ما المجموعات المسلحة التي تتحدى «حماس» في غزة؟

صورة ملتقطة في فبراير الماضي في دير البلح بقطاع غزة تظهر مقاتلَين من كتائب «القسام» الجناح العسكري لـ«حماس» (د.ب.أ)
صورة ملتقطة في فبراير الماضي في دير البلح بقطاع غزة تظهر مقاتلَين من كتائب «القسام» الجناح العسكري لـ«حماس» (د.ب.أ)
TT

ما المجموعات المسلحة التي تتحدى «حماس» في غزة؟

صورة ملتقطة في فبراير الماضي في دير البلح بقطاع غزة تظهر مقاتلَين من كتائب «القسام» الجناح العسكري لـ«حماس» (د.ب.أ)
صورة ملتقطة في فبراير الماضي في دير البلح بقطاع غزة تظهر مقاتلَين من كتائب «القسام» الجناح العسكري لـ«حماس» (د.ب.أ)

على مدى نحو 18 عاماً من حكم قطاع غزة، واجهت حركة «حماس»، التي سيطرت على القطاع عسكرياً عام 2007 بعد عام من حيازتها الأغلبية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية العامة، تحديات داخلية لتثبيت حكمها ووجودها، قبل أن تتمكن في مواجهتها والقضاء عليها.

لكن ما جرى قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ليس كما بعده، وخلال الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ نحو 21 شهراً على غزة، ظهرت في الأشهر الأخيرة تحديات ربما كانت الأبرز بمواجهة «حماس» منذ سيطرتها على القطاع.

مقاتلون من «حماس» وفصائل أخرى في خان يونس جنوب غزة في فبراير الماضي (د.ب.أ)

ومثَّلت معضلة ظهور مجموعات مسلحة مناوئة لـ«حماس» في غزة أحد أبرز المنعطفات التي تواجه الحركة، حتى وإن انتهت الحرب وبقيت للحركة سيطرة ما على غزة؛ إذ إن بعض تلك الجماعات مدعوم من إسرائيل، بينما يخوض البعض الآخر التحدي بخلفيات عشائرية وربما ثأرية.

وفيما يلي أبرز الجهات التي ربما تمثّل تحدياً للحركة في القطاع:

مجموعة ياسر أبو شباب

برز اسم ياسر أبو شباب، في الأشهر القليلة الماضية بصفته وجهاً يقود إحدى أهم المجموعات المسلحة والتي لا يتجاوز تعدادها العشرات، يمتلكون أسلحة خفيفة، لكنهم يقيمون في مدينة رفح أقصى جنوب القطاع، والتي تسيطر إسرائيل على غالبيتها.

وتُطلق «حماس» على هذه المجموعة «عصابة أبو شباب» وتتهمها بخدمة إسرائيل. أما ياسر أبو شباب، فيُطلق على مجموعته اسم «القوات الشعبية»؛ وهو ينفي في بعض الأحيان علاقته بإسرائيل أو بالسلطة الفلسطينية، ثم ما يلبث ويتراجع ويؤكد علاقته بهما بشكل أو بآخر.

الفلسطيني ياسر أبو شباب الذي يقود مجموعة مسلحة في غزة تناوئ «حماس» (صفحته على فيسبوك)

لم يكن أبو شباب شخصاً معروفاً في أوساط الفلسطينيين، خاصةً وأنه كان معتقلاً لدى شرطة «حماس» على خلفية قضايا جنائية، ولم يكن له علاقة بأي تنظيم فلسطيني من قبل.

وبات اسم أبو شباب يتردد كثيراً بعدما شارك وقاد لاحقاً عمليات سرقة عشرات الشاحنات التي تحمل مساعدات إنسانية بالقرب من مناطق كانت تعمل بها إسرائيل عسكرياً، وذلك بمساعدة مقربين منه، بينهم بعض أشقائه الذين قُتل أحدهم خلال محاولة تصفية ياسر.

وبعد أن لاحقته «حماس»، هرب ووفَّرت إسرائيل له الحماية، قبل أن يشكّل مجموعات مسلحة أكبر تضم العشرات، قُتل بعضهم لاحقاً في أحداث مختلفة.

ويبدو أن أبو شباب يحاول التوسع بنشاطه جغرافياً ليمتد إلى خان يونس، ويحاول ضم المزيد من المسلحين لمجموعته، فبدأ نشاطاً واسعاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأشهر القليلة الماضية.

وأجرى أبو شباب مقابلات عدة مع وسائل إعلام إسرائيلية، وشارك في نهاية يونيو (حزيران) الماضي مع بعض أفراد محسوبون على عشيرة «بربخ» في هجوم مسلح على مدى ثلاثة أيام متتالية على مجمع ناصر الطبي بخان يونس (جنوب)، قبل أن تصد «حماس» الهجوم وتقتل وتصيب عدداً من المشاركين فيه.

ودفع ذلك «غرفة العمليات المشتركة» للأجنحة العسكرية للفصائل بغزة إلى إعلان «إهدار دمه» بصفته «خائناً وعميلاً لإسرائيل».

فعلياً، لم يشكل أبو شباب حتى الآن تهديداً حقيقياً لحركة «حماس»، لكنها فضَّلت توجيه ضربات له لنقل رسائل واضحة لكل من يحذو حذوه، كما تقول مصادر من الحركة تحدثت لـ«الشرق الأوسط».

ياسر حنيدق

ويبدو أن إسرائيل تحاول بطرق استخباراتية وإعلامية إظهار وجود مزيد من المجموعات المسلحة، فذهبت عبر صحيفة «يديعوت أحرونوت» للحديث عن شخص يُدعى ياسر حنيدق، قالت إنه يقود مجموعة مماثلة لمجموعة أبو شباب، في خان يونس؛ لكن سرعان ما خرج حنيدق في مقطع فيديو ينفي تلك الأنباء، وكان يتجول وسط المدينة بحرية.

