لبنانيون يختبرون مشقة العودة إلى بلادهم بعد أن احتجزتهم الحرب في الخارج

بعضهم اضطرّ للسفر براً وجواً وبحراً… وآخرون فضلوا النوم في المطارات

مسافرون يتابعون تبدّل مواعيد الرحلات في مطار بيروت نتيجة الحرب الإيرانية - الإسرائيلية (رويترز)
مسافرون يتابعون تبدّل مواعيد الرحلات في مطار بيروت نتيجة الحرب الإيرانية - الإسرائيلية (رويترز)
TT

لبنانيون يختبرون مشقة العودة إلى بلادهم بعد أن احتجزتهم الحرب في الخارج

مسافرون يتابعون تبدّل مواعيد الرحلات في مطار بيروت نتيجة الحرب الإيرانية - الإسرائيلية (رويترز)
مسافرون يتابعون تبدّل مواعيد الرحلات في مطار بيروت نتيجة الحرب الإيرانية - الإسرائيلية (رويترز)

يأمل الكثير من اللبنانيين العالقين خارج بلادهم بأن يساهم وقف النار في عودتهم إليها سريعاً، بعد أن قضى بعضهم فترة الحرب الإيرانية - الإسرائيلية عالقين في مطارات أو في مدن كانوا يخططون للبقاء فيها مجرد أيام، فيما نجح آخرون بالعودة إلى لبنان عبر مسالك مختلفة شاقة ومكلفة، تضمن بعضها رحلات برية وجوية وبحرية معاً.

فمنذ بدء الحرب الإيرانية – الإسرائيلية واجه عدد من اللبنانيين، وخصوصاً الطلاب ورواد المراكز الدينية والذين كانوا في عطلة صيفية، صعوبات تمنعهم من العودة إلى لبنان، جراء تعديل وإلغاء شركات طيران عالمية رحلاتها، وكذلك إقفال بعض المطارات، ما أجبرهم على البقاء خارج البلاد، وبعضهم اضطر للمبيت في المطارات.

إلغاء متكرر للرحلات

نسرين فتوني (28 عاماً)، واحدة من هؤلاء، تروي تفاصيل معاناتها لـ«الشرق الأوسط»: «كنا متجهين إلى مطار كونغو، قبل ثلاث ساعات من موعد رحلتنا إلى لبنان، على متن الخطوط الإثيوبية يوم السبت (14 يونيو)، لنتفاجأ بأن الشركة ألغت رحلتها بسبب خوفها من التحرك في الأجواء اللبنانية».

وتتابع: «حجزت مقعداً جديداً في رحلة غير مؤكدة يوم الأحد (16 يونيو)، لكن الشركة ألغتها مجدداً، وكذلك فعلت لثلاث مرات متتالية، وحتى اليوم لا أعلم إن كنت سأتمكن من العودة في وقت قريب أم لا، على أمل أن ينعكس الإعلان عن وقف إطلاق النار انفراجاً في حركة الطيران».

تقيم فتوني راهناً في منزل شقيقة زوجها، حيث سافرت قبل شهرين وطفلتيها، هرباً من الاستهدافات الإسرائيلية التي تطال مناطق عدّة في لبنان، ليشاء القدر أن تبدأ الحرب قبل يوم واحد من موعد رحلتها للعودة إلى بلدتها دير قانون رأس العين (جنوب لبنان).

لا تخفي فتوني خوفها من الوضع الأمني في لبنان الذي يدعو للقلق أيضاً، وتقول: «أشعر بالعجز والخوف معاً، ففي لبنان يغيب الإحساس بالأمان. لكن إلى متى يمكنني الهرب؟» وتتابع: «أريد العودة إلى منزلي، حيث تركت زوجي وعائلتي الكبرى... بنتاي تفتقدان والدهما أيضاً».

سيدة لبنانية تنتظر مع حقائبها في مطار بيروت للعودة إلى السويد حيث تقيم (رويترز)

واليوم، تقف نسرين أمام خيار من اثنين، إما انتظار شركة الطيران الإثيوبية كي تستأنف رحلاتها إلى لبنان، أو السفر إلى مصر، أو تركيا، ومن ثمّ الانتقال إلى بيروت على نفقتها الخاصة. وهنا تقول: «لا أريد أن أختبر المبيت في المطار وأنا امرأة لوحدي مع طفلتين، قد يحدث طارئ مجدداً يمنع الرحلة من الإقلاع إلى بيروت من مصر أو تركيا»، وتختم: «أتمنى ألا تتأخر عودتنا أكثر. حجزت موعداً جديداً، على أمل ألا يطرأ أي جديد...».

ومثل فتوني ينتظر عدد كبير من اللبنانيين في دول أفريقية كثيرة التطورات لحظة بلحظة، مع التأجيل المستمر لرحلاتهم، آملين ألا يضطروا إلى أن يلغوا سفرهم إلى بيروت لقضاء عطلة الصيف، رغم كل الظروف التي تمر بها البلاد، وهم بذلك بدأوا يتفاءلون بتحقق هذا الأمر مع إعلان وقف إطلاق النار صباح الثلاثاء.

