بين نيران القتل والجوع... غزة تصارع للوصول إلى المساعدات

فلسطينيون ينتظرون الحصول على الطعام من مطبخ خيري وسط أزمة جوع في مدينة غزة (رويترز)
فلسطينيون ينتظرون الحصول على الطعام من مطبخ خيري وسط أزمة جوع في مدينة غزة (رويترز)
TT

بين نيران القتل والجوع... غزة تصارع للوصول إلى المساعدات

فلسطينيون ينتظرون الحصول على الطعام من مطبخ خيري وسط أزمة جوع في مدينة غزة (رويترز)
فلسطينيون ينتظرون الحصول على الطعام من مطبخ خيري وسط أزمة جوع في مدينة غزة (رويترز)

بعد 22 شهراً من الحرب، تتصارع حشود جائعة على الغذاء القليل الذي يدخل غزة، مخاطرة بحياتها تحت النيران، أو تنهبه عصابات إجرامية أو يتم الاستيلاء عليه بطرق أخرى وسط الفوضى، دون أن يصل إلى من هم في أمسّ الحاجة إليه.

وعقب وقف جزئي للقصف أعلنته إسرائيل الأحد تحت ضغط دولي بسبب خطر المجاعة، بدأت المساعدات الإنسانية تدخل مجدداً القطاع المحاصر، ولكن بكميات اعتبرتها المنظمات الدولية غير كافية إلى حد بعيد.

 

ويشهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية» يومياً على مشاهد مأسوية، حيث تهرع حشود يائسة من الناس. مخاطرين بحياتهم في كثير من الأحيان، إلى مركبات محملة بأكياس الغذاء، أو إلى مواقع الإنزالات الجوية للمساعدات التي نفذتها في الأيام الأخيرة الإمارات والأردن وبريطانيا وفرنسا.

الخميس في منطقة الزوايدة وسط القطاع، اندفع فلسطينيون بدا عليهم الهزال بالعشرات عند إلقاء طائرة ألواح تحمل المساعدات بالمظلات، وتدافعوا ومزقوا الطرود وسط سحابة من الغبار.

وقال أمير زقوت، الذي جاء بحثاً عن الإغاثة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «دفع الجوع الناس إلى التناحر. الناس يتقاتلون بالسكاكين» في محاولة للحصول على بعض المساعدات.

 

تشييع فلسطينيين قتلوا بنيران إسرائيلية خلال محاولتهم تسلم مساعدات غذائية الجمعة بحسب أطباء في مستشفى الشفاء (رويترز)

لتجنب انفلات الأوضاع، طُلب من سائقي برنامج الأغذية العالمي التوقف، وترك الناس يأخذون المساعدات بأنفسهم. لكن ذلك لم يمنع الحوادث المأسوية.

يتنهد رجل يحمل كيس دقيق على رأسه في منطقة زيكيم في شمال قطاع غزة قائلاً: «كادت عجلة شاحنة أن تسحق رأسي، وأصبت أثناء انتشال الكيس».

 

 

«لا مفر»

توجَّه محمد أبو طه فجراً إلى أحد مواقع التوزيع قرب رفح في جنوب القطاع للوقوف في طابور وحجز مكان، ليجد «الآلاف ينتظرون، جميعهم جائعون، من أجل كيس من الدقيق أو القليل من الأرز والعدس».

يضيف الرجل البالغ 42 عاماً: «فجأة، سمعنا طلقات نارية (...) لم يكن هناك مفر. بدأ الناس يركضون، يتدافعون، أطفال، نساء، وشيوخ»، واصفاً «مشهداً مأسوياً: دماء في كل مكان، جرحى، وقتلى».

 

قُتل قرابة 1400 فلسطيني في قطاع غزة منذ 27 مايو (أيار)، معظمهم بنيران الجيش الإسرائيلي أثناء انتظارهم مساعدات إنسانية، وفق ما أكدته الأمم المتحدة الجمعة. وينفي الجيش الإسرائيلي استهدافه لمتلقي المساعدات، قائلاً إنه يطلق «طلقات تحذيرية» عند اقتراب الناس من مواقع قواته.