وأكد حنيدق أن لا علاقة له بإسرائيل أو بأي تنظيم فلسطيني، وأنه مجرد شخص عادي لم يحمل السلاح إلا للثأر من أبناء عائلة أخرى قتلت شقيقين له على خلفية جنائية.

ويستنبط البعض أن إسرائيل تحاول استغلال بعض القضايا الجنائية وخلاف عوائل وشخصيات مع «حماس» لتجنيد البعض لمجابهة الحركة، أو على الأقل استغلال ذلك للترويج إعلامياً على أنهم جزء من المعركة ضد حكم «حماس» في غزة.

مجموعات من عشائر

في بدايات فبراير (شباط) 2024، بدأت مجموعات مسلحة يقودها أفراد محسوبون على عشائر كبيرة في قطاع غزة في التعبير المحدود عن نفسها وتسليحها في منطقتي الصبرة والعطاطرة بشمال القطاع، وفي رفح جنوباً.

بدورها، حاولت إسرائيل، شراء ولاء بعض أفراد تلك المجموعات، لتكون بمثابة سلطات محلية تقوم بضبط الأمن في مناطقها مقابل تزويدها بالطعام، لكن كل هذه المحاولات فشلت بعد أن وجَّهت «حماس» تحذيراً واضحاً لتلك العناصر.

عناصر من «حماس» خلال عملية تسليم رهائن في رفح جنوب قطاع غزة 22 فبراير 2025 (رويترز)

وعندما حاول عناصر بعض وجهاء تلك العشائر التعاون مع إسرائيل، قتلت الحركة 3 منهم بعدما اختطفتهم من مناطق مختلفة.

وعادت إسرائيل مجدداً، بتوصية من جهاز الأمن العام (الشاباك) كما يعترف رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، لمحاولة دعم بعض المجموعات المسلحة، خاصةً في جنوب قطاع غزة، وتحديداً رفح، قبل أن تتوسع لخان يونس ودير البلح وصولاً لمدينة غزة.

آخرون في دير البلح

في الأشهر الأربعة الأخيرة، ظهرت على الساحة مجموعتان من أفراد محسوبين على عشيرتين شرق دير البلح (غرب قطاع غزة)، هما أبو خماش، وأبو مغصيب.

ولا يوجد وجه واضح يقود المجموعتين اللتين يبدو أن نشاطهما يقتصر على نهب شاحنات المساعدات ونقلها إلى مناطق شرق دير البلح التي توجد بها أو بالقرب منها قوات إسرائيلية، ثم تعمل على تهريبها إلى السوق السوداء لبيعها بأثمان باهظة.

وبعد خرق إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار في مارس (آذار)، بات تأثير تلك المجموعات التي يمكن وصفها بالمحدودة ظاهراً، وكان لأجواء الفوضى التي أعقبت استئناف الحرب دور كبير في إظهارهم.

مسلحون فلسطينيون يحرسون شاحنات مُحمَّلة بالمساعدات دخلت قطاع غزة من معبر زيكيم (أ.ف.ب)

وفي الرابع من يوليو (تموز) الحالي، أعدمت «حماس» عدداً من هؤلاء العناصر بعد خطفهم من مناطق قريبة من نقاط توجد بها قوات إسرائيلية فشلت في حمايتهم من عناصر «حماس» الذين تمكنوا من الوصول إلى رفح المُخلاة منذ أشهر ومن قتل عناصر مناوئة بها.

وفي اليوم التالي، حاصر أفراد من عشيرة أبو مغصيب مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح بوسط قطاع غزة، على غرار ما فعل أبو شباب وأفراد من عشيرة «بربخ» في خان يونس قبل ذلك بأيام، لكن مسلحين محسوبين فيما يبدو على «حماس» أطلقوا النار باتجاههم ثم فروا من المكان.

رامي حلس

ظهرت مجموعة أخرى في حي الشجاعية بشرق مدينة غزة، لكنها لا تضم سوى أعداد قليلة لا تزيد على العشرين، حسب بعض المعلومات المتوفرة عنها.

ويقود تلك المجموعة، وفق ما نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، شخص يدعى رامي حلس، لم تُعرف هوية من معه، ولم يتضح ما إذا كان بينه وبين مجموعة أبو شباب أي تنسيق.

وتقول مصادر محلية من الشجاعية إن رامي حلس، اعتقلته سابقاً أجهزة أمن حكومة «حماس».

واتهمت مصادر من «حماس»، حلس بأنه يتلقى دعماً كبيراً من جهاز «الشاباك» الإسرائيلي، وينفذ عمليات للكشف عن نشاطات الفصائل داخل حي الشجاعية، ويشارك في تفكيك عبوات ناسفة وفي البحث عن أنفاق وغيرها، كما أنه ضالع بقتل عناصر كانت تتربص بالقوات الإسرائيلية.

وأصدر وجهاء عشيرة «حلس» بياناً أعلنوا فيه أنها ستلاحق «قانونياً وعرفياً كل من يمس بسمعة العائلة أو الزج باسمها في أعمال مشبوهة تهدف للنيل من سيرتها الوطنية والنضالية». وشدد البيان على «عدالة النضال المشروع في وجه الاحتلال (الإسرائيلي)».

سيدة فلسطينية تتفقد الدمار بعد ضربة إسرائيلية أصابت مدرسة تؤوي نازحين في مخيم البريج بوسط قطاع غزة 8 يوليو 2025 (أ.ف.ب)

وكشفت مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط» عن أن أفراداً من أمن «حماس» لاحقوا في الأيام الأخيرة مجموعة مسلحة حاولت إشاعة الفوضى في قلب مدينة غزة، واشتبكوا معها قبل أن تفر إلى جنوب حي الزيتون، حيث توجد قوات إسرائيلية.

