع فيما بينها لتشكيل الكتلة الأكثر عدداً كما جرت العادة في كل انتخابات، وقد نشهد خلال شهر مارس (آذار) المقبل تشكيل الحكومة الجديدة، وربما لا يكون السوداني رئيسها».

ويرى أن «الأهم من ذلك هو ترتيب عودة آمنة للتيار الصدري، وذلك لن يتحقق إلا من خلال انتخابات مبكرة، لأن التيار لن يستمر طويلاً خارج أروقة السلطة».

أنصار تحالف سياسي في بغداد يحتفلون في ساحة التحرير عقب إعلان النتائج الأولية للانتخابات في بغداد (د.ب.أ)

صعود سنّي وتوازن كردي

على الصعيد السني، حقق تحالف «تقدم» بزعامة محمد الحلبوسي، المرتبة الثانية على المستوى الوطني، مما يمنحه ثقلاً تفاوضياً مهماً في تشكيل التحالفات المقبلة.

ويرى مراقبون أن تصدر الحلبوسي يعكس حاجة الشارع السني إلى «قيادة قوية قادرة على انتزاع حقوقه وتحقيق التوازن المفقود داخل النظام السياسي»، رغم الانتقادات التي تطول أداءه خلال السنوات الماضية.

أما في المشهد الكردي، فقد حافظ «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، على صدارته في معظم مدن إقليم كردستان، لا سيما أربيل ودهوك ونينوى، في حين تراجع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في معقله بالسليمانية، مقابل صعود محدود للاتحاد الإسلامي الكردستاني وبعض الأحزاب الناشئة.

ويقول مراقبون إن هذا التوزيع قد يدفع الحزبين الكرديين الكبيرين إلى تفاهمات جديدة مع بغداد حول الملفات العالقة، وفي مقدمتها حصة الإقليم من الموازنة ومسألة النفط والغاز.

توازنات دقيقة

يعتقد محللون أن عملية تشكيل الحكومة المقبلة ستكون أكثر تعقيداً مما تبدو عليه في ظاهر النتائج، إذ يتطلب الأمر توافقات واسعة لا تقتصر على الطيف الشيعي بل تمتد إلى الشركاء السنة والأكراد. ويقول المحلل حسن العبودي إن «السوداني خرج فائزاً في صناديق الاقتراع، لكنه قد يواجه صعوبات في التفاوض مع حلفائه وخصومه على حد سواء»، مضيفاً أن «المعضلة لا تتعلق فقط بعدد المقاعد، بل بمدى قدرة القوى الشيعية على الاتفاق على برنامج حكومي واضح وتوزيع المناصب بعيداً عن المحاصصة».

ويشير العبودي إلى أن «مقاطعة التيار الصدري لم تكن مؤثرة كما توقع البعض، إذ توجهت أصوات ناخبي الجنوب إلى قوى الإطار التقليدية مثل المالكي والخزعلي، مما منحها زخماً أكبر ورسخ نفوذها في المدن الشيعية الكبرى».

أنصار الحزب الديمقراطي الكردستاني يحتفلون في شوارع دهوك شمال العراق عقب إعلان النتائج الأولية للانتخابات (د.ب.أ)

خيارات مفتوحة

يعتقد مراقبون أن السوداني لا يزال المرشح الأوفر حظاً لتولي رئاسة الحكومة المقبلة، لكنه سيحتاج إلى توافقات دقيقة داخل «الإطار التنسيقي» ومع القوى الأخرى، خصوصاً في ظل رغبة بعض الأطراف في إحداث تغيير في الوجوه السياسية. وفي حال تعذّر التوافق، قد تُطرح أسماء بديلة مثل العبادي أو الكاظمي أو حتى شخصية أمنية مقبولة داخلياً وخارجياً، حسبما رجح الدكتور غالب الدعمي.

من جهة أخرى، تشير تسريبات سياسية إلى أن القوى الفائزة تدرس صيغة «حكومة توافق وطني» تضم أطرافاً من مختلف المكونات، لتفادي إعادة سيناريو الانسداد السياسي الذي شهدته البلاد بعد انتخابات عام 2021.

ومع انتظار المصادقة النهائية على النتائج، تبدو ملامح المرحلة المقبلة مرهونة بقدرة القوى السياسية على تجاوز منطق المحاصصة نحو تفاهمات تضمن الاستقرار.

ويرى صلاح العرباوي أن «الانتخابات الأخيرة كرّست واقع الانقسام لكنها قد تفتح نافذة لحوار جديد، خصوصاً إذا تم ترتيب عودة التيار الصدري إلى العملية السياسية عبر انتخابات مبكرة».


تركيا: القوة الدولية في غزة يجب أن تُثبّت وقف النار

فتاتان فلسطينيتان تجلسان أمام الخيمة التي تسكنها عائلتهما في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ب)
فتاتان فلسطينيتان تجلسان أمام الخيمة التي تسكنها عائلتهما في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ب)
TT

تركيا: القوة الدولية في غزة يجب أن تُثبّت وقف النار

فتاتان فلسطينيتان تجلسان أمام الخيمة التي تسكنها عائلتهما في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ب)
فتاتان فلسطينيتان تجلسان أمام الخيمة التي تسكنها عائلتهما في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ب)

قالت وزارة الدفاع التركية إن الأولوية التي تركز عليها أنقرة بشأن قوة الاستقرار الدولية المزمع نشرها في قطاع غزة تتمثل في ضمان تثبيت وقف إطلاق النار، ووصول الاحتياجات العاجلة لسكانه.