 

وتندد المنظمات الدولية أيضاً منذ أشهر بالعراقيل المتكررة التي تفرضها السلطات الإسرائيلية، مثل رفض إصدار تصاريح عبور الحدود للقوافل الإنسانية، وبطء التخليص الجمركي، ومحدودية نقاط الوصول، والطرق الخطرة، وغيرها. وتؤكد المنظمات أن ذلك يؤجج الفوضى.

يقول مسؤول كبير في الأمم المتحدة - طلب عدم كشف هويته - إن «الجيش الإسرائيلي غيّر خطط تحميل برنامج الأغذية العالمي في اللحظة الأخيرة الثلاثاء في زيكيم، مما أدى إلى خلط الحمولات وإجبار القافلة على المغادرة قبل الموعد المخطط لها، دون وجود أمن كاف».

سيدة فلسطينية تحمل مساعدات غذائية على طريق مدمر في جباليا (د.ب.أ)

جنوباً، عند معبر كرم أبو سالم، يؤكد مسؤول في منظمة غير حكومية - فضّل أيضاً عدم كشف هويته - أن «هناك طريقين ممكنين للوصول إلى مستودعاتنا (الواقعة في وسط قطاع غزة) أحدهما آمن نسبياً، والآخر مسرح دائم للقتال والنهب، وهو الطريق الذي يتم إجبارنا على سلوكه».

 

«تجربة داروينية»

تنهب عصابات إجرامية أيضاً قسماً من المساعدات، وتهاجم في أحيان كثيرة المستودعات بشكل مباشر، وتبيعها إلى التجار الذين يعيدون بيعها بأسعار باهظة، وفق عدة مصادر إنسانية وخبراء.

يقول محمد شحادة، وهو باحث في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: «إنها تجربة داروينية لا يبقى بموجبها على قيد الحياة إلا الأقوى: أما الأكثر جوعاً فلا يملكون الطاقة لمطاردة شاحنة، أو الانتظار ساعات تحت أشعة الشمس، أو القتال على كيس دقيق».

 

ويوضح جان-غي فاتو رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود من غزة: «نعيش في نظام رأسمالي متطرف، حيث يرسل تجار وعصابات فاسدة أطفالاً ليموتوا بالرصاص في نقاط التوزيع أو أثناء عمليات النهب. لقد أصبحت هذه مهنة جديدة».

ويضيف أن هذه الإمدادات يتم بيعها بعد ذلك «لأولئك الذين لا يزالون قادرين على شرائها» في أسواق مدينة غزة، حيث يمكن أن يتجاوز سعر كيس الدقيق الذي يزن 25 كيلوغراماً 400 دولار.

اتهمت إسرائيل مراراً «حماس» بنهب مساعدات الأمم المتحدة التي أوصلت الجزء الأكبر من الإغاثة منذ بدء الحرب إثر الهجوم غير المسبوق للحركة الفلسطينية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

 

واستخدمت هذه الاتهامات لفرض الحظر شامل على دخول المساعدات إلى غزة بين شهري مارس (آذار) ومايو، حتى بروز «مؤسسة غزة الإنسانية» في نهاية مايو بدعم من إسرائيل والولايات المتحدة. وتزعم المؤسسة أنها أصبحت مذاك الجهة الرئيسية لتوزيع المساعدات، لكن بقية المنظمات الإنسانية ترفض العمل معها.

ولا تدير «مؤسسة غزة الإنسانية» سوى أربع نقاط توزيع لخدمة أكثر من مليوني نسمة، وتصف الأمم المتحدة مراكزها بأنها «مصايد موت».

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاثنين: «لقد سرقت (حماس) المساعدات الإنسانية من شعب غزة مراراً من خلال إطلاق النار على الفلسطينيين».

لكن بحسب مسؤولين عسكريين إسرائيليين كبار تحدثوا إلى صحيفة «نيويورك تايمز» في 26 يوليو (تموز)، فإن «حماس» ربما استولت على قسم من المساعدات من بعض المنظمات، لكن «ليس هناك أي دليل» على أنها سرقت بانتظام الغذاء من الأمم المتحدة.

فلسطينيون يحملون أجولة من المساعدات الإنسانية في طريقهم إلى مدينة غزة (أ.ب)

ويقول الباحث محمد شحادة إن «حماس» أصبحت الآن ضعيفة للغاية، وتتكون في الأساس من «خلايا مستقلة غير مركزية تختبئ هنا وهناك في نفق أو منزل مدمر. إنهم (مقاتلو حماس) لم يعودوا مرئيين على الأرض، لأن الطائرات المسيّرة الإسرائيلية ترصدهم على الفور وتتعقبهم».