وبحسب المصادر، هناك قرار بالتشاور بين «حماس» والفصائل الفلسطينية بالتعامل «بكل حزم وقوة ضد تلك المجموعات المشبوهة، وعدم السماح لها أو لأي جهة كانت بفرض الفوضى على السكان».

وأضافت المصادر أن هناك حالياً مجموعات من مختلف أجهزة أمن «حماس»، الحكومية والعسكرية والتنظيمية، تعمل على ملاحقة المتخابرين مع إسرائيل وأفراد العصابات المسلحة والمشاركين في السرقات.

وذكرت المصادر أن هذه المجموعات التي شكَّلتها «حماس» تعمل حالياً بطريقة محدودة، لكنها منظمة «بما يخدم طريقة استعادة الأمن وردع هؤلاء». ولفتت إلى أن هناك خطة ستُنفذ فوراً حال حدوث هدنة «لتوجيه ضربات قاسية لكل أولئك الذين أشاعوا الفوضى والخراب في صفوف المواطنين، وحاولوا استغلال الظروف لصالحهم ولخدمة الاحتلال وجهات أخرى».

محاولات إسرائيلية

لم تنفِ إسرائيل أنها عملت في فترات خلال الحرب على تجنيد عشائر ومجموعات مسلحة لمناهضة حركة «حماس» وقتالها، بل ولتكون سلطات محلية بديلة لها، وأن هذا جزء من مخطط «اليوم التالي» للحرب.

لكن يبدو أن هذه المحاولات لم تجد صدى.

جنازة جندي إسرائيلي قُتل في غزة يوليو الحالي (إ.ب.أ)

ولم تتمكن إسرائيل حتى الآن من تحقيق «إنجازات حقيقية» في هذا الصدد، بحسب المصادر التي أشارت إلى أن أبو شباب دعا سكان رفح إلى العودة الآمنة لبعض المعسكرات والخيام التي تم تجهيزها لهم، ولكن بعد أكثر من أربعة أسابيع على هذا العرض، لم يكن هناك أي إنجاز يشار إليه.

وتشير المصادر أيضاً إلى أن عدد أفراد هذه المجموعات المنتشرة حالياً في بعض مناطق قطاع غزة، وخاصةً التي توجد فيها أو بالقرب منها قوات إسرائيلية، لا يتعدى بضع عشرات لكل منها، يقودهم أشخاص غير معروفين «لم يكن لهم من قبل أي أهمية تنظيمية أو عشائرية أو مجتمعية».

تحديات سابقة

لم تكن التحديات التي تواجهها «حماس» حالياً أقل خطراً من تلك التي واجهتها منذ بداية حكمها.

فقد شكلت بعض العشائر المهمة في غزة، والتي كانت تتمتع بنفوذ اجتماعي وسياسي، وبعضها محسوب على حركة «فتح»، تحدياً آخر لـ«حماس»، ولكن سرعان ما استخدمت الحركة قوتها العسكرية في مواجهة تلك العشائر، وقتلت وأصابت وأسرت عدداً من أبنائها.

وفي فترات معينة، ظهرت مجموعات مسلحة، بعضها منشق عن فصائل مثل حركة «فتح» أو «الجهاد الإسلامي» أو غيرهما، ونجحت في توحيد صفوفها في تنظيمات بعيداً عن نفوذ السلطة الفلسطينية أو قيادة الحركة بالضفة.

عناصر من الشرطة في قطاع غزة بعد سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» يناير الماضي (الصفحة الرسمية للوزارة - فيسبوك)

وربما كان ظهور مجموعات مسلحة تتبنى ما تصفه الحركة بـ«الفكر المنحرف» وتتماهى فكرياً مع تنظيم «القاعدة» و«داعش»، هو التحدي الأخطر الذي واجهته الحركة لسنوات، خاصةً وأن هذه المجموعة أحدثت قلاقل ونفذت تفجيرات ضد أهداف لقوات حكومة «حماس»، أو استهدفت مطاعم ومحال تجارية وغيرها.

وشنت «حماس» حملة واسعة عليها ، قتلت وأصابت وأسرت فيها كثيراً من أفرادها؛ حتى تمكنت من الحد من خطرها في السنوات الماضية؛ فلم تعد تشكل خطراً حقيقياً.

ووفقاً لمصادر مطلعة تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، تمكنت «حماس» من استعادة تجنيد عناصرها الذين انضموا إلى تلك الجماعات، كما عملت على إعادة تأهيل آخرين فكرياً، بينما حكمت بالسجن على غيرهم تورطوا بعمليات إطلاق صواريخ على إسرائيل أو أعمال داخلية وُصفت حينها بأنها تهدف إلى «الإخلال بالنظام العام»، بينما كانت تتهم آخرين بأنهم يعملون لصالح أجندات مخابرات أجنبية مختلفة.

وكشفت المصادر عن أن عناصر ممن كانوا محسوبين على قيادات تلك الجماعات قُتلوا خلال الحرب الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة وهم يقاتلون في صفوف «كتائب القسام»، الجناح المسلح لحركة «حماس»، في حين سقط آخرون وهم يقاتلون في صفوف تنظيمات أخرى.


مقالات ذات صلة

وصول الطائرة السعودية الـ75 لإغاثة أهالي غزة

الخليج حملت الطائرة الإغاثية سلالاً غذائية وحقائب إيوائية تمهيداً لنقلها إلى المتضررين داخل غزة (واس)

وصول الطائرة السعودية الـ75 لإغاثة أهالي غزة

وصلت إلى مطار العريش الدولي بمصر، الأربعاء، الطائرة الإغاثية الـ75 التي يُسيّرها «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية».