وقال مسؤول عسكري، رداً على أسئلة للصحافيين، خلال إفادة أسبوعية لوزارة الدفاع، الخميس، حول مشاركة تركيا في قوة الاستقرار بغزة، إن بلاده تُواصل مساهمتها «المبدئية والبناءة في المبادرات الدولية التي تضمن استمرار وقف إطلاق النار في غزة، وإعادة إعمارها».

وأضاف أنه «في هذا السياق، من الضروري أن يعمل مركز التنسيق المدني العسكري، الذي أُنشئ بقيادة الولايات المتحدة، على أساس القانون الدولي والمبادئ الإنسانية، بما يضمن إيصال المساعدات الإنسانية دون انقطاع وبشكل آمن».

أولويات القوة الدولية

وتابع أن «أولويتنا فيما يتعلق بقوة الاستقرار الدولية، التي ستُنشأ تحت إشراف الأمم المتحدة هي تلبية الاحتياجات العاجلة للمدنيين في المنطقة، ووضع ضمانات دولية لضمان استمرار وقف إطلاق النار».

خيام لفلسطينيين خلال وقف إطلاق النار في مواصي خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

وتركيا هي إحدى الدول الوسيطة لاتفاق وقف إطلاق النار، بموجب إعلان المبادئ الذي وقَّعت عليه في قمة شرم الشيخ للسلام، الشهر الماضي، مع كل من الولايات المتحدة ومصر وقطر، كما أسهمت في جهود التوصل لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة «حماس» مع الدول الثلاث.

وتسعى تركيا للمشاركة في قوة الاستقرار الدولية بغزة، لكن إسرائيل ترفض بإصرار مشاركتها فيها.

وقال المسؤول العسكري التركي إننا «نؤكد، مجدداً، ضرورة تحمُّل المجتمع الدولي مسؤولية مشتركة بشأن استمرار وقف إطلاق النار ووصول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، والاستعداد لدعم كل جهد بنّاء مِن شأنه أن يسهم في السلام والاستقرار الإقليميين».

محادثات مصرية تركية

وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قد ذكر، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره المصري بدر عبد العاطي، مساء الأربعاء، عقب محادثاتهما في أنقرة، أنه بحث مع عبد العاطي في مسألة قوة الاستقرار الدولية، وقراراً محتملاً من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن غزة.

وقال فيدان: «في الفترة المقبلة، هناك حاجة لتوضيح ولاية قوة الاستقرار الدولية على الأرض، وبالمثل يجب تحديد الإطارين القانوني والسياسي للجنة فلسطين ومجلس السلام، المُتوقع أن يتوليا إدارة غزة، بوضوح».

وأضاف: «إننا نواصل مشاوراتنا المتواصلة والمكثفة حول هذه المسائل مع الدول المساهِمة في العملية، وخاصة مصر».

جانب من المؤتمر الصحافي لوزيري الخارجية التركي والمصري هاكان فيدان وبدر عبد العاطي في أنقرة 12 نوفمبر (رويترز)

بدوره، أكد عبد العاطي أن «التأكد من التزام الطرفين (إسرائيل و«حماس») باتفاق وقف إطلاق النار في غزة لن يتحقق إلا بوجود قوة الاستقرار الدولية»، لافتاً إلى أن القرار الذي سيصدر عن مجلس الأمن بشأن قطاع غزة، «سيكون شديد الأهمية، ولا بد من صياغته بعناية».

وقال إنه «لا بد من تحديد دقيق لولايات الكيانات التي سيجري إنشاؤها ضمن قرار مجلس الأمن المقترح»، مُعرباً عن الأمل في «أن يجري التوافق حول القرار ويصدر في أقرب وقت».

وأكد الوزيران ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار بقطاع غزة والعمل على الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام.

ولفت إلى ضرورة أن «يكون مشروع القرار الأميركي قابلاً للتنفيذ على أرض الواقع، ولا بد من صياغته بدقة وعناية، بحيث يراعي حقوق الشعب الفلسطيني في المستقبل».

وبحث عبد العاطي وفيدان، اللذان ترأسا الاجتماع الأول لمجموعة العمل المصرية التركية في أنقرة، الأربعاء، التحضيرات الجارية لعقد «مؤتمر القاهرة الدولي لإعادة الإعمار والتعافي المبكر في القطاع»، كما أعرب عبد العاطي عن تطلع مصر لمشاركة تركية فعالة في هذا المؤتمر، بما يسهم في حشد الجهود الدولية لدعم إعادة إعمار القطاع.

وشدد الوزيران على تمسك بلديهما بحل الدولتين على أساس خطوط 4 يونيو (حزيران) 1967، ورفض أي محاولات لتغيير الوضع القانوني أو فرض وقائع جديدة على الأرض.