 

«موافقة» إسرائيلية

وأكد مسؤولون في منظمات إنسانية لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أنه خلال وقف إطلاق النار الذي سبق حظر المساعدات في مارس، ساعدت شرطة غزة والتي تضم العديد من أعضاء «حماس» في تأمين القوافل الإنسانية، لكن الفراغ الحالي في السلطة يؤدي إلى انعدام الأمن والنهب.

تقول بشرى الخالدي مديرة السياسات في منظمة أوكسفام في غزة: «لقد دعت الوكالات والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية السلطات الإسرائيلية مراراً إلى تسهيل وحماية قوافل المساعدات ومواقع التخزين في مستودعاتنا»، مضيفة: «لكن هذه الدعوات قوبلت بتجاهل واسع النطاق».

ويشتبه حتى في أن الجيش الإسرائيلي قام بتنظيم شبكات إجرامية في حربه ضد «حماس»، وسمح لها بالانتشار وممارسة النهب.

 

وقال جوناثان ويتال، رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية، خلال مؤتمر صحافي في نهاية مايو إن «السرقة الحقيقية للمساعدات منذ بداية الحرب نفذتها عصابات إجرامية، تحت مراقبة القوات الإسرائيلية، وقد سُمح لها بالعمل قرب معبر كرم أبو سالم».

أطفال يراقبون إسقاط مساعدات إنسانية فوق رفح السبت (أ.ف.ب)

وبحسب تقارير إعلامية إسرائيلية وفلسطينية، تعمل في المنطقة الجنوبية الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية مجموعة مسلحة تطلق على نفسها اسم «القوات الشعبية»، تتكون من أفراد من قبيلة بدوية بقيادة ياسر أبو شباب.

يصف المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أبو شباب بأنه زعيم «عصابة إجرامية (...) متهمة بنهب شاحنات المساعدات» في غزة. وقد اعترفت السلطات الإسرائيلية نفسها في يونيو (حزيران) بدعمها وتسليحها عشائر فلسطينية معارضة لـ«حماس»، دون أن تُسمّي مباشرة العشيرة التي يقودها ياسر أبو شباب.

وبحسب ميكائيل ميلشتاين من مركز موشيه ديان في تل أبيب، فإن العديد من أعضاء مجموعة أبو شباب متورطون في «جميع أنواع الأنشطة الإجرامية»، بما في ذلك الاتجار بالمخدرات.

يضيف محمد شحادة أن عصابات إجرامية أخرى متورطة في عمليات نهب ومهاجمة القوافل وضرب وخطف سائقي شاحنات في مناطق أخرى من قطاع غزة، مثل خان يونس وأطراف مدينة غزة.

ويؤكد أحد العاملين في المجال الإنساني هذه الاتهامات، قائلاً: «لا يمكن أن يحدث أي من هذا في غزة من دون موافقة ضمنية على الأقل من الجيش الإسرائيلي».


مقالات ذات صلة

بعد قطيعة بسبب حرب غزة... بوليفيا وإسرائيل تستأنفان العلاقات

شؤون إقليمية وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (د.ب.أ)

بعد قطيعة بسبب حرب غزة... بوليفيا وإسرائيل تستأنفان العلاقات

أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية، اليوم الثلاثاء، أن إسرائيل وبوليفيا ستوقعان اتفاقاً لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، بعد عامين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي جندي إسرائيلي يقف وسط الأنقاض في رفح جنوب قطاع غزة يوم الاثنين (رويترز) play-circle

تحركات إسرائيلية لفرض منطقة عازلة جديدة في غزة

أظهرت تحركات ميدانية إسرائيلية متواصلة سعياً لفرض منطقة عازلة جديدة في قطاع غزة بعمق يقارب 3 كيلومترات غرب الأصفر الذي يفصل بين مناطق سيطرة إسرائيل و«حماس».