«الشرق الأوسط» (العريش)
المشرق العربي نازحون يسيرون أمام المباني المدمرة في حي تل الهوى بالجزء الجنوبي من مدينة غزة (أ.ف.ب)

«تفاصيل إسرائيلية» جديدة تهدد تقدم «اتفاق غزة»

أحاديث إسرائيلية جديدة بشأن رسم خط حدودي جديد وشكل مغاير لبنود اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، تتقاطع مع تقديرات بقرب الانتقال للمرحلة الثانية.

محمد محمود (القاهرة )
خاص عناصر من «حماس» تؤمّن منطقة بمدينة غزة يبحث فيها فريق مصري برفقة أفراد من «الصليب الأحمر» عن جثة آخر رهينة إسرائيلي يوم الاثنين (أ.ف.ب)

خاص مصادر من «حماس»: محادثات «أكثر جدية» حول المرحلة الثانية من اتفاق غزة

صرَّحت مصادر من حركة «حماس» بأن محادثات «أكثر جدية» تجري حالياً للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون يقفون يوم السبت أمام الأنقاض في جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ب) play-circle 00:26

خطة إعادة إعمار غزة إلى مزيد من الضغوط والغموض

عادت خطة إعادة إعمار غزة للواجهة، وسط عقبات عديدة بشأن تعثر تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع، مع حديث قطري على أنها «لن تمول ما دمره آخرون».

محمد محمود (القاهرة)
شؤون إقليمية نتنياهو يتحدث إلى وسائل الإعلام خلال مؤتمر صحافي مشترك مع المستشار الألماني فريدريك ميرتس في القدس يوم الأحد (رويترز) play-circle 00:24

نتنياهو يرى أن المرحلة الثانية اقتربت في غزة... ويرهنها بـ «إنهاء حكم حماس»

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسرائيل ستنتقل قريباً إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار في قطاع غزة، لكنه رهن ذلك بإنهاء حكم حركة «حماس».


المجموعات المناوئة لـ«حماس» تعتزم مواصلة قتالها... والحركة تتوعد

فلسطينيون يركبون عربة تجرها سيارة لعبور شارع غمرته المياه بعد عاصفة في مدينة غزة يوم الأربعاء (أ.ب)
فلسطينيون يركبون عربة تجرها سيارة لعبور شارع غمرته المياه بعد عاصفة في مدينة غزة يوم الأربعاء (أ.ب)
TT

المجموعات المناوئة لـ«حماس» تعتزم مواصلة قتالها... والحركة تتوعد

فلسطينيون يركبون عربة تجرها سيارة لعبور شارع غمرته المياه بعد عاصفة في مدينة غزة يوم الأربعاء (أ.ب)
فلسطينيون يركبون عربة تجرها سيارة لعبور شارع غمرته المياه بعد عاصفة في مدينة غزة يوم الأربعاء (أ.ب)

أكدت جماعات تعمل في مناطق تسيطر عليها إسرائيل في قطاع غزة أنها رغم مقتل أبرز قادتها، فستواصل القتال ضد «حماس»، كما كشفت معلومات عن تجنيد المزيد من العناصر منذ وقف إطلاق النار في أكتوبر (تشرين الأول)، مع تطلعها إلى لعب دور في مستقبل القطاع.

وأدى ظهور هذه الجماعات المناوئة لـ«حماس»، رغم أنها لا تزال صغيرة وتعمل في مناطق محدودة، إلى تفاقم الضغوط على الحركة، وقد يعقد ظهورها أيضاً الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار، وتوحيد قطاع غزة، المنقسم والممزق بسبب الحرب التي دامت عامين.

وأقر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في يونيو (حزيران) الماضي، بدعم جماعات مناهضة لـ«حماس»، قائلاً إن إسرائيل «نشّطت» بعض الجماعات المرتبطة بالعشائر، على الرغم من أن السلطات الإسرائيلية لم تقدم تفاصيل كثيرة منذ ذلك الحين.

وقالت مصادر في «حماس» لـ«الشرق الأوسط» إن محاربة ما وصفتها بـ«العصابات المسلحة المتعاونة مع إسرائيل» لن تتوقف وستستمر بطرق مختلفة. ورأى أحد المصادر أن «هدف إسرائيل من دعمها ومحاولة منحها أهمية سقط منذ البداية، بعدما فشلت هذه المجموعات في أن تُشكل تحدياً حقيقياً يمكن أن يعتمد عليه للقضاء على الحركة».

وفي الأسبوع الماضي، قُتل ياسر أبو شباب - الرجل الذي كان يُنظر إليه على أنه محور جهود تشكيل قوات مناهضة لـ«حماس» في منطقة رفح جنوب غزة. وأعلنت جماعة (القوات الشعبية) التي كان يتزعمها أنه قُتل في أثناء محاولة التوسط لحل نزاع عائلي، دون أن تُفصح عن هوية قاتله. وتولى نائبه غسان الدهيني زمام الأمور، متعهداً بمواصلة النهج نفسه.

ورفضت «حماس» التي تدير قطاع غزة منذ عام 2007، حتى الآن نزع سلاحها بموجب خطة وقف إطلاق النار، ووصفت الجماعات المناهضة لها بأنهم «عملاء» لإسرائيل، وهو موقف يقول محللون فلسطينيون إنه يحظى بتأييد شعبي واسع.

واتخذت «حماس» إجراءات سريعة ضد الفلسطينيين الذين تحدوا سيطرتها بعد دخول وقف إطلاق النار المدعوم من الولايات المتحدة حيز التنفيذ، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، مما أسفر عن مقتل العشرات، بمن فيهم بعض الذين اتهمتهم الحركة بالتعاون مع إسرائيل.