الرحلة السياحية تحوّلت إلى معاناة

ولا يختلف الحال كثيراً بالنسبة إلى اللبنانيين الراغبين في العودة من دول أوروبية، خصوصاً الذين كانوا يقضون إجازة سياحية. يُحدثنا محمد داود عن رحلته: «قدِمت من ألمانيا (حيث يعيش) إلى أنطاليا في تركيا، وكانت الوجهة لبنان، لكنني بسبب الحرب المستجدة مكثت ثلاث ليالي في تركيا، أتنقل بين الفندق والمطار».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ألغيت الحجز عدة مرات، وتبدلت مواعيد السفر، وفي اليوم الرابع قررت العودة إلى ألمانيا. لم أرد المحاولة مرة أخرى، الأمر ميؤوس منه، زحمة وعدد الرحلات الجوية لا يكفينا جميعاً».

ويضيف: «كان أمامنا حلان، إما البقاء في أنطاليا وتحمل تكاليف الإقامة وسعر التذكرة الجديدة حتّى تسيير رحلة ممكنة، أو العودة إلى ألمانيا».

ويضيف داود: «كنا نحو 70 لبنانياً قرّر أغلبنا العودة إلى أوروبا، لم نخاطر بالبقاء، خصوصاً أن الأمور لم تكن تبشر بالخير...».

تمكن محمد من العودة إلى ألمانيا، حيث يوجد منزل يلجأ إليه، لكن كثيرين ما زالوا عالقين في عدّة دول أجنبية، إذ إن الكثيرين منهم لا يملكون رفاهية تحمل تكاليف البقاء في الخارج. وقد أظهرت مقاطع فيديو مصورة أشخاصاً يفترشون الأرض في المطارات بانتظار حجز مقعد لهم على إحدى الطائرات.

رحلة شاقة في العراق وإيران

أما الأسوأ فهو ما يعانيه أغلب اللبنانيين في العراق وإيران، وكلما مرّ الوقت ساء حالهم أكثر، نتيجة انحسار الخيارات. ففي إيران التي توقفت فيها الملاحة الجوية، يكثر وجود اللبنانيين الذين يقيمون من طلاب جامعيين، وطلاب علوم دينية، وكذلك أصحاب مصالح، وتجار، إضافة إلى الزوار الذين صودف وجودهم ضمن حملات لزيارة مقامات دينية عند اندلاع الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، ويوجدون بشكل خاص في مدن مشهد، وأصفهان، وقم.

ويقول مصطفى إن ثلاثة طلاب من أقاربه اضطروا للانتقال من مشهد إلى قم، عبر سيارة أجرة، حتى يتمكنوا من الدخول براً إلى العراق، ومن ثم السفر جواً عبر مطار البصرة إلى بيروت.

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «تمّ استغلالهم وهم صغار في السن، دفعوا ما يقارب 800 دولار للسيارة التي أقلتهم من مشهد إلى قم، ومبلغاً مماثلاً للوصول إلى العراق؛ قطعوا مسافات طويلة ومرهقة»، ويتابع: «نطلب من المعنيين وضع خطة لإجلاء العالقين؛ أقله الطلاب الذين يعيشون ظروفاً صعبة للغاية هناك، ويجري الحديث عن سوق سوداء لبيع تذاكر السفر بأرقام خيالية».

يقول خضر، وهو أحد اللبنانيين الذين كانوا ضمن حملة دينية في مدينة النجف العراقية، لـ«الشرق الأوسط»: «بقيت في العراق فترة خمسة أيام قبل أن أتمكن من العودة إلى لبنان يوم الثلاثاء الماضي»، إذ شاء القدر أن يحجز خضر مقعداً له على متن الطائرة التي قدِمت لنقل الجالية العراقية من لبنان.

يُخبرنا أكثر ويقول: «انتقلت من مدينة النجف حيث كنت في زيارة دينية إلى مدينة البصرة عبر سيارة نقل، وتمكنت من حجز مقاعد لطلاب أعرفهم على نفس الرحلة، وفقني الله، لكن الناس في حال يرثى لها». علماً أنه تمّ إعادة نحو 1120 لبنانياً من العراق عبر خطوط الطيران العراقية إلى بيروت.

ويتابع: «كانت الرحلة طويلة أكثر من المعتاد بسبب المسار الذي سلكته الطائرة؛ ما يقارب الأربع ساعات حتى وصلنا إلى بيروت، عادة ما تستغرق الرحلة ساعة ونصفاً ليس أكثر».