«الشرق الأوسط» (غزة)
أوروبا الحكومة البريطانية تعلن استضافة مؤتمر لإنشاء صندوق دولي للسلام من أجل إسرائيل وفلسطين (إ.ب.أ)

بريطانيا تعلن استضافة مؤتمر «لبناء السلام» لفلسطين وإسرائيل في مارس المقبل

أعلنت الحكومة البريطانية، الثلاثاء، أنها سوف تستضيف في الثاني عشر من مارس (آذار) المقبل مؤتمراً هاماً لبناء السلام والمساعدة في إنشاء صندوق دولي للسلام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي فلسطينيون نازحون داخلياً بينهم أطفال يحملون أواني الطعام في أثناء تجمعهم لتلقي الطعام من مطبخ خيري في مدينة غزة أغسطس الماضي (إ.ب.أ)

«يونيسف»: أعداد «صادمة» من أطفال غزة ما زالوا يعانون سوء التغذية الحاد

حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، اليوم (الثلاثاء)، من استمرار ارتفاع حالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شؤون إقليمية قوات إسرائيلية عند المعبر الحدودي الرئيسي بين الضفة الغربية والأردن (أ.ف.ب)

إسرائيل تعلن إعادة فتح معبر اللنبي مع الأردن بدءاً من الأربعاء

أعلنت إسرائيل اليوم (الثلاثاء)، عزمها على إعادة فتح معبر اللنبي (جسر الملك حسين) مع الأردن غداً (الأربعاء) لنقل البضائع والمساعدات إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

توقيف طيار كان عضواً في لجنة اقترحت رمي البراميل المتفجرة على السوريين

العميد فائق مياسة المتورط باستخدام البراميل المتفجرة ضد السوريين (الداخلية السورية)
العميد فائق مياسة المتورط باستخدام البراميل المتفجرة ضد السوريين (الداخلية السورية)
TT

توقيف طيار كان عضواً في لجنة اقترحت رمي البراميل المتفجرة على السوريين

العميد فائق مياسة المتورط باستخدام البراميل المتفجرة ضد السوريين (الداخلية السورية)
العميد فائق مياسة المتورط باستخدام البراميل المتفجرة ضد السوريين (الداخلية السورية)

ألقت قوى الأمن الداخلي في اللاذقية القبض على العميد الطيار فائق أيوب مياسة الذي كان عضواً في اللجنة العسكرية لدى النظام البائد، التي اقترحت استخدام البراميل المتفجرة في بداية الثورة ضد الشعب السوري الأعزل.

ونقلت وكالة «سانا» الرسمية، عن قائد الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية، العميد عبد العزيز الأحمد، أن وحدات مديرية الأمن الداخلي في منطقة الحفة، بالتعاون مع فرع مكافحة الإرهاب، نفذت عملية أمنية نوعية، بعد رصد وتتبع دقيق استمر عدة أيام، أسفرت عن إلقاء القبض على العميد الركن الطيار فائق أيوب مياسة المتحدر من قرية لقماني في ريف اللاذقية.

وأشار الأحمد إلى أن مياسة تدرج في المناصب العسكرية، حيث تخرج برتبة ملازم طيار، وعمل في مطار حماة العسكري عام 1982، وعُيّن قائد أركان للواء 63 في مطار تفتناز العسكري بداية الثورة السورية، وتولى مهام تحديد بنك الأهداف بالاشتراك مع غرفتي العمليات الجوية والبرية، الواقعتين في معسكر المسطومة بريف إدلب، لتستهدف تلك المواقع لاحقاً بالطيران المروحي.

برميل أسقطه النظام السوري في بلدة إنخل في درعا جنوب سوريا (أرشيف - رويترز)

وأقر مياسة خلال التحقيقات الأولية بأنه كان عضواً في اللجنة العسكرية التي اقترحت استخدام البراميل المتفجرة في بداية الثورة، كما تولّى مسؤولية تحديد عدد من المواقع في مختلف المحافظات؛ لاستهدافها بالبراميل المتفجرة والألغام البحرية.

وأكد قائد الأمن الداخلي باللاذقية الالتزام ببذل قصارى الجهد لسوق كل مجرم تلطخت يداه بدماء الأبرياء إلى العدالة؛ لضمان محاسبته وفقاً للقانون.

وتأتي هذه العملية في إطار جهود وزارة الداخلية والجهات المعنية في ملاحقة ومحاسبة مسؤولي النظام البائد المتورطين بارتكاب جرائم وانتهاكات بحق الشعب السوري، انطلاقاً من تطبيق العدالة الانتقالية، وضمان حقوق الضحايا وأسرهم، وعدم إفلات أي مجرم من المساءلة.