«حماس» ترسخ سيطرتها

ويعيش جميع سكان غزة تقريباً، البالغ عددهم نحو مليوني نسمة، في المناطق التي تسيطر عليها «حماس»، حيث تعيد الحركة ترسيخ سيطرتها، وقالت أربعة مصادر في الحركة إنها لا تزال تحتفظ بآلاف المقاتلين رغم الضربات القاسية التي تلقتها خلال الحرب.

وتقول مصادر من الحركة لـ«الشرق الأوسط» إن إسرائيل لم تنجح طوال عامين من الحرب في القضاء على «حماس»، موضحة أنها ما زالت تحافظ على عناصرها البشرية والعديد من مقدراتها العسكرية بنسب متفاوتة.

عناصر من «كتائب القسام» التابعة لحركة «حماس» في رفح جنوب غزة (أرشيفية - رويترز)

ووفق سكان في مناطق تقع غرب الخط الأصفر، الذي يفصل بين مناطق سيطرة «حماس» وإسرائيل؛ فإن «حماس» تنشر عناصرها الأمنية سواء من الشرطة والأجهزة الأخرى، أو حتى ليلاً من عناصر «كتائب القسام»؛ بهدف ضبط الحالة الأمنية، ومنع تسلل أي قوات إسرائيلية خاصة وغيرها.

وشدد أحد المصادر على أن الحفاظ على قوة الحركة «لا يعني أننا لا نرغب في تسليم حكم القطاع أو الاستمرار في الحرب، فنحن معنيون بإتمام مراحل الاتفاق ضمن توافق وطني فلسطيني».

لكن إسرائيل لا تزال تسيطر على أكثر من نصف القطاع، وهي مناطق ينشط فيها خصوم «حماس» بعيداً عن نطاق سيطرة الحركة. ومع بطء تنفيذ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن غزة، لا توجد أي بوادر لانسحاب إسرائيلي إضافي في الوقت الراهن.

زيادة في قوة مناهضي «حماس»

وقالت ثلاثة مصادر أمنية وعسكرية مصرية، إن الجماعات المدعومة من إسرائيل كثفت نشاطها منذ وقف إطلاق النار، وقدرت المصادر عدد المسلحين في هذه الجماعات بنحو ألف، بزيادة 400 مسلح منذ بداية وقف إطلاق النار.

وتلعب مصر دوراً محورياً في المفاوضات بشأن إنهاء الصراع. وتوقعت المصادر أن تصعّد هذه الجماعات أنشطتها في ظل غياب اتفاق شامل بشأن مستقبل القطاع.

وقال دبلوماسي، طلب عدم الكشف عن هويته، إن الجماعات المناهضة لـ«حماس» تفتقر إلى أي قاعدة شعبية، لكنه أضاف أن ظهورها يثير مخاوف بشأن استقرار قطاع غزة، ويزيد من مخاطر الصراع بين الفلسطينيين.

ومنذ مقتل أبو شباب، نشرت الجماعة التي كان يتزعمها وجماعتان أخريان مقاطع فيديو تُظهر تجمع العشرات من المسلحين.

وفي السابع من ديسمبر (كانون الأول)، أعلن الدهيني عن إعدام رجلين في أواخر نوفمبر، قائلاً إنهما من مسلحي «حماس»، وأشار إلى أنهما قتلا أحد عناصر (القوات الشعبية).

وقال مسؤول أمني في تحالف الفصائل المسلحة بقيادة «حماس» في غزة: «قتل هذا العميل لعناصر المقاومة واستعراضه بالصور هما نصر وهمي، ولن تغير شيء من الحقائق الراسخة على الأرض».

«أسباب تكتيكية»

وقال شهود إن بعض الفلسطينيين احتفلوا بنبأ مقتل أبو شباب في مدينة خان يونس المجاورة بتوزيع الحلوى.

وقال غسان الخطيب، وهو محاضر في الدراسات الدولية بجامعة بيرزيت في الضفة الغربية المحتلة، إنه في حين تراجعت شعبية «حماس» بسبب تداعيات حرب غزة، فإن الجماعات المناهضة لـ«حماس» ليس لها مستقبل؛ لأن الفلسطينيين ينظرون إليهم على أنهم عملاء. وأضاف: «إسرائيل تستخدمها فقط لأسباب تكتيكية، وخاصة محاولة زعزعة سيطرة (حماس)».

وقال متحدث باسم حركة «فتح» التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي طردتها «حماس» من غزة، إنها ترفض أي جماعات مسلحة مدعومة من إسرائيل، موضحاً أنها لا تمت بصلة «لشعبنا ومؤسساتنا الوطنية الفلسطينية، لا من قريب ولا من بعيد».

تنسيق مع إسرائيل

وقال حسام الأسطل، الذي يتزعم جماعة أخرى مناهضة لـ«حماس» تتمركز في خان يونس، إنه والدهيني اتفقا على ما وصفه «بمواصلة الحرب على الإرهاب»، خلال زيارة لقبر أبو شباب في منطقة رفح. وأضاف: «مشروعنا، غزة الجديدة سيستمر».

وفي اتصال هاتفي منفصل مع «رويترز» في أواخر نوفمبر، قال الأسطل إن الجماعة التي يتزعمها تلقت أسلحة وأموالاً وأشكالاً أخرى من الدعم من «أصدقاء» دوليين، رفض الكشف عن هويتهم.

ونفى تلقي أي دعم عسكري من إسرائيل، لكنه أقر بوجود اتصالات مع إسرائيل بشأن «التنسيق لإدخال طعام، وإدخال كل الإمكانيات اللي احنا نقدر نعتاش منها».