وفي أسوأ السيناريوهات، يقول خضر، أنه كان يخطط للانتقال براً من العراق إلى تركيا، ومن ثمّ الانتقال في باخرة سياحية من ميناء مرسين إلى طرابلس في شمال لبنان، وهذا ما فعله آخرون في رحلة انطلقت صباح الأربعاء الماضي ووصلت في اليوم التالي إلى طرابلس، وفق ما أعلنت وزارة الأشغال العامة والنقل.


مقالات ذات صلة

الجيش اللبناني يفكك مجموعات مسلحة ومنشأة ضخمة لتصنيع المخدرات

المشرق العربي جنود لبنانيون يحرسون موقوفين في شمال لبنان يوم الجمعة (مديرية التوجيه)

الجيش اللبناني يفكك مجموعات مسلحة ومنشأة ضخمة لتصنيع المخدرات

كثف الجيش اللبناني إجراءاته الأمنية الاستباقية على مساحة الأراضي اللبنانية خلال الساعات الـ24 الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون يتوسط رئيس البرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام (أرشيفية - رويترز)

انتقاد لبناني لمواقف «حزب الله» من حصرية السلاح

يقف لبنان أمام لحظة تاريخية تستدعي من «حزب الله» الانتظام سياسياً تحت جناح الرؤساء الثلاثة بانتظار أن يتسلموا رد الموفد الأميركي توم براك.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي صورة تظهر جانباً من سجن رومية في لبنان (رويترز - أرشيفية)

احتجاز عنصري أمن خلال تمرد في سجن أميون بشمال لبنان

شهد سجن في شمال لبنان، الاثنين، حالة تمرد تطورت إلى احتجاز سجناء لعنصرين من القوى الأمنية كرهائن.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
رياضة عربية الأنصار بطلاً للدوري اللبناني بفوز ثمين على التضامن صور (وسائل إعلام لبنانية)

«الدوري اللبناني»: الأنصار يحسم اللقب الـ15 في تاريخه

ضمن الأنصار لقب الدوري اللبناني لكرة القدم للمرة الخامسة عشرة في تاريخه، إثر تغلبه على التضامن صور 2-0.

«الشرق الأوسط» (جونية )
المشرق العربي الموفد الأميركي توم براك (رويترز)

لبنان ينتظر الموقف الأميركي من ردّه... ومطالبات بخطوات سريعة لحصر السلاح

لا يزال لبنان يترقّب الرد الأميركي على الردّ اللبناني «المزدوج» على ورقة المبعوث الأميركي توم برّاك.

كارولين عاكوم (بيروت)

«حماس»: نتنياهو «لا يريد التوصل إلى أيّ اتفاق» لوقف النار في غزة

الدخان والنيران يتصاعدان في السماء عقب قصف إسرائيلي على شمال قطاع غزة (أ.ب)
الدخان والنيران يتصاعدان في السماء عقب قصف إسرائيلي على شمال قطاع غزة (أ.ب)
TT

«حماس»: نتنياهو «لا يريد التوصل إلى أيّ اتفاق» لوقف النار في غزة

الدخان والنيران يتصاعدان في السماء عقب قصف إسرائيلي على شمال قطاع غزة (أ.ب)
الدخان والنيران يتصاعدان في السماء عقب قصف إسرائيلي على شمال قطاع غزة (أ.ب)

اتهمت حركة «حماس» الفلسطينية، الاثنين، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتعمّد «إفشال» جهود الوسطاء في ظل عدم رغبته بالتوصل إلى «أيّ اتفاق» لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وقالت «حماس»، في بيان نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية»، إن «نتنياهو يتفنن في إفشال جولات التفاوض، الواحدة تلو الأخرى، ولا يريد التوصّل إلى أيّ اتفاق».

وأضافت أن نتنياهو «يزج بجيشه... في حرب عبثية بلا أفق، استمرارها لا يهدد فقط حياة الأسرى والجنود، بل يُنذر بكارثة على المستوى الاستراتيجي لكيانه».

ووصفت الحركة «النصر المطلق» الذي يسعى إليه نتنياهو بأنه «وهم كبير لتغطية هزيمة ميدانية وسياسية». وقالت: «كلما طال أمد الحرب، ازداد غرق جيش الاحتلال في الرمال المتحركة لغزة، وازداد انكشافه أمام ضربات المقاومة النوعية».

وأصدرت «حماس» البيان مع دخول المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين في الدوحة، أسبوعها الثاني من دون تحقيق تقدم لوقف الحرب المستمرة منذ أكثر من 21 شهراً.

وقال مسؤول مطلع على المفاوضات غير المباشرة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الاثنين، إن الوسطاء يبحثون «آليات مبتكرة» من أجل «تضييق الفجوات المتبقية» بين وفدي التفاوض.

وأوضح المسؤول الذي طلب عدم كشف هويته نظراً لحساسية المباحثات، أن «الوسطاء يبحثون بشكل نشط عن آليات مبتكرة للمساهمة في تضييق الفجوات المتبقية والحفاظ على زخم المفاوضات».