تحركات إسرائيلية لفرض منطقة عازلة جديدة في غزة

جندي إسرائيلي يقف وسط الأنقاض في رفح جنوب قطاع غزة يوم الاثنين (رويترز)
جندي إسرائيلي يقف وسط الأنقاض في رفح جنوب قطاع غزة يوم الاثنين (رويترز)
TT

تحركات إسرائيلية لفرض منطقة عازلة جديدة في غزة

جندي إسرائيلي يقف وسط الأنقاض في رفح جنوب قطاع غزة يوم الاثنين (رويترز)
جندي إسرائيلي يقف وسط الأنقاض في رفح جنوب قطاع غزة يوم الاثنين (رويترز)

أظهرت تحركات ميدانية إسرائيلية متواصلة، سعياً لفرض منطقة عازلة جديدة في قطاع غزة بعمق يقارب 3 كيلومترات غرب الأصفر الذي يفصل بين مناطق سيطرة الاحتلال (شرق الخط الأصفر)، والمواقع التي تعمل فيها حركة «حماس» (غرب الخط).

ووفق مصادر ميدانية في الفصائل الفلسطينية في غزة، فإن إسرائيل تسابق الزمن قبل الانتقال للمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، عبر تثبيت حقائق ميدانية جديدة على الأرض عبر نسف المنازل وتسوية الأراضي بما يسمح لها بكشف المنطقة التي تريد أن تصبح منطقة عازلة جديدة في القطاع.

وتتوافق تلك التطورات الميدانية، مع تصريحات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير، الأحد الماضي، من داخل قطاع غزة خلال تفقده قواته، إذ قال إن «الخط الأصفر يشكل خط حدود جديداً، وخط دفاع متقدماً للمستوطنات، وخط هجوم».

خريطة لمراحل الانسحاب من غزة وفق خطة ترمب (البيت الأبيض)

لكن القيادي في «حماس» حسام بدران، رأى أن تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي «تكشف بوضوح عدم التزام الاحتلال ببنود اتفاق وقف إطلاق النار»، ومشيراً إلى أن «مواصلة هدم منازل الفلسطينيين داخل الخط الأصفر تمثل امتداداً للأعمال العسكرية التي كان يفترض أن تتوقف منذ اليوم الأول للاتفاق».

وأكد بدران، في تصريحات لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الثلاثاء، أن الحركة تشترط وقف الخروقات الإسرائيلية قبل بدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مع دعوتها الوسطاء للضغط على إسرائيل.

السيطرة على شارع صلاح الدين

وشرح أحد المصادر من الفصائل لـ«الشرق الأوسط» أن ما تم رصده مؤخراً بشأن نطاق العمل الإسرائيلي في مواقع مختلفة من القطاع بات يؤكد أن «المخطط الحقيقي هو السيطرة على مسافة تقارب 3 كيلومترات من حدود مستوطنات غلاف غزة ما قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وحتى شارع صلاح الدين الرئيس، وتحديداً قبالة خان يونس، ومدينة غزة وصولاً إلى حدود جباليا وبيت لاهيا».

وشارع صلاح الدين طريق حيوي ورئيسي، ويمتد من شمال القطاع إلى جنوبه، وكانت مسألة السيطرة عليه ذات أهمية عسكرية كبرى خلال الحرب الإسرائيلية على القطاع، وركزت التحركات الإسرائيلية على قطعه بمحاور مختلفة.

شارع صلاح الدين في قطاع غزة

وذكر المصدر أن مدينتي رفح (أقصى جنوب غزة) وبيت حانون (أقصى الشمال)، محتلتان بالكامل، وفي حال انسحبت إسرائيل منهما، فإنها ستتركهما مدمرتين تماماً، وتواصل حالياً الإجهاز على ما تبقى فيهما.

وتقول مصادر ميدانية لـ«الشرق الأوسط»، إن القوات الإسرائيلية تهدف من خلال الاستهدافات المتكررة يومياً دون توقف، سواء بالتقدم براً أم عمليات القصف الجوي والمدفعي والنسف وغيرها، إشعار السكان الذين يحاولون العودة بالقرب من الخط الأصفر، بعدم قدرتهم على البقاء في تلك المناطق وأن حياتهم ستبقى في خطر دائم، وأنهم يجب أن يبقوا في عمق المناطق الغربية للقطاع من دون أن يتقدموا أكثر من ذلك.