وأوضح أنه يتحدث من داخل غزة، في الجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل قرب الخط الأصفر الذي انسحبت القوات الإسرائيلية خلفه. وأضاف الأسطل أن الجماعة ضمت عناصر جديدة منذ الهدنة، ويبلغ عدد أعضائها الآن عدة مئات، بمن فيهم مسلحون ومدنيون.

كما قال مصدر مقرب من «القوات الشعبية» إن الجماعة سجلت زيادة كبيرة في عدد عناصرها، دون تحديد عدد معين.

ولم ترد «القوات الشعبية» على طلبات التعليق المرسلة عبر صفحتها على «فيسبوك». وكانت قد نفت في وقت سابق تلقيها أي دعم إسرائيلي.

مجمعات سكنية

إلى جانب نزع سلاح «حماس»، تتضمن خطة ترمب إنشاء سلطة انتقالية، ونشر قوة متعددة الجنسيات، وإعادة الإعمار.

لكن مع غياب الوضوح بشأن الخطوات التالية، تثور مخاوف من تقسيم فعلي للقطاع بين منطقة داخلية تسيطر عليها إسرائيل، ويعيش فيها القليل من السكان، ومنطقة ساحلية مكتظة بالنازحين ومعظمها عبارة عن أنقاض.

وخلال جولة له في غزة، الأحد الماضي، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير إن إسرائيل «تسيطر على أجزاء واسعة من قطاع غزة، وسنبقى على خطوط الدفاع تلك».

وتشمل الأهداف التي ذكرتها الجماعات المناهضة لـ«حماس»، إقامة مناطق آمنة للنازحين من سكان غزة.

في أكتوبر، قال نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، وصهر ترمب جاريد كوشنر، إن أموال إعادة الإعمار يمكن أن تتدفق إلى المنطقة التي تسيطر عليها إسرائيل دون انتظار بدء المرحلة التالية من الخطة، وذلك بهدف إنشاء مناطق نموذجية يعيش فيها سكان غزة.

ووفقاً لاثنين من المسؤولين الإسرائيليين، وثلاثة دبلوماسيين غربيين مشاركين في التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، تعد رفح واحداً من أوائل المواقع التي حددها المسؤولون الأميركيون لمثل هذه المجمعات السكنية، والتي توصف بأنها «تجمعات آمنة بديلة»، على الرغم من عدم تحديد أي إطار زمني.

وذكر متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة تعمل مع شركائها «لتوفير السكن والخدمات الأخرى لسكان غزة في أسرع وقت ممكن».

وأكد مسؤول أميركي أن الولايات المتحدة لم تجر أي اتصال رسمي مع الجماعات المناهضة لـ«حماس»: «كما أنها لا تقدم أي تمويل أو دعم». وأضاف: «لا نحدد فائزين أو خاسرين في غزة»، مشيراً إلى أنه «باستثناء عدم وجود دور مستقبلي لـ(حماس)، الأمر سيكون متروكاً لسكان غزة أنفسهم فيما يتعلق بمن سيحكم غزة».


لبنان يستكمل تصحيح علاقته مع سوريا بتعيين سفير في دمشق

الرئيس السوري أحمد الشرع يتقبل أوراق اعتماد السفير اللبناني في دمشق هنري قسطون بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني (الرئاسة السورية)
الرئيس السوري أحمد الشرع يتقبل أوراق اعتماد السفير اللبناني في دمشق هنري قسطون بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني (الرئاسة السورية)
TT

لبنان يستكمل تصحيح علاقته مع سوريا بتعيين سفير في دمشق

الرئيس السوري أحمد الشرع يتقبل أوراق اعتماد السفير اللبناني في دمشق هنري قسطون بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني (الرئاسة السورية)
الرئيس السوري أحمد الشرع يتقبل أوراق اعتماد السفير اللبناني في دمشق هنري قسطون بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني (الرئاسة السورية)

يمثّل تعيين السفير اللبناني هنري قسطون في دمشق، بعد تقديم أوراق اعتماده للرئيس السوري أحمد الشرع الأربعاء، خطوة أساسية في استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين لبنان وسوريا بعد 4 سنوات من شغور المنصب، وبداية مرحلة جديدة يُفترض أن تفتح الباب أمام معالجة ملفات عالقة تتصدرها قضية الموقوفين السوريين في لبنان، وملف اللاجئين، والتهريب عبر الحدود، بما يعيد تنظيم العلاقة الثنائية على أسس أكثر وضوحاً.

تمثيل بعد شغور

وأعلنت الرئاسة السورية، الأربعاء، أن الرئيس أحمد الشرع تقبّل في قصر الشعب بدمشق، أوراق اعتماد السفير هنري قسطون، سفير الجمهورية اللبنانية لدى الجمهورية العربية السورية، بحضور وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني.

ويملأ قسطون شغوراً طال 4 سنوات، بعد 17 عاماً على إطلاق التمثيل الدبلوماسي بين البلدين. فقد بدأ التمثيل الدبلوماسي الكامل بين بيروت ودمشق في عام 2008، حين عُيّن ميشال الخوري أول سفير للبنان منذ الاستقلال، في خطوة تاريخية أنهت عقوداً من التمثيل غير المتوازن. واستمر الخوري حتى نهاية 2013، ثم دخل المنصب مرحلة شغور أول حتى 2017، حين تولّى سعد زخيا مهامه سفيراً ثانياً حتى نهاية 2021. ومع انتهاء ولايته، عادت العلاقات إلى فراغ دبلوماسي ثانٍ استمر حتى تعيين قسطون في عام 2025، الأمر الذي يعيد انتظام الحضور الدبلوماسي اللبناني داخل دمشق.