منطقة عازلة أعمق

وقبيل الحرب الأخيرة، كانت المنطقة العازلة بين مستوطنات غلاف غزة والقطاع تصل إلى نحو 300 متر فقط من السياج، وفي بعض المناطق تكون أقل في ظل اعتماد القوات الإسرائيلية على أدوات تكنولوجية لكشف أي خطر، الأمر الذي أسهم، وفق بعض التقديرات، في تمكين «حماس» من الهجوم المباغت في السابع من أكتوبر.

وحسب المصادر، تسعى القوات الإسرائيلية حالياً إلى تثبيت سيطرتها الأمنية داخل قطاع غزة، من خلال إظهار قدرتها على توسيع المنطقة العازلة لتصل إلى مسافة شاسعة عبر استخدام وسائل تكنولوجية، وبما «يسمح لها لاحقاً بتثبيت قواعد إطلاق نار جديدة والتعامل مع أي هدف يتحرك في تلك المناطق، وبما يحرم السكان من العودة إليها لاحقاً حتى لو انسحبت إلى مساحات أخرى».

وقال مصدر إن «إسرائيل ستسيطر على تلك المنطقة العازلة الجديدة نارياً عن بُعد، وقد تقوم بعمليات مباغتة عبر قوات خاصة تنصب كمائن فيها، أو من خلال عمليات توغل برية من حين إلى آخر بالتقدم والتراجع كما تفعل حالياً بهدف إشعار السكان بعدم وجود أي أمان بوجودهم في تلك المناطق».

تمركزات استراتجية جديدة

وبينت المصادر أن القوات الإسرائيلية حالياً لا تتمركز عند الخط الأصفر تماماً، وهي في حالة حركة مستمرة، تارةً بالتقدم إلى خارجه وتوسيع سيطرتها، وأخرى عبر التراجع إلى مناطق بعيدة أو من خلال التنقل من مكان إلى آخر بما يسمح لها بتجريف مساحات جديدة، أو وضع عربات مفخخة ثم تفجيرها بتلك المناطق.

وأشار أحد المصادر، وهو في منطقة قريبة من وسط قطاع غزة إلى أن القوات الإسرائيلية تحافظ على مسافات معينة في وسط القطاع «ولم تتقدم فيها بشكل كبير حتى الآن، وتحافظ على وجودها عند الخط الأصفر بنسب متفاوتة»، مرجحاً «حفاظها على قوة نارية عند الضرورة».

جنديان إسرائيليان في رفح جنوب قطاع غزة يوم الاثنين (رويترز)

وقال المصدر إن القوات الإسرائيلية تلجأ إلى استحداث مواقع عسكرية في مناطق استراتيجية ذات طبيعة جغرافية مرتفعة لكشف مساحات كبيرة، كما هي الحال في جبل الصوراني شرق حي التفاح لكشف مناطق واسعة من الحي ومناطق قرب جباليا (شمال غزة)، إلى جانب تلة المنطار التي تكشف حيي الشجاعية والزيتون.

وكشفت المصادر أن القوات الإسرائيلية استحدثت، الأحد الماضي، موقعاً استراتيجياً جديداً على تبة الظهرة، بمنطقة معن شرق خان يونس (جنوب القطاع) يكشف غالبية المدينة بما فيها أجزاء من غربها، ما يظهر سيطرتها الأمنية على غالبية هذه المناطق.

وتسمح هذه المرتفعات العالية، للقوات الإسرائيلية بكشف أي تحركات، وإطلاق النار يومياً تجاه أقرب نقاط ممكنة خاصةً عند شارع صلاح الدين الذي تخطط تلك القوات ليكون بداية المنطقة العازلة بالنسبة لها، كما تشرح المصادر.

ترمب يضغط

وأظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، عزمه على المضي قدماً في المرحلة الثانية من خطته في قطاع غزة، بما قد يشمل تنفيذ إسرائيل انسحابا ثانياً محتملاً، بحسب صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، وذلك على الرغم من محاولة إسرائيل جعل الخط الأصفر الحالي حدوداً جديدة لغزة.

وقال المحلل العسكري في «هآرتس» عاموس هارئيل إن «ترمب يعتزم إجبار الأطراف على الانتقال إلى المرحلة التالية، والتي قد تشمل انسحاباً إسرائيلياً إضافياً من القطاع».

ويقدر هارئيل أن ترمب سيضغط نحو اتفاق ينشر بموجبه الجيش الإسرائيلي قواته على مقربة من الحدود في مساحة أقل، لكنه لأكد ان ذلك سيكون رهن بنتائج لقاء ترمب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتيناهو نهاية الشهر الحالي.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الكنيست بالقدس يوم 13 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)

وقالت مصادر عسكرية لـ«هيئة البث الإسرائيلي» (كان) إن الجيش سيبقى متمركزاً على امتداد هذا الخط خلال المرحلة الثانية أيضاً، مع قدرة مراقبة وسيطرة نارية على عموم القطاع دون العودة إلى إدارة شؤون سكانه.

وبحسب المصادر، فإن الانتشار الجديد يحقق لإسرائيل تفوقاً ميدانياً دون تحمل أعباء مدنية تتعلق بالغذاء والمياه والدواء والخدمات الصحية. ووصف مصدر عسكري هذه الصيغة بأنها «إنجاز عملياتي كبير».

لكن التقييم في إسرائيل بحسب محادثات ورسائل أميركية نُقلت إلى تل أبيب أن ترمب لن يوافق على ذلك، وسيطلب من الجيش تنفيذ انسحاب ثاني بحسب خطته.

وأكدت «القناة 12» الإسرائيلية، أن ترمب بدأ فعلاً بزيادة الضغط للانتقال إلى المرحلة الثانية من خطته لإنهاء الحرب في قطاع غزة. وبحسب القناة فإن نتنياهو الذي سيلتقي ترمب سيكون أمام اختبار بعدما عقد زامير مهمته. وأضافت: «عرض زامير احتياجات إسرائيل الأمنية قبل التقدم في الاتفاق، ووضع رئيس الوزراء نتنياهو في مأزق مع الرئيس ترمب».


3 قذائف تستهدف محيط مطار المزة بدمشق... ولا إصابات

تصاعد الدخان بعد غارات جوية إسرائيلية على دمشق في الصيف الماضي (رويترز)
تصاعد الدخان بعد غارات جوية إسرائيلية على دمشق في الصيف الماضي (رويترز)
TT

3 قذائف تستهدف محيط مطار المزة بدمشق... ولا إصابات

تصاعد الدخان بعد غارات جوية إسرائيلية على دمشق في الصيف الماضي (رويترز)
تصاعد الدخان بعد غارات جوية إسرائيلية على دمشق في الصيف الماضي (رويترز)

ذكرت قناة «الإخبارية السورية» التلفزيونية مساء اليوم الثلاثاء أن قذائف «مجهولة المصدر» سقطت في محيط مطار المزة في العاصمة دمشق، من دون أن تسفر عن أي إصابات.

إلى ذلك، كشف مصدر عسكري للوكالة السورية عن «استهداف محيط مطار المزة العسكري بدمشق بـ3 قذائف دون وقوع إصابات أو أضرار مادية». وأوضحت الوكالة: «الجهات المختصة انتشرت في محيط مطار المزة العسكري وبدأت التحقيقات لتحديد مصدر القذائف».

وذكرت «رويترز» في نوفمبر (تشرين الثاني) أن الولايات المتحدة تعتزم تأسيس وجود عسكري في قاعدة جوية بدمشق للمساعدة في تهيئة الظروف لاتفاقية أمنية تتوسط فيه بين سوريا وإسرائيل.

وتقع القاعدة الجوية عند مدخل أجزاء من جنوب سوريا يُتوقع أن تشكل منطقة منزوعة السلاح في إطار اتفاقية عدم اعتداء مستقبلي بين إسرائيل وسوريا.

ونقلت «سانا» في ذلك الوقت عن مصدر في وزارة الخارجية السورية نفيه ما ورد في تقرير «رويترز»، قائلا «لا صحة لما نشرته وكالة رويترز عن القواعد الأميركية في سوريا».

وتتوسط الولايات المتحدة بين سوريا وإسرائيل لخفض التوتر والتوصل إلى اتفاقية أمنية تأمل دمشق أن يفضي إلى التراجع عن عمليات الاستيلاء التي نفذتها إسرائيل على أراضيها في الآونة الأخيرة.