تصحيح العلاقة

وبينما تفتح خطوة التعيين مساراً جديداً في التعامل الرسمي بين البلدين، سبق نائب رئيس الوزراء طارق متري هذه المرحلة بالتأكيد على أنّ التبادل الدبلوماسي «سيتم قريباً»، مشيراً إلى أنّ العقود الخمسة الماضية عرفت علاقة غير متكافئة بين لبنان وسوريا.

وتتيح المرحلة الراهنة فتح صفحة دبلوماسية جديدة قائمة على الندية والاحترام المتبادل، وتلي تعليق المجلس الأعلى في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، بالتزامن مع زيارة وزير خارجية دمشق أسعد الشيباني إلى بيروت، وتحدث خلالها عن فرصة تاريخية لتحويل العلاقة من مسار أمني مضطرب إلى شراكة سياسية واقتصادية. يومها، تم الإعلان عن تعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني – السوري، وهو المجلس الذي شكّل طوال عقود الآلية المركزية لإدارة الملفات المشتركة خلال مرحلة النفوذ السوري في لبنان، بما يوحي بتحوّل في منهجية التعامل بدل استمرار المؤسسات التقليدية في صورتها السابقة.

ملف السجناء

وبموازاة هذه الخطوة الدبلوماسية، زار وفد قضائي لبناني رفيع دمشق، الأربعاء، لبحث مشروع اتفاقية تتيح تسليم الموقوفين والمحكومين إلى بلادهم، بما لا يتعارض مع القوانين اللبنانية، وفق ما نقلته وسائل إعلام محلية.

وترأس الوفد مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي كلود غانم، وضمّ القاضيين منى حنقير وجاد معلوف، حيث التقى الوفد وزير العدل السوري مظهر الويس وكبار القضاة.

وأفادت «قناة الجديد» التلفزيونية المحلية بالتوصل إلى مسودة أولية تحتاج إلى تعديلات قبل اعتمادها نهائياً، من دون أن يشمل البحث ملف المحكومين بقضايا مرتبطة بالقتال ضد الجيش اللبناني.


وزير الخارجية اللبناني يرفض دعوة لزيارة إيران ويقترح لقاء في «دولة محايدة»

وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي يستقبل نظيره الإيراني عباس عراقجي في بيروت في يونيو 2025 (أرشيفية - إرنا)
وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي يستقبل نظيره الإيراني عباس عراقجي في بيروت في يونيو 2025 (أرشيفية - إرنا)
TT

وزير الخارجية اللبناني يرفض دعوة لزيارة إيران ويقترح لقاء في «دولة محايدة»

وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي يستقبل نظيره الإيراني عباس عراقجي في بيروت في يونيو 2025 (أرشيفية - إرنا)
وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي يستقبل نظيره الإيراني عباس عراقجي في بيروت في يونيو 2025 (أرشيفية - إرنا)

عكس رفض وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي، تلبية دعوة نظيره الإيراني عباس عراقجي لزيارة طهران في الوقت الراهن، واقتراحه عقد لقاء في دولة ثالثة، مؤشراً على تبدل في العلاقات الدبلوماسية بين بيروت وطهران.

وقال رجي، في تغريدة، الأربعاء، إنه يعتذر عن عدم قبول دعوة لزيارة طهران في الوقت الراهن، واقترح بدلاً من ذلك عقد لقاء «في دولة ثالثة محايدة يتم التوافق عليها». وأضاف أن «الظروف الحالية» هي سبب قراره عدم زيارة إيران، دون ذكر مزيد من التفاصيل. وشدد على أن هذا «لا يعني رفضاً للنقاش، إنما الأجواء المؤاتية غير متوافرة». وشدد على أن أي انطلاقة جديدة بين بيروت وطهران يجب أن تقوم على أسس واضحة، تشمل احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والالتزام المتبادل بالمعايير التي تحكم العلاقات بين الدول. كما أعرب عن استعداد بلاده لبناء علاقة «بنّاءة» مع إيران تتسم بالوضوح والاحترام.

وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي دعا نظيره اللبناني لزيارة طهران في المستقبل القريب لمناقشة العلاقات الثنائية.

وقالت مصادر رسمية لبنانية إن قرار الوزير رجي «متعلق به حصراً لأن الدعوة وصلت إليه، ولم تصل إلى الدولة اللبنانية». وأشارت المصادر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن هذا الموقف «عائد له (رجي)، ويعبّر عنه».

الرئيس اللبناني جوزيف عون يتوسط رجي وعراقجي خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت في يونيو 2025 (أرشيفية - الرئاسة اللبنانية)

ولا تزال العلاقات بين لبنان وإيران مستمرة، رغم المواقف الحادة التي تبلغها بيروت للمسؤولين الإيرانيين تأكيداً لموقف لبنان الرسمي الرافض لأي تدخل بشؤونه الداخلية.

واستقبل مسؤولون لبنانيون، وتحديداً رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان، في أغسطس (آب) الماضي، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني في بيروت.

لكن في تلك الزيارة، برز توتر في العلاقة مع الوزير رجي، إذ قال لاريجاني إنه ليس لديه الوقت الكافي للقاء رجي، ما دفع الأخير للردّ: «حتى لو كان لديّ الوقت، لم أكن لألتقي به».

وليست تلك المرة الأولى التي يتحدث فيها رجي عن الاجتماع ببلد ثالث، لكنها المرة الأولى التي تأخذ الطابع الرسمي. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، دعا رجي نظيره الإيراني للتفاوض خلال لقاء تلفزيوني، وردّ عراقجي بالقول: «نحن لا نتدخّل في الشؤون الداخلية للبنان، لكننا نرحب بأي حوار بهدف تعزيز العلاقات الثنائية بين إيران ولبنان، ولا حاجة لبلد ثالث». وأضاف: «أدعو زميلي يوسف لزيارة طهران، وأنا مستعد أيضاً لزيارة بيروت بكل سرور إذا تلقيت دعوة رسمية لذلك».

علاقة غير مكتملة

ويحمل موقف رجي الأخير إشارة دبلوماسية إلى أن العلاقة بين لبنان وإيران «غير مكتملة»، حسبما يقول وزير الخارجية اللبناني الأسبق فارس بويز، الذي يرى أن هذا الموقف «يشير بوضوح إلى أن العلاقات الدبلوماسية اللبنانية - الإيرانية ليست على ما يُرام»، موضحاً: «عندما تكون هناك تباينات أو إشكالات، عادة ما يُعقد الاجتماع الأول في بلد ثالث، بغرض وضع أسس لحلحلة الإشكالات والتوصل إلى تفاهمات».

وزير الخارجية اللبناني يوسف رجّي (الشرق الأوسط)

وأكّد بويز، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن وزير الخارجية، في العادة «لا يخرج عن الموقف الرسمي، حتى لو كان له خروج طفيف وشكلي عن هذا الموقف». وعليه، «يُنظر إلى هذا الموقف على أنه يعبر عن موقفي رئيسي الجمهورية جوزيف عون، والحكومة نواف سلام، ويحمل محاولة للقول إنه يفترض أن توقف طهران دعمها لفريق معين في لبنان، وتوقف التدخل»، مشدداً على ضرورة أن يوجد اللقاء المقترح في دولة ثالثة حلولاً للملفات المطروحة.

حدود السيادة والاحترام

ويتهم لبنان إيران بالتدخل في شؤونه الداخلية. وأعاد رئيس الجمهورية في لقائه مع لاريجاني في أغسطس الماضي، التأكيد على الموقف المبدئي والرسمي اللبناني، إذ أكد أنه من غير المسموح لأي جماعة في لبنان حمل السلاح أو الاعتماد على مساندة طرف خارجي.

وأضاف في بيان: «نرفض أي تدخل في شؤوننا الداخلية من أي جهة»، موضحاً أن «لبنان الذي لا يتدخل مطلقاً بشؤون أي دولة أخرى، ويحترم خصوصياتها، ومنها إيران، لا يرضى أن يتدخل أحد في شؤونه الداخلية». كما أكّد أن لبنان منفتح على التعاون مع إيران، لكن في حدود السيادة الوطنية والاحترام المتبادل.

تصحيح العلاقات الدبلوماسية

وشهدت العلاقة الدبلوماسية بين إيران ولبنان استقراراً منذ عام 1990، حين أعاد بويز تصويب العمل الدبلوماسي «وفق الأصول والتزاماً بمقررات اتفاقية فيينا». وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه خلال فترة الحرب، كانت الوفود الإيرانية تصل إلى بيروت عبر سوريا، من دون إبلاغ السلطات اللبنانية، وكانت تلتقي بـ«حزب الله».

وبعد توليه حقيبة الخارجية، طلب السفير الإيراني آنذاك موعداً منه، عام 1990، واستقبله بالقول: «آمل ألا تكون هذه آخر زيارة لك إلى الخارجية، بالنظر إلى أن وفودكم لا تجتمع مع الدولة اللبنانية كسلطة سياسية ولا تدخل حسب الأصول، واخترتم التعاطي مع فئة معينة في لبنان، وليس الدولة، فإذا واصلتم تجاهل الدولة واتفاقية فيينا، فذلك سيكون آخر لقاء».

ويضيف بويز: «طلبت منه إبلاغ وزير الخارجية آنذاك علي أكبر ولايتي بموقفنا، وبالفعل تلقيت رسالة من ولايتي بعد يومين بالموافقة على تصحيح العلاقة الدبلوماسية، وتبادلنا الرسائل والزيارات الرسمية، واجتمعنا ووقعنا اتفاقيات أثمرت تصحيحاً للخلل في العلاقة، وأعيد انتظام الأمور».

ويذكّر بويز بموقفه الذي قاله في مؤتمر صحافي مشترك مع ولايتي في وزارة الخارجية اللبنانية، حين قال: «لا توجد مقاومة إلا تحت سقف الدولة، وعليها أن تتناغم مع سياسة الدولة لإنتاج تكامل يؤدي إلى تحرير جنوب لبنان»، لافتاً إلى أنه دعا «المقاومة للتناغم مع السياسة الرسمية لتقوية موقف الدولة والقضية معاً».

تراجع الدور الإيراني

ويرى لبنانيون أن موقف وزير الخارجية الأخير يؤشر إلى تراجع الدور الإيراني في لبنان، والتأثير الذي كانت تمتلكه طهران في الدولة اللبنانية، كامتداد لنفوذ «حزب الله» فيها. غير أن بويز يربط تأثير إيران بواقع علاقتها مع واشنطن، ويوضح: «في الواقع، لا يمكن أن نتحدث عن المقاومة (حزب الله) في لبنان، من دون الحديث عن الدعم السياسي والمعنوي والمالي والعسكري الإيراني لها. وانطلاقاً من ذلك، فإن جزء من العلاقة بين المقاومة والدولة اللبنانية يرتبط بعلاقة طهران مع المجتمع الدولي والولايات المتحدة»، مشيراً إلى الحوار بين واشنطن وطهران حول تحرير إيران من العقوبات والإفراج عن أموالها المحتجزة، ويضيف بويز: «لا أحد ينكر انعكاس العلاقات الأميركية الإيرانية على المسرح اللبناني، كلما تعكرت الأمور انعكست تصعيداً في لبنان، وكلما ارتاحت المفاوضات الإيرانية الأميركية، انعكست ارتياحاً على الساحة اللبنانية».